رئيس جامعة المنيا يشهد مهرجان حصاد كلية التربية النوعية 2025| صور    المجلس القومي للمرأة ينظم لقاء رفيع المستوى بعنوان "النساء يستطعن التغيير"    هل تتغير أسعار الفائدة على الشهادات الادخارية في البنوك بعد قرار البنك المركزي ؟    الشباب وتحديات اكتساب المهارات الخضراء لمواجهة تغير المناخ| تقرير    الأمم المتحدة: تهجير واسع ومقتل مئات المدنيين في غزة    الإمارات تدين إطلاق القوات الإسرائيلية النار على وفد دبلوماسي في جنين    3 شهداء في قصف إسرائيلي على منزل في دير البلح بغزة    عبد الله السعيد يؤدي برنامجاً تأهيلياً في الزمالك    وزير الرياضة ومحافظ الدقهلية يفتتحان المرحلة الأولى من تطوير استاد المنصورة    اضطراب الملاحة وأجواء حارة.. الأرصاد تعلن طقس الجمعة بدرجات الحرارة    جهات التحقيق تعاين مقر شركة دار التربية بجامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والفنون    أول تعليق من مايان السيد بعد تكريمها من السيدة انتصار السيسي    إشادات نقدية للفيلم المصري عائشة لا تستطيع الطيران في نظرة ما بمهرجان كان السينمائي الدولي    محمد مصطفى أبو شامة: يوم أمريكى ساخن يكشف خللًا أمنيًا في قلب واشنطن    المسجد الحرام.. تعرف على سر تسميته ومكانته    رئيس الوزراء يلتقي وفد جامعة أكسفورد (تفاصيل)    عائلات الأسرى الإسرائيليين: وقف المفاوضات يسبب لنا ألما    ماغي فرح تفاجئ متابعيها.. قفزة مالية ل 5 أبراج في نهاية مايو    تعمل في الأهلي.. استبعاد حكم نهائي كأس مصر للسيدات    40 ألف جنيه تخفيضًا بأسعار بستيون B70S الجديدة عند الشراء نقدًا.. التفاصيل    نماذج امتحانات الثانوية العامة خلال الأعوام السابقة.. بالإجابات    طلاب الصف الخامس بالقاهرة: امتحان الرياضيات في مستوى الطالب المتوسط    الحكومة تتجه لطرح المطارات بعد عروض غير مرضية للشركات    «الأعلى للمعاهد العليا» يناقش التخصصات الأكاديمية المطلوبة    تفاصيل مران الزمالك اليوم استعدادًا للقاء بتروجت    المبعوث الأمريكى يتوجه لروما غدا لعقد جولة خامسة من المحادثات مع إيران    بوتين: القوات المسلحة الروسية تعمل حاليًا على إنشاء منطقة عازلة مع أوكرانيا    الأعلى للإعلام يصدر توجيهات فورية خاصة بالمحتوى المتعلق بأمراض الأورام    وزير الرياضة: تطوير مراكز الشباب لتكون مراكز خدمة مجتمعية    البابا تواضروس يستقبل وزير الشباب ووفدًا من شباب منحة الرئيس جمال عبدالناصر    وزير الصحة ونظيره السوداني تبحثان في جنيف تعزيز