مشاعر متباينة عاشها اليمنيون عقب محاولة اغتيال الرئيس علي عبد الله صالح في قصف مسجد دار الرئاسة بصنعاء أثناء صلاة الجمعة والتي أسفرت عن إصابته وأركان نظامه بإصابات مختلفة لم يتحدد حجمها أو آثارها بعد فأنصار الرئيس وحلفاؤه تلقوا الخبر بصدمة شديدة ممزوجة بفرحة نجاته من الحادث بينما احتفل شباب الثورة السلمية في ساحات الحرية والتغيير في صنعاء وتعز علي طريقتهم بالأناشيد والأغاني الوطنية والأهازيج معتبرين أن الشعب خلاص اسقط النظام.. في الوقت نفسه لم تظهر المعارضة اليمنية في تكتل اللقاء المشترك موقفا مبتهجا بل فضلت التريث واكتفت بإدانة أعمال العنف التي طالت قصر الرئاسة وتلك التي جرت في حي الحصبة أو الشباب المعتصمين. ومع حالة الانقسام في مشاعر اليمنيين إزاء الحادث إلا أن هناك شبه إجماع علي أنه قد يشكل خطا فاصلا في مسيرة اليمن التي تشهد حركة احتجاجات واسعة منذ أكثر من أربعة أشهر تطورت أخيرا إلي مواجهات بالسلاح في أكثر من بقعة ومدينة. ملامح التغيير وفقا لخبراء ومراقبين بصنعاء بدأت ملامحها من تولي نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي مهام الرئاسة وقيادة القوات المسلحة فعليا بعد مغادرة صالح لتلقي العلاج في السعودية مع بقية أركان حكمه والذي عقد اجتماعا مع عدد من أعضاء اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي أعلي هيئة في الحزب الحاكم لمناقشة المستجدات والترتيبات القادمة. ومع أن تولي عبد ربه منصور هادي مهام الرئاسة جاء وفقا لنصوص الدستور اليمني في مادته رقم116 التي تقول انه في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية أو عجزه الدائم عن العمل يتولي مهام الرئاسة مؤقتا نائب الرئيس لمدة لا تزيد عن ستين يوما من تاريخ خلو منصب الرئيس يتم خلالها إجراء انتخابات جديدة للرئيس إلا أن البعض يري أن ما يجري قد يكون نهاية حقيقية لحكم الرئيس علي عبد الله صالح الذي استمر حوالي33 سنة نجا خلالها من محاولات إغتيال وإنقلابات عدة أشهرها محاولة انقلاب الناصريين عليه بعد توليه الرئاسة عام1978 بثلاثة أشهر. مخطط محلي ودولي ويري صلاح مصلح الصيادي أمين عام حزب الشعب الديمقراطي حشد وهو حزب حليف للمؤتمر الشعبي الحاكم أن محاولة اغتيال صالح مخطط محلي ودولي يهدف الي النيل من الشرعية الدستورية والانقلاب عليها لأسباب عدة منها علي الصعيد المحلي تضييق الخناق علي تنظيم القاعدة والانقلابيين وكشف مخططهم علي السلطة لا أكثر اما علي الصعيد العربي فهو حقد دفين علي ما حققته اليمن من قفزة ديمقراطية أما في الإطار العالمي فلأن صالح رفض مرارا محاولات امريكا تأسيس قاعدة عسكرية في سقطري علي حد قوله. وفيما ترفض قيادات حزب المؤتمر الشعبي الحاكم الحديث تماما عن نهاية عهد صالح معتبرين أنه بصحة جيدة وزيارته إلي السعودية لاستكمال بعض الفحوصات فقط وانه سيعود قريبا لممارسة مهام عمله فقد جري بشكل سريع تداول أنباء عن تحركات لتشكيل مجلس انتقالي لإدارة حكم البلاد بعد مغادرة صالح. ودعت قيادات سياسية كل الاطراف من أحزاب وقوي وتكتلات يمنية في الداخل والخارج إلي التحرك السريع من اجل تشكيل مجلس انتقالي يدير البلاد من كل القوي اليمنية دون استثناء. وتشير المصادر إلي أن الاتصالات أيضا جرت مع معارضة الخارج خاصة القيادات المؤثرة في العملية السياسية في البلد للمشاركة في العملية السياسية القادمة لليمن. وكشفت مصادر سياسية في صنعاء أن خروج صالح لتلقي العلاج جاء بعد ترتيب مجلس مؤقت من معاونيه واقاربه يتألف من اللواء علي الآنسي مدير مكتب الرئيس ورئيس جهاز الامن القومي واللواء علي صالح الاحمر مدير مكتب القائد الاعلي للقوات المسلحة ورئيس وحدة العمليات الخاصة في الحرس الجمهوري واللواء محمد صالح الاحمر قائد قوات الدفاع الجوي ومن تلك الاسماء يبدو انه تم التوافق عليها من قبل النظام والفاعلين الدوليين في مقدمتهم السعودية وأمريكا وقد تكون مهمتهم معاونة نائب الرئيس في مهامه وضمان عدم تفكك الاجهزة الامنية والعسكرية التي يشرفون عليها وترتيب خروج اقارب الرئيس خلال الفترة القادمة. هذه الخطوة قد يعقبها دور