تأكد لي بعد ما كتبته في مقال الأحد الماضي, صدق رهاني علي أصالة وقيم المصريين, فعقب نشر المقال الذي كان عنوانه في إنصاف وزير سابق, اتصل بي عشرات القراء والمسئولين وتلقيت العديد من التعليقات, التي تدور كلها حول قيم الوفاء وترسيخ مفاهيم الإنصاف بالحق والعدل وتقييم أداء أي مسئول تولي موقعا وتركه دون الإساءة لشخصه ولدوره وعدم تكرار ظاهرة إطلاق النيران بكثافة علي المسئول بعد أن يخرج من منصبه, ويبدو أن تلك عادة مصرية قديمة, وبصدق شديد وخلال متابعاتي الدقيقة لسياسات الرئيس حسني مبارك وخطاباته وتصريحاته لاحظت اهتمام الرئيس بترسيخ قيمة الوفاء للقيادات المصرية السابقة وحرصه الدائم في المناسبات الوطنية أن يذكر جهودها ودورها ويضع أكاليل الزهور بنفسه علي أضرحتها, بإيمان كامل بأن كل قيادة أدت دورها في ظروف سياسية مختلفة, وأن تاريخ الشعوب هو حلقات متواصلة ومحطات يؤدي فيها كل شخص تولي المسئولية دوره ومهامه, ينجح في بعضها ويخطئ في بعضها الآخر, ولكن ذلك لا يقلل أبدا من حجم عطائه ودوره, وبهذا السلوك الرئاسي الرفيع, أرسي الرئيس مبارك تقليدا سياسيا وفكريا وإنسانيا, تجاوز به ظاهرة فتح النيران, ومحاولات شطب المراحل ومحوها من علي جدران التاريخ والمعابد, وأعتقد أن ما فعله وزيرنا الجديد الدكتور أحمد زكي بدر, باتصاله بالدكتور يسري الجمل ثم حرصه علي الإجتماع به في وجود الدكتور هاني هلال وزير التعليم العالي, وحرص الوزير الجديد علي مناقشة جميع القضايا المتعلقة بالتعليم, يؤكد استمرار السياسات العامة لكل وزارة حتي لو تم تغيير الوزير, فهناك خطط وتوجهات للدولة ورؤية شاملة وسياسات لأي وزارة أو موقع, وهي لا تختلف باختلاف الوزير أو المسئول, صحيح قد يختلف الأداء أو الطريقة, حسب كل مسئول, ولكن يبقي الإطار العام هو الحاكم لتنفيذ هذه السياسات, ويبقي أيضا تواصل الأجيال والبناء والأداء, دون انقطاع, إنها مبادرة حضارية من د.أحمد زكي بدر وزير التربية والتعليم الجديد, الذي اقترح عليه وهو الاستاذ الجامعي المرموق والوزير المتحضر, أن يقوم بلفتة أكثر تحضرا, ويدعو كل وزراء التربية والتعليم السابقين بدءا من د.فتحي سرور ومرورا بالدكتور حسين كامل بهاء الدين ود.أحمد جمال الدين موسي وانتهاء بالدكتور يسري الجمل, دون نسيان اسم الراحل الكبير د.مصطفي كمال حلمي, لتكريمهم في إحدي قاعات الوزارة, ليؤكد وهو الوزير السياسي, الذي يمتلك رؤية واستراتيجية وتجربة نجاح سابقة في احدي كبريات الجامعات المصرية, علي كل القيم النبيلة والمحترمة في حياتنا. ونحن نثق في الوزير الجديد د.أحمد زكي بدر وقدرته علي مواصلة جهود مسيرة إصلاح التعليم واستكمال ما بدأه الوزراء السابقون, ومبعث ثقتنا الكبيرة ينطلق من خبرته العلمية والتعليمية التي تمتد لنحو30 عاما متواصلة شملت جامعات وكليات مصرية وعربية ودولية إلي جانب خبرته العلمية في تصميم نظم الحاسبات والمعلومات وبناء مراكز المعلومات, فضلا عن خبرته التربوية كمحاضر وانضباطه الإداري والعلمي كرئيس لجامعة عين شمس. وأمام وزيرنا الجديد في شارع الفلكي وهو عنوان مقر وزارته المثيرة دائما للاهتمام والجدل بحكم ارتباطها بملايين الأسر والأبناء, مشوار طويل لمواصلة الاستراتيجية القومية للتعليم, والإسراع في وضع اللمسات الأخيرة لمشروع تطوير نظام الثانوية العامة, وإخراج قانون الحوافز للعاملين والإداريين العاملين في مجال التعليم أسوة بما حدث في كادر المعلمين, ومواجهة حالة الفراغ الدراسي التي نجمت عن ظهور إنفلونزا الخنازير, حتي تعود العملية التعليمية لطبيعتها, ولكن الأهم من كل هذا هو محاولة الوصول لقناعة مجتمعية خاصة من جانب أولياء الأمور بأهمية تغيير النظرة القديمة للتعليم المستندة علي الحفظ والتلقين والحصول علي الشهادة في النهاية, واستبدالها بقناعة جديدة وبفهم واضح بأن التعليم والمدرسة هما مفتاح بناء شخصية الطفل وأن الهدف الحقيقي منه هو تنمية قدرات التلاميذ وتعلمهم قيم الحوار والمشاركة والفهم وان الحصول علي الشهادة النهائية تعني حصول الأبناء علي رخصة وتصريح يتيح لهم المشاركة في الحياة وتسهيل فرص مناسبة لهم للالتحاق بوظائف ونوعيات مختلفة من مجالات العمل لاتقتصر علي نوعية ما يتعلمونه. أعلم أنها مهمة صعبة ولكنها ليست مستحيلة, ولذلك يقتضي منا الأمر دعم ومؤازرة وزيرنا الجديد في شارع الفلكي د.أحمد زكي بدر, أما الصديق والأخ الأكبر والعالم الكبير والاستاذ المرموق د. يسري الجمل فأقول له, لقد أديت واجبك مثلما أديته كمقاتل أثناء حرب التحرير في أكتوبر العظيم, ومازلنا نحتاج لعلمك وخبرتك, التي ربما ستكون أكثر نفعا وتأثيرا وأكثر فائدة للوطن, من مواقع أخري لا تدوم, أما ما قيل في بعض وسائل الإعلام فهو نوع من الخفة ومجرد صراخ, فالحقيقة في النهاية دائما ماتظهر والتاريخ يسجل كعادته الحقائق ولا يهتم كثيرا بالصراخ والعويل. وأني علي ثقة كما قلت لي إن د.أحمد زكي بدر وزير التربية والتعليم سيواصل مسيرة ما بدأته أنت ومن سبقك, وهو قادر ويستطيع ذلك, أما نحن فعلي ثقة أيضا بأننا يمكن أن نراك في مواقع جديدة تضيف إليها من علمك وتخصصك النادر وخبرتك, فاختلاف المواقع لايغير الإنسان ولا يقلل من عطائه, ونحن ننتظر عطاءك كعالم وأستاذ, والأهم من كل هذا كإنسان يستحق التكريم, حتي لو لم يكن وزيرا, وأعتقد أن ذلك من شيم المجتمعات المتحضرة, وأعتقد أننا كذلك ومازلت أراهن عليه؟. المزيد من مقالات مجدي الدقاق