الفساد في روسيا لايزال المشكلة الاكثر خطورة التي تعترف موسكو بأنها تقض مضاجع المواطن وتهدد مستقبل الدولة, وهو ما سجلته منظمة الشفافية الدولية. حيث اعلنت المنظمة في آخر تقاريرها ان الدولة الروسية تحتل المركز146 في قائمة الدول الاقل فسادا في عام2009 وذلك يعني ان كل الجهود التي بذلها الرئيس ديمتري ميدفيديف لم تسفر عن نتيجة تذكر واقتصرت علي التقدم بموسكو خطوة واحدة بعيدا عن المركز147 الذي كانت تحتله في عام2008. وكانت الجريمة قد نجحت في اعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي السابق في فرض ممثليها ضمن انساق السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية مما ساهم في اقرار القوانين التي تتناسب ومصالحها خصما من رصيد الوطن والمواطن.. واشارت المصادر الفيدرالية إلي ان مجموعات الجريمة الروسية المنظمة كانت ترتبط بعلاقات مع مثيلاتها في اربعين من دول العالم لاسيما بلدان الاتحاد السوفيتي السابق, وكشفت عن ان الماضي القريب سجل ظهور مجموعات الجريمة المنظمة علي اساس عرقي ومنها القوقازية بمختلف مرادفاتها الشيشانية والانجوشية إلي جانب الجورجية والارمنية.. الخ وكان الرئيس السابق بوتين اعترف في احد مؤتمراته الصحفية السنوية بتورط هذه المجموعات القوقازية في اختطاف وتجارة البشر الذين قال ان عددهم تجاوز السبعين الفا! ورغم ان حملات مكافحة الفساد ابان سنوات حكم الرئيس بوتين طالت عددا من قيادات اجهزة الأمن والمخابرات واجهزة الجمارك وكذلك بعض اعضاء مجلس الفيدرالية مجلس الشيوخ فان ذلك لم يحل دون تحول عدد من مجموعات الجريمة والعصابات إلي انظمة ومنظمات لاتملك فحسب علاقات وثيقة مع المنظمات الاقليمية والعالمية بل صار لها وجود مؤثر في كبريات المدن الروسية, وكان النائب العام الاسبق اعترف بتغلغل رموز الجريمة في اجهزة الأمن والمخابرات ووزارة الداخلية مشيرا إلي ان هذه الرموز كانت تواصل عملها بنفس القوة التي طالما مارست بها عملها في إطار منظمات الجريمة المنظمة, وكشفت نتائج استطلاعات الرأي ومنها مااصدره مركز ليفادا عن سلسلة مثيرة من الارقام تقول ان موسكو تظل المدينة الأكثر فسادا وان نسب الفساد وأحجام الرشوة تتزايد أكثر مع الاقتراب جغرافيا من العاصمة الروسية وان الفساد طال قطاعات الأمن والتعليم والصحة, ونجد من يقول ان المتناقضات في روسيا تسجل حيرة الكثيرين ممن يضطرون إلي دفع الرشوة التي تتراوح نسبها في واقع الأمر من دولار إلي مايزيد علي المليون دولار, كما ان هناك من المعلومات ما سبق وأكد ان الرشوة تتجاوز احيانا حدود المليون دولار ومنها ما يتعلق بشراء المقاعد النيابية, وخصخصة او شراء الكثير من المؤسسات الانتاجية. ورغم كل ما حققه الرئيس السابق فلاديمير بوتين من انجازات اعادت للدولة الروسية الكثير من وقارها ومكانتها إلا انه اضطر إلي الاعتراف في خطابه الاخير قبيل رحيله عن منصبه في الكرملين بان الفساد كان المشكلة الوحيدة التي استعصت علي كل الحلول خلال سنوات ولايته, مما جعل الرئيس ديمتري ميدفيديف في عام2008 يستهل سنوات حكمه باعلان مكافحة الفساد والرشوة في صدر اولوياته بوصفها احد ابرز الاخطار التي تهدد