تحت ذات العنوان نشرت في عدد5 3 1996 مقالا عما يمكن القيام به كمشروع تنموي مستفيدا بهذا المجري المائي ليس فقط رابطا ملاحيا ذا اهمية استراتيجية عالمية نستفيد من عوائدها, بل هو شريان مهم لتنمية صناعية تعود قيمتها عشرات اضعاف عوائدها علي مصر السكان والاقتصاد والعمران والأمن الوطني معا. وفي مؤتمر شرق التفريعة في بورسعيد في سبتمبر1998 ناقشت هذا المشروع التنموي, وفي كتابي مصر نسيج الناس والمكان والزمان2008 أعدت كتابة المشروع بصوزة اكثر تفصيلا. لكن كل ذلك كان أوراقا تضاف الي الكثير من الأفكار التي تملأ الرفوف ويعتريها غبارالنسيان واليوم أخلص ذمتي المعرفية باعادة مركزة حول المشروع ربما في ظل متغيرات مصر الجديدة تجد إذنا صاغية كلنا نعرف ونتكلم ونحس اشكال التنمية الرائعة في شرق آسيا. بلاد لم يكن لها من مقومات سوي كثرة سكان ومواقع بحرية وقلة خامات وقليل من رأسمال تنموي ومجموعة أفكار تطبيقية مع إرادة وتنظيم جاد لاتهاون فيه, وكثير من قوانين الضبط والربط حتي علي زعمائها كل ذلك جعلها مصنعا عالميا لسلع قادرة علي المنافسة في أسواق العالم الغنية والفقيرة معا بغض النظر عن مواقعها الجغرافية المتطرفة. ونحن في مصر نتشابه في علاقات كثيرة مع آسيا الشرقية من حيث قوتنا العددية وطاقاتنا الابداعية وأفكارنا الكثيرة.. ولكننا نتفوق علي آسيا أننا في مركز العالم الجغرافي بل ونملك قناة السويس أهم شريان بحري يربط العالم شرقه وغربه, ومع ذلك فنحن أكبر من يهدر الطاقات في إقليم الشرق الأوسط حين ندفع بأموالنا في استثمارات زراعية ضخمة بدعوي الأمن الغذائي في محيط صحراوي يحبطه مياه قليلة ومتناقصة.. فلننظر مرة أخري الي سلوكيات الغذاء في آسيا والترف الغذائي لدينا لنري كيف أننا أقل قدرة علي حسن تنظيم سلوكياتنا الغذائية فقراء واغنياء, الأمن الغذائي كان من ضروريات التنظيم العالمي المائي ولكنه اليوم قد اختلف كثيرا كنا ننتج القمح فاصبحنا ننتج الأرز ونستورد القمح, وكنا نتناول الطماطم طازجة فأصبحنا نستخدمها عجائن وعصائر, ولم يعد المطبخ عملا يستغرق نصف نهار فالخامات الغذائية نشتريها نصف جاهزة لم تكن الصناعات الغذائية المصرية منذ نحو نصف قرن علي نحو ماهي عليه الآن فهي في المرتبة الثانية من حيث قيمة الناتج المحلي الصناعي والمرتبة الأولي من حيث العمالة الصناعية ومن حيث الانتشار الإنتاجي والسوقي معا. وكلنا نعرف ان الزراعة المصرية هي الأولي من حيث العمالة, ولكنها الأخيرة في ترتيب مصادر الناتج المحلي العام بعد قطاعي الخدمات والصناعة ليس المعني إهدار الزراعة بل تحسينها واعادة ترتيبها بحيث تتحلق المحاصيل حول مصانع إعداد أنواع الأغذية المجمدة والمعلبة والكرتونية. ومعروف أن تداول السلعة بين الخامة والانتاج المعالج يزيد من قيمتها المضافة ويوجد منفعة أعم ويوفر رصيد استثمار جديد قناة السويس ليست يعيدة عن حقل الدلتا الكبير وهي في قلب مصادر الطاقة المحلية غاز طبيعي وبترول, وداخل الشبكة الكهربائية الموحدة وتسقيها مياه الترعة الحلوة وعمران تضم ثلاث مدن كبيرة بكل منها نحو نصف مليون نسمة, وفي أقصي شمالها مواني بورسعيد المتعددة ومن الجنوب مواني السويس والسخنة. فضلا عن أنها طريق نقل مائي فحولها شرقا وغربا كل أشكال البنية التحتية من طرق حديدية وبرية وتمديدات المياه والصرف وشبكات الطاقة والاتصالات ومواني ومطارات. فهل هناك مكان تنموي جاهز يفضلها في مصر ؟؟ لماذا لانركز عليها جنبا الي جنب المشروعات التنموية الأخري سواء كانت طويلة أو قصيرة الأجل كممر التنمية أو المناطق اولي بالرعاية في الصحراء الغربية؟ التجهيزات العمرانية السكانية حول القناة تحتاج الي تنمية صناعية معدنية وهندسية وغذائية وأيضا صناعات الطاقة والملحقة بها يمكن تقسيم إقليم القناة الي قسمين من حيث نوع الاستخدام الحالي: 1 القسم الشمالي بين الدفرسوار والقنطرة استخدام زراعي شرق وغرب القناة 2 القسم الجنوبي بين نفق أحمد حمدي والبحيرات المرة شرق القناة غير مستخدم إجمالا وقليل من الزراعات غرب البحيرات في منطقة فايد. يتشكل المشروع الصناعي المقترح من شق عدة حارات مائية بطول نحو كيلو متر أو كثر من القناة والبحيرات شرقا في الأراضي الصحراوية وغربا وشرقا في القسم الجنوبي. وعند رأس كل حارة تقام عزب صناعية مختلفة التوجه الصناعي غذائي أو سمكي أو هندسي أو كهربائيات والكترونيات وصناعات تجميعية أو قطع غيار الخ. علي أن تكون هذه الصناعات من النوع متوسط التكنولوجيا لماذا؟ 1 لاستيعاب أيد عاملة كثيرة لحل أزمة الكثافة السكانية المصرية وزيادة الناتج المحلي العام. 2 لإنتاج سلع متوسطة الأسعار قابلة للمنافسة في الأسواق المحلية والإقليمية المجاورة غير المترفة في حوض البحر الأحمر وشرق إفريقيا وشرق البحر المتوسط. 3 لإقامة مستوطنات جديدة حول المصانع تخدم غرضين هما أولا تكوين أنشطة خدمات مختلفة لخدمة سكان المدن القري الصناعية تجاريا وتعليما وصحة ونقلا وتشييدا وبناء وكلها تستوعب أعدادا اخري من السكان بأنشطة ملازمة للعمران الجديد, وثانيا إقامة عمران استراتيجي شرق القناة, وهو هدف مطلوب منذ نصف قرن كي لاتصبح القناة فريسة سهلة لأي مهاجم. 4 وفي مستقبل ما حين تترسخ الصناعة والحس الصناعي وتتراكم الاستثمارات يمكن ان تنمو صناعات أخري ذات تقنية أعلي لأسواق أخري محلية أو أوروبية كصناعات مغذية أو صناعات كاملة. لماذا منطقة القناة لأن أي طريق نقل مائي هو الأرخص والأكثر حمولة لأغلب السلع. إنشاء الحارات المائية هي أولا لعدم اشغال ضفاف القناة وهي ثانيا استكمال النقل المائي من المصنع الي السفينة ومن ثم إلي مواني الاستيراد مباشرة دون وساطة نقل أخر يرفع تكلفة السلعة ويقلل من قدرتها التنافسية. المطلوب سفن صغيرة في حدود الفي طن كي تصبح قادرة علي الحركة في ضيق القناة والحارة, وأكثر اقتصادا في التشغيل واسرع في التحميل والتوصيل, وهي بهذه المواصفات اكثر كفاءة لأنها سوف تتحرك في مجالات بحرية محدودة من شرق المتوسط الي شرق إفريقيا. كما ان سفن صغيرة كهذه يمكن بناؤها وصيانتها في الترسانات المصرية المحلية وبالتالي نوع آخر من التنشيط الاقتصادي المصري. كيف يمكن التحقق من نجاح أو فشل المشروع؟ أولا أن المشروع لايحتاج مليارات الدولارات بل يكفي بضعة ملايين لإنشاء مشروع تجريبي رائد من خلاله يمكن تعديل الخطة أو تصحيح بعض مسارها التنفيذي والتشغيلي وتكييف إدارته وتدريب عماله ومهندسيه وتفاعله مع قوانين الدولة الجمركية والضريبية والسيادية الخ. فاذا نجح ذلك سيكون مدعاة للمنافسة الإنشائية بين رأس المال المحلي والأجنبيلتنفيذ عزب صناعية أخري مماثلة أو مغايرة التوجيه واذا فشل المشروع التجريبي الرائد نكون قد خسرنا شيئا محدودا لكننا كسبنا درسا مفيدا بأضافة أشياء كثيرة من واقع الفكر والتنفيذ الي المعرفة. المزيد من مقالات د. محمد رياض