سيطرت مشاعر متباينة على اليمنيين عقب محاولة اغتيال الرئيس على عبدالله صالح فى قصف مسجد دار الرئاسة أثناء صلاة الجمعة 3/6 الماضى.. أنصار الرئيس عبروا عن فرحتهم بنجاته، وردد شباب الثورة الأغانى تعبيرا عن فرحتهم بسقوط النظام، حتى قبل أن يسقط رسميا، وتباينت مواقف قوى المعارضة وزعماء القبائل ما بين الفرحة بنجاح الثورة.. وبين إدانة أعمال العنف التى طالت قصر الرئاسة أو التى استهدفت شباب الثورة.. واستعدت كل الأطراف اليمنية لمرحلة ما بعد حكم الرئيس المصاب. على عبدالله صالح فى البداية يؤكد محمد المخلافى رئيس لجنة الحقوق والحريات فى تكتل اللقاء المشترك.. أن المشهد الحالى فى اليمن يقف أمام خيارين، إما الانتقال السلمى للسلطة وفق الإجراءات الدستورية.. وهو خيار يعتمد على قدرة عبدربه منصور هادى «نائب الرئيس الذى فوضه على صالح للقيام بمهام رئيس الجمهورية أثناء غيابه فى رحلة العلاج» على إدارة شئون البلاد كرئيس فعلى خلال المرحلة الانتقالية ونجاحه فى تحقيق الإصلاحات التى يطالب بها الشعب اليمنى الثائر.. ويزيد من فرص نجاح عبدربه أن كل أطياف الشعب اليمنى تؤيده وتتوقع منه النجاح فى مهامه.. أما إذا لم ينجح فلن يكون أمام قوى المعارضة سوى تشكيل مجلس وطنى يدير شئون البلاد خلال الفترة الانتقالية اعتمادا على الشرعية الثورية.. ويعتمد نجاح هذا الخيار على تأييد السعودية ودول الخليج لتحقيق الاستقرار لليمن ودول المنطقة.. ويؤكد على المعمرى عضو البرلمان والناطق باسم تكتل الأحرار النيابى المستقل عن الحزب الحاكم.. أن المعارضة بكل أطيافها تؤيد عبدربه منصور هادى وتتوقع منه النجاح فى مهامه كرئيس فعلى للبلاد خلال المرحلة الانتقالية وعليه أن ينفذ مطالب الثورة الشعبية، وأن يواجه محاولات ابن على عبدالله صالح وأهله للحفاظ على منصب الرئيس شاغرا إلى حين عودة على صالح من رحلة علاجه.. والشعب اليمنى يقف موحدا لإفشال هذه المحاولات.. لأن الشعب أعلنها خلال ثورته التى اندلعت منذ أربعة أشهر.. لا بديل عن إسقاط نظام على صالح ولا أمل فى عودته إلى منصبه الرئاسى.. والسعودية ودول الخليج ترى الحل فى تنفيذ المبادرة الخليجية التى تهدف إلى تنحية على صالح وتحقيق انتقال سلمى للسلطة.. والعالم كله يساند الثورة الشعبية فى اليمن التى تهدف إلى بناء نظام ديمقراطى رشيد يحقق العدالة والاستقرار. الأزمة فى اليمن تضاريس جبلية صعبة، وشبكة علاقات قبلية أصعب.. هناك سلطة الدولة تتراجع فور الخروج من العاصمة صنعاء لتبدأ سلطة القبيلة.. وهى السلطة التى تجعل تفويض الناخبين لأى رئيس تفويضا ناقصا ما لم يدعمه تأييد مشايخ القبائل، وبالتالى يصبح على أى رئيس أن يشترى رضاهم بأى ثمن، واليمن بلد فقير وشعبه طيب وعنيد.. يعانى 35% من شبابه من البطالة.. وتعانى أغلب نسائه من الأمية.. ويعيش 40% من سكانه تحت خط الفقر «أقل من دولارين فى اليوم».. وأغلب أهل اليمن يعيشون فى حضن السلاح والبارود.. ويمضون أغلب أيامهم فى الحروب والصراعات.. وأدمنوا التفاوض والتصالح والحوار والقتال.. وفى اليمن استنفدت الحروب الداخلية هيبة الجيش الذى حارب ضد الحوثيين وحدهم ست معارك أدت إلى مقتل عشرة