وزير خارجية إيران يدين تصريحات ترامب تجاه خامنئي ويصفها بالمهينة    فلسطين.. شهيدان و12 إصابة إثر قصف الاحتلال مدرسة شمال غربي مدينة غزة    استشهاد 11 فلسطينيا في قصف للاحتلال استهدف خيم النازحين بحى الرمال غربى غزة    موعد مباراة بالميراس ضد بوتافوجو والقنوات الناقلة مباشر في كأس العالم للأندية    «عنده ميزة واحدة».. أول رد من الزمالك بشأن مفاوضات محمد شريف    رافينيا يتحدث عن مفاوضات برشلونة مع نيكو ويليامز    حبس سائق السيارة 4 أيام وعمل تحليل مخدرات له    «كانت بتجمع عنب».. حزن في جامعة المنوفية لوفاة طالبة كلية الهندسة ب حادث الطريق الإقليمي    مصرع 3 من أسرة واحدة في انقلاب سيارة أعلى كوبري قويسنا ب المنوفية    شيماء ضحية حادث الطريق الإقليمي بالمنوفية.. حكاية حلم لم يكتمل وفتاة اختارت الكرامة على الراحة    رسميًا.. موعد صيام يوم عاشوراء 2025 وأفضل الأدعية المستحبة لمحو ذنوب عام كامل    دون فلتر.. طريقة تنقية مياه الشرب داخل المنزل    ستوري نجوم كرة القدم.. مناسبة لإمام عاشور.. تهنئة شيكابالا لعضو إدارة الزمالك.. رسائل لعبدالشافي    «ملوش علاقة بأداء الأهلي في كأس العالم للأندية».. إكرامي يكشف مفاجأة عن ريبيرو    استمرار تدريبات خطة النشاط الصيفي بمراكز الشباب في سيناء    شيخ الأزهر ينعي فتيات «كفر السنابسة» ضحايا حادث الطريق الإقليمي    واشنطن تؤكد لمجلس الأمن: استهدفنا قدرات إيران النووية دفاعًا عن النفس    انتداب المعمل الجنائى لفحص حريق بمول شهير في العبور    قانون العمل الجديد يصدر تنظيمات صارمة لأجهزة السلامة والصحة المهنية    حزب الجبهة الوطنية يعلن تشكيل أمانة البيئة والتنمية المستدامة    أحمد كريمة ينفعل بسبب روبوت يقوم بالحمل ورعاية الطفل خلال ال9 أشهر| فيديو    ماذا نقول عند قول المؤذن في أذان الفجر: «الصلاة خير من النوم»؟.. أمين الفتوى يجيب    عمرها 16 عاماً ووالديها منفصلين.. إحباط زواج قاصر في قنا    جامعة الازهر تشارك في المؤتمر الطبي الأفريقي Africa Health ExCon 2025    البحيرة تستعد للاحتفال باليوم العالمي للتبرع بالدم    أسعار الذهب اليوم وعيار 21 الآن عقب آخر تراجع ببداية تعاملات السبت 28 يونيو 2025    فصل الكهرباء عن قرية العلامية بكفر الشيخ وتوابعها اليوم لصيانة المُغذى    تريلات وقلابات الموت.. لماذا ندفع ثمن جشع سماسرة النقل الثقيل؟!    «الزراعة»: ملتزمون بالتعاون مع إفريقيا وأوروبا لبناء سلاسل أكثر كفاءة    عبداللطيف: الزمالك يحتاج إلى التدعيم في هذه المراكز    عمرو أديب: الهلال السعودي شرَّف العرب بمونديال الأندية حقا وصدقا    نجم الزمالك السابق: الأهلي يرفع سقف طموحات الأندية المصرية    مصر تفوز بعضوية مجلس الإدارة ولجنة إدارة المواصفات بالمنظمة الأفريقية للتقييس ARSO    أمانة التجارة والصناعة ب«الجبهة الوطنية» تبحث خططًا لدعم الصناعة الوطنية وتعزيز التصدير    طفرة فى منظومة التعليم العالى خلال 11 عامًا    مدارس البترول 2025 بعد الإعدادية.. المصروفات والشروط والأوراق المطلوبة    التعليم تكشف تفاصيل جديدة بشأن امتحان الفيزياء بالثانوية العامة    مقتل شاب على يد ابن عمه بسبب الميراث    حزب الجبهة يقدّم 100 ألف جنيه لأسرة كل متوفى و50 ألفا لكل مصاب بحادث المنوفية    استمرار الأجواء الحارة والرطبة.. الأرصاد تحذر من طقس اليوم والشبورة صباحًا    بعنوان "الحكمة تنادي".. تنظيم لقاء للمرأة في التعليم اللاهوتي 8 يوليو المقبل    عماد الدين حسين: إيران وحدها من تملك الحقيقة الكاملة بشأن ضرب المنشآت النووية    عمرو أديب عن حادث المنوفية: «فقدوا أرواحهم بسبب 130 جنيه يا جدعان» (فيديو)    ستجد نفسك في قلب الأحداث.. توقعات برج الجدي اليوم 28 يونيو    الصحف المصرية: قانون الإيجار القديم يصل إلى محطته الأخيرة أمام «النواب»    لحظة إيثار النفس    «زي النهارده».. وفاة الشاعر محمد عفيفي مطر 28 يونيو 2010    قصة صراع بين الحرية والقيود| ريشة في مهب التغيير.. الفن التشكيلي بإيران بين زمنين    أمانة الحماية الاجتماعية ب«الجبهة الوطنية»: خطة شاملة بأفكار لتعزيز العدالة الاجتماعية والتمكين الاقتصادي    حسام الغمري: «الاختيار» حطم صورة الإخوان أمام العالم (فيديو)    الأردن يعزي مصر في ضحايا حادث الطريق الإقليمي    لماذا صامه النبي؟.. تعرف على قصة يوم عاشوراء    أمطار غزيرة تضرب باكستان وتتسبب في سقوط ضحايا ومفقودين    ترامب: من الممكن التوصل إلى وقف لإطلاق النار بغزة خلال أسبوع    أسعار الفراخ البيضاء والبلدى وكرتونة البيض في الأسواق اليوم السبت 28 يونيو 2025    فنانة شهيرة تصاب ب انقطاع في شبكية العين.. أعراض وأسباب مرض قد ينتهي ب العمى    اعرف فوائد الكركم وطرق إضافتة إلي الطعام    تعرف على موعد وفضل صيام يوم عاشوراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة صراع بين الحرية والقيود| ريشة في مهب التغيير.. الفن التشكيلي بإيران بين زمنين
نشر في البوابة يوم 28 - 06 - 2025

