ربما يكون مبررا الآن, بل وربما يكون ضروريا, وضع علامة استفهام كبيرة حول مجمل ما يمكن ان نسميه ب المشروع الايراني الاقليمي علي ضوء كل هذا الاستنفار الايراني المبالغ فيه. بخصوص الخلاف المثار حول اسم الممر المائي البحري الذي يفصل جزيرة العرب عن الهضبة الايرانية: هل هو الخليج العربي أم الخليج الفارسي؟, هذه المبالغ الايرانية التي تجاوزت كل ما هو معقول حول اسم الخليج, وكل ما تثيره هذه المبالغة من مغزي ودلالات, هي التي تفرض الحيرة عند العرب ليس فقط حول دوافع ايران من كل هذا لتشدد في دعوة فرض اسم الخليج الفارسي سواء كانت دوافع تتعلق بتداعيات الزيارة الأخيرة لوزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون لبعض دول الخليج العربية من اجل تسويق مشروع اقامة درع صاروخية في دول مجلس التعاون الخليجي تحسبا لأي عدوان ايراني محتمل علي هذه الدول في حال تعرض ايران لعملية تدمير لمنشآتها النووية, او ترتبط بالضغوط الامريكيةوالغربية الراهنة علي سوريا لتفكيك تحالفها مع إيران كشرط لتوطيد العلاقات معها, ولكن الحيرة العربية من شأن ايران تتجاوز مشكلة اسم الخليج الي المشروع الايراني كله, وبالتحديد سؤال: ماذا تريد ايران؟, هل هي تريد ان تبني دولة عصرية قوية ومتقدمة قادرة علي ردع كل من يحاول الاعتداء عليها ولكنها أيضا حريصة علي ان تكون درعا قوية للامة الاسلامية وداعمة لحقوقها وحريصة علي ان تتحالف مع العرب باعتبارها جارهم الحضاري كما هي تركيا, والتأسيس لجبهة قوية تضم الركائز الثلاث للنهضة التاريخية العربية الاسلامية العرب والفرس والاتراك لمواجهة تحالف المشروعين: الغربي الاستعماري, والصهيوني اليهودي, ام هي تسعي لتأسيس امبراطورية فارسية جديدة تمارس التسلط والعدوان والاستبداد والطغيان علي حقوق الآخرين؟ هذا السؤال يعتبر امتدادا لجدل عربي واسع حول ايران: هل هي مصدر للتهديد ام هي حليف استراتيجي؟, هذا الجدل العربي الممتد تدفع به الآن بعض الممارسات الايرانية الخاطئة وبالذات في العراق حيث التطلع الي ملء فراغ الانسحاب الامريكي ووضع العراق تحت الوصاية الايرانية, وفي الخليج حيث السعي ايضا الي فرض النفوذ الايراني ليحل محل النفوذ الامريكي, وهنا تلتقي هذه الممارسات مع الازمة التي تتعمد ايران افتعالها الان حول اسم الخليج, تلك الازمة القديمة المتجددة لتنسج مع غيرها من الممارسات الايرانية السلبية معالم مشروع امبراطوري ايراني جديد يسعي الي فرض ايران قوة اقليمية مهيمنة منافسة للمشروع الصهيوني الساعي هو الآخر الي فرض اسرائيل قوة اقليمية كبري من خلال التوسع وعظمي من خلال القدرة والنفوذ, قادرة علي فرض السيطرة والهيمنة. الملفت هنا ان هذا التلاقي الايراني والاسرائيلي علي مشروع الهيمنة لن يدفع ثمنه غير العرب وحدهم الذين يجدون انفسهم الآن تحت مطرقة الصراع الاستراتيجي بين ثلاث قوي اقليمية كبري متنافسة هي: اسرائيل وايران وتركيا, مع الاخذ في الاعتبار ان الاخيرة تعتمد علي ادوات الصراع الناعمة الاقتصاد والدبلوماسية, والقدرة علي التوسط في حل الازمات, في حين ان القوة الاسرائيلية والقوة الايرانية تعتمدان القوة الخشنة القوة العسكرية في فرض الهيمنة