«إزاي في حضنك ملمومين وأنت علي حالك كده؟!!» أيقظ صوت ريهام عبدالحكيم وكلمات كل من أيمن بهجت قمر ونور عبدالله الشجون في نفسي، وأعتقد أن هذا هو حال كل من شاهد هذا الفيلم واستمع إلي هاتين الأغنيتين اللتين انقسمتا ما بين الاحتفاء الشديد والغضب العارم. أما الاحتفاء بفيلم «عسل إسود» بطولة أحمد حلمي فقد جاء كمن يشاهد صورته في المرآة نحن المصريين وعلي رأي عمنا صلاح جاهين المصريين أهمه فمنهم «النصاب» الذي يتحول في نهاية الفيلم إلي صديق البطل «العاطل» الذي يبحث عن فرصة، العشوائية في كل شيء من البيوت إلي الشوارع إلي البني آدمين، المرور المزدحم الأطفال الذين يغنون «وحوي يا وحوي» بفانوس صنع في الصين، مدرسة الإنجليزي التي يراها من أحب أنها شديدة التميز، إلا أنها تدرس للتلاميذ الإنجليزي بطريقة خاطئة فتنطق الحروف بنطق يؤذي مسامع البطل القادم من أمريكا بعد عشرين عامًا لم يزر فيها مسقط رأسه، رحل والده دونما أن يخبره بسر المصريين سر فشلهم وسر سحرهم سر نجاحهم بالخارج وسر خيبتهم بالداخل. حاجة حلوة فيها حاجة حلوة.. حاجة حلوة بيننا/ حاجة كل ما تزيد زيادة فيها أنه/ فيها نية صافية.. فيها حاجة دافية/ حاجة بتخليك تثبت فيها سنة سنة/ مصر هي الصبح بدري/ مصر صوت الفجر يدن/ سوبيا، فول، طعمية، كشري دوم بطاطا سخنة جدًا/ مصر أول يوم العيد.. عيدية بمب ولبس جديد/ ميكروباص وأتوبيس ومترو.. حفلة ثلاثة في سينما مترو/ موائد الرحمن.. فانوس رمضان.. مسلم في بيت مسيحي فطروا/ ترنيمة لامعة علي تخت غني.. تأييلة العصرية ولمة علي الطبلية. يبدأ الفيلم بمشهد في الطائرة القادمة من أمريكا الشاب مصري واسمه مصري فضل أن يأتي حاملاً باسبوره المصري مقتنعًا أنه لا حاجة له للباسبور «الأمريكاني» قائلاً لشخص جلس إلي جواره في الطائرة أنا مصري ليه أشيل باسبور أمريكاني».. لم يستطع هذا الشخص أن يرد عليه فقد اعتبره أهطل بلغة العصر. يخرج مصري من الطائرة يفتح ذراعيه وكأنه يحتضن معشوقته إلا أن أول ما يصيبه كحة شديدة من تلوث الهواء يستقبله سائق ميكروباص يتردد في البداية لأن يقله عندما أدرك أنه مصري ولكن عندما قال البطل أنا مش عارف حاجة وافق علي الفور في رحلة إلي الأوتيل نصب عليه في كل شيء ابتداء من سعر الدولار وانتهاء بزجاجة المياه التي باعها له بثلاثين جنيهًا. حصل السائق من «مصري» علي ألف جنيه من المطار وحتي مكان إقامته في أحد الفنادق. النفور يدخل الفندق وتبدأ رحلة النفور.. نفور المصري من المصري وعشق الجميع لجواز السفر الأمريكاني، فالفرق كبير بين الاثنين.. وتستمر الأحداث التي يلاقيها الشاب المصري من ضرب وإهانة وأقسام بوليس، حتي يضطر إلي أن يرسل إلي أمريكا طالبًا جواز سفره الأمريكاني، فما من المحيطين إلا أن تتغير معاملاتهم معه سائق الميكروباص، موظف استقبال الفندق.. حتي كلب الحراسة