الفن التشكيلى ليس مجرد ألوان وخطوط ومنحوتات؛ إنه لغة صامتة تنطق بما يعجز عنه الكلام، ونافذة نطل منها على أرواح الشعوب وتاريخها العميق.
ويُعد مرآةً صادقة تعكس نبض المجتمعات وتحولاتها العميقة عبر الزمن.. وفى إيران، تجلّت هذه الحقيقة بوضوح فى مسيرة الفن التشكيلي، الذى حمل على عاتقه توثيق ملامح الهوية الوطنية، وتعبير الفنانين عن أحلامهم وآلامهم، سواء قبل الثورة الإيرانية عام 1979 أو بعدها.
الفنان كمال‌الملک (محمد غفاري) رائد الواقعية الأكاديمية في إيران

وشهدت الفنون البصرية فى إيران قبل الثورة انفتاحًا واسعًا على المدارس العالمية، وامتزاجًا غنيًا بين التراث الفارسى العريق والتيارات الحداثية، بينما جاءت المرحلة اللاحقة محمّلة بروح التغيير، حيث أعادت الثورة تشكيل ملامح الفن، وفرضت عليه معادلات جديدة من الالتزام والانتماء والبحث عن الذات فى إطار القيم المجتمعية والدينية.
وفى هذا التقرير، نبحر معًا فى رحلة عبر الزمن، نستكشف خلالها تحولات الفن التشكيلي الإيراني، ونرصد كيف عبر الفنان عن واقعه، وكيف تحوّل الإبداع إلى لغة مقاومة أو أداة تعبير عن هوية متجددة.

