سعر الدولار اليوم الجمعة 25-7-2025 أمام الجنيه المصري    استهداف متكرر للنازحين بغزة.. الاحتلال يقصف خيام الإيواء ومدارس المدنيين    المتطرف إيتمار بن غفير: "أؤيد تجويع سكان قطاع غزة"    مصرع عنصر شديد الخطورة عقب تبادل إطلاق النيران مع القوات الأمنية بأسيوط    طقس اليوم الجمعة.. أجواء شديدة الحرارة على أغلب الأنحاء    موعد عقد امتحانات الثانوية العامة الدور الثاني 2025    الفن السيناوي يضيء ليالي مهرجان جرش. .فرقة العريش للفنون الشعبية تتألق وتبهر الأردنيين بتراث سيناء (صور)    أسعار الأرز الشعير والأبيض اليوم الجمعة 25- 7- 2025 في أسواق الشرقية    أسعار حديد التسليح اليوم الجمعة 25 يوليو 2025    نائب رئيس جنوب إفريقيا: القارة السمراء تحصل على 3% فقط من الاستثمارات الأجنبية المباشرة عالميًا    تايلاند تعلن ارتفاع عدد القتلى جراء الاشتباكات مع كمبوديا إلى 15 شخصًا    موجة حارة شديدة تتسبب بحرائق في تونس    رفضًا لتجويع غزة| احتجاجات أمام القنصلية الإسرائيلية في شيكاغو    الأهلى يواجه البنزرتي التونسي اليوم    الزمالك يواجه وادى دجلة وديًا    نجم الزمالك السابق يوجه رسالة خاصة ل عبد الله السعيد    إزالة فورية ل 4 حالات تعدٍّ على أراضي أملاك الدولة في قنا    ارتفاع أسعار النفط وسط تفاؤل بانحسار التوتر التجاري وخفض صادرات البنزين الروسية    اسعار الدواجن والبيض اليوم الجمعة 25 يوليو 2025    خلال عمله.. دفن عامل صيانة سقط من الطابق السادس بعقار بحدائق الأهرام    حالة المرور اليوم بمحاور وميادين القاهرة والجيزة    بكام الفراخ النهارده؟.. أسعار الدواجن والبيض في أسواق الشرقية الجمعة 25-7-2025    تجهيزات خاصة لحفل عمرو دياب في لبنان    القنوات الناقلة مباشر لمباراة الأهلي والبنزرتي التونسي الودية اليوم.. والتردد والموعد    في حادث مأساوي.. مصرع أم وابنتها وإصابة 3 من أطفالها في حادث سقوط سيارة في ترعة بالبحيرة    مصطفى كامل: دعمي لشيرين مش ضد أنغام.. ومكنتش أعرف بالخلاف بينهم    رسميا، مانشستر يونايتد يمنع طباعة أسماء ثلاثة من أساطير النادي على قمصان الموسم الجديد    طريقة عمل بلح الشام، باحترافية شديدة وبأقل التكاليف    إليسا تتصدر ترند جوجل بعد ليلة لا تُنسى في موسم جدة    رسميا.. قائمة بالجامعات الأهلية والخاصة 2025 في مصر (الشروط والمصاريف ونظام التقسيط)    لا ترضى بسهولة وتجد دائمًا ما يزعجها.. 3 أبراج كثيرة الشكوى    الهلال الأحمر يعلن رفع قدرات تشغيل المراكز اللوجيستية لأعلى مستوياتها    هل الجوافة تسبب الإمساك؟ الحقيقة بين الفوائد والأضرار    بعد عمي تعبان.. فتوح يوضح حقيقة جديدة مثيرة للجدل "فرح أختي"    تدهور الحالة الصحية للكاتب صنع الله إبراهيم من جديد ودخوله الرعاية المركزة    الأوقاف تفتتح اليوم الجمعة 8 مساجد في 7 محافظات    نقابة التشكيليين تؤكد استمرار شرعية المجلس والنقيب المنتخب    الآلاف يحيون الليلة الختامية لمولد أبي العباس المرسي بالإسكندرية.. فيديو    محامي أسرة ضحية حادث «الجيت سكي» بالساحل الشمالي يطالب بإعادة تحليل المخدرات للمتهمة    "الجبهة الوطنية" ينظم مؤتمراً جماهيرياً حاشداً لدعم مرشحيه في انتخابات الشيوخ بالجيزة    استمرار استقبال طلاب الثانوية العامة لاختبارات العلوم الرياضية بالعريش    وزارة الصحة تنظم اجتماعًا لمراجعة حركة النيابات وتحسين بيئة عمل الأطباء    مصدر للبروتين.. 4 أسباب تدفعك لتناول بيضة على الإفطار يوميًا    "قلب أبيض والزمالك".. حامد حمدان يثير الجدل بصورة أرشيفية    أحمد سعد: ألبوم عمرو دياب مختلف و"قررت أشتغل في حتة لوحدي"    يوسف حشيش يكشف كواليس صعبة بعد ارتباطه ب منة عدلي القيعي    سعاد صالح: القوامة ليست تشريفًا أو سيطرة وإذلال ويمكن أن تنتقل للمرأة    سعاد صالح: النقاب ليس فرضًا أو سنة والزواج بين السنة والشيعة جائز رغم اختلاف العقائد    تنسيق الجامعات 2025، شروط الالتحاق ببعض البرامج المميزة للعام الجامعي 2025/2026    تفاصيل صفقة الصواريخ التي أعلنت أمريكا عن بيعها المحتمل لمصر    وسيط كولومبوس كرو ل في الجول: صفقة أبو علي تمت 100%.. وهذه حقيقة عرض الأخدود    العثور على رضيعة حديثة الولادة أمام مستشفى الشيخ زويد    فلكيا.. مولد المولد النبوي الشريف 2025 في مصر و3 أيام إجازة رسمية للموظفين (تفاصيل)    داليا عبدالرحيم تنعى أسامة رسلان متحدث «الأوقاف» في وفاة نجل شقيقته    «دعاء يوم الجمعة» للرزق وتفريج الهم وتيسير الحال.. كلمات تشرح القلب وتريح البال    دعاء يوم الجمعة.. كلمات مستجابة تفتح لك أبواب الرحمة    لتخفيف حرقان البول في الصيف.. 6 مشروبات طبيعية لتحسين صحة المثانة    الشيخ خالد الجندي: «ادخل العبادة بقلب خالٍ من المشاغل الدنيوية»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«ما وراء الحكايات».. شهادتى.. ست سنوات فى المجلس القومى لحقوق الإنسان
نشر في المصري اليوم يوم 25 - 02 - 2010

أكتب شهادتى أو تجربتى عن ست سنوات من العمل فى المجلس القومى لحقوق الإنسان.
أقدم التحية أولا للزملاء الذين سعدت بالعمل بينهم طوال هذه السنين، والتهنئة ثانيا للسادة الأعضاء الجدد متمنيا لهم جميعا كل التوفيق والسداد. أسجل شهادتى أو بعضا من تجربتى عن هذه الفترة (2004-2010) لأن تاريخ مسيرة حقوق الإنسان فى مصر لابد أنه سيفرد يوما إحدى صفحاته لتجربة المجلس القومى لحقوق الإنسان، ولأن المجلس كان ولايزال يثير الجدل حول دوره وما ينتظره الناس منه.
ولربما يبدو مفيدا للحاضر والمستقبل أن يتقدم شخص ليسجل رؤيته وتجربته لعلّ ذلك يثرى حركة النقاش الحقوقى فى المجتمع ويلقى الضوء على بعض الجوانب فى مسيرة عمل مجلس كان ومازال يعتبر ضميرا للمجتمع.
(1)
ثمة اعتقاد شائع فى المجتمع أن المجلس القومى لحقوق الإنسان لم يحقق الآمال والتطلعات المعقودة عليه، وهو اعتقاد صحيح من حيث المبدأ لكنه يحتاج إلى قدر من التدقيق.