التعاون الصحي ومكافحة الملاريا وتدريب الكوادر    تعرف على قناة عرض مسلسل «مملكة الحرير» ل كريم محمود عبدالعزيز    بعد ارتباطه بالأهلي.. كوتيسا ينضم إلى أيك أثينا اليوناني بصفقة انتقال حر    محافظ البحيرة تلتقي ب50 مواطنا في اللقاء الدوري لخدمة المواطنين لتلبية مطالبهم    وزير الخارجية يؤكد أمام «الناتو» ضرورة توقف اسرائيل عن انتهاكاتها بحق المدنيين في غزة    بروتوكول تعاون بين جامعة بنها وجهاز تنمية البحيرات والثروة السمكية (تفاصيل)    محافظ أسوان يلتقى بوفد من هيئة التأمين الصحى الشامل    «العالمية لتصنيع مهمات الحفر» تضيف تعاقدات جديدة ب215 مليون دولار خلال 2024    أسرار متحف محمد عبد الوهاب محمود عرفات: مقتنيات نادرة تكشف شخصية موسيقار الأجيال    الأمن يضبط 8 أطنان أسمدة زراعية مجهولة المصدر في المنوفية    أدعية دخول الامتحان.. أفضل الأدعية لتسهيل الحفظ والفهم    أمين الفتوى: هذا سبب زيادة حدوث الزلازل    الأزهر للفتوى يوضح أحكام المرأة في الحج    "سائق بوشكاش ووفاة والده".. حكاية أنجي بوستيكوجلو مدرب توتنهام    كرة يد - إنجاز تاريخي.. سيدات الأهلي إلى نهائي كأس الكؤوس للمرة الأولى    "آيس وهيدرو".. أمن بورسعيد يضبط 19 متهمًا بترويج المواد المخدرة    ضبط 9 آلاف قطعة شيكولاته ولوليتا مجهولة المصدر بالأقصر    عاجل.. غياب عبد الله السعيد عن الزمالك في نهائي كأس مصر يثير الجدل    مشاجرة بين طالبين ووالد أحدهما داخل مدرسة في الوراق    وزير الداخلية الفرنسي يأمر بتعزيز المراقبة الأمنية في المواقع المرتبطة باليهود بالبلاد    كامل الوزير: نستهدف وصول صادرات مصر الصناعية إلى 118 مليار دولار خلال 2030    الكشف عن اسم وألقاب صاحب مقبرة Kampp23 بمنطقة العساسيف بالبر الغربي بالأقصر    الزراعة : تعزيز الاستقرار الوبائي في المحافظات وتحصين أكثر من 4.5 مليون طائر منذ 2025    راتب 28 ألف جنيه شهريًا.. بدء اختبارات المُتقدمين لوظيفة عمال زراعة بالأردن    محافظ القاهرة يُسلّم تأشيرات ل179 حاجًا (تفاصيل)    سعر الريال القطرى اليوم الخميس 22-5-2025 فى منتصف التعاملات    هبة مجدي بعد تكريمها من السيدة انتصار السيسي: فرحت من قلبي    حكم من يحج وتارك للصلاة.. دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصيف الاخير

