5 دول لن تشهد انتخابات مجلس الشيوخ.. سوريا والسودان وإسرائيل أبرزهم    محافظ القليوبية يتابع أعمال النظافة ورفع الإشغالات بالخصوص    الرئيس الإيراني يبدأ زيارة رسمية إلى باكستان السبت لتعزيز التعاون الثنائي    ملك المغرب يعطي تعليماته من أجل إرسال مساعدة إنسانية عاجلة لفائدة الشعب الفلسطيني    الرئاسة الفلسطينية: مصر لم تقصر في دعم شعبنا.. والرئيس السيسي لم يتوان لحظة عن أي موقف نطلبه    فرنسا تطالب بوقف أنشطة "مؤسسة غزة الإنسانية" بسبب "شبهات تمويل غير مشروع"    القوات الأوكرانية خسرت 7.5 آلاف عسكري في تشاسوف يار    البرلمان اللبناني يصادق على قانوني إصلاح المصارف واستقلالية القضاء    تقرير: مانشستر يونايتد مهتم بضم دوناروما حارس مرمى باريس سان جيرمان    عدي الدباغ معروض على الزمالك.. وإدارة الكرة تدرس الموقف    خالد الغندور يوجه رسالة بشأن زيزو ورمضان صبحي    راديو كتالونيا: ميسي سيجدد عقده مع إنتر ميامي حتى 2028    أبرزهم آرنولد.. ريال مدريد يعزز صفوفه بعدة صفقات جديدة في صيف 2025    مصر تتأهل لنهائي بطولة العالم لناشئي وناشئات الإسكواش بعد اكتساح إنجلترا    جنوب سيناء تكرم 107 متفوقين في التعليم والرياضة وتؤكد دعمها للنوابغ والمنح الجامعية    تحقيقات موسعة مع متهم طعن زوجته داخل محكمة الدخيلة بسبب قضية خلع والنيابة تطلب التحريات    محافظ القاهرة يقود حملة لرفع الإشغالات بميدان الإسماعيلية بمصر الجديدة    نيابة البحيرة تقرر عرض جثة طفلة توفيت فى عملية جراحية برشيد على الطب الشرعى    مراسل "الحياة اليوم": استمرار الاستعدادات الخاصة بحفل الهضبة عمرو دياب بالعلمين    مكتبة الإسكندرية تُطلق فعاليات مهرجان الصيف الدولي في دورته 22 الخميس المقبل    ضياء رشوان: تظاهرات "الحركة الإسلامية" بتل أبيب ضد مصر كشفت نواياهم    محسن جابر يشارك في فعاليات مهرجان جرش ال 39 ويشيد بحفاوة استقبال الوفد المصري    أسامة كمال عن المظاهرات ضد مصر فى تل أبيب: يُطلق عليهم "متآمر واهبل"    نائب محافظ سوهاج يُكرم حفظة القرآن من ذوي الهمم برحلات عمرة    أمين الفتوى يحذر من تخويف الأبناء ليقوموا الصلاة.. فيديو    ما كفارة عدم القدرة على الوفاء بالنذر؟ أمين الفتوى يجيب    القولون العصبي- إليك مهدئاته الطبيعية    جامعة أسيوط تطلق فعاليات اليوم العلمي الأول لوحدة طب المسنين وأمراض الشيخوخة    «بطولة عبدالقادر!».. حقيقة عقد صفقة تبادلية بين الأهلي وبيراميدز    النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بعدد من مدارس التعليم الفني ب الشرقية (الأماكن)    لتسهيل نقل الخبرات والمهارات بين العاملين.. جامعة بنها تفتتح فعاليات دورة إعداد المدربين    محقق الأهداف غير الرحيم.. تعرف على أكبر نقاط القوة والضعف ل برج الجدي    وزير العمل يُجري زيارة مفاجئة لمكتبي الضبعة والعلمين في مطروح (تفاصيل)    هيئة الدواء المصرية توقّع مذكرة تفاهم مع الوكالة الوطنية للمراقبة الصحية البرازيلية    قتل ابنه الصغير بمساعدة الكبير ومفاجآت في شهادة الأم والابنة.. تفاصيل أغرب حكم للجنايات