الأمن القومي الروسي, ولذا كان من الطبيعي ان يعود ميدفيديف ليؤكد أهمية اعلاء القانون, مشيرا إلي ضرورة الاعتماد علي رجال العدالة والقانون بدلا من رجال المخابرات الذين عادوا للتسلل بصالحهم وطالحهم إلي مختلف المواقع المؤثرة مما ينسف الكثير من انجازات النظام وتوجهاته الديمقراطية. وكانت مشاركة ميدفيديف في هذا المؤتمر مقدمة لاعلان هذا التوجه بديلا للتوجه السابق الذي سجل ترؤس ممثلي اجهزة الأمن والمخابرات لما يزيد علي70% من أهم مؤسسات الدولة حسب تقدير بعض المراقبين, واعلن القائمون علي اتحاد القانونيين عن عزمهم علي الترويج لنموذج الرئيس رجل القانون من خلال افتتاح العديد من المقار الخاصة باستقبال ممثلي اجهزة القضاء والعدالة لشكاوي المواطنين تحت اسم مكاتب ميدفيديف لاستقبال شكاوي المواطنين, إلي جانب الاعلان عن تأسيس قناة تليفزيونية جديدة تسمي تليفزيون القانون للترويج لاهمية بناء مجتمع ودولة القانون بدأت بثها عبر الاقمار الصناعية اختار لها رئيس تحرير يبلغ من العمر26 عاما وخصصت لها مؤسسة غاز بروم التي كان ميدفيديف يرأس مجلس ادارتها, ميزانية قدرها عشرة ملايين دولار, غير ان القناة لم تطلق بعد, في نفس الوقت الذي تعالت فيه شكاوي المواطنين من تجاوزات عدد من ممثلي اجهزة القضاء واتهام بعضهم بتقاضي الرشوة واصدار الاحكام بما يتناسب مع مصالح ذوي النفوذ, وهو ما سبق أن ادانه بوتين في احد خطاباته السنوية, ورغم كل ما تتخذه القيادة السياسية من قرارات تستهدف الضرب بيد من حديد علي الرشوة والمرتشين وضد كل من يعمل علي استغلال موقعه ونفوذه فان ما نشهده من تجاوزات واستغلال نفوذ من جانب من عهدت اليهم قياداتهم من مهام تستهدف التيسير لا التعسير, والطهارة لا القذارة يكاد يعصف بما تحقق من انجازات في هذا المجال, وهنا لانستثني المواقع السيادية التي ثمة من يعتبرها حلقة اتصال مع الخارج. ولذا لم يكن غريبا ان يسقط بعض كبار القيادات التنفيذية والقضائية, بل والعسكرية كما اعلن مؤخرا النائب العسكري العام سيرجي فريدينسكي في إطار الاعراب عن قلقه تجاه ارتفاع مستوي الفساد وصدور الاحكام بسجن ستة من جنرالات القوات المسلحة الروسية, وكان فريدينسكي سبق واعلن ان جرائم الضباط بلغت أعلي مستوي لها خلال السنوات العشر الأخيرة وانهم اي الضباط يرتكبون جريمة من كل اربع جرائم في القوات المسلحة وهو اعلان بالغ الخطورة لان السنوات العشر الأخيرة هي سنوات الحكم الرشيد للرئيسين بوتين وميدفيديف التي تدين لهما روسيا باستعادة وقارها وموقعها المتميز في الساحتين الاقليمية والدولية, وللحقيقة نقول ان ما تشهده بعض المؤسسات السيادية من تجاوزات واستغلال للنفوذ بلغ حدا لم يسبق له مثيل حتي خلال اوج سنوات الفوضي في تسعينيات القرن الماضي, وإذا كان الرئيس ميدفيديف عاد مؤخرا ليقول في رسالته الشهيرة التي نشرها تحت عنوان روسيا.. إلي الامام عبر موقعه في الانترنت ان روسيا لاتملك قضاة جددا مثلما لايوجد لديها اجهزة جديدة للنيابة العامة والشرطة والمخابرات وان التغيير سيكون تدريجيا فان ذلك لايمكن ان يكون مبررا لاستمرار الفاسدين والمرتشين في مجالات البحث عن سبيل لتوفيق أوضاعهم.