في السنوات القليلة الماضية كانت السينما التي يقدمها النجم أحمد حلمي من أهم الأفلام التي كانت تحظي بجماهيرية كبيرة. وأيضا تجاوب نقدي يتضامن معها ويؤازرها ويشجعها ويدفعها إلي الامام, لأنه كان يصنع أفلاما تنطوي علي مضامين إنسانية تلمس مشاعر الناس وهمومهم ومشاكلهم في اطار كوميدي خفيف يلطف من حرارة هذه الهموم, وبالفعل كانت النتيجة مبهرة. وطالعت في بعض الصحف تصريحا لأحمد حلمي نفسه أنه سوف يبتعد عن أفلام الفانتازيا قليلا التي كان يقدمها ويقصد بها آسف للازعاج الف مبروك عسل أسود وأنه سوف يعود ليقدم سينما واقعية هذا العام ويقصد بها فيلم بلبل حيران وبرغم اعتراضي علي تصنيف أفلامه السابقة علي أنها فانتازيا إلا أنني فضلت التروي والانتظار حتي مشاهدة فيلمه الجديد المصنف بالواقعي علني أجد فيه ما يغير بعض مفاهيمي بخصوص تفسيرات كلمة فانتازيا وواقعية. باديء ذي بدء فإن الصالة ممتلئة بنحو ثلاثة أرباع عددها.. فالجمهور يدخل إلي نجم محبوب سبق وأن قدم العديد من الأفلام التي لاقت استحسان وإعجاب هذا الجمهور.. ثم يبدأ الفيلم لأجدني أمام مشكلة شاب أحب إحدي الفتيات ثم وجد فيها بعض العيوب من وجهة نظره.. ثم أحب فتاة أخري تتحول فيها عيوب الأولي إلي مزايا ولكنها لها عيوب أخري من نوع ثالث.. ثم يفقد الشاب ذاكرته لأسباب تافهة فينسي الأولي تماما ويركز مع الثانية.. لكنه لا يقنع بها ويقابل الأولي التي أصبح لا يعرفها بعد فقدانه الذاكرة.. ويعيد الكرة معها مرة أخري.. وتتآمر الأثنتان عليه.... الخ. فنحن هذه المرة أمام فيلم أقل ما يقال عنه انه الأقل والأدني في سلسلة أفلام أحمد حلمي منذ بدايته.. وهذا له أسباب.. أولها الموضوع الذي يبدو عليه من بدايته أنه يهم الشباب بوجه عام.. لكن عندما تتعمق فيه تكتشف أن شبابنا له مشكلات كثيرة وكبيرة تسبق تلك المرحلة.. وأن هذا الموضوع عندما تتأمله عن بعد تجد أنه موضوع ينطوي علي قدر كبير من الرفاهية التي لا تنتمي إلي مجتمعنا المصري بأي حال من الأحوال.. فهي مشكلة الشباب الذي يمتلك السيارة التي يتجاوز ثمنها أكثر من نصف مليون جنيه والذي يسكن شقة تم تصميمها بشكل أوروبي خالص ويعيش حياة ما بين الكافيهات الخمس نجوم.... فلا علاقة لنا كمصريين بهذا النموذج الذي قد يكون مستفزا لبعض شبابنا الكادح. ثانيا.. من حيث الصورة نحن أمام فيلم غير مصري بداية من شكل المستشفي والدكتورة التي تقيم مع المريض بشكل دائم وهو ما لا يحدث في الواقع لتتطور العلاقة بينهما إلي صداقة يحكي كل منهما إلي الآخر مشاكله العاطفية.. حتي نوع السجائر الملفوفة التي يدخنها البطل فهي غير معتادة في مصر.. وحتي المكتبة التي يذهب اليها لشراء الكتب التي يقدمها هدايا فإن تصميمها لا يمت إلي المكتبات المصرية بأي صلة. أيضا الطريف في الموضوع تلك الرياضة التي تمارسها زينة وهي القفز من الطائرة بالباراشوت, أعتقد أن المصريين لا يمارسون هذه الرياضة لكنهم يمارسون رياضة القفز من الأتوبيس بالشورت.. وغيرها الكثير الذي يثبت لنا أننا أمام تركيبة لا تنتمي إلي المجتمع ولا الواقع.. وبالرغم من هذا يسمونه فيلما واقعيا.. عفوا هذا ليس فيلما واقعيا ولا يعبر عنا ولا ينتمي الينا.. أن الأفلام السابقة من وجهة نظري هي التي تنتمي إلي الواقعية لأنها تغوص في أعماق الانسان وتخرج ما لديه من مشاعر ومشاكل وعراقيل بينه وبين مجتمعه, متمثلا في عمله وفي بيته وفي كل من حوله. ففيلم آسف علي الإزعاج فيلم واقعي.. وأيضا الفيلم عسل أسود هو فيلم واقعي كوميدي, وأحيانا ترقي أفلامك يا أستاذ حلمي إلي درجة الكوميديا السوداء والتي أعتبره أسمي أنواع الكوميديا تلك التي تضحك من أقصي درجات الحزن والمرارة.. وكل أفلامك السابقة أضحكتنا لأننا أمام شيء يلمسنا من الداخل ونتوحد معه ونضحك ونبكي ونري أنفسها في البطل ونتجاوب ونتطهر أحيانا. فيلمك الجديد ليس سيئا لكيلا لا أكون حادا معك ولأننا نكن لك حبا واحتراما.. وواجبنا نحوك أن نكون مرآتك.. بلبل حيران فيلم لا يخلو من الكوميديا وهو وجبة خفيفة التي لا تخلو من بعض الأفيهات الخارجة والتي قد يغفرها لك محبونك فقط لانهم محبونك لكن ماذا لو تكررت.... الله أعلم! عد إلي موقعك وأمض في طريقك الذي أحبك فيه جمهورك ولا تنظر إلي الوراء.. فأحيانا ينحرف المرء عن طريقه قليلا.. لكن المهم أن يعود مرة أخري.