.. وبعد الثورة.. إبداع تحت الرقابة
وحدود التعبير
الفن التشكيلى قبل ثورة الخميني.. بين الحداثة والهوية
شهدت الفترة التى سبقت الثورة الايرانية، انفتاحًا ثقافيًا واسعًا وتأثّرًا قويًا بالحداثة الغربية، حيث كان الفنانون الإيرانيون يدمجون بين الرموز الفارسية التقليدية (كالخط والمنمنمات والزخرفة) وبين التيارات الفنية الحديثة مثل التعبيرية والتجريدية والسريالية. حيث كانت الدولة الايرانية تدعم الفنون التشكيلية من خلال معارض ومتاحف، وأبرزها متحف الفن الحديث فى طهران الذى افتتح عام 1977، وضم أعمالًا لفنانين عالميين مثل بيكاسو، ماتيس، وجاكسون بولوك.
وبرزت فى ذلك الوقت أساليب فنية، طغت على هذة المرحلة، مثل التجريد والتكعيبية بأسلوب محلي، واستخدام الخط العربي/الفارسى كعنصر بصرى فى اللوحات، كما كانت هناك محاولات لإحياء الفنون الفارسية القديمة وإدماجها فى الفن الحديث.
وفى ذلك الوقت برزت أسماء لامعة، لفنانين إيرانيين، استطاعوا أن يعبروا عن هذه المرحلة أبرزهم الفنان بهمن محصص، وبارفيز تاناقولى، وسهراب سبهرى (كان شاعرًا ورسامًا)، وفى السطور التالية تفاصيل كثيرة عن تلك الحقبة الزمنية الفنية.
بهمن محصص... الفنان الذى مزج الأسطورة بالألم الإنسانى
فى مشهد الفن التشكيلي الإيراني الحديث، يبرز اسم بهمن محصص كأحد أعمدة الحداثة، وفنان جمع فى أعماله بين عمق الفلسفة وقسوة الواقع، بين الميثولوجيا القديمة وصرخات الإنسان المعاصر. وُلد محصص عام 1931 فى مدينة رشت شمال إيران، فى زمن كانت فيه البلاد تتأرجح بين جذور تقاليدها وأمواج الحداثة القادمة من الغرب.
رحلة البحث عن الذات
لم يكن "محصص" مجرد رسام أو نحات، بل كان مثقفًا واسع الاطلاع، تشرب من منابع الفكر الغربى والفن الأوروبى الحديث. انتقل إلى روما للدراسة فى أكاديمية الفنون الجميلة، وهناك انفتحت أمامه عوالم جديدة من التعبيرية والسريالية، أثّرت بعمق فى روحه وأعماله.
عاد إلى إيران حاملًا أدوات جديدة للرؤية، لكنه لم يكتفِ بالتقليد. كان بهمن محصص فنانًا يبحث عن صوت خاص به، عن لغة تشكيلية تترجم هواجسه حول السلطة، العنف، الوحدة، والاغتراب. فجاءت أعماله غارقة فى الرمزية، تعج بالأجساد المشوهة، والكلاب، والثيران، تلك الرموز التى صارت توقيعًا خاصًا له.
فن بلا مواربة
عرف محصص بجرأته الفكرية وسخريته اللاذعة، سواء فى فنه أو فى أحاديثه. لم يكن يخشى نقد السلطة أو العادات، وهو ما جعل علاقته بالمجتمع والسلطة علاقة شائكة. فى سنوات ما قبل الثورة، كان جزءًا من المشهد الفنى المتحرر، لكنه ظل صوتًا نقديًا فريدًا.
أعماله كانت صادمة أحيانًا، موجعة أحيانًا أخرى، لكنها دومًا صادقة، بلا تزييف أو مجاملة. لم يكن الفن عند محصص ترفًا أو زينة، بل كان وسيلة مقاومة وتأمل.
صمت المنفى
مع اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979، انغلقت نوافذ الفن الحر. لم تجد أعمال محصص مكانًا لها فى إيران الجديدة، فانزوى إلى منفاه الاختيارى فى روما، حيث واصل الرسم والنحت، لكنه ابتعد شيئًا فشيئًا عن الأضواء. رحل بهمن محصص عام 1985، لكن إرثه بقى شاهدًا على زمن الفن الحر فى إيران.
إرث لا يموت
اليوم، يُعرض إرث محصص فى متاحف ومزادات عالمية، ويُعد من أبرز الوجوه التى ساهمت فى كتابة تاريخ الفن الحديث الإيراني. أعماله باقية، تنطق بلغتها الخاصة، تلك التى مزجت الأسطورة بالألم، والجمال بالسؤال.
سهراب سبهرى.. شاعر الطبيعة وألوان الصمت



