الفريق أحمد خليفة يعود إلى أرض الوطن عقب مشاركته فى معرض دبى الدولى للطيران    جامعة بنها ضمن أفضل 10 جامعات على مستوى مصر بتصنيف كيواس للتنمية المستدامة    ارتفاع أسعار الذهب في آسيا مع تصاعد المخاوف من الإنفاق المالي والتقلبات في الأسواق العالمية    خلال جولته الترويجية بفرنسا.. رئيس اقتصادية قناة السويس يشارك في مؤتمر طموح أفريقيا    المشاط تبحث توسيع نطاق برنامج مبادلة الديون من أجل التنمية مع نظيرتها الألمانية    الحكومة: تسليم 265 كيلو ذهب بقيمة 1.65 مليار جنيه للبنك المركزي.. رسالة جديدة لدعم الاقتصاد الوطني    19 نوفمبر 2025.. أسعار الأسماك بسوق العبور للجملة اليوم    التضخم في بريطانيا يتراجع لأول مرة منذ 7 أشهر    منال عوض تترأس الاجتماع ال23 لمجلس إدارة صندوق حماية البيئة    تداول 97 ألف طن و854 شاحنة بضائع بموانئ البحر الأحمر    زيلينسكي في تركيا.. محادثات تغيب عنها روسيا بهدف إنهاء حرب أوكرانيا    زيلينسكي: روسيا أطلقت أكثر من 470 مسيرة و48 صاروخًا على أوكرانيا    الفريق أحمد خليفة يعود إلى أرض الوطن عقب مشاركته فى فعاليات معرض دبى الدولى للطيران 2025    حريق هائل يلتهم أكثر من 170 مبنى جنوب غرب اليابان وإجلاء 180 شخصا    رئيس القابضة لمصر للطيران في زيارة تفقدية لطائرة Boeing 777X    صلاح ينافس على جائزتين في جلوب سوكر 2025    حبس عاطل عثر بحوزته على ربع كيلو هيروين في العمرانية    أخبار الطقس في الكويت.. أجواء معتدلة خلال النهار ورياح نشطة    صيانة عاجلة لقضبان السكة الحديد بشبرا الخيمة بعد تداول فيديوهات تُظهر تلفًا    الحبس 15 يوما لربة منزل على ذمة التحقيق فى قتلها زوجها بالإسكندرية    المايسترو هاني فرحات أول الداعمين لإحتفالية مصر مفتاح الحياة    6 مطالب برلمانية لحماية الآثار المصرية ومنع محاولات سرقتها    معرض «رمسيس وذهب الفراعنة».. فخر المصريين في طوكيو    مهرجان مراكش السينمائى يكشف عن أعضاء لجنة تحكيم الدورة ال 22    محافظ الدقهلية يتفقد أعمال تطوير مستشفى طلخا المركزي وإنشاء فرع جديد لعيادة التأمين الصحي    أفضل مشروبات طبيعية لرفع المناعة للأسرة، وصفات بسيطة تعزز الصحة طوال العام    أبناء القبائل: دعم كامل لقواتنا المسلحة    بعد غد.. انطلاق تصويت المصريين بالخارج في المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    إطلاق أول برنامج دولي معتمد لتأهيل مسؤولي التسويق العقاري في مصر    وزير الري يؤكد استعداد مصر للتعاون مع فرنسا في تحلية المياه لأغراض الزراعة    الإسكندرية تترقب باقي نوة المكنسة بدءا من 22 نوفمبر.. والشبورة تغلق الطريق الصحراوي    مصرع 3 شباب فى حادث تصادم بالشرقية    بولندا تستأنف عملياتها في مطارين شرق البلاد    ندوات تدريبية لتصحيح المفاهيم وحل المشكلات السلوكية للطلاب بمدارس سيناء    جيمس يشارك لأول