القابع خارج الأوتيل يصمت عن النباح عندما يظهر الباسبور الأمريكي، نكتة طبعًا إلا أن فهلوة المصريين تستطيع قهر كل شيء فيدخل في مظاهرة دفعها إليه أحد ضباط الشرطة الذي وقف للحد من حشود خرجت تلعن أمريكا وسنينها، وعندما يعلمون أنه أمريكاني فينهالون عليه بالضرب يفقد كل شيء باسبوره تليفونه المحمول حتي نظارته، وتبدأ رحلة البحث عن هوية المهم أن الفيلم ينتهي بعودة البطل إلي أمريكا بعد أن عاش مع عائلة مصرية كانوا جيران والده ووالدته ذاق طعم اللمة، والعيد، أذان رمضان بصوت الشيخ محمد رفعت، وشاهد كذلك صديقه الذي تحول إلي عاطل رغم بلوغه الثلاثين، والموظف زوج شقيقته الذي لا يتمكن من الانفراد بزوجته لأنه لا مكان ولا سكن ولا أربعة حيطان تجمعهما.. نعم يعود «مصري» إلي أمريكا.. ولم أكن أقبل بنهاية غير هذه النهاية كان لابد أن يعود فالذكريات لا تكفي لأن يعيش مصري بين أهله. إلا أن شيئًا ما تحرك بداخله فقد أدرك أن هناك شيئاً اسمه سحر المصريين.. سحر هذا البلد الذي رفضت أنا من أجل البقاء به أن أنجب أطفالي في انجلترا رغم وصول الفرصة إلي وببساطة شديدة إلا أنني رفضت أن أضحي بحضن أمي ولمة أصدقائي، رفضت أن أعيش في بلد آخر إلا هذا البلد.. وعندما مرت السنون وتغير الحال أصبحت مثل «مصري» لا أملك إلا الذكريات الجميلة عن هذا البلد. سواد العسل وكلما مرت الأيام أتساءل بيني وبين نفسي ما سر مصر.. سر المصريين يجبيني أيمن بهجت قمر بكلمات أغنية ضمن الفيلم بصوت ريهام عبدالحكيم ولحن الموسيقار عمر خيرت الذي تلون بلون الفيلم وامتعنا بموسيقي شديدة المصرية تقول كلمات أيمن بهجت قمر. خدتيني 100 ألم أنا شفت فيكي مرمطة وعرفت مين اللي اتظلم. ليه اللي جايلك أجنبي/ عارفة عليه تطبطبي.. وتركبي الوش الخشب.. وعلي اللي منك تقلبي عارفه سواد العسل.. أهو ده اللي مالك ليه وصل. إزاي توليلي محكمة وكل ده فيكي حصل. يا بلد معاندة نفسها/ ياكل حاجة وعكسها. ازاي انا صبري انتهي لسه بشوف فيك أمل. طرداك وهي بتحضنك.. وهو ده اللي يجننك. بلد ما تعرف لو ساكنها.. ولا هي بتسكنك. بتسرقك وتسلفك.. ظلماك وبرضه بتنصفك. إزاي في حضنك ملمومين.. وانتي علي حالك كده.. مازال صوت ريهام عبدالحكيم يرن أصداؤه في آذاني، أتذكر جميع الشعراء الذين كتبوا عن هذا الوطن وذاك الشعب بيرم التونسي،صلاح جاهين فؤاد حداد، فؤاد قاعود، سيد حجاب. نعم علي رأي عبدالرحيم منصور. ليه يا بلاد يا غريبة عدوه ولا حبيبة في الليل تصحي عيونك ونجومك مش قريبة إيه آخر الحكاية.. وإيه اللي رماني يا خطايا القريبة. إيه يا بلاد يا غريبة علي الرغم من أن هناك أصواتًا قد تعالت ترفض هذا الفيلم لأنه ببساطة قد عري البلد والمصريين، إلا أنني لا انضم إلي هذه الفئة فمن الجميل أن ندرك عيوب بلادنا وعيوبنا مع ذلك نرفض أن نغادرها يجتاحنا الحنين إذا ما سافرنا بعيدًا.