فى عمق المشهد الفنى الإيرانى الحديث، يسطع اسم سهراب سبهرى كصوت ناعم امتزج فيه الشعر بالرسم، والحلم بالواقع. وُلد سبهرى عام 1928 فى مدينة كاشان، المدينة التى ألهمته بجمال بساتينها وصمتها الأزلي، ليصبح أحد أبرز رموز الفن التشكيلى الإيرانى قبل الثورة.
فنان الكلمات والألوان
لم يكن "سبهري" رسامًا فحسب، بل كان شاعرًا حساسًا، كتب دواوين حملت فلسفة تأملية، وبثّ روحها فى لوحاته. جاءت أعماله التشكيلية كامتداد لشعره، بسيطة المظهر، عميقة المعنى، تحتفى بالطبيعة والصمت والسكينة. تأثر بالشرق الأقصى، خاصة الفن اليابانى والصيني، ما انعكس فى أسلوبه الذى تميز بالخطوط النقية والمساحات الهادئة.
عالمه الخاص
فى زمن كانت فيه طهران تغلى بالحداثة والتمرد، اختار سبهرى طريق التأمل، فرسم الأشجار، الجذوع، والظلال، وجعل من الطبيعة بطلًا صامتًا فى لوحاته. كان يرى الجمال فى التفاصيل الصغيرة، وفى لحظات الصمت بين ضجيج العالم.
إرثه الفني
توفى سهراب سبهرى عام 1980 بعد صراع مع المرض، لكنه ترك وراءه إرثًا مزدوجًا من الشعر والرسم، لا يزال يحتل مكانة خاصة فى قلوب محبى الفن الإيراني. أعماله اليوم تُعرض فى متاحف طهران، وتُباع لوحاته بمبالغ كبيرة فى المزادات، شاهدة على شاعر الألوان وصديق الطبيعة.
بارفيز تانافولى.. نحات الحروف وحارس الهوية
فى قلب الفن الحديث الإيراني، يقف بارفيز تانافولى كأحد أبرز رموز الحداثة الذين أعادوا تعريف النحت الإيرانى وجعلوا من الحرف والرمز لغةً بصريةً تتجاوز الزمن.
وُلد "تانافولي" عام 1937 فى طهران، ونشأ فى بيئة مشبعة بروح الفنون التقليدية، لكنه اختار أن يسلك طريقًا جديدًا يمزج فيه بين الحداثة والهوية الفارسية.
صانع الرموز
درس تانافولى الفن فى إيطاليا وكندا، وعاد إلى إيران ليكون أحد رواد جيل «مدرسة طهران» التى جمعت بين الأصالة والمعاصرة. اشتهر بأعماله النحتية المستوحاة من الخط الفارسي، خاصة كلمة "حبس" أو "Lock" التى كررها فى أشكال متعددة، لتصبح أيقونة لأعماله ومفتاحًا لقراءتها.
من الحديد والبرونز والخشب، صنع تانافولى أعمالًا تحمل رمزية عميقة، تستحضر الميثولوجيا الإيرانية والحِرف الشعبية، لكنها فى الوقت ذاته تنطق بلغة الفن الحديث العالمية.
حضور عالمى وهوية محلية
رغم أنه عاش بين إيران وكندا، لم يفقد تانافولى ارتباطه بجذوره. كانت أعماله ولاتزال جسرًا بين الشرق والغرب، وبين التقليد والابتكار. تُعرض أعماله فى أهم متاحف العالم، مثل المتحف البريطانى ومتحف المتروبوليتان فى نيويورك، وتباع منحوتاته بملايين الدولارات فى المزادات العالمية. يُعد اليوم بارفيز تانافولى أكبر نحات إيرانى معاصر، وأحد أعلام الفن التشكيلى فى الشرق الأوسط. بأحرفه المنحوتة، وحبسه المفتوح، لا يزال يثير أسئلة الهوية، الحرية، والانتماء.