فقد بدأ المجلس عمله كمؤسسة جديدة لا سابق لوجودها ولا تراكم لديها ولا سلطات تنفيذية تملكها.
لكنه على الرغم من ذلك بذل جهودا ملموسة فى بعض المجالات مثل مجال التعامل مع شكاوى المواطنين التى تجاوزت خمسين ألف شكوى، فأنشأ لجنة للشكاوى أخذت تتطور يوما بعد يوم حتى تكاد تصبح أهم آليات عمل المجلس بل يمكنها أن تتحول مع تعديل قانون إنشاء المجلس إلى نموذج حقيقى لديوان مظالم (أمبودسمان).
وحتى الأيام الأخيرة على انتهاء ولاية المجلس كان الدكتور بطرس غالى يحادثنى بشأن العمل على كتيب «المجلس القومى لحقوق الإنسان فى أرقام» لعلّه يصدر قريبا فيضع أمام الرأى العام بالأرقام حصاد ست سنوات من العمل فيكون للناس حق المعرفة وإبداء الرأى.
الأمر المؤكد على أى حال أنه قد أصبح لدى المجلس الآن تشخيص كامل لقضية حقوق الإنسان ورؤية متكاملة لكيفية التعامل معها. يبدو هذا واضحا من كل التقارير والبيانات التى أصدرها المجلس. ولربما تحقق ذلك منذ أول عامين فى عمر المجلس.
أقول هذا وقد أسند إلىّ كتابة المقدمة والملخص التنفيذى لأربعة من التقارير الخمسة التى أصدرها المجلس حتى الآن.
ولم يكن ممكنا أن أكتب المقدمة والملخص التنفيذى لهذه التقارير السنوية الأربعة دون مراجعة كل ما كتبه فريق الخبراء الذين قاموا بتجميع مواد التقرير.
وقد اكتشفت منذ التقرير الثالث أننى مضطر لتكرار الأفكار ذاتها واستخلاص التوصيات ذاتها حتى أصبحت المشكلة الطريفة هى كيف يمكننى استحداث عبارات جديدة لصياغة نفس الأفكار والمطالب والتوصيات!
وقد تكرر الشىء ذاته فى الكثير من البيانات التى أصدرها المجلس وعهد إلىّ بصياغتها. ماذا يعنى هذا؟ إنه يعنى بكل بساطة أن المجلس قد أدى جزءا أوليا مهماً وجوهريا من عمله فى تشخيص قضية حقوق الإنسان من كل جوانبها وآن له أن يتجاوز ذلك إلى مجال آخر تماما هو البحث عن الأدوات والوسائل الكفيلة بوضع ما توصل اليه من تشخيص ومقترحات موضع التطبيق.
بهذا تكون المهمة المقبلة للمجلس الطبيعية والمنطقية هى الانتقال من سؤال «بماذا» يطالب المجلس؟ إلى حديث «كيف» يتحقق هذا المطلب؟ لعلّ الاجابة عن هذا السؤال تسهم فى تفسير تواضع انجاز المجلس. وهو ما يقودنا إلى الملاحظة الثانية.
(2)
جزء من مشكلة المجلس القومى لحقوق الإنسان كما هى مشكلة مؤسسات عديدة فى مصر هو ضعف التنسيق مع مؤسسات الدولة الأخرى بحيث يكاد الأمر يشبه ظاهرة الجزر المنعزلة. وعلى الرغم من أننا نشكو منذ فترات طويلة من مساوئ هذه الظاهرة فهى ما زالت بعد قائمة.
والجزء الأكبر من عمل المجلس يتطلب بالضرورة تواصلا فعالا ومستمرا ومؤسسيا مع جهات أخرى فى الدولة يصعب بل يستحيل أن ينجز المجلس شيئا من دون التواصل والتنسيق والتعاون مع هذه الجهات مثل وزارات الداخلية والخارجية والعدل والتضامن الاجتماعى ومؤسسات أخرى عديدة لا سيما فى ظل الطبيعة الاستشارية للمجلس التى لا تعطى له سلطات تنفيذية.