المستأنفة ضد مزارع ونجله    الشيخ خالد الجندي: الحر الشديد فرصة لدخول الجنة (فيديو)    عالم بالأوقاف: الأب الذي يرفض الشرع ويُصر على قائمة المنقولات «آثم»    تمهيدا لدخولها الخدمة.. تعليمات بسرعة الانتهاء من مشروع محطة رفع صرف صحي الرغامة البلد في أسوان    ليستوعب 190 سيارة سيرفيس.. الانتهاء من إنشاء مجمع مواقف كوم أمبو في أسوان    تعاون مصري - سعودي لتطوير وتحديث مركز أبحاث الجهد الفائق «EHVRC»    كبدك في خطر- إهمال علاج هذا المرض يصيبه بالأورام    محافظ سوهاج يشهد تكريم أوائل الشهادات والحاصلين على المراكز الأولى عالميا    الوطنية للصلب تحصل على موافقة لإقامة مشروع لإنتاج البيليت بطاقة 1.5 مليون طن سنويا    وزير البترول يبحث مع "السويدى إليكتريك" مستجدات مجمع الصناعات الفوسفاتية بالعين السخنة    هشام يكن: انضمام محمد إسماعيل للزمالك إضافة قوية    ضبط طفل قاد سيارة ميكروباص بالشرقية    حملة «100 يوم صحة»: تقديم 23 مليونًا و504 آلاف خدمة طبية خلال 15 يوماً    انطلاق المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل من محافظة مطروح    SN أوتوموتيف تطلق السيارة ڤويا Free الفاخرة الجديدة في مصر.. أسعار ومواصفات    خبير علاقات دولية: دعوات التظاهر ضد مصر فى تل أبيب "عبث سياسي" يضر بالقضية الفلسطينية    بدء الدورة ال17 من الملتقى الدولي للتعليم العالي"اديوجيت 2025" الأحد المقبل    يديعوت أحرونوت: نتنياهو وعد بن غفير بتهجير الفلسطينيين من غزة في حال عدم التوصل لصفقة مع الفصائل الفلسطينية    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل برنامج التصميم الداخلي الإيكولوجي ب "فنون تطبيقية" حلوان    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    طارق الشناوي: لطفي لبيب لم يكن مجرد ممثل موهوب بل إنسان وطني قاتل على الجبهة.. فيديو    أمانة الاتصال السياسي ب"المؤتمر" تتابع تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 31-7-2025    فوضى في العرض الخاص لفيلم "روكي الغلابة".. والمنظم يتجاهل الصحفيين ويختار المواقع حسب أهوائه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
طيب الأزهر.. وأزهر الطيب
نشر في الأخبار يوم 17 - 08 - 2010

ان استرداد الأزهر لمكانته وهيبته، فيه فائدة وخدمة للإنسانية جمعاء، ويمكن القول إن الطريق بدأ مع الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب.
كثيرا ما توقفت في الساحة التي تفصل بين الازهر، والمشهد الحسيني، كثيرا ما تأملت العلاقة بين العمارتين من جميع الزوايا، من نهاية شارع المشهد الحسيني يمكن رؤيتهما معا، من الميدان ينفصل كل منهما عن الآخر، كنت اثق من وجود صلة. ومع التأمل الطويل، سواء كنت في المكان أو بعيدا أو نائيا عنه، القاهرة القديمة لها ظاهر وخفي، أما الظاهر فما نراه بالبصر المجرد، أما الخفي فما ندركه بالبصيرة، والبصيرة لا تكتمل إلا بالتحصيل، والتحصيل لا ينتج إلا عن معرفة، والمعرفة ثمرة قراءة طويلة عميقة تستدل علي الاجابات المرجوة، والنتائج المفضية، نعم المؤكد ثمة علاقة.