ماركو غريغوريان... الفنان الذي حوّل الطين إلى فن معاصر

فى فضاء الفن التشكيلى الإيرانى الحديث، يبرز اسم ماركو غريغوريان كأحد أعمدة الحداثة، وصوت فنى جسّد العلاقة بين الإنسان والأرض. وُلد ماركو عام 1925 فى روسيا لعائلة أرمنية، لكنه نشأ فى إيران، التى احتضنت موهبته وشكلت ملامح فنه.
رائد الحداثة وصوت الريف
تلقى "غريغوريان" تعليمه الفنى فى روما، وهناك تعمق فى مدارس الحداثة الأوروبية، لكنه حين عاد إلى إيران اختار أن يستلهم من أرضه وبيئته. ترك الفرشاة والألوان التقليدية، وبدأ يستخدم مواد محلية بسيطة مثل الطين والقش، ليصنع لوحات ومنحوتات تستحضر الريف الإيرانى وتحتفى بطين الأرض الذى يحمل عبق التاريخ.
كانت أعماله مزيجًا بين بساطة المادة وعمق الفكرة، تعبر عن التواضع، الجذور، والحياة اليومية للإنسان البسيط.
مدرسة طهران والحداثة الأصيلة
كان غريغوريان من الأعضاء البارزين فى حركة مدرسة طهران، التى جمعت بين الأصالة الفارسية والحداثة العالمية. كان يؤمن أن الفن ليس مجرد زينة، بل هو وسيلة لخلق صلة بين الماضى والحاضر، بين المادة والفكرة.
شارك غريغوريان فى معارض دولية كبرى، مثل بينالى البندقية، وساهم فى تأسيس مشهد الفن الحديث فى إيران والشرق الأوسط. بعد الثورة، انتقل إلى أرمينيا ثم نيويورك، لكنه ظل يحمل روحه الإيرانية فى أعماله.
توفى ماركو غريغوريان عام 2007، تاركًا إرثًا من الأعمال التى ما زالت تُعرض فى المتاحف والمزادات، شاهدة على فنان آمن أن الطين يمكن أن يكون لغة عصرية.


الفن التشكيلي الإيراني بعد الثورة.. إبداع تحت الرقابة وحدود التعبير

بعد الثورة الايرانية، تغيّرت أولويات الدولة الثقافية، وأصبحت الفنون التشكيلية مقيدة إلى حد كبير بمعايير دينية وثقافية صارمة، حيث تم التركيز على المواضيع الثورية، والشهداء، والدفاع المقدس (خاصة خلال الحرب الإيرانية العراقية).
جدارية احتجاجية بعد الثورة

شملت الرقابة منع عرض الأعمال التى تعتبر مخالفة للآداب الإسلامية، وفرضت حدودًا على التعبير الفنى خصوصًا فيما يتعلق بالجسد أو الرموز الدينية.
ومن أشهر الأساليب الفنية البارزة فى ذلك الوقت، الفن الواقعى الذى يصور القيم الثورية والدينية، وازدهار فن الملصقات الثورية والجدارية، وعودة قوية للزخرفة والخط الفارسى كفن مقبول ومشجع.
كيف أعاد الفن التشكيلى الإيرانى رسم هويته؟

ورغم القيود، ظهر جيل جديد من الفنانين الشباب فى التسعينيات والألفية الجديدة استطاعوا التعبير عن رؤيتهم بطرق رمزية أو باستخدام الفن المفاهيمي، سواء فى الداخل أو عبر المشاركة فى المعارض الدولية.
فهناك مراحل عديدة مر بها الفن التشكيلى فى إيران بعد الثورة، فترة التقييد الصارم (الثمانينيات)، كما مر بفترة انفتاح نسبى مع بداية الإصلاحات فى التسعينيات، إلى أن ظهر اليوم مشهد فنى مزدوج: رسمى ملتزم، وآخر مستقل يعبر بطرق ذكية عن قضايا المجتمع.