مرة هذا الموسم ويقود ليكرز للفوز أمام جاز    اليوم.. أنظار إفريقيا تتجه إلى الرباط لمتابعة حفل جوائز "كاف 2025"    هنا الزاهد توجه رسالة دعم لصديقها الفنان تامر حسني    «اليعسوب» يعرض لأول مرة في الشرق الأوسط ضمن مهرجان القاهرة السينمائي.. اليوم    موعد مباراة الأهلي وشبيبة القبائل بدوري أبطال أفريقيا.. والقنوات الناقلة    تنمية متكاملة للشباب    الصحة: «ماربورج» ينتقل عبر خفافيش الفاكهة.. ومصر خالية تماما من الفيروس    صحة البحر الأحمر تنظم قافلة طبية مجانية شاملة بقرية النصر بسفاجا لمدة يومين    المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم 2026 بعد صعود ثلاثي أمريكا الشمالية    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    شهر جمادي الثاني وسر تسميته بهذا الاسم.. تعرف عليه    بشري سارة للمعلمين والمديرين| 2000 جنيه حافز تدريس من أكتوبر 2026 وفق شروط    بحضور ماسك ورونالدو، ترامب يقيم عشاء رسميا لولي العهد السعودي (فيديو)    زيورخ السويسري يكشف حقيقة المفاوضات مع محمد السيد    ما هي أكثر الأمراض النفسية انتشارًا بين الأطفال في مصر؟.. التفاصيل الكاملة عن الاضطرابات النفسية داخل مستشفيات الصحة النفسية    النائب العام يؤكد قدرة مؤسسات الدولة على تحويل الأصول الراكدة لقيمة اقتصادية فاعلة.. فيديو    أبرزهم أحمد مجدي ومريم الخشت.. نجوم الفن يتألقون في العرض العالمي لفيلم «بنات الباشا»    آسر نجل الراحل محمد صبري: أعشق الزمالك.. وأتمنى أن أرى شقيقتي رولا أفضل مذيعة    دينا محمد صبري: كنت أريد لعب كرة القدم منذ صغري.. وكان حلم والدي أن أكون مهندسة    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    فضيحة الفساد في كييف تُسقط محادثات ويتكوف ويرماك في تركيا    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    هل يجوز أداء العشاء قبل الفجر لمن ينام مبكرًا؟.. أمين الفتوى يجيب    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مبارك‏..‏ القضية السياسية
ومستقبل التحول الديمقراطي
نشر في الأهرام اليومي يوم 26 - 03 - 2010

حينما كتبت علي مدي الأسبوعين الماضيين عن سنوات الحكم مع الرئيس حسني مبارك‏,‏ كنت مدفوعا لذلك بدافعين أساسيين‏:‏ أولا‏:‏ العارض الصحي الذي ألم بالرئيس‏,‏ وكيف تحول إلي مناسبة عبر فيها المصريون بمختلف فئاتهم‏,‏ عن قلقهم وحبهم وامتنانهم لقائد سياسي صنع معهم وبهم تحولا هائلا في كل جوانب حياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية‏,‏ واجتاز بمسيرتهم الكثير من الأزمات الداخلية والخارجية‏,‏ التي كانت تهدد الحياة الآمنة لمصر وللمصريين قبل سنوات ليست بعيدة‏,‏ واستطاع‏,‏ بعد جهد طويل أن يواجه تلك الأزمات‏,‏ ويخرج منها ليضع مصر في موقف غير مسبوق‏,‏ حين امتلكت المقومات الذاتية للانطلاق‏,‏ لتحقيق تطورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي‏,‏ وكانت مشاعر الأمل والرجاء عند المصريين تستدعي من الذاكرة مسيرة الإنجاز مع ذلك القائد العظيم‏,‏ ليصبح هذا الاستدعاء فرصة لمراجعة كيف كنا وكيف أصبحنا‏.‏
