مناضل لم يلن مع الزمن.. مازال يحلم بالعودة إلى قريته الفلسطينية رغم بلوغه الثانية والتسعين، والتى قضى معظمها فى القتال والنضال وفى سجون الاحتلال من أجل نصرة القضية. إنه شيخ المجاهدين الفلسطينيين المناضل بهجت أبو غريبة الذى كان واحدا من قادة الصف الأول فى الجهاد المقدس فى فلسطين عام 1948، والذى يروى عبر حواره معنا من العاصمة السورية دمشق مضاعفات معادلة النكبة الفلسطينية التى لا تزال تخيم على المنطقة حتى الآن، متمثلة فى المجزرة الإسرائيلية على قطاع غزة. جيوش الإنقاذ العريبة فى عام 1947 كانت مجرد مليشيات مسلحة.. تهجير الفلسطينيين من قراهم عام 1948 كان مخططا له عبر منهجية المذابح الإسرائيلية والدول العربية تدخلت فى عام 1936 لصالح المصالح البريطانية.. تراجع أعداد هجرة اليهود يهدد حلم الدولة الصهيونية لأنها تعتبر مشروعها لم يكتمل بعد وضع القضية الفلسطينية حاليا مؤامرة بريطانية صهيونية على الشعب الفلسطينى، فالمعركة حاليا غير متكافئة بكل المقاييس والمقاومة هى الرد الطبيعى على الاحتلال والسلطة الفلسطينية ليست الممثل الشرعى للفلسطينيين تصريحات وإجابات عديدة على أسئلة اليوم السابع فى الحوار التالى. نبدأ من غزة التى يدكها اليهود حاليا؟ ما يجرى فى غزة الآن مأساة إنسانية عربية كل عربى مسئول عنها وقبلهم إسرائيل التى تسعى إلى تقسيم أوصال الدولة الفلسطينية. وقفت ضد قرار التقسيم فى 1947 على الرغم من ثبات صحته فى ظل فشل المفاوضات فما تقييمكم لذلك؟ ومازلت أصر على الرفض، لأن قرار التقسيم بدأ منذ عام 1938 فى ظل تدخل الدول العربية لدعم المصالح البريطانية فى المنطقة، ولكنه لقى رفضا شعبيا فلسطينيا، فالتقسيم مفردة استعمارية تحمل داخلها كلمات تخفى المدلول ورائها، والكلمة هنا كانت تعنى قرار إقامة دولة يهودية فى فلسطين كوطن دائم لليهود، وبناء على هذا نحن لا نملك حق التنازل عن جزء من أرضنا لليهود ونوافق على التقسيم على الأقل اعترضنا ورفضنا. ولكنك أضعت فرصة إقامة الدولة الفلسطينية التى تسعون لها الآن؟ البعض كان يعتقد أن قرار التقسيم يعنى إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، ولكن تقسيم عام 1947 يخدم إقامة الكيان الصهيونى على حساب الشعب الفلسطينى لربطه بالمصالح الاقتصادية الإسرائيلية، وهذا ما دفعنا إلى اتخاذ قرار الرفض ولصالح خيار المقاومة أملا فى الحكام العرب الرافضين للقرار ومساعدتهم، ولكنها لم تأت حتى الآن، لذلك فالخطأ ليس فى قرار رفض التقسيم إنما فى أننا لم نقم بالمقاومة الكاملة التى تنسجم مع رفض قرار التقسيم وهذا هو الخطأ. ألا تعتقد أن الخلاف بين الفصائل جعل من التقسيم الحل الوحيد؟ المجتمع الفلسطينى منقسم على نفسه، جزء منه يتبنى المقاومة التى لا تقتصر على المقاومة المسلحة فقط، بل وترفض العدو ووجوه وعدم التعاون معه والتطبيع ومقاومته بكل الوسائل. أما الاتجاه الثانى فتتبناه حركة فتح متمثلة فى السلطة الفلسطينية تراهن على المفاوضات ومعها أمريكا لحل القضية وقيام الدولة الفلسطينية بجانب الإسرائيلية، وبناء على هذا وقعت اتفاقية "أوسلوا " واليهود يريدون استمرار المفاوضات، والحلول السلمية خط تريده الدولة الصهيونية التى تعتبر بأن مشروعها لم يكتمل بعد. ماذا تقصد؟ المفاوضات التى لا تنتهى هى المدخل لكسب الوقت لتنفيذ مشاريع الحركة الصهيونية التى قامت على مسارين الأول الاستيلاء على الأرض والثانى جلب المهاجرين وبالضرورة طرد الفلسطنين. ولكن هل بذلك انتهى الهدف الصهيونى بإقامة دولة إسرائيل من النيل إلى الفرات؟ فلسطين هى نقطة الانطلاق لمشروع استيطانى يستهدف البلاد العربية ككل، ولكنه شهد تراجعا تمثل فى تراجع الهجرة اليهودية التى دامت لمدة 60 عاما لتصبح غير مستقرة حاليا، فبعد حرب تموز الأخيرة مع لبنان أثرت على معنويات اليهود وخصوصا العسكريين، فقد كانت ضربة فى الصميم للعنجهية الصهيونية وهذا يدل على أن العنويات الإسرائيلية فى تراجع. 15 مايو "أيار" يوم تغيرت فيه خريطة الوطن العربى بما أنك كنت أحد قادة الجهاد المقدس فى القدس ما ذكرياتك مع هذا اليوم؟ فى صباح يوم 14 مايو أُنزِل العلم البريطانى عن قصر المندوب السامى فى جبل المكبر، وارتفع مكانه علم الأممالمتحدة وانسحب الجيش البريطانى من القدس، ليتجه جزء منه إلى نابلس وحيفا بصحبة المندوب السامى والجزء الآخر اتجه إلى قاعدة الجيش البريطانى على قناة السويس. وبمجرد مغادرة الجيش البريطانى، فتح اليهود النار على طول الخط الفاصل بيننا وبينهم، وكانت النتيجة أن تمكنوا فى ذلك اليوم من احتلال وسط المدينة المحصنة فى القدس(زون) والتى كان يسيطر عليها الإنجليز، وهو ما تم بمساعدتهم قبل أن يرحلوا. ألا ترى فى ذلك تخليا من الثوار عن دورهم فى حماية القدس؟ بالعكس فقد استلم اليهود هذه المنطقة دون قتال بسبب تسليم الإنجليز لها ولمفاتيح الدوائر فيها، وهو ما حقق لليهود إنجازا عسكريا هاما فى وسط المدينة و"ببلاش" حتى بدون أى قتال يُذكر والسبب تأمر الإنجليز لا تخاذل الثوار. وباقى الأحياء التى كانت قرب القدس ماذا عنها؟ اليهود قبل يوم "15" مايو قد تمكنوا من احتلال الأحياء الغربية العربية للقدس، وهى حى القطمون والبقعة والألمانى وأجزاء من حى الثورى بعد دفاع قوى من قوات الجهاد المقدس بقيادة المرحوم "إبراهيم أبو دية " والذى قدمت قواته فى هذه المعارك أكثر من100 شهيد وباحتلال هذه المناطق لم يتبق خارج سور القدس إلا الأحياء الشمالية التى كنت مسئولا عنها بصفتى أحد قادة جيش الجهاد المقدس ومعى 200 مجاهد، 100 من شباب القدس وقراها و100 من جيش الإنقاذ التابع لقيادة الرئيس فاضل رشيد. كثوار ومجاهدين، ما هى طبيعة علاقتكم باليهود فى هذاالوضع؟ كان اليهود قبل 15 مايو بحوالى أسبوع يخاطبونا عبر مكبرات الصوت للتأثير على معنوياتنا، ولكن بعد سقوط القدس وجهوا لنا رسالة مضمونها " لم يبق غيركم خارج أسوار القدس، ادخلوا إلى داخل البلدة القديمة"، وفى ظل عدم وجود رد حاولوا التقدم والهجوم علينا ولم ينجحوا فى ذلك. ماذا حدث بعد سقوط القدس؟ بدأ اليهود هجوما مركزا على الجزء الشمالى، معلنين إصرارهم على إخراجنا من هذه الأحياء، وأن علينا الدخول إلى البلدة القديمة، وهو ما كان سيعنى لو حصل نجاحهم فى حصار البلدة القديمة من جميع الجهات وقطع طريق مواصلات القدس مع أريحا شرقا ورام الله شمالا، بعد أن قطعوا طريقها إلى بيت لحم جنوبا إلى أن أصبحت نيرانهم مسيطرة على جميع طرق مواصلاتنا، ولكننا تمكنا من الصمود. إلى متى؟ إلى أن وصلتنى رسالة خطية من قائد كتيبة جيش الإنقاذ الرئيس فاضل رشيد، يأمر فيها بسحب جميع القوات من خارج أسوار البلدة القديمة وإخلاء جميع القطاع الذى أنا مسئول عنه، وقد وقّع على تلك الرسالة كل من الرئيس فاضل رشيد والشيخ مصطفى السباعى (مرشد الإخوان المسلمين فى سورية) والرئيس جمال الصوفى (ضابط من الجيش السورى) ونائب الرئيس فاضل رشيد. لماذا أصدرت هذا الأمر؟ الوضع كان خطيرا جدا، ولكنى نظمت هجوما معاكسا تراجع جراؤه اليهود مما استولوا عليه، وكان بإمكانى الاستيلاء على مناطق واسعة من داخل خطهم لو كان لدى احتياطى عسكرى كاف. ماذا حدث بعد ذلك؟ استمر القتال فى منطقتى ليلا ونهارا منذ 15 حتى 19 مايو، وهو يوم دخول الجيش العربى الأردنى إلى القدس، وكانت تلك أخطر ليلة، إذ جلب اليهود نجدات كبيرة وضغطوا علينا ضغطا كبيرا حتى الصباح، ولكنهم لم يتمكنوا ليلتها برغم ذلك من التقدم إلاّ بضعة أمتار. بعدها بساعات انهمر سيل رصاص علينا، لنعيد المحاولة مرة ثانية ما أدى إلى إصابتى بأربع رصاصات واستشهد العديد من رجالى، وأمرت باقى رجالى بالانسحاب وتمكنت بعدها سيارة إسعاف تابعة للجيش العربى من الوصول إلينا، ونقلتنا إلى رام الله، حيث أمضيت الليل فى مستشفى ميدانى للجيش العربى، وفى الصباح نقلت إلى المستشفى الوطنى فى نابلس. وبعد أن رقدت فى المستشفى لفترة، عدت إلى القدس وكان اليهود لا يزالون يضغطون لاحتلالها تماماً، وهو ما أدى لقتال طويل أعقبته الهدنة الأولى ثم الثانية. ما الذى كان ينقص جيش الجهاد المقدس وجيوش الإنقاذ العربية لتصل إلى النصر؟ (ضاحكا) الكثير من التنظيم والتنسيق لقد كنا فى الحقيقة مجرد ميليشيات مسلحة، فعلى مدار ما يقارب 30 عاما، وهى فترة الانتداب البريطانى على فلسطين، كنا ممنوعين من حمل أى سلاح، فكان تسليحنا سرا. ولكن الفلسطينيين فعليا هربوا من قراهم عندما بدء هجوم العصابات اليهودية؟ (مستنكرا) هذا كله كلام هراء، لم يكن لدى أى قرية فلسطينية ما يزيد على15 بندقية إن وجدت، فيما اليهود حصلوا على عشرات الآلاف من القنابل الحديثة والتى كانت ترمى من بُعد 3 كيلومترات تقريبا قبل وصولهم القرية التى يريدون غزوها، وكان مطر القنابل هذا ينهمر على بيوت الفلاحين البسيطة فماذا تتوقعين منهم أن يفعلوا؟ هذا بخلاف ما كانوا يفعلونه عندما يصلون للقرى، فيذبحون من يذبحون ويأسرون من يأسرون، وكانوا يطهرون هذه القرى تطهيرا عرقيا كاملا، كما كان الذبح جزاء من يفكر بالعودة. أنا مازلت أتذكر تحذير الضابط اليهودى وهو ينذر سكان قرية، وهنا أبو شوشة من قضاء الرملة قائلا "هذه أرض إسرائيل وأجدادكم سرقوها من أجدادنا والآن عادت الأرض إلى أصحابها والطريق لخروجكم من هنا وبعدها تم إطلاق النار على جميع السكان المستسلمين بل طاردوا الهاربين إلى10 كيلومترات بينما نيرانهم تنهال عليهم. هل هذا مبرر للفرار و الذعر؟ (متسائلا) هل يوجد مبرر أكثر من الموت فالتهجير كان مخططا له عبر منهجية المذابح، فقد حدثت أشياء لا يصدقها عقل من فِرَق الليل اليهودية التى كانت تنقض على القرى ليلا. ولكن هناك الكثير من اليهود يشككون فى هذه الممارسات وينكرونها؟ قائلا "وشهد شاهد من أهلها" أشهر كتاب اليهود الذين كتبوا عن هذه المذابح وفظائع التهجير والتطهير العرقى هو الكاتب اليهودى" بيينى موريس" الذى وثق هذه المذابح اليهودية فى كتب تاريخية موثقة. ولكن كل هذا يصب فى خانة واحدة وهى المؤامرة البريطانية الصهيونية على الشعب الفلسطينى، وما أدت إليه من معركة غير متكافئة بكل المقاييس. وماذا عن الوضع الحالى؟ الرئيس محمود عباس أبو مازن الذى يجبر حماس على الموافقة على اتفاقية أوسلوا كشرط للمصالحة معهم ومعه باقى القادة الذين يفكرون بنفس الطريقة أصبحوا فى وضع يائس وينشرون ثقافة اليأس ليبرروا مواقفهم، فاليهود ربطوا مصالحهم بمشروع الإدارة الفلسطينية الذين أطلقوا عليه السلطة ومن خلالها تأتى للقيادات الفلسطينية المنضوية تحته مساعدات مالية وأصبحت أوضاعهم الشخصية والذاتية مرتبطة بيه. إذن ما هو المطلوب من الشعب الفلسطينى لمواجهة هذا الخطر؟ المقاومة هى رد اللفعل الطبيعى على الاحتلال، فالمقاومة هى الخيار الصعب ولكنه الأصح. ولكن هذا الاتجاه عكس ما تتبناه السلطة الممثلة للشعب الفلسطينى؟ السلطة ليست الممثل للشعب الفلسطينى، فهناك حكام تستسلم ولكن الشعوب لا تستسلم أبدا. هل أنت متفاءل بعد مضى 60 عاما بالعودة إلى فلسطين؟ أنا لست فقط متفائلا أنا أعتقد أن دولة إسرائيل ذاهبة إلى زوال. هل هذا يؤكد أن هناك حلا قريبا؟ اليهود حاليا أصبحوا حقيقة موجودة على الأرض ليس مجرد 30 ألف على أيامنا، الآن أصبح عددهم ملايين، ولكن هذا الواقع سيزول ليس فى ستة أو عشرة أعوام، فهذا صراع تاريخى ولكن تاريخيا اليونان والرومان والفرس زالوا وعادت الأرض عربية وتاريخيا وجود إسرائيل ضد مجرى التاريخ ومن يريد حالا سريعا يجب أن يقاوم على المدى البعيد. لمعلوماتك c.v ولد بهجت عليان عبد العزيز عليان أبو غربية فى بلدة خان يونس عام 1916، ينتمى إلى عائلة عريقة من مدينة الخليل، أمضى معظم حياته فى القدس. يلقب بشيخ المناضلين الفلسطينيين، فقد اشترك فى جميع مراحل النضال الفلسطينى المسلح، خصوصا ثورة (1936-1939) وحرب (1947-1949)، حيث كان أحد قادة جيش الجهاد المقدس وخاض معارك كثيرة منها معركة القسطل التى استشهد فيها القائد عبد القادر الحسينى، كما جرح عدة مرات، ودخل السجون والمعتقلات. عام 1949 انضم إلى حزب البعث العربى الاشتراكى فى الأردن، وانتخب عضواً فى القيادة القطرية (1951-1959) وقاد النضال السرى للحزب (1957-1960). شارك بدور أساسى فى تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية مع الرئيس أحمد الشقيرى، كما شارك بدور أساسى أيضا فى تأسيس جيش التحرير الفلسطينى وقوات التحرير الشعبية. انتخب عضواً فى اللجنة التنفيذية للمنظمة ثلاث مرات قبل أن يتخلى عن عضوية اللجنة التنفيذية، وكان عضواً فى المجلس الوطنى الفلسطينى، والمجلس المركزى لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ تأسيسها عام 1964 حتى عام 1991، حين استقال احتجاجا على قبول المنظمة بقرار مجلس الأمن رقم 242 والاعتراف بدولة العدو. صدر له عام 1993 القسم الأول من مذكراته "فى خضم النضال العربى الفلسطينى[1] وفى عام 2004 صدر له الجزء الثانى من مذكراته "من النكبة إلى الانتفاضة"، وقد منعت دائرة المطبوعات والنشر الأردنية الجزء الثانى من المذكرات لأسباب غير معلنة.