ماذا ننتظر كي نواجه الأوضاع الاقتصادية الحالية؟ انها تنذر بالكثير من المشاكل ولا ينبغي أن يستدرجنا الاستقرار النسبي في سعر الدولار أو التعلق بأهداب البورصة للاطمئنان علي سلامة أوضاعنا الاقتصادية صحيح حتي الآن لم تظهر أية مشاكل في توافر السلع في السوق ومواجهة احتياجات الناس ولكن القضية ليست قضية توفير أكل وغذاء ولكنها أكبر من ذلك, فهي قضية مواجهة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي فجرت الثورة وهي باختصار غياب العدالة الاجتماعية والبحث عن التنمية الحقيقية. مع الثورات والانقلابات والتغييرات الحادة في حياة الشعوب يتعرض المجتمع إلي تغييرات ذات زوايا حادة حيث تتغير تركيبة المجتمع وينزل من استغلوا موارده وامكاناته وأمواله من أجل الهدم لتصعد طبقة عريضة تطالب بحقوقها المشروعة في حياة كريمة كما يظهر ارتفاع الأسعار والبطالة وتتغير الخريطة الاقتصادية للبلاد فتختفي الاحتكارات في بعض المنتجات وفي الاستيراد وفي التصدير. مؤشرات الأوضاع الاقتصادية مختفية تماما عن أنظارنا ولم تخرج جهة واحدة من المجموعة الاقتصادية أو من منظمات رجال الأعمال لتضع أمامنا تلك المؤشرات وما سوف يترتب عليها وآليات مواجهتها أو وضع خريطة طريق لمواجهة أزمة قد تحدث بين يوم وليلة والجميع اتخذ وضع الانتظار فماذا ننتظر؟ هل ننتظر وقوع الكارثة حتي نتحرك؟ إن ما يعلن هو مجرد مؤشر اقتصادي واحد يتمثل في انخفاض الاحتياطي من النقد الأجنبي لدي البنك المركزي من35 مليار دولار إلي26 مليار دولار ولم يقل لنا البنك المركزي وقيادته أين ذهبت تلك المليارات؟ هل لتحقق توازنا في سعر الدولار في السوق أو لتلبية احتياجات استيرادية عاجلة وإلي أي مدي سوف يستمر هذا النزيف دون تعويضه بموارد أخري جديدة من النقد الأجنبي, نرصد كذلك مؤشرا آخر له دلالته وهو الاعلان الاسبوعي عن أذون الخزانة التي تحصل عليها وزارة المالية كقروض لمواجهة العجز في ميزانية الدولة وهذا إذا كان يكشف عن العجز وكيفية سداده بموارد حقيقية وليس بطبع النقود لكنه في نفس الوقت يكشف عن اتجاه البنوك لاستثمار الودائع والسيولة لديه في هذه الأذون كوسيلة مأمونة ذات عائد مالي بعيدا عن أية مخاطر لكنها تحرم السوق أو النشاط الاقتصادي من تمويل استثمارات جديدة. لن نتحدث عن تراكمات الأوضاع الاقتصادية وتشريحها فقد فعلنا ذلك من قبل ولكن الحديث الآن يتمحور حول سؤال: ما هو العمل؟ ماذا نفعل؟ مرة أخري هل ننتظر حتي حدوث الكارثة؟ اننا نعود هنا إلي تصفح برامج الاصلاح الاقتصادي وهي تحتوي بطبيعتها علي ثلاثة أجزاء: مالي ونقدي وهيكلي وجميعها الآن في ظل ثورة يناير يجب أن تنضوي تحت عنوان التنمية والعدالة الاجتماعية وفي هذا الشأن فإنه من المتصور اتخاذ الخطوات الاصلاحية التالية: أولا: الجانب المالي وهو يتعلق باصلاح ميزانية الدولة ومواجهة العجز وتحقيق العدالة الاجتماعية, وهنا نقترح اعادة هيكلة نظام الضرائب والأخذ بالضريبة التصاعدية وخفض الضريبة علي مرتبات الموظفين وتحصيل متأخرات الضرائب خاصة علي كبار الممولين ويمكن منحهم حوافز للسداد مثل نسب للخصم خلال فترة محددة للسداد. وفي هذا الشأن يمكن اصدار سندات حكومية خمسية بعائد مرتفع وليكن15% واصدار شهادات استثمار ذات عائد متغير يصل إلي19% وذلك لامتصاص القوة الشرائية وتدبير موارد حقيقية لمواجهة عجز الميزانية ومعاونة الدولة في القيام بوظائفها الأساسية من أمن وعدالة وخدمات بل وزيادة قدرتها علي الاستثمار نظرا لانخفاض استثمارات القطاع الخاص والأجنبي. وكل هذا يجري في اطار البحث عن موارد للدولة وتصحيح الانفاق الحكومي. غير أن الجانب المالي ينبغي ألا يغفل قضية الدعم التي تحتاج إلي قرارات حاسمة ليذهب الدعم إلي مستحقيه ويمتنع عن الاغنياء الذين استحلوه. إن من ينظر إلي شوارع القاهرة المتخمة بالسيارات الفارهة يتيقن اننا بلد غني يعيش الرفاهية ليست لديه أية مشكلات مادامت الدولة تتحمل دعما لبنزين الأغنياء وهو أمر يجب أن يستمر فقد آن الآوان كي يتحمل التكلفة كل من يريد الرفاهية ومادمنا في ظروف استثنائية تمر بها البلاد فإنه من باب أولي اصدار قرارات استثنائية وفرض ضرائب استثنائية. ثانيا: الجانب النقدي ونعني به الذي يتعلق بالنقد الأجنبي كموارد أو مصادر من ناحية وانفاق حصيلة مصر من النقد الأجنبي. أما عن الموارد فقد انخفضت بشكل مثير سواء من السياحة أو التصدير أو التحويلات. والأمل في زيادتها مرهون بالأمن والاستقرار وإذا كان هذا الجانب يصعب السيطرة عليه فإنه من الأفضل والمناسب السيطرة علي الجانب الآخر وهو جانب الواردات التي تحتاج إلي مراجعة شاملة ووقف استيراد كل المنتجات الكمالية والترفيهية ويسمح فقط باستيراد الخامات وقطع الغيار ومستلزمات الانتاج ووسائل النقل ولا يحتج أحد بأن هذا مخالف لاتفاقية الجات ومنظمة التجارة العالمية, فالاتفاقية تسمح بذلك مادمنا نواجه مخاطر اقتصادية هددت احتياطي النقد الأجنبي كما أن مثل هذا الاجراء سوف يشجع الصناعة الوطنية ويدفعها إلي النشاط والتشغيل. أما الجانب الثالث وهو الاصلاح الهيكلي ويتعلق بقضية الخصخصة والعمعمة( أي توسيع دائرة القطاع العام) وقد وجهت أخيرا اتهامات إلي عمليات الخصخصة حيث شابها الكثير من القصور غير أن ذلك ينبغي ألا يؤثر علي التوجه الاقتصادي ناحية اقتصاد السوق والقطاع الخاص ولا ينبغي أيضا ضرورة قيام الدولة بدورها في الاستثمار سواء في قطاع الانتاج أو الخدمات. تلك هي بعض جوانب مواجهة وضع اقتصادي تراكمت فيه المشاكل يحتاج إلي دراسات عاجلة وقرارات دون ابطاء أو انتظار لوقوع الكارثة. المزيد من مقالات عصام رفعت