ثانيا‏:‏ إنه في الوقت الذي كان المصريون يعبرون فيه بتلقائية عن مشاعر حب حقيقية تجاه قائد مسيرتهم وقد ألم به عارض صحي‏,‏ كان فرسان الصخب السياسي لايزالون يعزفون سيمفونية الغضب في محاولة يائسة للتشويش علي كل إنجاز قد تحقق في هذا البلد‏,‏ وهو تشويش قد يصيب الأجيال الجديدة من الشباب بالارتباك والتوتر‏,‏ خاصة أنها لم تعايش تلك السنوات التي كانت الأزمات فيها قد طالت كل شيء‏,‏ ولم تعايش أيضا معاناة الذين تحملوا مسئولية مواجهة تلك الأزمات والخروج منها‏,‏ فالواقع المعيش في أي مجتمع لن يكون بحال تعبيرا عن الآمال والطموحات‏,‏ ومن حق الأجيال الجديدة في مصر أن تحلم بواقع أفضل‏..‏ ولكن تحقيق تلك الأحلام والطموحات مرهون بالقدرة علي المواجهة والثقة فيما تم إنجازه من قبل‏..‏ واستعراض مسيرة الإنجاز ليست دعاية لجيل أو قيادة‏,‏ ولكنها دروس تفيد وتعين علي مواجهة مشكلات راهنة هي بالتأكيد أقل حدة عما كانت‏.‏
ومنذ أن بدأت قبل أسبوعين الحديث عن تلك المسيرة تلقيت الكثير من رسائل القراء اتفاقا أو اختلافا مع ما كتبت‏.‏ وقد أسعدني الاتفاق والاختلاف علي السواء‏,‏ فتلك هي طبيعة العصر الذي نعيشه وثمرة سنوات من تعدد الآراء في المجتمع‏,‏ وهو إنجاز يحسب للرئيس مبارك‏,‏ الذي تحمل هو شخصيا الكثير من مشكلات التحول نحو حرية حقيقية للتعبير‏,‏ فالحرية‏,‏ التي نعيشها منذ سنوات‏,‏ علمتنا أن نتجاوز كل عقبة تحول دون التعبير عما نريد‏,‏ وعلمتنا أيضا أن نتقبل آراء المخالفين ونحترمها‏,‏ مادام هذا الحوار قد ظل في إطاره العقلاني والأخلاقي‏,‏ وهي ضرورة لاستقرار مفاهيم حرية التعبير في المجتمع‏,‏ وبغيرها فإن الديمقراطية نفسها تتعرض للمخاطر‏.‏
والحقيقة التي أود تأكيدها هي أن الحوار الذي حملته إلي رسائل القراء وتعليقاتهم‏,‏ ومعظمهم شباب في العشرينات والثلاثينيات حول ما كتبت‏,‏ هو بكل المعايير أفضل كثيرا من مستويات الحوار التي نتعرض لها عبر بعض الصحف وبعض الفضائيات حيث تسود لغة الاتهامات والتحريض والتشويش والتشكيك بين من يصنفون أنفسهم علي أنهم سياسيون طامحون إلي قيادة أمة بأسرها‏.‏
ربما كانت القضية السياسية والتحول الديمقراطي هي القضية المسيطرة علي ساحة الحوار العام في مصر‏,‏ وسوف تظل كذلك لسنوات طويلة قادمة‏,‏ فالأداء الحقيقي لأي مجتمع مرتبط بكفاءة النظام السياسي العام في المجتمع‏,‏ ومستوي الحوار السياسي السائد الآن يستمد جذوره من سنوات سابقة هيأت المجتمع وتياراته وفئاته المختلفة‏,‏ ويستمد جذوره أيضا من تغييرات سياسية حقيقية عايشتها البنية التشريعية المصرية المنظمة للنشاط السياسي في المجتمع‏.‏
