عندما صدر قرار رئيس الجمهورية رقم94 لسنة2003 بإنشاء المجلس القومي لحقوق الإنسان وإعلان تشكيله برئاسة د. بطرس غالي, كنت أول من كتب مجموعة مقالات في شبه حملة صحفية استغرقت ستة أسابيع شارك فيها بالرأي بعض خبراء القانون الدولي والمدني والسياسة والتاريخ وخبراء الآثار وعلماء الاجتماع, منهم الدكاترة: عائشة راتب ومفيد شهاب وحسين كامل بهاء الدين ومصطفي الفقي وعبدالحليم نور الدين وغيرهم, وأوضحت فيها أن المصريين القدماء أول من عرفوا حقوق الإنسان في العالم, مسترشدا بقصة الفلاح الفصيح الذي وقع عليه ظلم من أحد الولاة في الأقاليم في عصر الانتقال في الفترة بين الدولتين القديمة والوسطي في القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد والذي استولي علي أرضه وسلب حقوقه وممتلكاته فتقدم بتسع شكاوي الي الفرعون الذي أمر بالتحقيق في الواقعة وتأكد من صدق الفلاح الفصيح وأعاد له أرضه وكل حقوقه المغتصبة, وأمر بعزل الوالي من منصبه. * وطالبت في إحدي هذه المقالات وبالتحديد في16 فبراير2004 بضرورة تدريس مادة حقوق الإنسان في المدارس والجامعات وتلقيت في يوم نشر المقال أول استجابة سريعة لتنفيذ هذا الاقتراح من د. مفيد شهاب وزير التعليم العالي في ذلك الوقت, واتصل بي هاتفيا وهو في طريقه الي مطار القاهرة للسفر في مهمة رسمية بالخارج, مؤكدا أنه سيتبني الاقتراح بعد عودته, وقد تم ذلك بالفعل في اجتماع المجلس الأعلي للجامعات يوم16 مارس2004 ومن خلال لجنة تم تشكيلها لتدريس مادة حقوق الإنسان في البداية في ثلاث كليات جامعية هي الحقوق والإعلام والاقتصاد والعلوم السياسية, مؤكدا لي أن هذا كان حلما ظل يراوده منذ أن كان أستاذا بالجامعة وقبل أن يكون وزيرا, ولنا عودة لفتح هذا الموضوع مرة أخري لمعرفة ما تم فيه وما لم يتم, ونعرض اليوم نفس الاقتراح بتدريس هذه المادة في المدارس بمراحلها الثلاث, الابتدائية والإعدادية والثانوية, لأهميتها خاصة في ظل هذا الحماس المعروف من جانب وزير التربية والتعليم الجديد د. أحمد زكي بدر للارتقاء بالعملية التعليمية وإعادة الانضباط الي المدرسة وتأكيد هيبة المعلم وتعريف التلميذ منذ الصغر بهذه الحقوق وأهميتها بالنسبة له كإنسان مصري ولكل مواطن ولد علي وجه الأرض, سواء كانت هذه الحقوق لأنفسهم أو علي أنفسهم تجاه الآخرين, واستطيع أن أعرض بعض الملاحظات علي أهمية تدريس هذه المادة في المدارس والوضع الحالي بالنسبة لتدريسها مع بعض مقترحاتنا لتحقيق وتثبيت هذه المادة واتخاذ خطوات أكثر اهتماما وجدية وتعميمها في المرحلة المقبلة. * إن بعض مفاهيم قيم وحقوق الإنسان تحتاج الي خطوات أكثر فعالية لنشرها في المدارس بحيث تدخل في أي عملية تطوير جديدة ينشدها وزير التربية الآن ضمن منظومته لهذا التطوير الشامل وأن يكون تدريس مادة حقوق الإنسان من أولويات اهتماماته. * أن يتم جمع كل قصص وموضوعات حقوق الإنسان التي يقرأها التلاميذ في موضوعات أخري متفرقة بحيث تكون جميعها موجودة في مادة واحدة مستقلة وليست في قصص وموضوعات مبعثرة أو متفرقة. * أن يصدر وزير التربية والتعليم د. أحمد زكي بدر قرارا بتشكيل لجنة من علماء التربية وعلم النفس والتاريخ والآثار ورجال الدين الإسلامي والمسيحي وبعض المثقفين وخبراء الإعلام, تكون مهمتها جمع الموضوعات التي تري أهمية تدريسها للتلاميذ في مادة حقوق الإنسان والاتفاق علي أهميتها في هذه المرحلة. * أن تتدرج موضوعات وقصص مادة حقوق الإنسان التي يتم الاتفاق عليها مع هؤلاء الخبراء, بحيث تتناسب مع المراحل العمرية لتلاميذ المدارس في المراحل التعليمية الثلاث, بحيث تكون أكثر اتساعا في المرحلة الاعدادية عنها في المرحلة الابتدائية وتصل الي درجة عالية في المرحلة الثانوية حتي يتخرج التلميذ بعد امتحان الثانوية العامة ولديه قدر كبير من تفهم هذه الحقوق وأن يدخل الكلية وهو مطمئن ومستعد لدراسة منهج جديد لهذه المادة يتناسب مع المرحلة الجامعية. * أن تحرص اللجنة المكلفة بهذه المادة علي تأكيد بعض الموضوعات المهمة التي تتضمنها هذه المادة في المراحل التعليمية الثلاث, مثل قيم الصدق والوفاء والعدل والتسامح والتراحم والانتماء وغيرها من القيم الأخري التي تحلي بها الشعب المصري علي مدي تاريخه الطويل وحبذا لو عرضت اللجنة بعض القصص والمواقف المصرية والعربية التي تجسد هذه المفاهيم للطلبة. * أن تكتب هذه الموضوعات والقصص الخاصة بحقوق الإنسان بطريقة غير مباشرة ومشوقة تجذب التلاميذ لقراءتها والتحلي بها, لان المباشرة في مثل هذه الموضوعات قد تكون منفرة وتبعد الطالب عن قراءتها فنخسر ما نكون قد بنيناه في هذا الشأن. * وأخيرا.. ان تنتهي اللجنة المقترحة المكلفة بوضع منهج هذه المادة من عملها في أقرب وقت ممكن حتي يتسني الوزير اتخاذ قراره بتدريسها في مراحل التعليم الثلاث ابتداء من العام الدراسي القادم. المزيد من مقالات مصطفى الضمرانى