صحيح أن الكثير من الوزارات والمؤسسات كانت ترد على ما يحيله إليها المجلس من شكاوى ولو بمجرد التوضيح وهو ما كنا نضمنه التقرير السنوى للمجلس.
لكن التنسيق والتعاون المطلوبين أبعد من ذلك بكثير. ومن الناحية النظرية فقد سبق أن شكلنا داخل المجلس ما يعرف باللجنة الخماسية وهى لجنة تضم ممثلين عن الوزارات المعنيّة بقضايا حقوق الإنسان.
وكان يمكن لهذه اللجنة الخماسية أن تقوم بدور هائل من وجهة نظرى فى تذليل الكثير من صعوبات عمل المجلس ولا سيما أنها تضم ممثلين عن وزارات الداخلية والخارجية والعدل وهى جهات لا يمكن للمجلس القومى لحقوق الإنسان أن ينجز شيئا من دون التنسيق معها وتسخير إمكانياتها وتفعيل سلطاتها.
لكن الذى حدث أنه لم يتم تفعيل عمل هذه اللجنة الخماسية بل انها على مدى ست سنوات لم تجتمع إلا مرة واحدة أو مرتين. ولطالما عبرت أثناء اجتماعات المجلس عن أمنيتى فى رؤية هذه اللجنة الخماسية التى تشبه طائر العنقاء الأسطورى الذى نسمع عنه ولا نراه!
إن جزءا كبيرا من نجاح المجلس كان يتوقف على تفعيل عمل هذه اللجنة الخماسية بحيث يكون لها اجتماعات دورية منتظمة، وأمانة فنية، وجدول أعمال يتم تحضيره سلفا.
بل إنه يجب فى مرحلة لاحقة تطوير نظام عمل هذه اللجنة لتكون بحق جسرا أو أداة تنفيذية تصل بين المجلس كجهة استشارية مستقلة وبين الحكومة بوصفها الجهة التنفيذية التى تملك سلطة الأمر والنهى فى ملف حقوق الإنسان.
إن النهوض بقضية حقوق الإنسان فى مصر أصبح يحتاج إلى أحد حلول ثلاثة : إما تعديل قانون إنشاء المجلس ليعطى له ولو قدر من السلطات التنفيذية، وإما تفعيل دور اللجنة الخماسية لتصبح إحدى آليات العمل داخل المجلس، وإما إنشاء وزارة لحقوق الإنسان تملك استراتيجية إصلاح حقوقى قابلة للتنفيذ على أرض الواقع.
(3)
بدأ المجلس ولايته الأولى بنشاط زائد وحماس ملحوظ وشعور حقيقى بنبل المهمة وعظم المسؤولية. زاد من هذا المناخ الحقوقى المستنفر تعاظم الآمال والأحلام التى داعبت خيال المجتمع كله عامى 2004 و2005.
وفى بداية عمل المجلس لاحت بوادر إقامة جماعات تنسيق وتحالفات صغيرة العدد لكنها بدت واضحة التأثير أثناء مناقشات المجلس تكونت من بهى الدين حسن وحافظ أبوسعدة وهدى الصدة (استقالت بعد عام من الولاية الأولى للمجلس) وبدرجة أقل سامح عاشور وأحمد يوسف وأسامة الغزالى.
كانت هذه المجموعة تضفى على اجتماعات المجلس مناخا رائعا بالتنوع وتمنحه زخما حقيقيا حتى يكاد المرء يشعر أنه فى برلمان حقوقى مصغر يشبه تلك التى نقرأ عنها فى أيام ما قبل 1952.
كان تمضى ساعات الاجتماع علىّ وكأنها دقائق من فرط النشوة وثراء النقاش وصدق المشاعر الوطنية. مع الولاية الثانية للمجلس استقال فرسانه الثلاثة أحمد يوسف وهدى الصدة وبهى الدين حسن فبقى حافظ أبوسعدة وحيدا يناوش من آن لآخر.