فالقضية السياسية في مصر لم تغب عن أولويات عمل الرئيس مبارك منذ بدايات توليه المسئولية‏,‏ ولكن الأوضاع‏,‏ التي مر بها المجتمع المصري‏,‏ أسرعت بخطوات العمل في مجالات لم تكن تحتمل شيئا من التأجيل‏,‏ كما ذكرت في المقالتين السابقتين‏,‏ فلم تكن مواجهة قوي الإرهاب أو تداعيات الأزمة الاقتصادية‏,‏ أو إستعادة الأراضي المصرية التي ضاعت في حرب‏67‏ بأخطارها الماثلة يمكن أن تمضي بخطي الإصلاح السياسي‏,‏ نفسها في تلك السنوات‏.‏ ومع ذلك فإن الرئيس مبارك أرسل مبكرا رسالة واضحة لم تخطئها أعين المراقبين السياسيين آنذاك‏,‏ تؤكد أن الحرية بمعناها السياسي والاجتماعي الأوسع هي اختياره في رسم ملامح الحياة السياسية المصرية‏.‏
‏............................................................‏
تولي الرئيس مبارك الحكم‏,‏ ورموز الحركة السياسية المصرية‏,‏ بمختلف تياراتها‏,‏ قابعون رهن الاعتقال‏,‏ وكان أول قرارات الرئيس الإفراج عن هؤلاء الذين كانوا رمزا للتعددية السياسية في المجتمع من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار‏.‏ فخرج بقرار الرئيس نحو‏1563‏ شخصية سياسية من ظلام السجون إلي المقر الرئاسي‏,‏ يناقشون في حرية مستقبل العمل السياسي في مصر‏,‏ ثم يعودون آمنين إلي بيوتهم أحرارا ليبدأ عصر جديد من الحراك السياسي في الحياة المصرية‏.‏
وبرغم ما صدر عن بعض هؤلاء من أقوال وممارسات وخروج عن مقتضيات العمل السياسي الرشيد‏,‏ وتجاوز كان من الصعب قبوله في تلك السنوات‏,‏ فإن أحدا منهم لم يعد أبدا إلي السجن بجريمة من جرائم الرأي‏..‏ وعلي مدي السنوات التي تلت ذلك ظل مناخ حرية الرأي والتعبير محافظا علي مكانته وحيويته التي هيأت مصر لانطلاقة غير مسبوقة في قنوات التعبير عن الرأي‏,‏ فقد أطلقت حرية إصدار الصحف إلي أوسع مدي تبلغه منذ عام‏1952‏ حتي تجاوز عدد الصحف الصادرة في مصر اليوم نحو‏600‏ صحيفة‏,‏ تعبر بالضرورة عن جميع التيارات السياسية والفكرية في المجتمع‏.‏ وأصبح التعبير عن واقع الحياة المصرية مجالا للمنافسة بين صحف قومية تعبر عن التيار السائد في المجتمع‏,‏ وأخري حزبية تعبر عن رؤي الأحزاب المختلفة‏,‏ وثالثة خاصة تشق طريقها بين الفئتين الأخريين‏.‏
وعلي مدي السنوات التي مضت لم تنل بعض الممارسات الصحفية التي جاء بها الفهم الخاطئ لحرية الصحافة‏,‏ وجاءت بها المصالح الفئوية الضيقة من احترام حرية الرأي والتعبير‏.‏ فلم تشهد مصر إلغاء صحيفة أو سحب تراخيصها‏,‏ أو مصادرة أعداد لها‏,‏ أو وقف طباعتها أو توزيعها بإجراءات غير قانونية مثلما ساد ذلك في عصور سابقة‏,‏ وشهدت تلك السنوات تطورات كبيرة‏,‏ دفعت بحرية الرأي والتعبير خطوات إلي الأمام‏,‏ بظهور قوي سياسية وتيارات فكرية‏,‏ تطورت ونمت في ظل الحرية المتاحة‏,‏ وكذلك بتنقية التشريعات من المواد القانونية الموروثة عن سنوات سابقة والسالبة للحرية‏.‏