والسيطرة علي الاقليم. فعندما يصل هوس او جنون العظمة الايرانية الي درجة التهديد بمنع اي طائرة تستخدم مصطلح او اسم الخليج العربي بدلا من الخليج الفارسي علي لوحات العرض الالكترونية الخاصة بها من المرور في الاجواء الايرانية, والي درجة تهديد كل شركات الطيران بإجبار طائراتها علي الهبوط وإلغاء تصاريح قيامها برحلات الي ايران اذا لم تلتزم بذلك حسب تصريحات وزير المواصلات حامد بهبهاني, فإن الامر يكون قد وصل الي درجة تجاوزت ما يمكن اعتباره سوء فهم او اختلافا في الرؤي الذي يجب ألا يفسد للود قضية, وان ايران تريد ان تصعد ازمة اسم الخليج هذه الايام لتجعلها عنوانا ورمزا للمشروع الايراني كله. هذا الواقع الاقليمي المحزن يعيد الي الاذهان واحدة من اهم الحقائق التاريخية التي غفل العرب عنها, او انهم يفضلون اغفالها, وهي ان هذه الدول الاقليمية الكبري الثلاث المتصارعة علي ارض وثروات العرب كانت الاطراف الكبري المستفيدة من تمزيق الجسد العربي والتعامل معه كغنيمة بتدبير وتخطيط غربي صهيوني في السنوات الاولي من القرن الماضي عندما تكالبت القوي الغربية ومن ورائها الحركة الصهيونية العالمية علي التهام تركة الامبراطورية العثمانية بعد هزيمتها في الحرب العالمية الاولي, حيث أعيد ترسيم الخرائط السياسية وتعرض الوطن العربي لأبشع عملية سلب ونهب وتمزيق وتقسيم ادارها البريطانيون والفرنسيون ومن خلفهم الحركة الصهيونية. هذا المشهد التاريخي بكل ما يحمله من مواجع واحزان يكاد يتكرر الان بعد مرور قرن كامل من ذلك التقطيع الاستراتيجي للجسد العربي في ظل التنافس والصراع الراهن بين هذه القوي الاقليمية الثلاث وفي ظل المخطط الامريكي الامبراطوري في الشرق الاوسط الذي انطلق من المشروع الامريكي في العراق لإقامة شرق اوسط كبير يعاد فيه ترسيم الخرائط السياسية مجددا بتقسيم ما سبق تقسيمه, وتفكيك ما بقي من روابط العرب, ومن المشروع الامريكي لاقامة شرق اوسط جديد انطلق من رحم الحرب الاسرائيلية علي لبنان صيف2006 تتغير فيه خرائط التحالفات والصراعات, حيث تتواري أهمية الصراع العربي الاسرائيلي ليحل محله الصراع العربي الايراني, ولتصبح ايران عدوا للعرب بدلا من اسرائيل,. لقد سقط بعض العرب, بكل أسف, بدرجات مختلفة في مستنقع هذين المشروعين, ووجدت ايران نفسها هي الاخري تنساق, سواء بإرادتها او رغم ارادتها, ضمن هذا المخطط والوقوع في اخطاء فادحة سواء في سياساتها او توجهاتها ولتضع نفسها جنبا الي جنب مع الدولة الصهيونية ضمن صراع النفوذ والمكانة والهيمنة في حين ان العرب بات حالهم كحال الايتام علي موائد اللئام لقمة سائغة الكل يتطاول عليهم ويتعالي عليهم دون قدرة علي الرد بل وحتي دون قدرة علي الصراخ بصوت عال, عله يحدث افاقة مازالت غائبة, ولكنها مازالت ايضا مأمولة, ليس فقط للعرب بل وايضا لجوارهم الحضاري, خاصة الايراني, كي لا يقع في خطيئة الاحتراب مع الثوابت ومع الاسس التي تشكل اهم المنطلقات العقيدية التي يؤكد انه يؤمن بها ويعمل من اجلها, في وقت تتهاوي فيه اهم رموز هذه العقيدة دون ان تجد من يحميها او يدافع عنها كما هو حال الحرم الإبراهيمي الذي تم تهويده وما هو مخطط للمسجد الاقصي من ضم وتهويد.