وانشغل سامح عاشور قليلا بهمومه النقابية والانتخابية، وبدا أسامة الغزالى حزينا معظم الوقت وكأنه يعبر بصمته عما لا يود أن ينطق به. أما مصطفى الفقى فكانت مداخلاته نموذجا للعقلانية الوطنية وكان بوسعه أن يرد مختلف الآراء عند اقتراح وسطى لافت وفريد على الرغم من أنه كان يأتى متأخرا أحيانا حاملا معه كالعادة عاصفة من الدعابات والتعليقات الذكية المرحة الموحية بألف سؤال!
كان تشكيل المجلس مدهشاً وعبقرياً وباعثاً بحق على التفاؤل والأمل. فقد ضم المجلس أربع كتل تعبر بصدق عن أطياف المجتمع المصرى بأسره. كانت هناك كتلة الحزب الوطنى (8 أعضاء) بينهم إصلاحيون مثيرون للإعجاب مثل حسام بدراوى وجورجيت صبحى.
وكتلة أحزاب المعارضة (3 أعضاء باعتبار سامح عاشور عضوا فى الحزب الناصرى) وكتلة المجتمع الأهلى والنقابى (5 أعضاء من بينهم أهم رمزين للعمل الحقوقى فى مصر وربما المنطقة العربية) وكتلة المستقلين التكنوقراط (5 أعضاء أظن أننى كنت أحدهم)، بالإضافة إلى كتلة غير المصنفين (4 أعضاء من بينهم رؤساء هيئات قضائية سابقون).
كان لكل من أعضاء المجلس قناعاته السياسية والفكرية، لكن القضية الحقوقية كانت هى القاسم المشترك بينهم جميعاً.
تفاوت أعضاء المجلس فيما بينهم سواء من حيث رؤاهم أو سقف تطلعاتهم أو درجة انتقادهم للأوضاع الحقوقية القائمة أو ما يقترحونه من وسائل، بحيث بدا تنوعهم آنذاك مؤشرا صادقا على أن المجتمع المصرى يخوض بالفعل مرحلة تحول هى الأولى والأهم منذ ستين عاما تقريبا. كان الاحترام المتبادل، رغم الاختلاف الحاد أحيانا، هو السمة السائدة فى اجتماعات ونقاشات المجلس بل كان رقى لغة الحوار بين الأعضاء المختلفين فى رؤاهم وانتماءاتهم أمرا ملحوظا ودالا.
ودون أى إسقاط على أو تلميح إلى التشكيل الجديد للمجلس فإن رئاسة المجلس فى السنوات الست الماضية كانت قديرة وعلى درجة عالية من الأداء المهنى، فقد بدا المزج، ابتداء، بين رئيس للمجلس بوزن الدكتور بطرس بطرس غالى ونائب للرئيس بشخصية مثل الدكتور كمال أبوالمجد أمرا مدروسا بعناية وذكاء.
فالدكتور بطرس بطرس غالى شخصية دولية مرموقة، مصرى حتى النخاع، ولا يمكن تجاهل صفته القبطية بطبيعة الحال. أما الدكتور كمال أبوالمجد فهو جزء من الوطنية المصرية منذ أن كان وزيرا وحتى اليوم، ثم إنه مفكر ذو توجه إسلامى وسطى معروف.
بدا لى اختياره كنائب لرئيس المجلس فى الفترة الماضية تعبيرا ناضجا ومدنيا من الدولة عن تمثيل فكر عدد كبير من المصريين فى المجلس القومى لحقوق الإنسان.
وسواء اتفقنا مع هذا الفكر أم اختلفنا معه فليس مجديا ولا عادلا إنكار وجوده فى المجتمع. وإلى جوار الرئيس ونائب الرئيس كان للأستاذ محمد فائق دور فاعل وهادئ فى نفس الوقت بضميره الحقوقى اليقظ فى كل قضايا المجلس دون ضجيج أو افتعال.