أبرز الفنانين التشكيليين الإيرانيين بعد الثورة

شيرين نشاط.. عدسة تتحدى القيود وتكشف هوية المرأة

شيرين نشاط فنانة تشكيلية عالمية، اشتهرت بأعمالها التى تستكشف قضايا متعلقة بالهوية، والنوع الاجتماعي، والثقافة، والدين، خاصة فى السياق الإيرانى والإسلامي. أعمالها تتميز باستخدام الصور بالأبيض والأسود غالبًا، مع إدخال عناصر الخط العربى أو الفارسي، ما يمنحها بعدًا بصريًا وشاعريًا عميقًا.
أبرز أعمالها
سلسلة "نساء الله" (Women of Allah): أعمال فوتوغرافية دمجت بين صور النساء الإيرانيات بالأسلحة النارية والنصوص الشعرية، ما عكس جدلية القوة والضعف والهوية الدينية والسياسية.
فيلم "نساء بلا رجال" (Women Without Men): فيلم روائى طويل نال جائزة الأسد الفضى لأفضل إخراج فى مهرجان فينيسيا السينمائى 2009، كما برزت فى أعمال فيديو مثل "تورمنت" و"تربيونال": تتناول قضايا الغربة والشتات والقمع.
الجوائز والتكريمات
حصلت "نشاط" على جوائز عديدة منها جائزة الأسد الفضى فى مهرجان البندقية السينمائى (2009)، وجائزة هيروشيما للفن والثقافة من أجل السلام (2005)
كما أدرجت أعمالها فى متاحف عالمية مثل: متحف الفن الحديث (MoMA) فى نيويورك، ومعهد الفن بشيكاغو، ومتحف تيت مودرن فى لندن. أثرت شيرين نشاط فى الحركات الفنية المعاصرة بتركيزها على صوت المرأة فى المجتمعات الشرقية، وربطها لقضايا الهوية الفردية والجمعية بالصراعات السياسية والدينية. تعد أيقونة فنية للمرأة فى العالمين العربى والإسلامى رغم أصولها الإيرانية، وتلهم الكثير من الفنانين فى المنطقة.

فاروقه حسن زاده.. صوت المرأة الإيرانية
فاروقه حسن زاده واحدة من أبرز الفنانات الإيرانيات المعاصرات، عُرفت بأعمالها الجريئة التى تلامس قضايا المرأة، الطفولة، والهوية فى ظل القيود الاجتماعية والسياسية. تتميز أعمالها باستخدام عناصر بصرية قوية مثل الخط العربي، الصور الفوتوغرافية، والتطريز اليدوي، ما يمنحها طابعًا أصيلًا يجمع بين التراث والحداثة.
من أبرز موضوعاتها التى تناولتها، دور المرأة فى المجتمع الإيراني، والحرب والذاكرة الجماعية (خاصة حرب إيران - العراق)، كما تناولت الهوية والهجرة والمنفى.
أبرز الأعمال
اشتهرت "زاده" بسلسلة "الشهيدات (Victims of Violence)": تعرض صور نساء مع مزيج من الشعر والخط العربى فى محاولة لإحياء قصصهن، ودُمى الحرب" (War Dolls): تجسيد مؤلم لمأساة الأطفال ضحايا الحروب، حيث تمزج فى هذه الأعمال بين البراءة والدمار.
كما أبدعت فى مشاريع تركيبية شاركت بها فى معارض عالمية مثل متحف LACMA بلوس أنجلوس ومتحف المتروبوليتان بنيويورك.
عُرضت أعمال "زاده" فى بينالى البندقية، ومتاحف عالمية فى أوروبا والولايات المتحدة، وفازت بتقدير نقدى واسع لدورها فى تعزيز صوت المرأة الإيرانية فى الفن المعاصر
أثرها الفني
فاروقه حسن زاده ليست فقط فنانة تشكيلية، بل صوت للنساء اللاتى يكافحن داخل مجتمع يفرض عليهن القيود. بأعمالها، تفتح نوافذ للعالم الخارجى ليعاين قضايا المرأة الإيرانية، وتبرز الفن كأداة مقاومة وسلمية فى وجه القمع.


