يبدو أن كل من يريد أن يحقق مصالحه الخاصة لابد وأن يستخدم العرب في طريقه..! فنحن نصدق كل ما يقال لنا، ولا نتعلم لا من التاريخ ولا مما يجري لنا..! والتاريخ يقول إننا ننبهر دائما بالكلام المعسول والوعود والمواقف العنترية..! فعندما أتانا الرئيس أوباما قبل بضعة أشهر، وألقي خطابه المشهور في جامعة القاهرة، صفق له الجميع وهتف البعض له في القاعة "نحن نحبك يا أوباما"، وتصور العرب أنهم أمام رئيس جديد سيعيد كتابة التاريخ بالحق والضمير.. ولكنهم اكتشفوا بعد عودته لبلاده أنه لا يمارس ضغوطا إلا عليهم ويطلب تنازلات إلا منهم..! وعلي نفس النهج جاءنا وزير خارجية تركيا يتحدث بلغة صداقة جميلة ويحاول أن يقوم بزيارة إلي الفلسطينيين في قطاع غزة، ومن قبل افتعل رئيس وزراء تركيا أردوغان موقفا دراميا وانسحب من جلسة دولية جمعت بينه وبين شيمون بيريز رئيس إسرائيل..!. وحاولت تركيا أن تكمل تمثيلية خداع العرب بالقول إنها طلبت استبعاد إسرائيل من مناورات نسر الأناضول بذريعة أن الرأي العام التركي غاضب من إسرائيل بسبب ما قامت به من أعمال ضد الإنسانية في قطاع غزة في نهاية العام الماضي وبداية العام الحالي!. وكدنا نصدق ما تقوله تركيا ونصفق للصديق التركي الذي بات مناصرا للقضايا العربية وللدولة التركية التي تحاول أن تلعب دورا جديدا في المنطقة يمنح العرب ورقة أخري للضغط والمناورة..!. ولكن الحقيقة ظهرت بسرعة.. وعملية الخداع واستغلال العرب لم تستمر طويلا، فقد تناثرت الأقاويل من تركيا وخارجها تؤكد أن الموقف التركي من رفض مشاركة إسرائيل في المناورات لم يكن احتجاجا علي عملية الرصاص المصبوب التي نفذها الجيش الاسرائيلي في قطاع غزة، وإنما كانت احتجاجا علي عدم وصول معدات عسكرية مهمة اشترتها تركيا في إسرائيل قبل أربع سنوات ولم يتم تسليمها حتي الآن..! والمعدات التي يجري الحديث عنها هي عشر طائرات مراقب بدون طيار وكان مفترضا أن يتم تسليمها في مايو الماضي ولم يتم التسليم وهو ما أثار حفيظة القيادة العسكرية التركية فأوعزت للقيادة السياسية برفض مشاركة إسرائيل في المناورات كنوع من الاحتجاج والضيق..! وفور ظهور الحقيقة فإن رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان ظهر في قناة "العربية" ليقول لنا إن تركيا منعت إسرائيلي ما فعلته في غزة! وأعاد أردوغان التذكير بدور تركيا الصديق واستعدادها لمعاودة وساطتها في مفاوضات السلام غير المباشر بين سوريا وإسرائيل والتي بدأت في مايو 2008 وتوقفت مع نهاية العام الماضي بسبب الهجوم الاسرائيلي علي قطاع غزة. والواقع أنه لا يمكن الوثوق في أي نوع من الوساطة تقوم به تركيا، وسيكون من الحماقة استمرار عمليات التفاوض في الخفاء والتي تتجاهل إرادة الشعوب ورغباتها وتحمل قدرا كبيرا من التنازلات والصفقات المشبوهة..! وإذا كان لابد من حوار حقيقي حول السلام فليكن من خلال مؤتمر دولي يجمع الاطراف دون الوقوع في الخطأ التاريخي الذي سبق أن وقعنا فيه وهو المباحثات المنفردة مع إسرائيل والتي لاينجم عنها إلي صلح منفرد يتيح لإسرائيل التخلص من طرف آخر من أطراف المعادلة ويجعل موقفها يزداد قوة وتشددا في مواجهة بقية أطراف التفاوض علي ما بقي من قضايا. إن تركيا لن تكون متحدثا باسم العرب.. ولن تمارس علينا نوعا جديدا من الوصاية أو الهيمنة فلن تكون تركيا أبدا الأمين الصادق علي العرب بقدر ما ستستفيد من تواجدها العربي في تحسين أوراقها التفاوضية مع أوروبا وفي دعم علاقاتها بالولايات المتحدةالأمريكية وفي بيع العرب في أي وقت لن يحقق لها مصالحها وما أسهل وأرخص بيع العرب..! [email protected]