وخلال تطور حرية التعبير في المجتمع كان طبيعيا أن يؤدي الخلاف والاختلاف بين مختلف القوي في المجتمع إلي وقوف الصحافة مرات أمام القضاء‏,‏ وكان ذلك في بعض الأحيان نتاجا لممارسات صحفية خاطئة‏,‏ وتجاوزات في حقوق بعض المواطنين أو الشخصيات العامة‏.‏ ولكن الرئيس مبارك كان دائم الانحياز لحرية الرأي في المجتمع‏,‏ وتجلي ذلك في موقفه من القانون‏93,‏ وأعاد تأكيده في تسامحه مع كتابات صحفية تناولت شخصه‏..‏ هذا الموقف من الرئيس أدي إلي شيوع روح من التسامح مع الأخطاء الصحفية‏,‏ وهو أمر وفر المزيد من الفرص أمام الصحافة لأن تصلح أخطاءها وتترسخ لديها قيم الحرية وقيم المجتمع الأساسية علي السواء‏.‏
‏............................................................‏
والمتابع لموقف الرئيس مبارك من حرية التعبير في المجتمع يقف علي حقيقة أن إطلاق حرية الصحافة كان ضرورة لتطورات سياسية أخري‏,‏ جاءت بها السنوات فيما بعد‏.‏ أي أن حرية الصحافة كانت عنصرا أساسيا ضمن منظومة الإصلاح السياسي في مصر‏.‏ ومن هنا كان الصبر علي الممارسات الخاطئة انتظارا لنتائج أعمق‏,‏ وأكثر تأثيرا سوف تمارسها حرية الصحافة في تطور العمل السياسي المصري‏.‏
فقد استلزم تطوير البنية السياسية المصرية تغييرا في مجالات كثيرة شديدة الارتباط بالتطور السياسي‏,‏ وكانت حرية الصحافة في مقدمة تلك المجالات‏,‏ ومن هذه المجالات أيضا تفعيل السلطة التشريعية‏,‏ وتعظيم دورها في الحياة السياسية المصرية‏,‏ والحفاظ علي استقرارها‏.‏
وبرغم تضخيم أخطاء هنا أو هناك لبعض أعضاء مجلس الشعب‏,‏ فإن ذلك لا ينال من حقيقة الدور التشريعي الهائل الذي قام به البرلمان المصري طوال السنوات الماضية‏,‏ ولم يسبق في تاريخ البرلمان المصري خلال العقود الستة الماضية أن كانت له مثل تلك الفاعلية في مجالي التشريع والرقابة‏,‏ فقد أصبح صانعا يوميا لأحداث كثيرة تلقي الاهتمام من مختلف قطاعات المجتمع‏,‏ واصبحت مناقشاته ومعاركه عنوانا علي حيوية دوره وأهميته‏.‏
فقد تحمل البرلمان المصري بشقيه الشعب والشوري خلال السنوات الماضية مسئولية التشريع لواقع يختلف كل يوم عن سابقه‏,‏ تشريعات جديدة تماما‏,‏ وأخري بحاجة إلي تطوير أو تغيير لتواكب التغيرات المتلاحقة في الحياة المصرية‏..‏ ولايمكن لمنصف أن يختزل صورة مجلس الشعب المصري في أخطاء نفر من أعضائه‏,‏ فقد أصبح المجلس قوة لها تأثيرها غير المسبوق في الحياة السياسية المصرية خلال العقود الستة الماضية‏.‏ ومع قيام مجلس الشوري وتفعيل دوره في السنوات الأخيرة اكتمل تطوير بنية السلطة التشريعية لتحمل مسئولية تحديث الحياة في مصر في مختلف جوانبها‏.‏
ويعبر التطور السياسي في مصر عن نفسه ايضا بواقع الحياة الحزبية المصرية‏.‏ فقد كان عدد الأحزاب المصرية يوم تولي الرئيس مبارك الحكم خمسة أحزاب منها حزبان كان نشاطهما مجمدا‏,‏ أما اليوم فالساحة السياسية مفتوحة لعدد من الأحزاب يراه البعض أكثر من اللازم‏.‏
