مازلت أذكر أن البروفيسور الفرنسي قال في حيثيات قبوله لأن يكون عضوا في مناقشة أحد زملائنا اللبنانيين إنه أزهري ولأنه يكن احتراما لهذه المؤسسة المصرية العريقة وأن زميلنا كان طالبا فيها وجاء إلي باريس كي يواصل دراساته التي بدأها هناك. والحق أني شعرت بالغيرة أن جامعة الأزهر لها هذا التأثير علي أساتذتي وتمنيت من كل قلبي أن أكون أزهريا خصوصا عندما قال الثاني إنه وقع في حب هذه المؤسسة التي كانت في رأس المؤسسات المصرية التي تكافح الفتنة الطائفية وحكي أن أحد رجال الدين المسيحيين اعتلي منبر الأزهر وأخذ يخطب في الناس إبان ثورة1919, ولعل هذا السبب هو الذي جعل شعار الصليب مع الهلال يقفز الي الواجهة. أيا كان الأمر فالأزهر الشريف يعرفه الفرنسيون أكثر منا كما يعرفون تاريخ الأهرامات وسقارة وأبي الهول..ويعدونه أحد ملامح مصر الحديثة ولذلك يعتبرون الامام محمد عبده وهو أحد الأزهريين الكبار, أحد عباقرة هذا الزمان ويقفون أمام دعوته الشهيرة والخاصة بأحكام الأزهر بإعجاب شديد.. والشئ نفسه يفعلونه مع طه حسين الذي كتب عن إصلاح الأزهر أكثر من مرة في كتبه, أما في أحاديثه الاذاعية,, وغير الاذاعية فكان يتكلم الرجل دون مواربة, فلقد خبر الأزهر الشريف ودرس فيه وحصل علي درجة العالمية وسجل هذا الأمر في كتابه ذي المجلدات الثلاثة الايام. حتي إن إصلاح الأزهر لم يسلم من كاتب آخر هو عباس العقاد.. وهو ليس أزهريا كحال طه حسين, لكنه خصص كلامه كثيرا عن إصلاح الأزهر المسجد والجامعة ويبدو ان الأزهر قديما كان منوطا به التغيير فتجد أن كتابا آخرين غير أزهريين مثل هيكل والمازني قد كتبوا في إصلاح الأزهر لكن أشك كثيرا في أن الذين يتولون مسئولية الأزهر الشريف في هذه الأيام يعرفون ذلك.! وأذكر أن عدوي احترام الأزهر قد انتقلت من العلماء الي رجال السياسة فعندما كان ساركوزي وزيرا للداخلية وكان مسئولا بحكم وظيفته عن الأديان لجأ الي فتاوي الأزهر ولشيخ الأزهر السابق تحديدا يسأله رأيه في الحجاب! أيا كان الأمر, فالأزهر الشريف يحتل ساحة كبيرة في أذهان الفرنسيين والعالم, وربما يعود السبب الي الإمام محمد عبده الذي جمع تراثه الشيخ اللبناني رضا.. وكان يشغل الإمام منصب الافتاء بعد ان حرمه حاكم مصر وقتذاك من منصب شيخ الأزهر! كل الفتاوي ومن بينها فتوي القبعة, وفتوي أبناء الترنسفال.. وكان الإمام يرحمه الله يناقش كل ذلك ويبعث برسائله الي شعب الترنسفال في حرية شديدة.. أقول ذلك بعد أن وضع شيخ الأزهر الحالي وهو الأمام الأكبر الشيخ الدكتور أحمد الطيب حوائط سد بينه وبين الناس.. فالرجل كان يشغل منصب رئيس جامعة الأزهر لكن كان قريبا من الطلبة وكان يتعامل معهم مباشرة دون مستشارين ودون متحدث رسمي, أما عندما انتقل الي مشيخة الأزهر.. فقال لي الفرانكفونيون الذين درسوا معه ان الرجل تخندق واصبح الحديث معه مستحيلا.. قالوا ذلك عندما فرحوا به وارادوا الاتصال ليحتفوا به! فلقد اصبح فرانكفوني شيخا أكبر للأزهر الشريف! اتذكر ذلك بعمق كما أتذكر ان الرجل سياسي اكثر منه دينيا. عندما تحدث وكان في كنيسة العباسية عن بيت الاديان كان حديثا للاستهلاك المحلي إذ لم يسمع أحد عن بيت الأديان من قبل.. اللهم