كان د. بطرس غالى فى إدارته لاجتماعات المجلس نموذجا للحنكة والجلد والمثابرة، يحسن الإنصات للغير، لم يحاول قط التأثير على مواقف الأعضاء أو مصادرة حقهم فى التعبير عن الرأى. لكنه كان قادرا بدهاء عال أن يوجه فى نهاية المطاف سير الأحداث فى المجلس دون أن يشعر أحد!!
إنها ولا شك مهارة الساسة الكبار! أما د. كمال أبوالمجد فحاول دائما التوفيق- بصدق وإخلاص- بين تعقيدات اللحظة السياسية وتطلعات المجتمع وأحلام النخبة. كان قادراً على امتصاص غضب وانفعال الآخرين بشأن حالة حقوق الإنسان ليعيد إنتاج هذا الغضب والانفعال بعبارات ساحرة ترضى من غضب ومن لم يغضب معا!
ولهذا كان خروجه مثيرا للتساؤل. والمدهش أن ما نسب إلى د. كمال أبوالمجد من تعبيراته الحادة والنارية فى تقارير المجلس لم يكن دقيقا كليّة، فقد كنت أنا المسؤول عن كتابة المقدمة والتوصيات لأربعة من التقارير الخمسة التى أصدرها المجلس حتى الآن. بل إن أحد هذه التقارير كان قد أرسل لى بالحقيبة الدبلوماسية وأنا متواجد خارج مصر لكى أتولى مراجعته وكتابة مقدمته وتوصياته.
وظل د. بطرس غالى حتى الأسبوع الأخير من الولاية الثانية للمجلس يحادثنى هاتفيا طالباً منى سرعة صياغة بعض البيانات والأوراق. ربما كان للأحاديث الصحفية للدكتور كمال أبوالمجد تأثير واهتمام بالغان، والرجل شخصية مهمة ذائعة الصيت يتم إخضاع كلامه لميزان دقيق من التحليل والاستقراء. وإحدى سمات د. كمال أبوالمجد أن نزعة المفكر لديه تطغى دائما على شخصية السياسى. وهذه فى بلاد العرب نعمة ونقمة فى آن معا!!
(4)
قام المجلس فى السنوات الست الماضية بإعداد مجموعة مقترحات تشريعية متكاملة لدعم وتعزيز حقوق الإنسان، كان الهدف أن تأخذ طريقها عبر المؤسسات والأطر القانونية لتخرج فى نهاية المطاف كقوانين تسهم فى تطوير المنظومة التشريعية لحقوق الإنسان.
وقد بدأ المجلس هذه المهمة بالعمل على تعديل الأحكام القانونية المنظمة للحبس الاحتياطى، لتصبح أكثر اتساقا مع متطلبات حقوق الإنسان لا سيما وأن القانون المصرى كان أقل تطورا فى تنظيمه لمسألة الحبس الاحتياطى من قوانين عربية كثيرة.
وقد كللت جهود المجلس بالنجاح فى هذا الصدد وصدر بالفعل قانون بتعديل بعض أحكام الحبس الاحتياطى تجاوز العديد من سلبيات ومساوئ النصوص القديمة.
لكن هذه التجربة لم يكتب لها النجاح بشأن مقترحات أخرى قدمها المجلس مثل الأخذ بنظام قاضى الإشراف على تنفيذ العقوبات، وقانون تكافؤ الفرص وحظر التمييز، وقانون بناء دور العبادة الموحد، وتعديل النصوص القانونية الخاصة بجريمة التعذيب.
وتكدست مقترحات ومشروعات المجلس سنة بعد أخرى حتى كاد المجلس يتحول معها إلى ما يشبه المجالس القومية المتخصصة أو مراكز البحوث والدراسات.
والسؤال هو لماذا لم يقدر للمجلس طوال ست سنوات أن يدفع بمقترحاته ومطالبه فى هذه القضايا المهمة لكى يتبناها مجلس الشعب على أجندته التشريعية ويصدر بها القوانين اللازمة؟ فالمجلس يملك بموجب المادة 3 من قانون إنشائه رقم 94 لسنة 2003 تقديم المقترحات والتوصيات إلى الجهات المختصة فى كل ما من شأنه حماية ودعم حقوق الإنسان.
