عيار 21 بالمصنعية.. أسعار الذهب في مصر اليوم السبت 4-10-2025 بعد آخر ارتفاع    بعد إعلان إسرائيل بدء تنفيذها، تفاصيل المرحلة الأولى من خطة ترامب بشأن غزة    قوات الاحتلال تعتقل فلسطينيين اثنين من مخيم العين غرب نابلس    اليوم.. محاكمة متهم بالانضمام لجماعة إرهابية في بولاق الدكرور    أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 4 أكتوبر 2025 في الأسواق المصرية    شهادات البنك الأهلي ذات العائد الشهري.. كم فوائد 100 ألف جنيه شهريًا 2025؟    المتخصصين يجيبون.. هل نحتاج إلى مظلة تشريعية جديدة تحمي قيم المجتمع من جنون الترند؟    هل إجازة 6 أكتوبر 2025 الإثنين أم الخميس؟ قرار الحكومة يحسم الجدل    سيناريوهات تأهل منتخب مصر ل ثمن نهائي كأس العالم للشباب 2025    يتطلع لاستعادة الانتصارات أمام المحلة| الزمالك ينفي رحيل عواد.. وينهي أزمة المستحقات    الأهلي يسعى لصعق «الكهرباء» في الدوري    أسعار الفراخ اليوم السبت 4-10-2025 في بورصة الدواجن.. سعر كيلو الدجاج والكتكوت الأبيض    «شغلوا الكشافات».. إنذار جوى بشأن حالة الطقس: 3 ساعات حذِرة    رغم تحذيراتنا المتكررة.. عودة «الحوت الأزرق» ليبتلع ضحية جديدة    الخبراء يحذرون| الذكاء الاصطناعي يهدد سمعة الرموز ويفتح الباب لجرائم الابتزاز والتشهير    في ذكرى حرب أكتوبر 1973.. نجوم ملحمة العبور والنصر    في الدورة ال 33.. أم كلثوم نجمة مهرجان الموسيقى العربية والافتتاح بصوت آمال ماهر    مسلسل ما تراه ليس كما يبدو.. بين البدايات المشوقة والنهايات المرتبكة    ثبتها حالا.. تردد قناة وناسة بيبي 2025 علي النايل سات وعرب سات لمتابعة برامج الأطفال    البابا تواضروس: الكنيسة القبطية تستضيف لأول مرة مؤتمر مجلس الكنائس العالمي.. وشبابنا في قلب التنظيم    فلسطين.. طائرات الاحتلال المسيّرة تطلق النار على شرق مدينة غزة    عبد الرحيم علي ينعى خالة الدكتور محمد سامي رئيس جامعة القاهرة    حرب أكتوبر 1973| اللواء سمير فرج: تلقينا أجمل بلاغات سقوط نقاط خط بارليف    مصرع فتاة وإصابة آخرين في حادث تصادم سيارة بسور خرساني بمنشأة القناطر    إصابة 7 أشخاص في حادث تصادم بالطريق الدائري بالفيوم    "بالرقم الوطني" خطوات فتح حساب بنك الخرطوم 2025 أونلاين عبر الموقع الرسمي    رئيس الطائفة الإنجيلية يشهد إطلاق المركز الثقافي بالقاهرة الجديدة    كأس العالم للشباب.. أسامة نبيه يعلن تشكيل منتخب مصر لمواجهة تشيلي    «نور عيون أمه».. كيف احتفلت أنغام بعيد ميلاد نجلها عمر؟ (صور)    "أحداث شيقة ومثيرة في انتظارك" موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الموسم السابع على قناة الفجر الجزائرية    مستشفى الهرم ينجح في إنقاذ مريض ستيني من جلطة خطيرة بجذع المخ    اسعار الذهب فى أسيوط اليوم السبت 4102025    بعد أشمون، تحذير عاجل ل 3 قرى بمركز تلا في المنوفية بسبب ارتفاع منسوب النيل    اليوم، الهيئة الوطنية تعلن الجدول الزمني لانتخابات مجلس النواب    بيطري بني سويف تنفذ ندوات بالمدارس للتوعية بمخاطر التعامل مع الكلاب الضالة    نسرح في زمان".. أغنية حميد الشاعري تزيّن أحداث فيلم "فيها إيه يعني"    الخولي ل "الفجر": معادلة النجاح تبدأ بالموهبة والثقافة    مواقيت الصلاة فى أسيوط اليوم السبت 4102025    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 4-10-2025 في محافظة الأقصر    تتقاطع مع مشهد دولي يجمع حماس وترامب لأول مرة.. ماذا تعني تصريحات قائد فيلق القدس الإيراني الأخيرة؟    حمادة طلبة: التراجع سبب خسارة الزمالك للقمة.. ومباراة غزل المحلة اليوم صعبة    النص الكامل ل بيان حماس حول ردها على خطة ترامب بشأن غزة    لبحث الجزر النيلية المعرضة للفيضانات.. تشكيل لجنة طوارئ لقياس منسوب النيل في سوهاج    "مستقبل وطن" يتكفل بتسكين متضرري غرق أراضي طرح النهر بالمنوفية: من بكرة الصبح هنكون عندهم    تفاعل مع فيديوهات توثق شوارع مصر أثناء فيضان النيل قبل بناء السد العالي: «ذكريات.. كنا بنلعب في الماية»    تفاصيل موافقة حماس على خطة ترامب لإنهاء الحرب    «عايزين تطلعوه عميل لإسرائيل!».. عمرو أديب يهدد هؤلاء: محدش يقرب من محمد صلاح    الرد على ترامب .. أسامة حمدان وموسى ابومرزوق يوضحان بيان "حماس" ومواقع التحفظ فيه    هدافو دوري المحترفين بعد انتهاء مباريات الجولة السابعة.. حازم أبوسنة يتصدر    تامر مصطفى يكشف مفاتيح فوز الاتحاد أمام المقاولون العرب في الدوري    محيط الرقبة «جرس إنذار» لأخطر الأمراض: يتضمن دهونا قد تؤثرا سلبا على «أعضاء حيوية»    عدم وجود مصل عقر الحيوان بوحدة صحية بقنا.. وحالة المسؤولين للتحقيق    ضبط 108 قطع خلال حملات مكثفة لرفع الإشغالات بشوارع الدقهلية    لزيادة الطاقة وبناء العضلات، 9 خيارات صحية لوجبات ما قبل التمرين    الشطة الزيت.. سر الطعم الأصلي للكشري المصري    هل يجب الترتيب بين الصلوات الفائتة؟.. أمين الفتوى يجيب    مواقيت الصلاه في المنيا اليوم الجمعه 3 أكتوبر 2025 اعرفها بدقه    تكريم 700 حافظ لكتاب الله من بينهم 24 خاتم قاموا بتسميعه فى 12 ساعة بقرية شطورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة صراع بين الحرية والقيود| ريشة في مهب التغيير.. الفن التشكيلي بإيران بين زمنين
نشر في البوابة يوم 28 - 06 - 2025