الازهر مركز الحكمة والعلم ومنطلق الدعوة، المشهد الحسيني رمز تضحية الانسان بحياته الفانية المحدودة من اجل فكرة، من أجل قضية يؤمن بها، انه مركز الاولياء وسيد القديسين في بر مصر كلها، الحكمة والقداسة والعلم والمعني كلاهما متجاوران، متواجهان، ومن هنا تحقق مصر رؤيتها الخاصة، الوسطية، البعيدة عن التعصب، غير المتناقضة مع ميراثها من الايمان القديم بوجود اله وراء الكون، وانتصار المعني الجليل حتي لو استشهد صاحبه، من هنا اصبح لمصر مفهومها الخاص بالاسلام بعد ان قبله اهلها واعتنقوه واكتمل هذا المفهوم في القرن الرابع الهجري والذي جاء فيه جوهر الصقلي غازيا يقود الجيش الفاطمي، وكعادة المنتصر أرسي الرموز، المسجد الجامع أي المركز الروحي، وضع اساس القصر الذي سوف يسكنه الخليفة، اي المركز السياسي، لنلاحظ اسماء المساجد التي شيدها الفاطميون، الازهر، الاقمر، الانور »جامع الحاكم بأمر الله« جميع المساجد مرت باطوار من الازدهار والانهيار، جامع الحاكم تحول الي اطلال، واستخدم مربطا للخيول في زمن الحملة الفرنسية، ودارا للآثار العربية في القرن التاسع عشر، ثم شيدت فيه مدرسة امضيت فيها سنة في المرحلة الابتدائية ثم ازيلت قبل بدء ترميمه بواسطة البهرة احد الفرعين الباقيين من الفاطميين، اما الفرع الاخر فهم الاسماعيلية ولهم مجهود كبير، رائع في ترميم الاثار الاسلامية بمصر، فاطمية وغير فاطمية من خلال المؤسسة التي تحمل اسم زعيمهم »أغاخان« - مسجد الاقمر في شارع المعز شهد اطوارا من التدهور، جميع المساجد عرفت الازدهار والانحدار المعماري فيما عدا الازهر، وايضا المشهد الحسيني بعد استقرار الرأس الشريف فيه قرب نهاية الدولة الفاطمية، احتضنت مصر آل البيت، حتي الذين لم يدخلوها منهم اقام لهم المصريون ما يعرف بمشاهد الرؤيا، وهناك شارع بالغ الاهمية، شديد الثراء ويبدأ من مسجد ابن طولون وينتهي بضريح السيدة نفيسة فيه مشاهد السيدة رقية، والسيدة عاتكة والسيدة سكينة، وكلهن لم يدخلن مصر، لكن أقيمت المشاهد نتيجة رؤي عرفها بعض الصالحين فاستجاب لهم اصحاب السلطة أو الامكانية، لا يعني تعلق المصريين بآل البيت انهم شيعة، هذا جوهر استيعاب المصريين للاسلام، الوسطية وهذا موضوع سوف أعود اليه مرة أخري، لانه يتصل بموقف المصريين من الدين، وهم اول من خاض المغامرة الروحية الانسانية من اجل الاهتداء الي الخالق سبحانه وتعالي وحاولوا النفاذ إلي ما وراء الواقع.