آلاف وجرح عشرات الآلاف وتشريد مئات الآلاف، كما أدى إلى خسائر مادية تقدر بمليارات الدولارات.. كما حارب الجيش اليمنى ضد عناصر القاعدة.. وضد الحراك الجنوبى ليستمر اليمن موحدا بالحديد والنار.. واستنفدت هيبة الدولة حكايات الفساد، حيث يردد معارضو الرئيس على صالح الأساطير عن ثروته التى يقدرونها بنحو ثلاثين مليار دولار، بخلاف ثروات أفراد عائلته وكبار معاونيه.. وكان الرئيس اليمنى يدعم سلطته بتعيين أبنائه وأبناء أقاربه وأبناء القبائل الموالية له فى المناصب القيادية بالجيش والشرطة والأجهزة الأمنية والحكومية، لذلك دعت مجموعة على «الفيس بوك» أسمت نفسها «شباب العاشر من فبراير» إلى عزل هؤلاء بشكل عاجل.. وطالبت المعارضة بتنحية 22 شخصا من مناصبهم القيادية من أبناء على صالح وأقاربه وسكان قرية «سنحان» التى تنتمى إليها عائلته ومنهم ابنه الأكبر أحمد قائد الحرس الجمهورى والقوات الخاصة وأبناء إخوته محمد وطارق وعمار محمد وتوفيق صالح الذين يتولون مناصب قيادية رفيعة. عموما حكم على عبدالله صالح اليمن 33 عاما، كان خلالها يدير البلاد دون أن يستقر على أسلوب معين، فقد كان محاورا وكان مقاتلا، وكان يتكيف مع المتغيرات، وعندما تستقر الأمور يعود إلى ألعابه القديمة، كان متعبا لحلفائه وغامضا لأصدقائه ولغزا لخصومه، وكان ماهرا فى تحريك الخيوط وخلط الأوراق.. ولكن الوقت الطويل الذى حكم فيه البلاد استهلك جزءا كبيرا من مهاراته فانقلب عليه الجميع. عبد ربه صالح الثورة ضعفت قبضة الرئيس على صالح فى الإمساك بالسلطة.. حتى قبل أن تخرج الجماهير إلى الشوارع والساحات للتعبير عن غضبها، وكان الرئيس اليمنى فى أضعف حالاته تحديدا يوم الأربعاء 2 فبراير الماضى.. يومها قدم على صالح تنازلات كبيرة للمعارضة أمام البرلمان.. وقال فى كلمته التي ألقاها.. لا للتمديد.. لا للتوريث.. ووعد بتنفيذ إصلاحات شاملة ودعا المعارضة إلى العودة للحوار والمشاركة فى حكومة وحدة وطنية.. ولكنه كان قد تأخر كثيرا.. فقد نجح الشباب فى نشر الدعوة للثورة على الإنترنت والفيس بوك عبر مواقع كثيرة منها «ارحل وطفشنا خلاص - أى زهقنا - وليش ساكت».. وغيرها وضمت المجموعات الداعية للثورة الشباب العاطل والحقوقيين والصحفيين وناشطين سياسيين.. وواجه النظام اليمنى تحديا سياسيا تقوده حركات المعارضة التى رفع بعضها السلاح وخاض معارك ضد قوات الجيش ومنها اللقاء المشترك الذى يضم سبعة أحزاب معارضة رئيسية تطالب بالإصلاح السياسى والتغيير وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين ومنهم الحراك الجنوبى الذى يطالب بالانفصال وإعادة قيام دولة الجنوب.. ومنهم الحوثيون وهم شيعة زيديون، وكانوا قد خاضوا ست معارك ضد قوات الجيش اليمنى كان أولها عام ,2004 وخرج الشعب اليمنى فى مظاهرات ضخمة تطالب بتنحى الرئيس عن السلطة وعمت المظاهرات كل المدن اليمنية: صنعاء والحديدة وتعز وعدن ومأرب والمهرة وشبوة والجوف والبيضاء. وكان أكثر ما أضعف قبضة على صالح على السلطة هو انخفاض تأييد ودعم القبائل لنظامه، ومعروف أن الرئيس اليمنى كان قد اعتاد على التقرب من أغلب شيوخ القبائل عن طريق المال أو توفير السلاح أو