بقيت شهور قليلة ويطوي السودان الشقيق محنة من أهم وأخطر صفحات تاريخه الحديث.. السودان الآن يقف أمام واحدة من أكبر أزماته حين يقرر سكان الجنوب يوم9 يناير القادم أي بعد أقل من مائة يوم إعلان دولة الجنوب والانفصال عن الوطن الأم. أخيرا سوف ينقطع من السودان جزء عزيز من أراضيه وشعبه وتاريخه ليواجه مستقبلا غامضا لا أحد يعرف ما تحمله له الأيام ولا أحد يتصور أن يكون هذا هو مصير أكبر دولة أفريقية.. كل الدلائل والمؤشرات التي تخرج الآن من جنوب السودان تؤكد أن سكان الجنوب اختاروا الانفصال وإعلان استقلالهم وان استفتاء يناير القادم ليس أكثر من مظاهرة شكلية للاحتفال بإعلان قيام دولة الجنوب.. كل المؤشرات تقول إن السودان يمضي نحو التقسيم.. والشواهد كثيرة: لم يتردد نائب الرئيس السوداني سلفاكير في أن يعلن في واشنطن أخيرا أنه لن يعطي صوته في الاستفتاء للوحدة وأنه سوف يصوت للانفصال.. وقد عبر الرئيس السوداني عمر البشير عن غضبه لهذه التصريحات ولكنها الحقيقة.. منذ شهور والجنوب يشهد كل يوم مظاهرات صاخبة تدعو للاستقلال والانفصال عن الشمال وبدأت سحب الجفاء تغطي سماء السودان بين أبناء الشعب الواحد الذي يمضي نحو هذه النهاية المؤسفة.. ولكن الشيء المؤكد انه يجري الآن في جوبا عاصمة الجنوبالجديدة تشكيل حكومة الاستقلال.. كل المؤشرات تقول أن الجنوب يسير في اتجاه الانفصال.. تم إعلان النشيد الوطني للدولة الجديدة باللغة الإنجليزية ضمن مسابقة لاختيار الكلمات.. وبدأ النشيد الجديد يطوف أرجاء جنوب السودان.. ومع النشيد صفقات لشراء الأسلحة منها عشر طائرات هليكوبتر وطائرات حربية واستعدادات ضخمة لتكوين الجيش الجديد بدعم أمريكي إسرائيلي أوربي.. ويقال في سراديب السياسة إن أمريكا قدمت دعما عسكريا ومعدات حربية حديثة لجنوب السودان طوال السنوات الماضية ومنذ توقيع اتفاق السلام.. بل أنها أنشأت وأشرفت علي إنشاء جهاز الشرطة في جنوب السودان وقدمت معونات لهذا الغرض تزيد علي30 مليون دولار خلال عامين فقط.. والأخطر من ذلك أن عشرات المدرعات والعربات المصفحة أخذت مواقعها الآن علي الحدود بين الشمال والجنوب وأن جيش الجنوب لا يستبعد مواجهة عسكرية.. لم يتردد الرئيس أوباما في أن يعلن صراحة ضرورة أن يتم الاستفتاء في موعده وهو بكل تأكيد يعرف نتائجه مسبقا.. ولم تتردد وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أن تقول أن انفصال جنوب السودان أصبح أمرا حتميا.. تجري الآن مفاوضات بين كينيا وجنوب السودان لإنشاء ميناء ضخم في كينيا للدولة الجديدة ويقال أن تمويل الميناء الجديد سيأتي من دول الخليج العربي.. وتزيد تكلفته علي3.5 مليار دولار.. آخر تصريحات المسئولين في جنوب السودان حول الدولة الجديدة أنها ستكون دولة ديمقراطية.. علمانية تحترم كل الأديان وأنها ستقيم علاقات دبلوماسية مع كل دول العالم بما في ذلك إسرائيل.. هذه المؤشرات جميعها تؤكد