الفن التشكيلى ليس مجرد ألوان وخطوط ومنحوتات؛ إنه لغة صامتة تنطق بما يعجز عنه الكلام، ونافذة نطل منها على أرواح الشعوب وتاريخها العميق.
ويُعد مرآةً صادقة تعكس نبض المجتمعات وتحولاتها العميقة عبر الزمن.. وفى إيران، تجلّت هذه الحقيقة بوضوح فى مسيرة الفن التشكيلي، الذى حمل على عاتقه توثيق ملامح الهوية الوطنية، وتعبير الفنانين عن أحلامهم وآلامهم، سواء قبل الثورة الإيرانية عام 1979 أو بعدها.
الفنان كمال‌الملک (محمد غفاري) رائد الواقعية الأكاديمية في إيران

وشهدت الفنون البصرية فى إيران قبل الثورة انفتاحًا واسعًا على المدارس العالمية، وامتزاجًا غنيًا بين التراث الفارسى العريق والتيارات الحداثية، بينما جاءت المرحلة اللاحقة محمّلة بروح التغيير، حيث أعادت الثورة تشكيل ملامح الفن، وفرضت عليه معادلات جديدة من الالتزام والانتماء والبحث عن الذات فى إطار القيم المجتمعية والدينية.
وفى هذا التقرير، نبحر معًا فى رحلة عبر الزمن، نستكشف خلالها تحولات الفن التشكيلي الإيراني، ونرصد كيف عبر الفنان عن واقعه، وكيف تحوّل الإبداع إلى لغة مقاومة أو أداة تعبير عن هوية متجددة.

