بدأ التدخل بالفعل إيذانا بدخول الفصل قبل الأخير في المؤامرة ضد السودان التي تستهدف تقسيمه الي أجزاء ليكون من الصعب ان يستقل كل جزء بنفسه ما لم يكن مسنودا ومعتمدا علي' قوة كبري'! أما لماذا التجزئة هكذا لا يزال بعض الطيبين يتساءلون فذلك لأن معظم القوي ان لم يكن كلها لا تريد ان تنهض وفي هذه المنطقة تحديدا دولة كبيرة في المساحة أكثر من مليوني كيلو متر مربع ليست مزدحمة بشريا وتزخر بالثروات الطبيعية المختلفة.. وتكون ذات هوية عربية تمثل دعما للقوة العربية.. وامتدادا للعروبة في قلب إفريقيا.. وفي إطار هذه الاستراتيجية فإن الآخر يتحرك وفق حسابات دقيقة واضحة لديه.. ولذلك فان اتفاق السلام السوداني في التاسع من يناير2005 كان فيما أري مفاجأة شديدة لأن الرهان كان علي انه لن يتم.. وكيف يمكن ان يتم بين جماعة الإنقاذ حزب المؤتمر الوطني بخلفيتهم الدينية وبين جماعة جون جارانج الحركة الشعبية بخلفيته الماركسية.. ولكن علينا الإقرار وهذا ما عبرنا عنه وقتها وراهنا عليه ان الجماعة الأولي قد تحررت من القيود والأوهام التي كان ينسجها الدكتور حسن الترابي ومن ثم فإنه بعد خروجه من دائرة الحكم في الثاني عشر من ديسمبر1999 انفرجت الأحوال في السودان وحدث ارتياح عام.. وبدأت القيادة في التحرك.. وهنا لابد من الإشادة بالرئيس عمر البشير ونائبه علي عثمان محمد طه اللذين تعاملا بانفتاح وعقلانية.. وهكذا جري أولا توقيع اتفاق' مشاكوس' الذي كان خطوة عملية مهمة.. وان كنا بعض المهتمين و.. كاتب هذه السطور قد علقنا عليه في مقال' بالأهرام' نتحفظ فيه علي إقرار' حق تقرير المصير' انطلاقا من ان تقرير المصير يكون لشعب أجنبي وليس لقسم من الشعب في جزء من الوطن.. غير أن الأطراف المعنية في قيادة الشمال والجنوب وأعني تحديدا البشير وعلي عثمان وجارانج أكدوا وقالوا لي شخصيا ان هذا كان ضروريا لاثبات حسن النوايا, وان نفس هذه النوايا تتجه إلي' الوحدة' وأضاف لي جارانج رحمه الله ' اننا نريد الوحدة في سودان جديد حديث عصري'. ومن متابعتي فأنني لمست هذا التوجه من قيادات المؤتمر الوطني رغم ان مشكلة حدثت معي شخصيا عندما عبرت عن هذا التوجه والمرونة في العلاقة بين الدين والدولة.. لكنها مرت بسلام ثم نفذوا ما كتبناه.. و.. انطلق قطار السلام.. وأخذ جارانج يتحدث عن مشروعه الوحدوي.. وهو بالمناسبة كان شديد الاعتزاز بمصر ودورها.. مقدرا لما قام به الرئيس حسني مبارك, ولذلك فإنه في حفل توقيع اتفاقية السلام نيروبي قال في كلمته انه' لولا مصر.. وما قام به الرئيس حسني مبارك لما كان هناك سلام واتفاق'. وفيما أري ومن متابعتي فإن الآخر أعني القوي المناوئة بدأت تثير الفتن وتدق الأسافين ولما عجزت.. فوجئنا بحادث الطائرة التي أقلت جارانج وهو في طريق عودته من أوغندا الي جنوب السودان.. وسقوطها محترقة بمن فيها.. والملاحظ انه فور وقوع الحادث بدأت أخبار وأقاويل تتناثر حول اتهام الخرطوم.. مع انها صاحبة مصلحة أساسية في استمرار جارانج.. ولما أيقن الجميع هذه الحقيقة ارتدت أصابع الاتهام وسكت الكلام! ولكن.. ألا تدفعنا الأحداث بتتابعها ونتائجها إلي إعادة تحريك الأصابع.. لنتهم هذه المرة:' القوي المناوئة' بتدبير حادث اغتيال جون جارانج لأنه كان حريصا علي وحدة السودان.. عكس ما تريد ؟ ثم.. والشيء بالشيء يذكر.. لقد كانت الحركة الشعبية حريصة علي تكريم أرملته السيدة' ريبيكا' وقررت تعيينها وزيرة في حكومة الجنوب.. وكانت هي نشطة في البحث عن أسباب حادث مصرع زوجها وقالت ان وراءه' لبؤة' لن تهدأ.. لكن بعد شهور.. أخرجتها الحركة من الحكومة.. كما انها سكتت!! والآن من حقنا ان نتساءل: من قتل جون جارانج من صاحب المصلحة في اختفائه.. ولماذا لم تعط الحركة الشعبية أهمية للتحقيق في الحادث, ثم لماذا سكتت ريبيكا وهل تعرضت لضغوط, وهل توجد صلة بين الحادث وما يجري الآن؟ إن الأسئلة تتدافع بعد ارتفاع نبرة الانفصال.. وعرقلة بحث المشكلات المعلقة قبل الاستفتاء وفي مقدمتها الحدود.. وهذه مسألة مهمة لأنه إن حدث الانفصال فأين تكون الحدود. وإذ ندق الآن جرس الإنذار بعنف في الساعة الثالثة والعشرين كما نقول دوما قبل ان يتعانق العقربان وتجئ ساعة الصفر ونصحو كما لو كنا لا نعلم لنري القوات الدولية.. والحماية.. ثم الانفصال لإقامة دولة ستستمر حتما تحت هذه الحماية.. ولكي تقوم أيضا باستكمال تنفيذ الإستراتيجية لاقتطاع أجزاء أخري في السودان.. وبسرعة قبل أن يفهمنا أحد بالخطأ ويصطاد في الماء بعد تعكيره فأننا بالتأكيد نريد وحدة كل السودان.. لكنا وبنفس التأكيد نحترم قرار الشعب بإجراء استفتاء يناير القادم لكن دون تدخل أجنبي'. لكن.. من الذي يوقف هذا التدخل الأجنبي ؟ إن الاجتماعات مهمة.. لكن كلمة الشعب وتحركه أكثر أهمية وقوة..وإذ.. أعلم أن هناك تحركات شعبية.. فأنني أعلم أيضا انه إن حدث الانفصال باستفتاء عليه شبهات وتحت حماية أجنبية فإن قبائل وأحزابا جنوبية سوف ترفض مما يهدد بحرب أهلية.. ومن ثم فإنه مع أهمية ما يجري.. أطالب أو أدبا أعطي رأيا للحكومة السودانية لقطع الشك باليقين بأن تبرز مواد الدستور الذي يقول ان كل ولاية حرة في قوانينها.. وأيضا وهذا رأي جديد أرجو التعامل معه بجدية وهدوء ان تعلن ان العاصمة المركزية الخرطوم بحدود معينة.. سوف تكون في حالة الوحدة تحت الحكم المدني.. أي دون تطبيق حدود الشريعة التي يخشاها الجنوبيون.. وهذه قضية مهمة فالعاصمة لكل الدولة بكل الشعب والحوار الهادئ مطلوب بشأنها.. وبغير انفعال.