لقد فتح الرئيس مبارك الطريق واسعا أمام المزيد من الأحزاب التي تزيد من ثراء التجربة السياسية المصرية وتستوعب كل التيارات الوطنية الراغبة في العمل السياسي‏,‏ وإذا كان واقع الحال يشير إلي ضعف الهياكل الحزبية الراهنة‏,‏ فإن تلك هي مسئولية الأحزاب نفسها‏,‏ ومسئولية من تسلطوا عليها أو احتكروا قيادتها‏.‏
ومن يدرس تجربة التطور الذي حققه الحزب الوطني يدرك أن وراء ذلك التطوير رغبة في أن تعمل الأحزاب في ظل منافسة سياسية حقيقية تستند إلي آليات العمل الديمقراطي‏.‏ فعلي الرغم من أنه حزب الأغلبية وبالرغم من شعبيته وقدراته‏,‏ فإنه أراد تطوير هياكله وآليات عمله‏,‏ استعدادا لواقع سياسي أصبح مفتوحا أمام ظهور المزيد من القوي السياسية في المجتمع‏.‏
وربما يدرك الذين يهاجمون الإصلاحات الدستورية التي جاء بها الرئيس مبارك في‏2005‏ 2007‏ بما فيها المادة‏76‏ المثيرة للجدل والتي دخل علي أساسها الانتخابات في مصر‏,‏ وأصبح بموجبها أول رئيس منتخب من الشعب مباشرة بعد عصر الاستفتاءات الطويل‏,‏ أقول ربما يدركون وينصفون أنها نفسها الإصلاحات التي غيرت المناخ السياسي الذي نعيشه والتي فتحت المجال واسعا أمام كل المصريين للمشاركة المفتوحة في العمل السياسي سواء كانوا يعملون بالسياسة في مصر‏,‏ اوقادمين من الخارج أو متطلعين إلي دور مستقبلي في ظل منظومة التغيير والإصلاح السياسي التي يقودها ويرسخها الرئيس مبارك في منظومة العمل السياسي في بلادنا بلا كلل أو ملل‏,‏ فهو الرئيس الذي يفتح الباب واسعا للمشاركة‏,‏ مع إعطاء ضمانات دستورية وقانونية تمنع البلاد من الانزلاق إلي الفوضي أو الردة عما تحقق من الإصلاحات التي غرسها في ضمير الوطن بل ضمير المصريين وأصبحت جزءا من حقوقهم الآن وفي المستقبل‏..‏ فتحصين الاصلاحات ضرورة حتمية يدركها الرئيس المصلح‏.‏
ولو أدرك المنصفون والعقلاء ما يقوده مبارك في مصر من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتعاملوا معه بروح جديدة ومختلفة حتي نتمكن من تكريسها في ضمير الوطن كله بحيث نحمي حاضره ونضمن مستقبله‏.‏
ولأن المسئولية مشتركة فمن يهيلون التراب علي ما يحدث أو يهونون من شأنه سوف يدفعون ثمنا تاريخيا باهظا لو يعلمون‏,‏ فلا يمكن أن نعامل أو نتعامل مع صانع الإصلاحات إلا بصفته مصلحا كبيرا للبلاد‏,‏ فقد جاء المصلح من قلب السلطة بل وعلي رأسها‏,‏ وهو ما يزيده مكانة ورفعة في قلوب المصريين‏,‏ ويحفظ له دوره التاريخي ومكانته الرفيعة كأب للمصريين‏,‏ فهو لم يعاملهم كرئيس يحفظ لنفسه سلطاته بل أعطاهم الحرية وعمل علي تنميتها وتطويرها معا في عمل مشترك للحاضر والمستقبل‏,‏ ولذلك ارتفع إلي مكانة الأب للمصريين جميعا‏,‏ فقد بني حاضرهم وتطلع معهم لمستقبلهم برضا كامل‏,‏ باحثا عن المشاركة الايجابية من كل الناس ومن كل المواطنين‏.‏