.. وبعد الثورة.. إبداع تحت الرقابة
وحدود التعبير
الفن التشكيلى قبل ثورة الخميني.. بين الحداثة والهوية
شهدت الفترة التى سبقت الثورة الايرانية، انفتاحًا ثقافيًا واسعًا وتأثّرًا قويًا بالحداثة الغربية، حيث كان الفنانون الإيرانيون يدمجون بين الرموز الفارسية التقليدية (كالخط والمنمنمات والزخرفة) وبين التيارات الفنية الحديثة مثل التعبيرية والتجريدية والسريالية. حيث كانت الدولة الايرانية تدعم الفنون التشكيلية من خلال معارض ومتاحف، وأبرزها متحف الفن الحديث فى طهران الذى افتتح عام 1977، وضم أعمالًا لفنانين عالميين مثل بيكاسو، ماتيس، وجاكسون بولوك.
وبرزت فى ذلك الوقت أساليب فنية، طغت على هذة المرحلة، مثل التجريد والتكعيبية بأسلوب محلي، واستخدام الخط العربي/الفارسى كعنصر بصرى فى اللوحات، كما كانت هناك محاولات لإحياء الفنون الفارسية القديمة وإدماجها فى الفن الحديث.
وفى ذلك الوقت برزت أسماء لامعة، لفنانين إيرانيين، استطاعوا أن يعبروا عن هذه المرحلة أبرزهم الفنان بهمن محصص، وبارفيز تاناقولى، وسهراب سبهرى (كان شاعرًا ورسامًا)، وفى السطور التالية تفاصيل كثيرة عن تلك الحقبة الزمنية الفنية.
بهمن محصص... الفنان الذى مزج الأسطورة بالألم الإنسانى
فى مشهد الفن التشكيلي الإيراني الحديث، يبرز اسم بهمن محصص كأحد أعمدة الحداثة، وفنان جمع فى أعماله بين عمق الفلسفة وقسوة الواقع، بين الميثولوجيا القديمة وصرخات الإنسان المعاصر. وُلد محصص عام 1931 فى مدينة رشت شمال إيران، فى زمن كانت فيه البلاد تتأرجح بين جذور تقاليدها وأمواج الحداثة القادمة من الغرب.
رحلة البحث عن الذات
لم يكن "محصص" مجرد رسام أو نحات، بل كان مثقفًا واسع الاطلاع، تشرب من منابع الفكر الغربى والفن الأوروبى الحديث. انتقل إلى روما للدراسة فى أكاديمية الفنون الجميلة، وهناك انفتحت أمامه عوالم جديدة من التعبيرية والسريالية، أثّرت بعمق فى روحه وأعماله.
عاد إلى إيران حاملًا أدوات جديدة للرؤية، لكنه لم يكتفِ بالتقليد. كان بهمن محصص فنانًا يبحث عن صوت خاص به، عن لغة تشكيلية تترجم هواجسه حول السلطة، العنف، الوحدة، والاغتراب. فجاءت أعماله غارقة فى الرمزية، تعج بالأجساد المشوهة، والكلاب، والثيران، تلك الرموز التى صارت توقيعًا خاصًا له.
فن بلا مواربة
عرف محصص بجرأته الفكرية وسخريته اللاذعة، سواء فى فنه أو فى أحاديثه. لم يكن يخشى نقد السلطة أو العادات، وهو ما جعل علاقته بالمجتمع والسلطة علاقة شائكة. فى سنوات ما قبل الثورة، كان جزءًا من المشهد الفنى المتحرر، لكنه ظل صوتًا نقديًا فريدًا.
أعماله كانت صادمة أحيانًا، موجعة أحيانًا أخرى، لكنها دومًا صادقة، بلا تزييف أو مجاملة. لم يكن الفن عند محصص ترفًا أو زينة، بل كان وسيلة مقاومة وتأمل.
صمت المنفى
مع اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979، انغلقت نوافذ الفن الحر. لم تجد أعمال محصص مكانًا لها فى إيران الجديدة، فانزوى إلى منفاه الاختيارى فى روما، حيث واصل الرسم والنحت، لكنه ابتعد شيئًا فشيئًا عن الأضواء. رحل بهمن محصص عام 1985، لكن إرثه بقى شاهدًا على زمن الفن الحر فى إيران.
إرث لا يموت
اليوم، يُعرض إرث محصص فى متاحف ومزادات عالمية، ويُعد من أبرز الوجوه التى ساهمت فى كتابة تاريخ الفن الحديث الإيراني. أعماله باقية، تنطق بلغتها الخاصة، تلك التى مزجت الأسطورة بالألم، والجمال بالسؤال.
سهراب سبهرى.. شاعر الطبيعة وألوان الصمت