باراستو فوروهار.. حين يصبح الفن مقاومة صامتة
باراستو ابنة السياسيين المعارضين داريوش وبارفانِه فوروهار، اللذين قُتلا فى طهران عام 1998 فى جريمة عُرفت ب "جرائم القتل المتسلسل للمعارضين".
حملت باراستو هذا الإرث الثقيل إلى عالم الفن، واستخدمت إبداعاتها الفنية كوسيلة للتعبير عن الحزن، الألم، ومقاومة القمع. درست الفنون فى طهران ثم واصلت تعليمها فى جامعة أوفنباخ للفنون فى ألمانيا، حيث استقرت منذ التسعينيات.
وتعد ملامح أعمالها الفنية تحمل الرمزية القوية، حيث تعتمد أعمال باراستو على استخدام الزخارف الإسلامية التقليدية، الخطوط الدقيقة، والأنماط التزويقية، لكنها توظفها بشكل يفضح القهر والظلم، ما يجعل الجمال غطاءً لرسائل مؤلمة.
تركز أعمالها على موضوعات القمع السياسي، الهوية، القتل السياسي، وحقوق الإنسان، باسلوب تجمع فيه بين الفن الرقمي، التركيبي، والنصوص المكتوبة بأشكال هندسية، مما يمنح أعمالها طابعًا بصريًا ساحرًا يخفى تحت سطحه رسائل احتجاج قوية.
"وتعد ابرز أعمالها كتابة الألم"، وهى سلسلة من الأعمال تجمع بين الخط العربى والديكور الإسلامى للتعبير عن الذكرى المؤلمة لوالديها وضحايا القمع، والجناح" (The Butterfly): استخدمت فيه رمز الفراشة الذى كان شعار حزب والديها، وجعلته رمزًا للحياة والحرية المهددة، كما برزت فى التركيبات الرقمية وأعمال معروضة فى متاحف دولية كبرى مثل MoMA نيويورك، ومتاحف برلين وباريس.
شاركت "فوروهار" فى بينالى البندقية، وبينالى إسطنبول، ومهرجانات فنية عالمية، وعرضت أعمالها فى ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، الولايات المتحدة، وعدة دول أخرى، كما حظيت بتقدير النقاد لدورها فى مزج الجمال البصرى مع الرسائل السياسية والاجتماعية.
باراستو فوروهار تمثل صوتًا فنيًا عالميًا يُذكرنا أن الفن قادر على كشف المستور، ومقاومة القمع بأدوات جمالية وذكية. أعمالها تُعتبر مرآة لتجربة المنفى والحنين والخسارة، ورسالة مستمرة عن النضال السلمي.

منصورة إشقيلى.. ريشة تنسج الهوية الإيرانية بين التراث والحداثة
منصورة إشقيلي فنانة تشكيلية إيرانية معاصرة، تنتمي إلى جيل من الفنانات اللواتي يوظفن الفنون البصرية كوسيلة لقراءة الهوية الإيرانية في زمن متغير.
تستمد أعمالها من التقاليد الفارسية، الزخرفة الإسلامية، ورموز الطبيعة، لكنها تعيد صياغتها بروح حديثة عبرالألوان الجريئة المتداخلة، والأشكال الهندسية المكسّرة، ودمج الحروفية أو الزخرفة بشكل تجريدي، كما تتميز لوحاتها بكونها حوارًا بين الماضي والحاضر، وتعبيرًا عن التحديات التي تعيشها المرأة الإيرانية في مجتمعها.
ركزت فى موضوعات أعمالها الفنية على هوية المرأة الإيرانية بين القيود والحرية، والطبيعة الإيرانية كرمز للجمال والصمود، والروحانية والتأمل في ثقافة غنية بالتاريخ.
شاركت منصورة إشقيلي في معارض محلية داخل إيران، وفي فعاليات ثقافية وفنية موجهة لتعزيز حضور المرأة في المشهد التشكيلي. بعض أعمالها وجدت طريقها إلى معارض في الخارج، خاصة ضمن معارض جماعية للفن الإيراني المعاصر.
تمثل منصورة إشقيلي صوتًا تشكيليًا يعبر عن جيل يسعى لإبراز الجمال والهوية الإيرانية عبر الفن، متحدية القيود الاجتماعية والسياسية بأسلوب فني راقٍ وهادئ.



ريشة لا تنكسر
الفن التشكيلى الإيرانى هو قصة شعب كتبها بألوانه، وشهدت على صراع الحرية والهوية، وهو مستمر فى التعبير عن روح إيران المتجددة، مهما تبدلت الظروف.
ورغم هذه التحديات، عاد الفن الإيرانى الحديث ليولد من جديد بأساليب تعبيرية مغايرة.، اليوم، يشهد المشهد الفنى الإيرانى نشاطًا متزايدًا، سواء داخل البلاد أو فى الشتات، حيث يتعامل الفنانون المعاصرون مع موضوعات الهوية، الدين، الحرية، والواقع الاجتماعى بلغة تشكيلية تتراوح بين التجريد والتجريب الرقمي.
وقد ساهمت المنصات الرقمية والمعارض الدولية فى منح هؤلاء الفنانين صوتًا عالميًا، جعل من الفن التشكيلى الإيرانى مساحة حوار بين التراث والمستقبل، بين الداخل والخارج.
496626982_1779990612594151_6766585062224044589_n


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.