أزهر الوسطية
بدأ الازهر في الدولة الفاطمية كمركز عالمي للدعوة الشيعية الفاطمية، وبعد قرنين من الزمان زالت الدولة واعتلي الخطيب منبر الازهر ليدعو للخليفة العباسي السني في بغداد، ولم تظهر اي ردود فعل عنيفة، تكفل صلاح الدين الايوبي بازالة اثار الفاطميين الثقافية، وتحولت مراكز الدعوة إلي مساجد عادية، اما المصريون فلم يغيروا وسطيتهم، تعلقهم بآل البيت يقوي لكنهم ليسوا شيعة، الازهر اعتمد فيه المذهب الاشعري، ولعل الطريقة التعليمية المتبعة فيه كانت ذروة في حرية العلم، اذ كان الطالب الصغير عندما يقصده لتحصيل العلم يسأل عن المذهب الذي يرغب في الدراسة عليه من المذاهب الاربعة. كان المذهب الاثني عشري يدرس في الازهر، بل ان الازهر ضم خلال تاريخه رواقا للاقباط، اذ كان الاقباط يرسلون ابناءهم لدراسة الشريعة الإسلامية التي كان المجتمع يتعامل بها حتي بداية القرن التاسع عشر، بداية تأسيس الدولة المصرية الحديثة في عصر محمد علي، هذه الدولة التي لم تحسم امرها خلال قرنين من الزمان، أهي دولة حديثة بالفعل ام انها دولة دينية، وهذا ايضا موضوع يطول الحديث فيه ولي عودة اليه، فمن الازهر تتفرع طرق شتي، وافكار بلا حصر، لكنني اريد ألا افارق هذه المنارة التي اهتز قدرها خلال العقود الاخيرة، وغاب عن الجميع قيمتها، مما تتسبب في هذا الاضطراب الذي تتعدد أطرافه بدءا من موجات التشدد المصدرة إلينا الي محطات التليفزيون التي يتخذها النصابون ممن أوتوا ذلاقة اللسان، والقدرة علي خداع البسطاء وسيلة للنجومية وتكديس الثروة السهلة، بعض الدول العربية التي خرجت منها المذاهب المتشددة عملت من خلال طرق شتي علي اختراق الازهر مذهبيا، مثل تقديم المنح المشروطة، أو التركيز علي استدعاء اساتذة الازهر للتدريس بالجامعات التي تعتمد هذه المذاهب، ولكن عددا كبيرا من ابناء الازهر رفضوا تلك المحاولات وعادوا إلي ركنهم الركين، هذا من ناحية الخارج اما من الداخل فقد تأثر التعليم الازهري بما لحق التعليم العام من تدهور، اضافة إلي رغبة النظم السياسية المتعاقبة في السيطرة علي الازهر.
علي امتداد الف عام، كان الازهر مركزا للثقافة وللثورة ايضا، ولمقاومة المحتل، من ناحية الثقافة، كان الازهر المنارة الرئيسية في العالم الاسلامي، وحتي القرن التاسع عشر كانت العلوم الطبيعية تدرس إلي جانب العلوم الشرعية، كان الشيخ حسن العطار من أعظم الشخصيات التي عرفها تاريخ الازهر، وكان خبيرا في الفلك وعلم المياه، وهو الذي اختار تلميذه النابغة الشيخ رفاعة الطهطاوي ليكون اماما للطلبة المبعوثين إلي باريس، ويشاء القدر ان ينبغ الامام ويقوم بالدور الثقافي الرئيسي في الثقافة المصرية الحديثة بعد عودته، وهو من انشأ مدرسة الألسن العليا للغات. وأفضاله لا تحصي، ومن الشخصيات التي اثرت في تكويني تأثيرا عظيما الشيخ امين الخولي الذي عرفته من خلال ندوته الاسبوعية والتي كانت تعقد كل يوم أحد، هذا الشيخ العظيم احد مصادر تكويني ومن الامور التي استوقفتني تشابه بدايته مع الطهطاوي، اذ انه ذهب إلي روما في العشرينات موفدا من الملك فؤاد ليكون اماما للطلبة المبعوثين، وعاد إلي مصر ليصبح من اكبر العقول الثقافية التي صاغت الدور الثقافي المصري في النصف الاول من القرن العشرين، كان امتدادا للشيخ المجدد العظيم محمد عبده.