فى عمق المشهد الفنى الإيرانى الحديث، يسطع اسم سهراب سبهرى كصوت ناعم امتزج فيه الشعر بالرسم، والحلم بالواقع. وُلد سبهرى عام 1928 فى مدينة كاشان، المدينة التى ألهمته بجمال بساتينها وصمتها الأزلي، ليصبح أحد أبرز رموز الفن التشكيلى الإيرانى قبل الثورة.
فنان الكلمات والألوان
لم يكن "سبهري" رسامًا فحسب، بل كان شاعرًا حساسًا، كتب دواوين حملت فلسفة تأملية، وبثّ روحها فى لوحاته. جاءت أعماله التشكيلية كامتداد لشعره، بسيطة المظهر، عميقة المعنى، تحتفى بالطبيعة والصمت والسكينة. تأثر بالشرق الأقصى، خاصة الفن اليابانى والصيني، ما انعكس فى أسلوبه الذى تميز بالخطوط النقية والمساحات الهادئة.
عالمه الخاص
فى زمن كانت فيه طهران تغلى بالحداثة والتمرد، اختار سبهرى طريق التأمل، فرسم الأشجار، الجذوع، والظلال، وجعل من الطبيعة بطلًا صامتًا فى لوحاته. كان يرى الجمال فى التفاصيل الصغيرة، وفى لحظات الصمت بين ضجيج العالم.
إرثه الفني
توفى سهراب سبهرى عام 1980 بعد صراع مع المرض، لكنه ترك وراءه إرثًا مزدوجًا من الشعر والرسم، لا يزال يحتل مكانة خاصة فى قلوب محبى الفن الإيراني. أعماله اليوم تُعرض فى متاحف طهران، وتُباع لوحاته بمبالغ كبيرة فى المزادات، شاهدة على شاعر الألوان وصديق الطبيعة.
بارفيز تانافولى.. نحات الحروف وحارس الهوية
فى قلب الفن الحديث الإيراني، يقف بارفيز تانافولى كأحد أبرز رموز الحداثة الذين أعادوا تعريف النحت الإيرانى وجعلوا من الحرف والرمز لغةً بصريةً تتجاوز الزمن.
وُلد "تانافولي" عام 1937 فى طهران، ونشأ فى بيئة مشبعة بروح الفنون التقليدية، لكنه اختار أن يسلك طريقًا جديدًا يمزج فيه بين الحداثة والهوية الفارسية.
صانع الرموز
درس تانافولى الفن فى إيطاليا وكندا، وعاد إلى إيران ليكون أحد رواد جيل «مدرسة طهران» التى جمعت بين الأصالة والمعاصرة. اشتهر بأعماله النحتية المستوحاة من الخط الفارسي، خاصة كلمة "حبس" أو "Lock" التى كررها فى أشكال متعددة، لتصبح أيقونة لأعماله ومفتاحًا لقراءتها.
من الحديد والبرونز والخشب، صنع تانافولى أعمالًا تحمل رمزية عميقة، تستحضر الميثولوجيا الإيرانية والحِرف الشعبية، لكنها فى الوقت ذاته تنطق بلغة الفن الحديث العالمية.
حضور عالمى وهوية محلية
رغم أنه عاش بين إيران وكندا، لم يفقد تانافولى ارتباطه بجذوره. كانت أعماله ولاتزال جسرًا بين الشرق والغرب، وبين التقليد والابتكار. تُعرض أعماله فى أهم متاحف العالم، مثل المتحف البريطانى ومتحف المتروبوليتان فى نيويورك، وتباع منحوتاته بملايين الدولارات فى المزادات العالمية. يُعد اليوم بارفيز تانافولى أكبر نحات إيرانى معاصر، وأحد أعلام الفن التشكيلى فى الشرق الأوسط. بأحرفه المنحوتة، وحبسه المفتوح، لا يزال يثير أسئلة الهوية، الحرية، والانتماء.