كانت لابسة فستانا من الشيفون بكرانيش حول الرقبة وعلي الأكمام‏.‏ والشعر كستنائي غامق‏,‏ ملموم للخلف بشريط القطيفة السوداء‏,‏ تاركة فسحة لوجه شاب بأسارير متناسقة‏,‏ في الوقت الذي تبرز فيه العينان اللتان تظللهما رموش طويلة‏.‏ وهي لاتشع فقط شبابا ونضارة هذه الشابة‏/‏ الفتاة‏,‏ لكن سلاما عميقا وسلام‏.‏ لكن هذه الشابة الجميلة‏,‏ لأن هذا في الحقيقة ماكانته‏,‏ والتي كانت مرتبة مثلها‏,‏ وتتنفس بعمق من كل مسامها‏...‏ كانت داخل برواز موضوعة فوق التسريحة‏,‏ قريبه من المرآة‏.‏ هكذا كانت في الثامنة عشرة قبل أن تتزوج‏,‏ ولقد أراد بيبي أن تعطيه كهدية صورة في عيد الميلاد‏,‏ وقد خرجت جميلة جدا‏,‏ نعم‏,‏ في الحقيقة‏.‏ ولقد عانت ألما شديدا عند مقارنتها بالشابة التي في الصورة‏,‏ بالصورة المنعكسة لها في المرآة‏,‏ صورتها هي‏:‏ صورة امرأة ناضجة‏,‏ سمينة‏,‏ بوجه مرهق‏,‏ ذابل حيث بدأت تلاحظ التجاعيد‏,‏ وقلة العناية‏,‏ أم الأفضل أن نقول قلة العناية بكل مايخص شخصيتها‏:‏ الشعر البيضاوي الأشيب‏,‏ لبسها لأحذية بكعب واطيء‏,‏ وفستانها المستهلك‏,‏ وموضته بطلت‏.‏ لاأحد سيفكر أن تلك التي كانوا ينظرون إليها خلف الواجهة الزجاجية لاستوديو التصوير قد صارت هي‏,‏ نعم‏,‏ هي‏,‏ عندما كانت روحها ممتلئة بالغرور والخطط‏,‏ بعكس ماهي الآن‏..‏
ماذا جري لك ياماما؟ سألها ريكاردو لأنها كانت جالسة وقد خبأت وجهها براحتيها‏.‏
جالسة هناك في مواجهة التسريحة‏,‏ وحيث كان عليها أن تهييء نفسها للخروج‏,‏ وغيرت وهي مثقلة بمشاعر الإحباط فستانها وضبطته علي جسمها‏.‏ واضح أنه ليس من الممكن الإحساس بالرضا والنشاط عندما تزداد الأعباء أكثر من اللازم وتعرف الواحدة أنها ليست بالفعل امرأة بل شبحا‏,‏ وشبحا سوف يقضي عليه واحدة واحدة بشكل بطيء‏...‏ والآن عليها أن تغطي فمها بالمنديل لتخنق انفجارها في الانتحاب لأنها في الفترة الأخيرة تحس بأنها حساسة أكثر من اللازم وحزينة وماأسهل أن تنهار باكية‏.‏
حدث هذا في أوائل الصيف‏.‏ في هذا الصيف الذي مامن نسمة طرية فيه‏,‏ والخانق‏,‏ والذي بدأت تحس فيه بأنها حالة سيئة‏.‏ وأحيانا كانت تحس أول ماتستيقظ بنوبة شديدة من الغثيان‏,‏ وأحيانا أخري تحس بسخونة تصعد في هبات إلي رأسها‏,‏ أو نوبات دوار شديدة‏,‏ كما لو أن الغرفة وقطع الأثاث تتحرك وهي تلف بها‏,‏ ونوبات الدوار في حالات عديدة تهاجمها طوال اليوم‏,‏ أيضا فقدت شهيتها للطعام‏,‏ ولم تعد تشتهي شيئا‏.‏ وكل طعام أصبحت نفسها تعافه‏,‏ وبحساباتها‏,‏ فإنها قضت الأيام الماضية دون أن تأكل وعلي فنجان قهوة فقط أو كوب عصير كانت تمضي يومها‏.‏وتعب لاحدود له استولي عليها ولم يعد ممكنا بالنسبة لها أن تنجز ماعليها من أعباء يومية‏,‏ وهي التي دائما ماكانت تظل تشتغل في البيت من الصباح حتي الليل‏,‏ كامرأة زنجية‏.