باستخدام أساليب أخرى مثل الفتن والمكائد.. باختصار كان يتعامل معهم وفق مبدأ «فرق تسد».. ولكن بعد مضى 33 عاما على حكم على صالح اكتشف أغلب زعماء القبائل ألاعيبه.. فانقلبوا عليه.. وانضموا للثورة. صادق الاحمر لذلك فسر البعض خطابات صالح المتكررة التى أعلن فيها رغبته فى الرحيل على أنه تأكيد على فقدان الرئيس القدرة على السيطرة على المحافظات القوية قبليا مثل صعدة وحضرموت وعدن وغيرها وحتى العاصمة صنعاء أصبحت أغلب مناطقها خارج سيطرة الدولة.. هذه الحالة المزرية من الضعف هى التى دفعت على صالح إلى السعى للبحث عن حلول سياسية للأزمة.. ومحاولة تجنب أى تصعيد عسكرى لأنه يدرك جيدا أن موازين القوى على الأرض لن تكون فى صالحه.. خصوصا وهو يعلم أن القبائل تملك ترسانة ضخمة من الأسلحة ولديها أيضا قدرة قتالية عالية بدليل أنها أوقعت خسائر فادحة فى صفوف الحرس الجمهورى عندما تصادم مؤخرا مع قبائل مأرب المؤيدة للثورة.. وصدم على صالح عندما أيد الثورة عدد كبير من أهم القيادات القبلية وطالبوا بتنحيه ومنهم أمين العكيمى شيخ مشايخ قبيلة بكيل وصادق الأحمر شيخ مشايخ قبيلة حاشد.. وعلى عبدربه العواضى شيخ مشايخ قبيلة البيضاء.. ورغم حرص على صالح منذ بداية الأزمة على ضمان ولاء قبيلتى حاشد وبكيل له وهما أكبر القبائل وأكثرها نفوذا.. لكنه فشل وتلقى صفعة قوية بعد تخلى اثنين من أبرز حلفائه عنه وهما الشيخ مجلى عبدالعزيز الشانف.. والشيخ سنان أبولحوم.. وانضمت للثورة قبائل كثيرة منها أرحب ونهم وسفيان وهمدان وخولان والحيمة وسريح وبنى بهلول وبنى حشيش وعيال يزيد وغيرها. المستقبل وترتيبا للأوراق وإعدادا للمسرح السياسى لما بعد رحيل على عبدالله صالح.. تحاول حاليا العديد من القوى السياسية والشخصيات القبلية البارزة التنسيق بين شيوخ القبائل لتشكيل تكتلات قبلية قوية لدعم الثورة.. ولتحقيق نفس الهدف ظهر مؤخرا تحالف المشايخ والعلماء الذى يضم عددا كبيرا من أعيان القبائل يتقدمهم صادق الأحمر وعلماء دين بارزون أهمهم الشيخ عبدالمجيد الزندانى.. وتم تدعيم تحالفات قبلية سابقة مثل ملتقى قبائل مأرب والجوف ومجلس التضامن الوطنى.. وملتقى أبناء المناطق الوسطى وغيرها.. وهكذا أصبح نظام على عبدالله صالح فى حكم المنتهى.. ربما لذلك دعت قيادات سياسية كل الأطراف من أحزاب وقوى وتكتلات يمنية فى الداخل والخارج إلى التحرك السريع من أجل تشكيل مجلس انتقالى يدير البلاد ويشارك فيه الجميع بلا استثناء.. ورغم كل هذا رفضت قيادات عديدة فى حزب المؤتمر الشعبى الحاكم الحديث عن نهاية عهد صالح معتبرين أنه بصحة جيدة وأن زيارته للسعودية فقط لاستكمال العلاج.. وأنه سيعود قريبا لممارسة مهامه كرئيس للبلاد. وفى النهاية تبدو المفارقة فى المشهد اليمنى أن قيام الرئيس اليمنى بنقل صلاحياته إلى نائبه عبدربه منصور هادى.. هو نفسه أحد أهم بنود المبادرة الخليجية المعلقة والمعدلة خمس مرات.. والتى تنص على انتقال السلطة خلال شهر.. وتسليم مهام الرئاسة إلى النائب.. بالإضافة إلى منح على عبدالله صالح حصانة قضائية.. والخروج الآمن من السلطة، فهل يفعلها صالح حقنًا للدماء بعد أن فقد تقريبا كل الأوراق؟!؟