في المحيط المجاور للازهر حتي الان نجد عددا من المكتبات المهمة وبعضها مازال يواصل رسالته، وكان اهمها مكتبة محمد صبيح، ومصطفي الحلبي، وغيرهما، وفي الازقة والدروب المجاورة انتشرت المطابع، بدءا من المطابع الحجرية وحتي المطابع الحديثة، ومنها خرجت اول جريدة باللغة الكردية، واول كتب باللغة المالاوية التي كانت ترسل إلي المالايو علي نفقة الحكومة المصرية، كذلك الكتب باللغة الامهرية في الحبشة، كان الازهر يمارس دوره الثقافي العالمي من خلال خصوصية المجتمع المدني المصري، فنفقاته كانت تكفلها الاوقاف، التي يقررها القادرون في المجتمع، وللاسف تم الاستيلاء علي هذه الاوقاف من الحكومات المصرية المتعاقبة، وذلك في اطار السياسة قصيرة النظر التي تستهدف إحكام قبضة الحكومة علي الازهر، وفي رأيي ان وجود ازهر قوي مستقل ذي مصداقية وهيبة اكثر فائدة للنظام السياسي ايا كان .
منبر الجهاد
مازلت اذكر ذلك اليوم من عام ستة وخمسين، كان العدوان الثلاثي قد بدأ والمعارك مضطرمة في بورسعيد، وعنوان جريدة الاخبار »بورسعيد دفعت ضريبة الدم« يوم الجمعة صحبنا الوالد لصلاة الجمعة في الازهر مازلت اذكر مشاعري الفياضة، الوطنية، كنت في الحادية عشرة وعندي رغبة في ان اقوم بشيء ما لا اعرف ما طبيعته، الرغبة في المشاركة التطوع، كانت مصر تعيش لحظة استثنائية من اللحظات التي تنتفض فيها روحها الدفينة، الخبيئة، وكان المركز المؤجج هو الازهر، ادرك جمال عبدالناصر طبيعته ودوره في مثل هذه الظروف الاستثنائية فاختار منبره ليعتليه بعد صلاة الجمعة ويعلن من فوقه انه موجود هو وأسرته وانه سيقاتل، سيقاتل، سيقاتل.
مازلت اذكره بقامته الفارهة، وبساطة لباسه، وسطوع حضوره، وقوة خطابه، لم يكن حوله إلا نفر قليل من رجال الامن وعدد من اعضاء مجلس قيادة الثورة، لا اذكر منهم وجها واحدا، كنت في الصف الثاني المواجه للمنبر، إلي جوار والدي وشقيقي اسماعيل ومن اللحظات المؤثرة المشعة في ذاكرتي، رد فعل المصلين والحاضرين بين جنبات المسجد، وارتفاع الاصوات »الله اكبر«.
كان عبدالناصر يقف في نفس المكان الذي وقف فيه زعماء المصريين منذ العصور الوسطي التي شهدت اعلان الجهاد ضد الغزاة الاجانب، أو الذين تمكنوا منها كما جري بعد الغزو العثماني وانهيار الدولة المصرية، كان الازهر هو ملاذ الفقراء والمهضومين ومن لحقهم الضيم من المماليك، ومن العبارات التي لا انساها ما قرأته في تاريخ الجبرتي، عندما كان الشيخ احمد الدردير يصيح في المصريين المساكين الذين لجأوا اليه.
»هيا بنا نأخذ حقكم من الظلمة«
وخلال الحملة الفرنسية كان الازهر مقرا ومركزا لقيادة ثورتين كبيرتين وبعد الثورة الاولي قام الفرنسيون بشق شارع جوهر القائد أو كما يعرف بالسكة الجديدة لتسهيل وصول القوات الفرنسية إلي الازهر مركز الثورة ومعقلها، هذا ما اقدم عليه الانجليز بعد اكثر من قرن فخلال ثورة 9191 اعظم ثورات الشعب المصري في تاريخه الحديث، وكان الازهر مركزا للقيادة والتأثير فوق نفس المنبر وقف الشيوخ والقساوسة محققين أروع صور الوحدة الوطنية ومؤسسين للصيغة التي استمرت راسخة حتي بداية السبعينيات والتي تلخصت في »الدين لله والوطن للجميع«.