‏ كل ماتقوم به الآن كان يتم بجهد شديد‏,‏ جهد كل يوم يتزايد عما سبقه حتي غطي العمر كله هذا العمر الذي صارت كل النساء خائفة كثيرا منه والتي هي علي وجه الخصوص تري أنها بلغت نهايته‏,‏ جدب‏,‏ شيخوخة‏,‏ سكوت‏,‏ موت‏..‏ الايام تمر‏,‏ وتوعك صحتها زاد إلي الحد الذي جعلها تقرر الذهاب إللي الطبيب‏.‏ ربما حدث لها شيء مع أقل ثقل تلك المرحلة الصعبة‏.‏
بعد أن قام الطبيب بالكشف عليها وفحصها بدقة وربت علي كتفها وهنأها‏..‏ ستكون أما من جديد‏...‏ لم تصدق ماسمعته لاأصدق أبدا‏,‏ ولكن مع سنوات عمري‏,‏ فكرت بأنه كان‏..‏ كما يقال ستكون هناك أعراض ل‏....‏ لكن‏,‏ كيف يكون ذلك ممكنا‏,‏ يادكتور؟ وكان عليها أن تسأله عدة مرات إن كان متأكدا من تشخيصه‏,‏ إذ أنه من النادر أن يحدث ذلك في عمرها هذا ذلك هو‏,‏ ياابنتي‏,‏ لاأكثر‏,‏ اتبعي نصائحي وتعالي لأراك خلال شهر‏,‏ يجب ألا يكون عندك خوف‏,‏ لو اعتنيت بنفسك‏,‏ كل شيء سيتم بشكل طيب طبعا سأراك‏,‏ وأنا في انتظارك خلال شهر كتبت لك روشتة ببعض الأدوية والتي لابد أن تتناوليها‏.‏ أما هي فخلال أيام وأيام‏,‏ ولاتزال لعدة ساعات قبلها‏,‏ كانت تبكي فقط لتفكيرها بأنها وقد بلغت ذلك العمر المزعج والذي فيه عاشت الأمومة‏,‏ والنضارة والنشاط انتهي الآن‏,‏ وعندما استقبلت الخبر‏,‏ لم تجرب أي إحساس بالفرح‏,‏ بل علي العكس كأنه إحساس كبير بالارتباك وهمود شديد‏,‏ لأنه عبء ثقيل‏,‏ بالطبع‏,‏ أن تعود بعد سبع سنوات ويكون لديها طفل آخر‏,‏ عندما يكون لديها بالفعل ستة أبناء‏,‏ فضلا عن أن الواحدة ليست في سن العشرين‏,‏ ولم تعمل حسابا لمن ستعينها مقابل لاشيء‏,‏ وعليها أن تقوم بشغل البيت كله وتدبر احتياجاته بمصاريف شحيحة‏.‏ وتكلفة ذلك كله تتصاعد يوما بعد يوم‏.‏ وهكذا راحت تفكر وهي راكبة في سيارة النقل في عودتها إلي البيت‏,‏ بينما كانت تتطلع إلي الشوارع التي بدت لها مثيرة للحزن مثل المساء‏,‏ مثلها هي نفسها‏.‏ لأنها بالفعل لاتريد أن تعود لتبدأ مرة أخري‏,‏ زجاجات الرضعة‏,‏ كل ثلاث ساعات‏,‏ وغسيل الأقمطة طوال اليوم وساعات السهر‏,‏ عندما تكون لاترغب في شيء بالفعل سوي في أن تنام‏,‏ تنام‏,‏ تنام طويلا‏,‏ لا‏.‏ لا‏.‏ هذا لاتستطيع أن تكونه‏,‏ فليس لديها القوة ولاالصبر لتقوم برعاية طفل آخر‏.‏ ويكفيها تماما أن تصبر علي ستة أبناء وببيبي‏,‏ شديد الجفاف‏,‏ وشديد الاختلاف لست سخيا معك‏,‏ ياابنتي‏,‏ لاأفقه شيئا من الحياة‏,‏ وليس لدي طموحات والشيء الوحيد الذي أفعله سوف يكون أن أملأ بطنك بالأبناء نعم‏,‏ طفل آخر أكثر وهو لن يبذل أقل جهد أكثر من ذلك للبحث عن عمل آخر وكسب نقود أزيد والمهمة جدا بالنسبة لها والتي تعمل معجزات في تدبير إنفاقها أو أنها سوف تموت من الإجهاد‏.‏
