يوم الاثنين الماضي نشرت مقالا تحت عنوان "تركيا التي تتلاعب بنا" وكان المقال يدور حول أهمية أن يكون للعرب كلمتهم المسموعة النابعة من رؤيتهم الخاصة، وألا يدعوا احدا يتحدث عنهم، لا أوباما ولا تركيا ولا غيرهم..، ولم يكن المقال هجوما لا علي تركيا ولا علي رئيس وزرائها بقدر ما كان توضحيا لنقطة مهمة تتمثل في أن استبعاد تركيا لاسرائيل من مناورات نسر الاناضول لم يكن له علاقة باحداث غزة التي وقعت في نهاية العالم الماضي بقدر ما كان احتجاجا تركيا علي اسرائيل لعدم وصول معدات عسكرية مهمة اشترتها من اسرائيل منذ اربع سنوات، وكان مفترضا أن يتم التسليم في مايو الماضي ولم يتم التسليم حتي الآن. والمقال واضح وصريح ويمثل وجهة نظر قد تكون صائبة وقد تكون خاطئة، ولكنه نوع من الاجتهاد المبني علي اساس أن التجارب علمتنا أن العرب هم اللقمة السائغة التي يسهل التهامها في مساومات الساحة الدولية، وأننا لهذا يجب أن نتوقف عن الاعتماد علي الاخرين في مساعدتنا علي حل قضايانا، وأن كلمتنا يجب أن تكون مسموعة لانه لا أحد يهتم كثيرا العرب ولا بقضاياهم..! وفور نشر هذا المقال تلقيت سيلا من التعليقات والرسائل علي بريدي الالكتروني وعلي عدد من مواقع الإنترنت تفسر المقال بتفسيرات غريبة لا علاقة لها بكل ما ذكرته وتحمله أبعادا اخري تأخذ اشكالا غريبة ومفاهيما لم تكن متوقعة ولا مجال لها. ويبدو أن ثقافتنا لا تسمح بالاختلاف في الرأي رغم كل ما يرفعه البعض من شعارات حول حرية التعبير وتعدد الآراء، فالبعض لا يريد ان يقرأ أو يسمع إلا ما يتفق مع مفاهيمه وآرائه وثقافته، والبعض ينظر إلي كل ما يكتب علي أن وراءه اهدافا اخري أو مصلحة ما. وصاحب هذا القلم الذي عمل في مهنة الصحافة لاكثر من 35 عاما يتشرف بأنه لا يكتب إلا كل ما هو مؤمن به، وكل ما هو نابع عن قناعات ذاتية بعيدا عن إرضاء أي كائن كان، ولا مصلحة لي مع احد ولا اتلقي توجيها إلا من ضميري ومن غيرتي علي هذا الوطن الكبير الذي يستحق مكانة افضل في خارطة الكون. وقد ساق بعض الافاضل في تعليقاتهم بعض الآراء الغريبة التي حاولت التقليل من مكانة مصر ودورها والإيحاء بأن الدور التركي في خدمة القضية الفلسطينية هو اكبر من الدور المصري، واستخفوا كثيرا بما قدمته مصر لمساعدة الفلسطينيين، وهي اقاويل مرفوضة وتعليقات تفتح الباب لمساجلات تعمق من حالة التباعد والانقسام بدلا من أن تكون سبيلا للم الشمل ونهضة الامة وعودة الوعي كما ندعو وكما نرغب. وتحدث بعض الافاضل عن المقال علي أنه هجوم علي تركيا السنية التي تقف في وجه المد الشيعي، وذهب احدهم إلي حد الترحم علي الحكم العثماني للعالم العربي واصفا إياه بأنه كان مثل الخلافة الاموية والعباسية..! وقال أحد السادة القراء إن تركيا وحدها تعادل العرب جميعا، وقال آخر إن كل همكم هو اسقاط اردوجان..! وفي الحقيقة بقدر ما اسعدتني كل هذه المشاركات والتعليقات العديدة التي حملت نوعا من الوعي والتطلع لمعرفة الحقيقة التي أكدت أيضا أن هناك من يقرأ وهناك من يهتم بقدر ما احزنني هذا الكم الهائل من الرغبة في جلد الذات والتهوين من قيمة وامكانيات انفسنا والميل دائما إلي الاستعانة بآخرين لمساعدتنا..! ان احداً لا ينكر صدور العديد من التصريحات التركية التي تمثل تغيرا في سياسيات تركيا تجاه العرب والمسلمين التي تعود بتركيا إلي قاعدتها الاسلامية بعد عقود من السياسات العلمانية، وهو أمر يستدعي الإشادة والتشجيع، ولكننا علي قناعة بأن التصريحات وحدها لم تكن يوما كافية لحل أي قضية أو لإنهاء أي احتلال، ولو كان الامر كذلك لما كانت للحروب قيمة ولا لتضحيات شهدائنا فائدة..، والكارثة أن البعض بعد ذلك يقولون اننا لم نفعل شيئا ويصبون علينا اللعنات.. الله يهديكم.