كان الازهر ملاذا للفقراء، وللمضطهدين، ومركزا للثورة ضد المحتل الاجنبي، والظلم المحلي، والي جانب دوره الثقافي العالمي فهو يعد بذلك استثناء في دور العلم بالكوكب كله، كما كان الركن الركين في الدور الثقافي المصري كان شيوخه واساتذته يقصدون اركان الارض لنشر الإسلام بمفهوم صحيح يعتمد الوسطية، الانفتاح وليس التشدد، هذا الصرح تمكنت بعض المذاهب المتشددة من اختراقه، وفي جامعة الازهر الحديثة علي سبيل المثال قاعة تحمل اسم صاحب إحدي القنوات التليفزيونية العربية بعد ان دفع مليونا من الجنيهات.
وبسعي من استاذ قانون في الجامعة يعمل مستشارا له. هذا نموذج ضئيل من استباحة الازهر والاستهانة به ومحاولة تقزيمه من الخارج والداخل، ومضت الامور من سييء إلي اسوأ خلال العقود الاخيرة إلي ان لاح الامل، ذلك الضوء المثير المتفائل، في تولي فضيلة الشيخ الدكتور احمد الطيب مقاليد الامور.
أزهر الطيب
المتتبع لهذه اليوميات منذ ان بدأت كتابتها عام خمسة وثمانين سيجد انني افردت العديد منها لذكر فضائل آل الطيب بالقرنة عموما وفضيلة د. أحمد الطيب خصوصا، لن اكرر ولن اطيل، لكنني اقول باختصار انني لم اعرف مثله مثالا في غزارة العلم، وصفاء الروح، والزهد الحقيقي، والتواضع الجم، وسعة الافق، والقدرة علي المجادلة، والغيرة علي الاسلام مع فهم روح العصر، والقدرة علي الملاءمة بين جوهر الدين، ومتغيرات الوقت، اما خصاله الشخصية فمما يجل عنها الحصر، ويكفي ان الانسان اذا قصده وهموم الدنيا مثقلة له فانه يصفو ويرق بتأثير حضرته وصفاء روحه، ولعل هذا احد مصادر قربه الحميم من الخلق في ساحة الطيب بالقرنة، وقد شرفت بصحبته في المغرب ورأيت مكانته عند القوم، وفي قطر حيث كان يعقد مؤتمر للاديان واشهدت قوته وجرأته في الطرح، ولعل حواره المهم مع الاستاذ مكرم محمد احمد دليل علي ذلك، فقد قال فيه مالم يجرؤ احد علي قوله من قبل، خاصة فيما يتعلق بالافاقين الجدد الذين زحموا شاشات التليفزيون باعتبارهم دعاة.
ان بعض الدعاة الجدد كارثة علي الاسلام والمسلمين، واسترداد الازهر لدوره يضع حدا لهذا العبث الجاري الان علي شاشات التليفزيون التي اصبحت اكثر تأثيرا من قلاع العلم العريقة ومن القوي السياسية، خاصة مع ضعف الاحوال، وانتشار الجهل والغوغائية، كذلك ما قاله عن ربط السيف بالاسلام والتأثير السلبي لهذا الربط علي صورة الدين الحنيف الذي لم يفرض بحد السيف انما بالدعوة والاقناع.
لن افيض، ولكنني ارجو من الاستاذ اسامة الشيخ ان يعيد بث حلقات الحوار الاسبوعي الذي كان يجري مع فضيلة الامام الاكبر علي قناة النيل الاخبارية، من خلال القناة الاولي، واتاحتها للناس في مواقيت الذروة للتعرف علي فكر فضيلة الامام الاكبر الذي سلك الطريق الازهري منذ طفولته حتي حصوله علي العالمية الدكتوراه من كلية اصول الدين، ثم ذهابه بنفسه إلي المركز الفرنسي واتقانه اللغة الفرنسية، ثم إلي باريس ليعيش في تقشف تام وتواضع جم، ولانه سلك كما كان يفعل اسلافه من الزهاد العظام، احبه الناس واسلم عدد من الذين عرفوه علي يديه وهذا ما تكرر كثيرا في القرنة التي يحتك اهلها مع جميع جنسيات العالم وفي ساحة الطيب يمكن ان نري ذلك، بالسلوك القويم وضرب القدوة وليس بالعنف أو الطرق الملتوية أو الاكتفاء بالمظاهر ينتشر الاسلام، وتقوي أسسه وركائزه.