في تلك الليلة أبلغته بالخبر‏,‏ كان الأطفال قد ناموا‏,‏ وهما كانا في الغرفة يتفرجان علي التليفزيون مثل كل الليالي بعد العشاء‏.‏ مرر بيبي ذراعه حول كتفيها وطس خدها بقبلة كل طفل يأتي ومعه رزقه‏,‏ طعامه وملبسه‏.‏ لاتشغلي نفسك‏,‏ سنخرج من هذه الزنقة مثلما نخرج دائما‏.‏ وهي ظلت شاخصة إلي شاشة التليفزيون حيث كان هناك شيء يتحرك دون إحساس به‏,‏ بينما كان هناك في داخلها يتصارع عالم من الأفكار والأحاسيس ومرت الأيام‏,‏ والأسابيع‏,‏ واستمرت دون أن تجد مايعينها في صبرها علي هذا المكروه ولا مايجعلها تتعلق بالامل‏,‏وجع يتزايد مع الأيام وشحوب شديد أجبرها علي أن ترقد‏,‏ في أوقات مختلفة‏,‏ وفي مرات كثيرة أثناء النهار‏.‏ وهكذا قضت الصيف‏.‏
وفي الليالي‏,‏ وقليلا أثناء النوم كان بيبي يسمعها أو يحس بها ترتعش‏,‏ لكنه بالكاد يقدر كونها لاتنام‏.‏ وكان طبيعيا أن بيبي قد ارتاح من الهم‏,‏ طبعا‏!‏
فهو لايدرك ما الذي يعنيه أن يخرج للنور ابن فوق الآخرين‏,‏ ولاكيف يعتني به‏,‏ الأبناء جائزة‏,‏ هبة‏,‏ لكن عندما يكونان في الخامسة والأربعين وعندهما ستة أطفال‏,‏ فطفل آخر فوقهم ليس جائزة‏,‏ وليس سوي عقوبة‏,‏ لأنه بالفعل لاتتوافر من أجله لاالطاقة ولا الهمة لمواصلة المشوار‏.‏
أحيانا تنهض في منتصف الليل وتجلس قرب النافذة‏,‏ هناك في الظلام‏,‏ تسمع صوت الجنادب تحت في الجنينة الصغيرة حيث تجمع منها الخضراوات‏,‏ ويفاجئها الفجر بالعينين المفتوحتين لاتزال واليدان متشنجتان من الكرب‏.‏
وكان عليها أن تذهب إلي الطبيب في نهاية الشهر‏,‏ وبعد ذلك‏,‏ تواصل‏.‏ غير لها قليلا من الأدوية التي وصفها لها‏,‏ لكن عليها دائما إن تتبع نصائحه نفسها‏.‏ حاولي ألا تتعبي نفسك كثيرا‏,‏ ياابنتي‏,‏ استريحي أكثر‏,‏ وهدئي نفسك‏.‏ عادت إلي بيتها وهي تسير بتثاقل‏.‏
وفي واحدة من تلك الليالي والتي لم تذق فيها النوم والحر وضيق التنفس مماجعلها تنهض وتتمشي‏,‏ وخرجت لتتهوي بهواء منعش وأمسكت بدرابزين السلم الذي ينزل من الغرف إلي الجنينة الصغيرة‏.