ماركو غريغوريان... الفنان الذي حوّل الطين إلى فن معاصر

فى فضاء الفن التشكيلى الإيرانى الحديث، يبرز اسم ماركو غريغوريان كأحد أعمدة الحداثة، وصوت فنى جسّد العلاقة بين الإنسان والأرض. وُلد ماركو عام 1925 فى روسيا لعائلة أرمنية، لكنه نشأ فى إيران، التى احتضنت موهبته وشكلت ملامح فنه.
رائد الحداثة وصوت الريف
تلقى "غريغوريان" تعليمه الفنى فى روما، وهناك تعمق فى مدارس الحداثة الأوروبية، لكنه حين عاد إلى إيران اختار أن يستلهم من أرضه وبيئته. ترك الفرشاة والألوان التقليدية، وبدأ يستخدم مواد محلية بسيطة مثل الطين والقش، ليصنع لوحات ومنحوتات تستحضر الريف الإيرانى وتحتفى بطين الأرض الذى يحمل عبق التاريخ.
كانت أعماله مزيجًا بين بساطة المادة وعمق الفكرة، تعبر عن التواضع، الجذور، والحياة اليومية للإنسان البسيط.
مدرسة طهران والحداثة الأصيلة
كان غريغوريان من الأعضاء البارزين فى حركة مدرسة طهران، التى جمعت بين الأصالة الفارسية والحداثة العالمية. كان يؤمن أن الفن ليس مجرد زينة، بل هو وسيلة لخلق صلة بين الماضى والحاضر، بين المادة والفكرة.
شارك غريغوريان فى معارض دولية كبرى، مثل بينالى البندقية، وساهم فى تأسيس مشهد الفن الحديث فى إيران والشرق الأوسط. بعد الثورة، انتقل إلى أرمينيا ثم نيويورك، لكنه ظل يحمل روحه الإيرانية فى أعماله.
توفى ماركو غريغوريان عام 2007، تاركًا إرثًا من الأعمال التى ما زالت تُعرض فى المتاحف والمزادات، شاهدة على فنان آمن أن الطين يمكن أن يكون لغة عصرية.


الفن التشكيلي الإيراني بعد الثورة.. إبداع تحت الرقابة وحدود التعبير

بعد الثورة الايرانية، تغيّرت أولويات الدولة الثقافية، وأصبحت الفنون التشكيلية مقيدة إلى حد كبير بمعايير دينية وثقافية صارمة، حيث تم التركيز على المواضيع الثورية، والشهداء، والدفاع المقدس (خاصة خلال الحرب الإيرانية العراقية).
جدارية احتجاجية بعد الثورة

شملت الرقابة منع عرض الأعمال التى تعتبر مخالفة للآداب الإسلامية، وفرضت حدودًا على التعبير الفنى خصوصًا فيما يتعلق بالجسد أو الرموز الدينية.
ومن أشهر الأساليب الفنية البارزة فى ذلك الوقت، الفن الواقعى الذى يصور القيم الثورية والدينية، وازدهار فن الملصقات الثورية والجدارية، وعودة قوية للزخرفة والخط الفارسى كفن مقبول ومشجع.
كيف أعاد الفن التشكيلى الإيرانى رسم هويته؟

ورغم القيود، ظهر جيل جديد من الفنانين الشباب فى التسعينيات والألفية الجديدة استطاعوا التعبير عن رؤيتهم بطرق رمزية أو باستخدام الفن المفاهيمي، سواء فى الداخل أو عبر المشاركة فى المعارض الدولية.
فهناك مراحل عديدة مر بها الفن التشكيلى فى إيران بعد الثورة، فترة التقييد الصارم (الثمانينيات)، كما مر بفترة انفتاح نسبى مع بداية الإصلاحات فى التسعينيات، إلى أن ظهر اليوم مشهد فنى مزدوج: رسمى ملتزم، وآخر مستقل يعبر بطرق ذكية عن قضايا المجتمع.