هل رئيس بهذه الأريحية أو هذه الروح الوطنية يحاسب من بعض السياسيين عن كل ما حدث من مصر والمصريين طوال أربعينيات وخمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الفائت؟‏..‏ هل مبارك مثلا وهو أحد أبطال حرب أكتوبر من الممكن أن يتحمل أو يحاسب علي هزيمة‏67‏ مثلا؟‏!.‏
هل مبارك من الممكن أن يتحمل مشكلات كثيرة ادت إلي إهدار موارد الوطن وإضعافه عقودا عديدة‏,‏ بحيث جعلت عملية التحول والتغيير السياسي والاقتصادي في مصر عملية صعبة‏,‏ وبحيث اختفت البنية البشرية والتعليمية بل والثقافية في الوطن في سنوات التحول الثوري؟
هل مبارك يحاسب عن غياب طبقة المنتجين المبدعة‏,‏ والخيرة التي تآكلت في سنوات التحول الثوري‏,‏ وظهرت مكانها الآن طبقة من المنتفعين بالتحول الاقتصادي‏,‏ ويزايدون الآن علي التحولات السياسية التي تحدث في مصر بانتهازية رخيصة‏!‏ قد يدفعون ثمنها غالبا لو لم يعوا طبيعة التغييرات‏,‏ وينتقلوا معها إلي الروح الإيجابية التي تسمح بتنميتها والبناء عليها للمستقبل؟
أسئلة كثيرة يجب أن تطرح علي كل المستفيدين من سنوات التحول والإصلاح السياسي والإقتصادي التي يقودها مبارك رئيسا ومصلحا وإلا أصبحنا مصابين بعمي الألوان‏.‏
الإنصاف السياسي ضرورة لنظامنا‏,‏ ورئيسنا وضعنا في مدارج التقدم بل التحول حتي نستطيع ان نتطلع للمستقبل بيقين وقدرة علي تجاوز واقعنا وتأخرنا عن عالمنا سنوات طويلة‏,‏ وما فاتنا هو بالمناسبة ليس قليلا‏,‏ إلا علي الذين أصيبوا بعمي الألوان‏,‏ وهم ولحسن الحظ برغم ضجيجهم الإعلامي وصخبهم السياسي المبالغ فيه وتطلعاتهم الكبيرة قليلون بل عديمو الفائدة والتأثير في الواقع‏.‏
وعلي مدي العامين الحالي والمقبل نخوض معركة الانتخابات البرلمانية لمجلسي الشعب والشوري والانتخابات الرئاسية‏.‏ وهي جميعها انتخابات تجري علي خلفية مجمل التطورات السياسية التي حققها مبارك طوال سنوات الحكم‏,‏ وهو أمر يضيف إلي هذه الانتخابات أهمية كبري‏.‏
صحافة حرة تعبر عن جميع القوي‏,‏ وأحزاب سياسية تعبر عن مختلف التيارات‏,‏ وتغير هائل في الآلية السياسية لاختيار رئيس الدولة وتشريعات أكثر تطورا للممارسة السياسية‏,‏ واعتراف بحق المرأة في التمثيل النيابي‏,‏ والمزيد من الضمانات للمشاركة السياسية ونزاهة الانتخابات‏.‏
بقي أن تعبر تلك المعارك الانتخابية عن التطورات والقفزات التي حققها مبارك لمصر خلال السنوات الماضية‏.‏
بقي أن تنتقل القوي السياسية المختلفة إلي الواقع تعبر عنه وتطرح برامجها لتغييره بدلا من الجلوس أمام الكاميرات والتخفي وراء المقالات للنيل من هذا‏,‏ والهجوم علي ذلك‏.‏
لقد أتيح لنا من حرية الاختيار ما لم يكن متاحا من قبل‏.‏ وما سوف يحدث هو أمر يقرره المصريون أمام صناديق الانتخاب‏,‏ وليس فقط من خلال وسائل التعبير‏.‏
[email protected]

المزيد من مقالات أسامه سرايا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.