إلا حديث الدكتور علي السمان عندما كان يشغل منصب المسئول عن الحوار. كما يروي في ترجمته الشهيرة أوراق عمري.. وكان بيت الأديان هذا يأخذ مسمي آخر.. ايا كان الأمر نريد من الإمام الأكبر أن يكون خلفا لأفضل سلف وان يتذكر دون حوائط سد الإمام محمد عبده وأن تملأ سيرته الطيبة كل الأماكن. الشئ الآخر الذي اوده أن يكون الأمام الأكبر قريبا من الناس يحكي معهم ويكتب لهم وأن يبتعد عن الحوائط التي وضعها لتكون سدا منيعا بينه وبين الناس خصوصا أن سلفه وهو الشيخ الأكبر الراحل الدكتور سيد طنطاوي كان مفتوحا علي الناس يناقشهم ويبحث أوراقهم ويربت علي كتفهم وينأي بنفسه عن الانشغال بسفاسف الأمور! ولا أعرف لماذا لم يجعل الامام الاكبر الدكتور أحمد الطيب زميلا له مثل الدكتور ممدوح البلتاجي مثالا يقتدي به فقد التقي بوزراء السياحة السابقين له, وجعل يناقشهم عندما اختير البلتاجي شفاه الله وزيرا للسياحة إذ كنت أنتظر من الدكتور الطيب أن يدعو الي اجتماع عام يضم العاملين السابقين والحاليين في الحقل الاسلامي الذين بالقطع يعرفهم منذ أن كان رئيسا لجامعة الأزهر, ولكن الإمام الأكبر فعل مثل الآخرين فلقد أحاط نفسه بحوائط سد كما أوضحت وظل متخندقا وبعيدا عن الناس.. ان الدين للناس جميعا وليس لفئة دون أخري وحديثه الذي لم نعرفه جيدا عن بيت الأديان هل هو صورة أخري من مجمع الأديان الذي ملأ رجال الدين في زمن الرئيس السادات به رءوسنا به أم أنه شئ آخر. ما أتمناه بحق أن يعود الأزهر الشريف في زمن الامام الاكبر الدكتور أحمد الطيب الي سابق عهده.. هذا وحده أجدي له واحفظ لعهده.. إذ يتذكره اناس كما يتذكرون صولات وجولات الامام محمد عبده, وأن يلعب الأزهر الشريف الدور التوفيقي الذي كان يلعب به قديما فالفتنة الطائفية ليس لها وجود في مصر بالمعني الحقيقي.. وليس بالمعني الدارج أن يزور شيخ الأزهر الكنائس ان يلتقي بقداسة البابا ويبدأ في تبويس اللحي كما هو معروف, فالشعب المصري واحد اختلفت أديانه لكن كلها تتجه الي إله واحد.. هذا ما يجب قوله وفعله وممارسته, أما أن يكلف بذلك المستشارين والمتحدثين الرسميين.. فهذا ما لاقبل للشعب المصري به لأنه يجعل الأزهر الشريف مثل وزارات الري والتعليم وهو ليس وزارة.. هو بيت لكل المسلمين, ولا شك أن ليبرالية الفكر التي تعلمها الدكتور أحمد الطيب في باريس عندما كان طالبا يعد رسالة الدكتوراه تؤهله الي ذلك دون وجل أو خوف. ومن نافلة القول أن نذكر أن الأزهر الشريف هو مؤسسة إسلامية وبالتالي يجب ان تدس بأنفها في كل القضايا الاسلامية.. أما ان تتدثر في ماضيها التليد وان تضرب حصارا علي نفسها فهذا ما لا يرضاه احد لها.. كما أود صادقا ان نكف عن العويل بشأن الأزهر والازهريين, لأن الحديث عن الازهر الشريف يجعلنا لا نتذكر سوي الإمام محمد عبده الذي رحل عن دنيانا عام1905 أي منذ قرن ونيف, والسبب هو أن الرجل كان جريئا في قول ما يراه حقا.. وكان ليبراليا في تفكيره فقد أمضي عدة أشهر مع استاذه الافغاني في باريس عندما أصدرا معا مجلة العروة الوثقي التي لا أنفصام لها.. وهي صفات لا تبتعد عن شيخ الأزهر الحالي الذي يعتبره الفرانكفونيون إماما مستنيرا وهو بالفعل كذلك.