لو طاوعت قلبي لتوجهت من فوري الي أهالي القتلي والجرحي من الإخوة المسيحيين الذين سفكت دماؤهم ظلما وغدرا في كنيسة سيدة النجاة في بغداد وعددهم تجاوز المائة.. أشاركهم أحزانهم, وأمسح بيدي دموعهم, وأبدي لهم عجري وبجري, وهمي وحزني, وأشاركهم السؤال عن أقاربهم من الضحايا: بأي ذنب هؤلاء قتلوا؟! واتساءل معهم عن هذا الهمجي الوحشي الذي تجرأ وهاجم المصلين في بيت من بيوت الله!! وهو الآن يهدد بأن مثل هذه الجرائم سوف تمتد الي خارج العراق!! هل قرأ هذا الهمجي عن رأي القرآن الكريم في المسيحيين من أهل الكتاب.. من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين[ آل عمران:113] وهل قرأ هذا الوحشي ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصاري. وهل اطلع القاتل علي كتاب إمامنا وحبيبنا ومعلمنا رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام في رسالته الي النصاري في نجران... ولجميع من ينتحل دعوة النصرانية في شرق الأرض وغربها, قريبها وبعيدها.. جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله, علي أموالهم وأنفسهم وملتهم وغائبهم, وشاهدهم وعشيرتهم, وكل ما تحت أيديهم.. وأن أحرس دينهم وملتهم أين كانوا.. بما أحفظ به نفسي وخاصتي وأهل الإسلام من ملتي, لأني أعطيتهم عهد الله أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما علي المسلمين. وهل علم القاتل بعهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لأهل القدس.. بالأمان لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم... وأنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من صليبهم, ولا من شيء من أموالهم. والسؤال الآن: هل لو كان مرتكب هذه المجزرة يعلم بأحكام الدين الإسلامي الحنيف ويعرف أوامره ويدرك نواهيه؟ هل كان قد مد يده بالشر أم كان يود أنه لو لم يكن قد ولد, وكان نسيا منسيا؟ واذا كان علينا الآن أن نحلل الأمور وأن نردها الي أصولها, فإن لنا أن نتساءل عمن أطلق الفتنة من عقالها, وأفسد العقول وأمات القلوب؟ من هذا العنصري الماكر الذي خدع العالم وأوهم الجميع بأن العراق لديه أسلحة دمار شامل, بينما كان هدفه الحقيقي أن يتسلل الي العراق ليتخذ منه مرتكزا, ومحطة للوثوب علي العالمين الإسلامي والعربي لتفتيته وتجزئته علي أسس عرقية وأثنية ودينية ومذهبية وقومية.. ليزيد تمزق الدول العربية الي أكثر من اثنين وثلاثين كيانا عنصريا جديدا, فتصبح مجتمعات من الموازييك, بحسب عبارة المستشرق برنارد لويس الذي يري أن هذه الكيانات سوف تنشغل وقتها بخلافات لا نهاية لها بشأن الدين والملة والنحلة والعقيدة والحدود والمياه والنفط والطرق وغيرها.. وأنه ليحزننا أن نذكر أنه قبل بدء الغزو الغربي للعراق كان عدد المسيحيين في العراق يقارب المليون لكنهم بعد الغزو والعنف هاجروا من وطنهم ولا يزيد عدد الباقي منهم الآن علي مائة ألف! ونحن من جانبنا كنا قد لاحظنا فيما سبق خروجا استفزازيا من جانب أحد الطرفين في مصر, ولما شعرنا أن مواقفه سوف تشعل نيران الفتنة وأن الوطن غاد علي الخطر وأن نار الفتنة في ساعده الأيسر انتشر, وقتها أشرنا اليه وواجهناه في مقالات سابقة وطالبناه بتعديل مواقفه وبالحذر, وقد بدأ فعلا في الاستجابة, وان كان عليه الإسراع, فهناك الكثير الذي يجب عليه أن يفعله.. واليوم وبنفس المعيار, فقد لاحظنا خروجا بواحا واعتداء اجراميا ارتكبه مجرمون باسم الإسلام ونحمد الله أنه تم خارج مصر.. وها نحن اليوم ووفقا لقواعد العدالة نطالب الكل بالتصدي له ومعاقبة القتلة ونقدم لضحاياه خالص العزاء.