اقليمي ودولي لوقف العنف والحرب وهو ما بدأت به السعودية عبر وساطتها للهدنة ووقف اطلاق النار بين الرئيس صالح والشيخ صادق الاحمر سيتبع ذلك محاولة الوصول لتسوية عبر مبادرة دولية يتم بناؤها علي المعطيات الجديدة التي تداعت أحداثها خلال الايام القليلة الماضية. نقل السلطة وتبدو المفارقة في تطورات المشهد اليمني أن نقل الرئيس صلاحياته إلي نائبه الذي يكفله الدستور كان هو نفسه أحد أهم بنود المبادرة الخليجية المعلقة والمعدلة لخمس مرات إذ أن انتقال السلطة في غضون شهر وتسليم الرئاسة لنائب الرئيس عبدربه منصور هادي كانت أبرز ما تحويه إضافة إلي منح علي عبدالله صالح حصانة من الملاحقة القضائية والخروج الآمن من السلطة. وبرز اسم هادي كمرشح لإدارة اليمن باعتباره الخيار الأكثر قبولا لدي مختلف الأطراف السياسية عقب الاتفاق الذي لم يكتب له النجاح بين الرئيس اليمني والقائد العسكري المنشق عن الحكم علي محسن الأحمر قائد المنطقة الشمالية الغربية لكن الرجل أظهر زهدا في تولي أي منصب عقب انتهاء حكم صالح لأسباب قد تبدو موضوعية أحيانا ومفاجئة في احيان أخري. وتشير البيانات الشخصية الي أن نائب الرئيس اليمني ولد في قرية ذكين مديرية الوضيع التابعة لمحافظة أبين الجنوبية في مايو1945 وتخرج في1964 من مدرسة جيش محمية عدن العسكرية الخاصة بالتأهيل وتدريب أبناء ضباط جيش الاتحادي للجنوب العربي وابتعث بعدها إلي بريطانيا ثم التحق بدورة عسكرية لدراسة المصطلحات العسكرية ثم التحق بدورة عسكرية متخصصة لمدة عام ونصف العام وتخرج سنة1966 ثم عاد إلي مدينة عدن ثم ابتعث إلي القاهرة لدراسة عسكرية متخصصة علي سلاح الدبابات حتي1970 وفي العام1976 ابتعث إلي روسيا للدراسة المتخصصة في القيادة والأركان أربع سنوات. وفي سنة1983 رقي إلي درجة نائب لرئيس الأركان لشئون الإمداد والإدارة معنيا بالتنظيم وبناء الإدارة في الجيش وكان رئيس لجنة التفاوض في صفقات التسليح مع الجانب السوفيتي وتكوين الألوية العسكرية الحديثة. وعمل هادي مع زملائه علي لملمة شمل القوات العسكرية التي نزحت إلي الشمال بعد انتصار القوات المؤيدة للأمين العام السابق للحزب الاشتراكي في جنوب اليمني علي سالم البيض علي القوات المساندة للرئيس الأسبق علي ناصر محمد في العام1986 حيث قام بإعادة تجميعها في سبعة ألوية وأطلق عليها اسم ألوية الوحدة اليمنية. وشارك هادي في حرب1994 الي جانب القوات المؤيدة للرئيس علي عبدالله صالح في مواجهة قوات الحزب الاشتراكي. وقبل نهاية الحرب وفي مايو1994 عين وزيرا للدفاع وبعد خمسة أشهر صدر القرار الجمهوري بتعيينه نائبا لرئيس الجمهورية. ويؤكد الكاتب الصحفي أحمد الزرقة أن استهداف الرئيس صالح وكبار معاونيه علي مافيه من غموض حول الجهة التي تقف وراء تلك العملية التي يبدو أنها كانت مخططة بدقة عالية سواء من حيث التوقيت أو التنفيذ ودقة الاصابات فإنه يحمل عدة مؤشرات علي انه في ظل ارتفاع وتيرة العنف وطغيان صوت الرصاص علي صوت العقل والحكمة لايمكن لأي طرف مهما كانت قدرته العسكرية والأمنية أن يكون في مأمن من وجبة العنف التي تعصف بالبلاد جراء تمترس صالح ونظامه الرافض لكل المبادرات المحلية والاقليمية لنقل السلطة في اليمن. ويعتقد الزرقة ان استمرار سيطرة أقارب الرئيس صالح علي عدة أجهزة أمنية وعسكرية قد يعيق انتقال السلطة بدون موجة عنف أخيرة بعد سفر الرئيس صالح للعلاج في السعودية غير أنه يشير إلي ما تبقي في المشهد من شرعية دستورية وهو نائب الرئيس الذي يبدو خيارا معقولا ومقبولا من جميع الأطراف السياسية في اليمن لقيادة الفترة المؤقتة والانتقالية في البلاد نظرا لمواقفه المعتدلة من أطراف الثورة اليمنية وهو أيضا خيار مقبول علي المستوي الدولي. وما بين الشد والجذب والتفاؤل بمستجدات المشهد اليمني والتشاؤم والخوف من انفلات زمام الأمور إلي مسار دموي يتطلع اليمنيون إلي أيام قادمة لا تحمل إليهم المزيد من المتاعب الحياتية وينتظرون دورا خليجيا وامريكيا فاعلا لإعادة ترتيب أوراق البيت اليمني بالشكل الذي يوقف نزيف الدم ويطوي سنوات عجافا من الصراع والعنف ويفتح صفحة جديدة من الأمل.