‏ وصلت إليها رائحة الليل التي ماأكثر ماكانت تحبها‏,‏ لكنها الآن تبدو لها نفاذة بشدة‏,‏ ونفسها تعافها‏,‏ كانت ترقب بشكل مختلف اليراعات التي تضيء في الظلمة وتنطفيء وتتكاثر ليليا بالتماعات صغيرة قليلة وقصيرة‏,‏ عندما أحست بشيء ساخن وجيلاتيني بدأ ينزلق جاريا بين ساقيها نظرت تحتها ورأت فوق الأرض غصن خشخاش منزوع الأوراق‏.‏ وأحست بجبينها غارقا في غرق بارد‏.‏ وبساقيها وقد أخذتا تتراخيان‏,‏ وشددت قبضتها علي درابزين السلم‏,‏ بينما انطلقت صارخة علي زوجها‏.‏ وبيبي نقلها إلي السرير وجري ليستدعي الطبيب لقد نصحتك كثيرا بألا تتعبي نفسك‏,‏ ياابنتي‏,‏ وألا تجهدي نفسك كثيرا قال الطبيب ذلك وعندما انتهي من تتبعها وربت علي كتفها بتربيتات خفيفة‏.‏ حاولي أن تنامي‏,‏ غدا سأحضر لأراك وقبل أن تسقط في النوم‏,‏ طلبت من بيبي أن يلف الدماء المتجلطة في أوراق جرائد وأن يدفنها في ركن من أركان الجنينة الصغيرة‏,‏ حتي لايراها الأطفال‏.‏
كانت الشمس قد ملأت الغرفة عندما استيقظت‏,‏ وكانت قد نامت ساعات طويلة‏.‏ وأطفالها كانوا قد ذهبوا إلي المدرسة دون أن يثيروا ضجة‏,‏ وبيبي أحضر لها فنجان قهوة باللبن ومعه خبز لتأكله باستمتاع‏.‏ كانت جائعة وعندما خرج بيبي ليجيء بأخته لتلازمها بضعة أيام حتي تستعيد عافيتها‏,‏ بقيت هي تفكر ولم تستطع علي الأقل أن تجرب أعظم ارتياح من أنها قد خرجت من هذا الكابوس المرعب‏.‏ ولقد تألمت طبعا أنها تبدو بشكل محزن كثيرا‏,‏ شديدة الكدر‏,‏ لكن الأمور لاتجري حسبما يشتهي البعض‏,‏ ولامايفكر فيها‏,‏ لكن حسبما تسير هي‏.‏ وطبعا هي لاتريد طفلا آخر‏.‏ لا‏,‏ كانت قد تفوقت علي نفسها‏,‏ لكن ليس هكذا‏,‏ وألا يكون قد حدث هكذا مما أثر فيها وحرك عواطفها‏.‏ وأخذت تبكي بلا عزاء لفترة طويلة حتي ظلت مستغرقة مرة أخري في النوم‏.‏
وفي أيام قليلة عاد كل شيء إلي طبيعته‏,‏ وقامت بواجباتها في خدمة البيت‏,‏ كما كانت تقوم بها دائما‏,‏ مراعية ألا تجهد نفسها أزيد من اللازم‏,‏ عاملة علي أن تظل مشغولة طوال اليوم‏,‏ وهكذا فإنها لم يكن لديها الوقت بأن يأخذها التفكير وأن تعاودها نوبات اللوم‏.‏ وجربت أن تنسي كل شيء‏,‏ وألا تتذكر ذلك الصيف المربك الذي في آخر الأمر كان قد انتهي والذي تقريبا كانت قد انتهت منه حتي كان ذلك اليوم الذي طلبت فيه من بيبيتو أن يجمع لها بعض حبات الطماطم لاياماما‏,‏ لأن هناك أيضا توجد ديدان‏.‏
بدأ الطنين يتصاعد في أذنيها‏,‏ وقطع الأثاث كلها والأشياء وأخذت تدور من حولها‏,‏ وبدأ نظرها يغم وكان عليها أن تجلس حتي لاتقع من طولها‏.‏ كانت غارفة في العرق والقلق ينهش أحشاءها بالتأكيد أن بيبي‏,‏ البطيء الحركة كما هو دائما‏,‏ لم يحفر الأرض بشكل كاف‏,‏ ومن هنا‏...‏ لكن أي شيء مرعب‏,‏ أي شيء مرعب‏,‏ الديدان تخرج‏,‏ تخرج‏...‏