ولا شك أن مقترحات المجلس بمشروعات قوانين تدخل ضمن هذه الصلاحيات، وقد روعى فى تشكيل المجلس أن يضم الخبرات القانونية التى تمكنه من أداء هذه المهمة حيث كان يضم فى تشكيله القديم 16 شخصية قانونية من مجموع أعضائه البالغ 25 عضوا، أى أن الخبرة القانونية فى المجلس كانت تمثل أكثر من 60% من مجموع الخبرات الأخرى منها رئيس سابق لمحكمة النقض وقانونى قدير هو المستشار عادل قورة ونائب عام سابق ورئيس سابق للدستورية العليا، إضافة إلى الخبرات الأكاديمية المميزة فى المجلس.
وعلى الرغم من ذلك لم يقدر للمجلس أن يحوّل مقترحاته القيّمة والملحة إلى تشريعات ترى النور.
ولعلّ ذلك يرجع إلى عاملين أساسيين يجدر بالمجلس الجديد التركيز عليهما.
العامل الأول: غياب الحد الأدنى من التواصل والحوار بين مؤسستين معنيتين بالقضية ذاتها وهما مجلس الشعب والمجلس القومى لحقوق الإنسان.
وعلى الرغم من إنشاء لجنة لحقوق الإنسان فى مجلس الشعب بعد فترة وجيزة من ظهور المجلس القومى لحقوق الإنسان فإنهما لم يلتقيا فقط فى اجتماع مشترك للتنسيق بينهما باعتبارهما أصحاب قضية واحدة. هل كان ذلك مرة أخرى بسبب الجزر المنعزلة فى مجتمعنا؟
كانت الفرصة السنوية الوحيدة ولو أنها لا تغنى عن مثل هذا التنسيق هى اجتماع لجنة حقوق الإنسان فى مجلس الشعب لمناقشة التقرير السنوى للمجلس القومى لحقوق الإنسان الذى كان يدعى أحد أعضائه لحضور مثل هذا الاجتماع.
وحين أتيح لى فى إحدى السنوات أن أشارك فى هذا الاجتماع بوصفى رئيسا للجنة التشريعية لم يكن حاضرا فى الاجتماع سوى الدكتور إدوارد غالى الذهبى وستة أو سبعة أعضاء من مجلس الشعب كانوا جميعهم تقريبا من كتلة الاخوان المسلمين بالمجلس، كانوا على عجل ولم يستغرق الاجتماع أكثر من نصف ساعة، وانفض السامر سريعا!!
واقع الحال يشى إذن بأن ضعف التنسيق وغياب التواصل بين المؤسستين قائم وملحوظ وهو ما يفسر إخفاق المجلس القومى لحقوق الإنسان فى توفير قوة الدفع لمقترحاته التشريعية لكى تعرض كمشروعات قوانين تناقش ويصوت عليها مجلس الشعب وتنال موافقة الأغلبية فيصدر بها قانون.
ربما كان يمكن للمجلس القومى لحقوق الإنسان أن يستفيد على النحو الأمثل من كون بعض أعضائه هم فى ذات الوقت أعضاء فى مجلس الشعب، وقد وصل عددهم فى بعض الأحيان إلى ثمانية أعضاء فى مجلسى الشعب والشورى من بينهم اليوم وكيلة مجلس الشعب د. زينب رضوان. لكن شيئا من هذا لم يحدث، على الأقل بالشكل المطلوب.
أما العامل الثانى الذى جعل مقترحات المجلس بتعديل المنظومة التشريعية لحقوق الإنسان حبيسة أدراجه فهو أن المجلس لم يتمكن من حشد الاهتمام المجتمعى والإعلامى والسياسى لهذه المقترحات ليخلق بذلك قوة دفع وضغط إضافيين لهذه المقترحات والمشروعات.