لن اخوض في مناقبه وفضائله فكل من اقترب منه يمكنه ان يعرف شيئا منها، كذلك علمه الغزير، ولكنني فقط سأذكر بعضا مما وصل اليَّ من قراراته التي اتابعها من الغربة عبر قراءتي للصحف المصرية علي الإنترنت، واتصالاتي الهاتفية مع الحميمين ورفاق العمر.
قرأت قراره بتدريس اللغتين الفارسية والعبرية، هذا عين الحكمة، ليس تدريس اللغة فقط، وانما الاحاطة بالثقافتين، بالطبع المنطلق لكل منهما مختلف، الفارسية لأنها لغة امة عظيمة اضافت إلي الاسلام الكثير، بل ان كبار العلماء والفلاسفة الذين صنعوا مجد الحضارة الاسلامية جاءوا من وراء النهر »اسيا الوسطي« الخلافات السياسية لا تعني تناول الجذور العميقة للعلاقات، والازهر يمكن ان يلعب دورا كبيرا في تقارب المذاهب الاسلامية، وكان هناك جهد مبذول منذ الاربعينيات، اما العبرية فهي ثقافة اساسية من مكونات الشرق، ولا يمكن تجاهلها، ودراستها ضرورية، واجبة، ويمكن ان يضيئ الكثير في الصراع العربي - الاسرائيلي، المعرفة ضرورية.
القرار الثاني: ايفاد علماء الازهر إلي افريقيا، وإلي افغانستان وهذا عودة بالازهر إلي دوره التاريخي في الدعوة، ومازال للازهر مكانته في الدول التي ذاقت مرارة وخطورة التشدد.
القرار الثالث: يتصل باصلاح المسار التعليمي منذ البداية وحتي المستويات العليا من الجامعة واقرار تدريس المصادر الاساسية للمذاهب الاسلامية المختلفة.
القرار الرابع: الذي علمنا انه في الطريق عودة هيئة كبار العلماء التي حل محلها مجمع البحوث الاسلامية.
القرار الخامس: مضاعفة الميزانية المخصصة لمساعدة الفقراء واصحاب الحاجات لتصبح اربعين مليون جنيه، وهذا مبلغ ضئيل بمقاييس الوقت، واذا كانت عودة اوقاف الازهر في منطقة التمني الان، فيمكن ان يكون البديل لها تبرعات القادرين، خاصة من رجال الاعمال القادرين، هذا ما أدعو اليه بقوة، هذا ما وقفت عليه وانا بعيد الان عن الوطن.
ثمة تفاصيل عديدة يطول الخوض فيها، لكن الشيخ الجليل خاض مسيرة الاصلاح التي تستهدف استرداد هيبة الازهر وعودته إلي مكانته، وهذا يقتضي التفاف المثقفين والقادرين وجميع التيارات الوطنية الحريصة علي دور مصر الثقافي بالمعني العميق، وعلي الحكومة ان تنأي عن الصغائر مثل استخدام الازهر في امور سياسية عابرة، اعرف ان شخصية الامام الاكبر لن تقبل ذلك لكن يجب ان يكون ذلك محور سياسة ثابتة، ان الازهر القوي، المستقل، المهاب، سيعود خيره علي الاسلام والمسلمين والانسانية كافة. والوطن ووجود شخصية بقامة وتكوين الامام الاكبر الدكتور أحمد الطيب فرصة وبداية لطريق طويل يجب ألا نفقده.
قرآن كريم:
فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ
الواقعة، الآية 89


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.