في ذلك اليوم بصعوبة جهزت الطعام وقد انتهت منه أو كان مالحا أو نصف نييء‏,‏ أو محترقا إذ إنها بدأت تدور في دوامة من الأفكار وتهالك مخيف‏.‏ كل حياتها‏,‏ والروتين اليومي تغيرت بضربة واحدة‏,‏ إذ أخذت تتجه إلي أن تكون عصبية جدا‏,‏ فريسة لقلق فظيع‏,‏ تفرش السراير بشكل سييء‏,‏ وتخبط الأرض بالمكنسة خبطات عديدة‏,‏ تجري وتطل من النوافذ المطلة علي الجنينة الصغيرة‏,‏ وبدأت تنفض الغبار من فوق قطع الأثاث‏,‏ ومرة أخري من علي النافذة‏,‏ ونسيت كل ماكانت تعمله‏,‏ وعند مسح الأرضية تترك بركا‏.‏ وبدأت توقع الأشياء من يديها‏,‏ تحطم الأواني الخزفية‏,‏ وتلتقط بسرعة الكسر وتلقي بها في إناء القمامة حتي لايراها أحد ويشك فيها‏,‏ تقضي ساعات طويلة متعلقة بالدرابزين‏,‏ وهي تراقب‏,‏ وتراقب‏.‏
بصعوبة تتكلم مع بيبي والأطفال الصغار‏,‏ كل شيء يضايقها‏:‏ ما يسألونها عنه‏,‏ مايتحدثون فيه‏,‏ مايثيرونه من ضوضاء‏,‏ الراديو الذي يفتحونه‏,‏ الألعاب التي يعلبونها‏,‏ فرجتهم علي التليفزيون‏...‏ هي تريد أن تكون وحدها‏,‏ تفكر‏,‏ تراقب‏...‏ ألا تتسلي‏,‏ هي في حاجة لأن تكون متنبهة‏,‏ وهي تصغي‏,‏ وهي تراقب‏,‏ وهي تصغي‏,‏ وهي تراقب‏.‏
في هذه الليلة‏,‏ ذهب بيبي إلي وسط البلدة كي يشتري حذاء أو إلي صالون الحلاقة‏.‏ والأطفال الثلاثة الأصغر سنا ذهبوا للدرس الديني ككل يوم سبت‏.‏ والأطفال الأكبر للعب كرة السلة‏.‏ فكانت في وحدتها تحاول بلاجدوي أن ترفو الجوارب‏,‏ وترقع القمصان‏,‏ والبنطلونات‏,‏ الأمور التي كانت تجري من قبل بمهارة وبسرعة بينما تتابع هي في التليفزيون مسلسل ايام الاحد البيع بسعر مخفض الذي كثيرا ماأحبته‏,‏ وفوق كل شيء مسلسل حنين‏..‏ لكن ذلك لم يعد ممكنا بالفعل‏,‏ وبالنسبة لها لم يعد يسليها شيء‏,‏ ولاماكانت تسمعه ولاماتراقبه‏,‏ كانت متنبهة‏,‏ تراقب‏,‏ وتنصت‏,‏ وقرب الساعة السادسة مساء نجحت في أن تحس بما يشبه احتكاك خفيف‏.‏ شيء يتسحب فوق الأرضية بالكاد تلمسه‏.‏ بقيت هادئة دون أن تتنفس‏..‏ نعم ليس هناك أقل شك‏...‏ أولئك هم‏..‏ وهم يقتربون‏,‏ يقتربون‏,‏ يقتربون ببطء كل مرة أكثر‏,‏ كل مرة أكثر‏,‏وعيناها اكتشفتا ظلا خفيفا تحت عقب الباب‏...‏ نعم‏,‏ إنهم هنا‏.‏ لقد وصلوا‏..‏ لم يعد هناك وقت ليضيع أو ليكون للرأفة‏.‏ جرت إلي المائدة التي كانت فوقها لمبة جاز من البورسلين القديم والتي كانت لوالدتها والتي احتفظت بها كشيء أثري‏,‏ وبيدين مرتعشتين عمدت إلي إفراغ محتويات اللمبة من الجاز وراحت تسكبه من فوق الرأس إلي القدمين حتي بقيت مبتلة به تماما‏..