أبرز الفنانين التشكيليين الإيرانيين بعد الثورة

شيرين نشاط.. عدسة تتحدى القيود وتكشف هوية المرأة

شيرين نشاط فنانة تشكيلية عالمية، اشتهرت بأعمالها التى تستكشف قضايا متعلقة بالهوية، والنوع الاجتماعي، والثقافة، والدين، خاصة فى السياق الإيرانى والإسلامي. أعمالها تتميز باستخدام الصور بالأبيض والأسود غالبًا، مع إدخال عناصر الخط العربى أو الفارسي، ما يمنحها بعدًا بصريًا وشاعريًا عميقًا.
أبرز أعمالها
سلسلة "نساء الله" (Women of Allah): أعمال فوتوغرافية دمجت بين صور النساء الإيرانيات بالأسلحة النارية والنصوص الشعرية، ما عكس جدلية القوة والضعف والهوية الدينية والسياسية.
فيلم "نساء بلا رجال" (Women Without Men): فيلم روائى طويل نال جائزة الأسد الفضى لأفضل إخراج فى مهرجان فينيسيا السينمائى 2009، كما برزت فى أعمال فيديو مثل "تورمنت" و"تربيونال": تتناول قضايا الغربة والشتات والقمع.
الجوائز والتكريمات
حصلت "نشاط" على جوائز عديدة منها جائزة الأسد الفضى فى مهرجان البندقية السينمائى (2009)، وجائزة هيروشيما للفن والثقافة من أجل السلام (2005)
كما أدرجت أعمالها فى متاحف عالمية مثل: متحف الفن الحديث (MoMA) فى نيويورك، ومعهد الفن بشيكاغو، ومتحف تيت مودرن فى لندن. أثرت شيرين نشاط فى الحركات الفنية المعاصرة بتركيزها على صوت المرأة فى المجتمعات الشرقية، وربطها لقضايا الهوية الفردية والجمعية بالصراعات السياسية والدينية. تعد أيقونة فنية للمرأة فى العالمين العربى والإسلامى رغم أصولها الإيرانية، وتلهم الكثير من الفنانين فى المنطقة.

فاروقه حسن زاده.. صوت المرأة الإيرانية
فاروقه حسن زاده واحدة من أبرز الفنانات الإيرانيات المعاصرات، عُرفت بأعمالها الجريئة التى تلامس قضايا المرأة، الطفولة، والهوية فى ظل القيود الاجتماعية والسياسية. تتميز أعمالها باستخدام عناصر بصرية قوية مثل الخط العربي، الصور الفوتوغرافية، والتطريز اليدوي، ما يمنحها طابعًا أصيلًا يجمع بين التراث والحداثة.
من أبرز موضوعاتها التى تناولتها، دور المرأة فى المجتمع الإيراني، والحرب والذاكرة الجماعية (خاصة حرب إيران - العراق)، كما تناولت الهوية والهجرة والمنفى.
أبرز الأعمال
اشتهرت "زاده" بسلسلة "الشهيدات (Victims of Violence)": تعرض صور نساء مع مزيج من الشعر والخط العربى فى محاولة لإحياء قصصهن، ودُمى الحرب" (War Dolls): تجسيد مؤلم لمأساة الأطفال ضحايا الحروب، حيث تمزج فى هذه الأعمال بين البراءة والدمار.
كما أبدعت فى مشاريع تركيبية شاركت بها فى معارض عالمية مثل متحف LACMA بلوس أنجلوس ومتحف المتروبوليتان بنيويورك.
عُرضت أعمال "زاده" فى بينالى البندقية، ومتاحف عالمية فى أوروبا والولايات المتحدة، وفازت بتقدير نقدى واسع لدورها فى تعزيز صوت المرأة الإيرانية فى الفن المعاصر
أثرها الفني
فاروقه حسن زاده ليست فقط فنانة تشكيلية، بل صوت للنساء اللاتى يكافحن داخل مجتمع يفرض عليهن القيود. بأعمالها، تفتح نوافذ للعالم الخارجى ليعاين قضايا المرأة الإيرانية، وتبرز الفن كأداة مقاومة وسلمية فى وجه القمع.