وقد بذل المجلس جهودا كبيرة ودؤوبة لتنظيم مؤتمرات وندوات تناقش مثل هذه المقترحات مثل مكافحة التعذيب والإشراف القضائى على تنفيذ العقوبات ودعم المواطنة وتكافؤ الفرص وحظر التمييز، لكن الملاحظ أن الحضور الجماهيرى والإعلامى والسياسى فى هذه المؤتمرات والندوات كان يبدو خجولا متواضعا محدود الأثر!
فلماذا كان هذا التواصل المجتمعى البارد مع مؤتمرات المجلس وندواته وهل يعزى ذلك إلى المجلس أم الجماهير أم لكليهما معا؟ هذه تساؤلات من المفيد الانشغال بها فى المرحلة المقبلة.
(5)
بذل المجلس جهودا كبيرة لنشر الوعى المجتمعى بثقافة حقوق الإنسان، وحقق إنجازا لا بأس به على هذا الصعيد من خلال تنظيم عشرات وربما مئات من البرامج الإعلامية والندوات وورش العمل التدريبية بالإضافة إلى المؤتمرات والندوات، وكان للمجلس صالون ثقافى شهرى أطلق فكرته وأشرف عليه عضو المجلس الراحل العظيم الدكتور صلاح عامر.
لكن المجلس يحتاج فى مرحلته المقبلة إلى تحقيق خطوة نوعية لنشر الوعى بثقافة حقوق الإنسان لا سيما لدى الأفراد والمؤسسات المنوط بهم تطبيق القانون وممارسة السلطات والتعامل الإدارى مع الجماهير.
فهؤلاء يمثلون ما يمكن تسميته بالكتلة الحرجة critical mass الأكثر احتياجا لثقافة وأخلاقيات حقوق الإنسان مثل ضباط الشرطة وموظفى النيابات العامة والأقسام والمحاكم والسجون والإدارات الحكومية الأكثر احتكاكا بالجمهور.
إن أهمية تثقيف هؤلاء بحقوق الإنسان تنبع من أن طريقة تعامل الكثيرين منهم تمثل جزءا من المعاناة اليومية للبسطاء المجردين من صلات الوساطة ومظاهر الجاه والنفوذ.
لكن نشر الوعى بثقافة وأخلاقيات حقوق الإنسان فى هذه المؤسسات ولدى هؤلاء الموظفين لا يجب أن يقتصر فقط على مجرد إقامة دورات تدريبية لهم بل ينبغى أن يشمل فوق ذلك تثقيفا فنيا وظيفيا بحيث يصبح احترام هؤلاء الموظفين ورجال الشرطة لحقوق المواطنين أحد معايير تقييم أدائهم الوظيفى وكفاءتهم المهنية، وأن يكون ذلك بصورة دورية وجادة بحيث يستقر فى وعى هؤلاء الضباط والموظفين أن كفاءتهم الوظيفية فى تطبيق القانون وممارسة السلطات ترتبط بمدى احترامهم لحقوق المواطن وكرامته الآدمية.
(6)
ما زال التأريخ لست سنوات من مسيرة المجلس القومى لحقوق الإنسان يستدعى جوانب وحكايات وقضايا لا تسعف بها هذه المساحة الممتدة الكريمة.
وفى النهاية أتذكر كيف كان أحد زملائى فى المجلس كلما رآنى فى الشهور الأخيرة يداعبنى قائلا : بتكتب دلوقت فى «المصرى اليوم»؟ خللى «المصرى اليوم» تنفعك!
والآن أداعبه بدورى قائلا: تهنئتى بالعضوية المجددّة! فعلا «المصرى اليوم» تنفعنى فهى نافذتى المضيئة على أرض الوطن.. أكتب كل أسبوع ألفا وخمسمائة كلمة دون أن تحذف لى كلمة واحدة أو يشوّه معنى أو تبتر جملة.. حسنا ما زال شىء فى هذا الوطن يبعث على الأمل!
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.