‏ وبعد ذلك‏,‏ وبالفائض منه‏,‏ رشت مايحيط بها‏,‏ ثم دائرة ضيقة حولها‏,‏ ومع ذلك فقبل أن تشعل عود الثقاب‏,‏ نجحت في أن تراهم وهم يدخلون بصعوبة شديدة خلال فتحة ضيقة من الباب‏...‏ لكنها كانت أسرع‏,‏ وبهذا فقد كسبت المعركة‏,‏ ولن يبقي لهم أثر‏.‏ لتكون بذلك قد أكملت انتقامها‏,‏ اذ لم تبق سوي كومة من الرماد الذي يتصاعد منه الدخان‏.‏
من مجموعة أشحار متحجرة
للكاتبة المكسيكية‏:‏ أمبارو دابيلا
كاتبة مكسيكية ولدت في‏81‏ فبراير‏8291,‏ وحائزة علي جائزة خابيير بياروتيا عن مجموعتها القصصية أشجار متحجرة عام‏.7791‏
وهي واحدة من أهم كاتبات المكسيك‏,‏ بل وأمريكا اللاتينية في القرن العشرين ويتحدثون عنها بوصفها المايسترا‏.‏ وقد خاطرت بعزيمتها في بحر الإبداع الهائج‏,‏ فلم تقهرها غيلانه‏.‏ وأسهمت بإبداعاتها في مجال القصة القصيرة في دمج موجة التجديد وترسيخ هذا النوع الأدبي في القارة‏,‏ وبتوهج منفرد قدمت مجموعتها الأولي‏:‏
حين تقطعت الأوصال‏.‏ أصدرت أول ترجمة عربية لها في سلسلة الجوائز بالهيئة العامة للكتاب عام‏9002,‏ ترجمة محمد ابراهيم مبروك‏.‏
والأسلوب القصصي المنفرد لأمبارو دابيلا يتميز بالانسياب بسلاسة ودقة‏.‏ متسعا لمساحة كبيرة هي مجال لمستويات ودرجات من الانفعالات الإنسانية‏,‏ وشخصياتها تواجه برباطة جأش‏:‏ الخوف‏,‏ الوحدة‏,‏ والموت‏,‏ والجنون‏,‏ وهي محصلة وجود مبهم ومثير للقلق‏.‏ وهي تستكشف الدوافع التي يقلب التفكير والانفعالات رأسا علي عقب‏,‏ وهكذا‏,‏ فمثل ماتبني شخصيات مركبة‏,‏ فهي تسهم بذلك في أن يكون الناتج الأدبي من أكثر النماذج غموضا وغني في القصص المكسيكي‏.‏
إن قصص أمبارو دابيلا تمتلك قوة مفعمة بالحيوية مما يجعلها تطرح علي القاريء كالشبكة وتأسره‏,‏ بخلقها جوا قصصيا يثير اضطراب القراء‏,‏ بهذا الذي يستولي عليهم ولقد تم تكريم أمبارو دابيلا في يوم ميلادها نفسه‏,‏ بإقامة احتفال لها لبلوغها الثمانين عاما بقصر الفنون بمدينة المكسيك عام‏.8002‏
وصدر لها مجلد جمع أعمالها القصصية‏:‏
‏‏ حين تقطعت الأوصال‏(9591)‏
‏‏ موسيقي مجسدة‏(4691)‏
‏‏ أشجار متحجرة‏(7791)‏
‏‏ بأعين مفتوحة‏(‏ ضمن المجلد‏:8002)‏
هذه القصة من مجموعةأشجار متحجرة للكاتبة والتي ستصدر قريبا في سلسلة الجوائز عن الهيئة المصرية العامة العامة للكتاب‏.‏

قصة الكاتبة المكسيكية‏:‏ أمبارو دابيلا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.