باراستو فوروهار.. حين يصبح الفن مقاومة صامتة
باراستو ابنة السياسيين المعارضين داريوش وبارفانِه فوروهار، اللذين قُتلا فى طهران عام 1998 فى جريمة عُرفت ب "جرائم القتل المتسلسل للمعارضين".
حملت باراستو هذا الإرث الثقيل إلى عالم الفن، واستخدمت إبداعاتها الفنية كوسيلة للتعبير عن الحزن، الألم، ومقاومة القمع. درست الفنون فى طهران ثم واصلت تعليمها فى جامعة أوفنباخ للفنون فى ألمانيا، حيث استقرت منذ التسعينيات.
وتعد ملامح أعمالها الفنية تحمل الرمزية القوية، حيث تعتمد أعمال باراستو على استخدام الزخارف الإسلامية التقليدية، الخطوط الدقيقة، والأنماط التزويقية، لكنها توظفها بشكل يفضح القهر والظلم، ما يجعل الجمال غطاءً لرسائل مؤلمة.
تركز أعمالها على موضوعات القمع السياسي، الهوية، القتل السياسي، وحقوق الإنسان، باسلوب تجمع فيه بين الفن الرقمي، التركيبي، والنصوص المكتوبة بأشكال هندسية، مما يمنح أعمالها طابعًا بصريًا ساحرًا يخفى تحت سطحه رسائل احتجاج قوية.
"وتعد ابرز أعمالها كتابة الألم"، وهى سلسلة من الأعمال تجمع بين الخط العربى والديكور الإسلامى للتعبير عن الذكرى المؤلمة لوالديها وضحايا القمع، والجناح" (The Butterfly): استخدمت فيه رمز الفراشة الذى كان شعار حزب والديها، وجعلته رمزًا للحياة والحرية المهددة، كما برزت فى التركيبات الرقمية وأعمال معروضة فى متاحف دولية كبرى مثل MoMA نيويورك، ومتاحف برلين وباريس.
شاركت "فوروهار" فى بينالى البندقية، وبينالى إسطنبول، ومهرجانات فنية عالمية، وعرضت أعمالها فى ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، الولايات المتحدة، وعدة دول أخرى، كما حظيت بتقدير النقاد لدورها فى مزج الجمال البصرى مع الرسائل السياسية والاجتماعية.
باراستو فوروهار تمثل صوتًا فنيًا عالميًا يُذكرنا أن الفن قادر على كشف المستور، ومقاومة القمع بأدوات جمالية وذكية. أعمالها تُعتبر مرآة لتجربة المنفى والحنين والخسارة، ورسالة مستمرة عن النضال السلمي.

منصورة إشقيلى.. ريشة تنسج الهوية الإيرانية بين التراث والحداثة
منصورة إشقيلي فنانة تشكيلية إيرانية معاصرة، تنتمي إلى جيل من الفنانات اللواتي يوظفن الفنون البصرية كوسيلة لقراءة الهوية الإيرانية في زمن متغير.
تستمد أعمالها من التقاليد الفارسية، الزخرفة الإسلامية، ورموز الطبيعة، لكنها تعيد صياغتها بروح حديثة عبرالألوان الجريئة المتداخلة، والأشكال الهندسية المكسّرة، ودمج الحروفية أو الزخرفة بشكل تجريدي، كما تتميز لوحاتها بكونها حوارًا بين الماضي والحاضر، وتعبيرًا عن التحديات التي تعيشها المرأة الإيرانية في مجتمعها.
ركزت فى موضوعات أعمالها الفنية على هوية المرأة الإيرانية بين القيود والحرية، والطبيعة الإيرانية كرمز للجمال والصمود، والروحانية والتأمل في ثقافة غنية بالتاريخ.
شاركت منصورة إشقيلي في معارض محلية داخل إيران، وفي فعاليات ثقافية وفنية موجهة لتعزيز حضور المرأة في المشهد التشكيلي. بعض أعمالها وجدت طريقها إلى معارض في الخارج، خاصة ضمن معارض جماعية للفن الإيراني المعاصر.
تمثل منصورة إشقيلي صوتًا تشكيليًا يعبر عن جيل يسعى لإبراز الجمال والهوية الإيرانية عبر الفن، متحدية القيود الاجتماعية والسياسية بأسلوب فني راقٍ وهادئ.



ريشة لا تنكسر
الفن التشكيلى الإيرانى هو قصة شعب كتبها بألوانه، وشهدت على صراع الحرية والهوية، وهو مستمر فى التعبير عن روح إيران المتجددة، مهما تبدلت الظروف.
ورغم هذه التحديات، عاد الفن الإيرانى الحديث ليولد من جديد بأساليب تعبيرية مغايرة.، اليوم، يشهد المشهد الفنى الإيرانى نشاطًا متزايدًا، سواء داخل البلاد أو فى الشتات، حيث يتعامل الفنانون المعاصرون مع موضوعات الهوية، الدين، الحرية، والواقع الاجتماعى بلغة تشكيلية تتراوح بين التجريد والتجريب الرقمي.
وقد ساهمت المنصات الرقمية والمعارض الدولية فى منح هؤلاء الفنانين صوتًا عالميًا، جعل من الفن التشكيلى الإيرانى مساحة حوار بين التراث والمستقبل، بين الداخل والخارج.
496626982_1779990612594151_6766585062224044589_n


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.