أن جنوب السودان بدأ رحلته مع الانفصال وأن أي تطورات أخري تسير عكس هذا الاتجاه ستعيد حالة الحرب مرة أخري بين الشمال والجنوب.. أن الحديث الآن يدور حول ثلاث قضايا هامة وخطيرة لم يتم التوصل إلي حلول لها حتي الآن.. هناك خلافات حول الحدود خاصة مناطق البترول وتوزيع الثروة بين الدولتين في الشمال والجنوب.. أن الحكومة السودانية تصر علي الوصول إلي حل في هذه القضية قبل الاستفتاء ولاشك أنها علي حق في مشروعية هذا الطلب فسوف يكون من الصعب بعد الاستقلال الحديث عن حدود أو توزيع ثروة لأن من أخذ شيئا سوف يحتفظ به.. من جوانب الخلاف أيضا قضية الديون وهنا تطالب الحكومة السودانية بتوزيع عادل لأعباء الديون علي الدولة السودانية بحيث تتحمل دولة جنوب السودان نصيبها في هذه الديون.. القضية الثالثة التي يدور حولها خلاف واسع هي توزيع حصص مياه النيل بين الشمال والجنوب.. هناك تحذيرات بأن هذه القضايا إذا لم تحسم فقد تعود بالقضية كلها إلي ساحة القتال مرة أخري خاصة أن جيش تحرير السودان في الجنوب بدأ يمارس أعمال تهديد واضحة علي الحدود واستولي علي مساحات من الأراضي علي الحدود مع الشمال.. لا أعتقد أن ما بقي من الوقت يمكن أن يحمل إصلاحات أو تراجعات أو فرصا جديدة للوطن السوداني الموحد.. إن دلائل الانفصال أصبحت واضحة تماما خاصة أن أمريكا ودول أوربا ودول الجوار في الجنوب تسعي إلي إقامة دولة مستقلة في جنوب السودان.. من الصعب بل من المستحيل أن تستطيع حكومة السودان تقديم أي شيء الآن لتشجيع سكان الجنوب علي خيار الوحدة وبقاء السودان موحدا.. من الصعب علي حكومة السودان أن تغير القوانين التي طالب أهل الجنوب بتعديلها خاصة ما يتعلق بتطبيق الشريعة الإسلامية والتوجه الإسلامي الواضح للحكومة السودانية وموقف الجنوب المسيحي من ذلك كله.. هناك جانب ديني لا يمكن إغفاله في قضية جنوب السودان وهذا الجانب يجد تأييدا واضحا من الدول الأوربية ومن أمريكا بصفة خاصة.. إن البعد الديني هو الذي دفع هذه الدول إلي تقديم معونات رهيبة في السنوات الماضية لجنوب السودان وهو الذي جعل هذه الدول تؤيد خطوات الانفصال.. أن الشيء المؤسف الآن أن دولة جنوب السودان الوليدة لن تتجه شمالا ولن تنظر إلي امتدادها التاريخي والوطني القديم سوف تكون أقرب إلي عمقها الأفريقي مع إثيوبيا وكينيا وأوغندا والكونغو وإفريقيا الوسطي وهي دول الجوار والذي يؤكد ذلك أنها تسعي منذ فترة بعيدة عودة مليون ونصف مليون من مواطنيها يعيشون في الشمال ومنهم من يعيش في مصر.. هناك محاولات لبدء صفحة جديدة مع دولة جنوب السودان وتحاول مصر أن تمد جسورها مع هذا الكيان الجديد فقد تم افتتاح خط طيران بين القاهرةوجوبا وتم استقبال أعداد كبيرة من أبناء الجنوب للدراسة في جامعات مصر وتم أيضا إنشاء بعض المشروعات المشتركة التي تساهم فيها الحكومة مع القطاع الخاص.. وبجانب هذا سافرت قوافل طبية إلي جنوب السودان.. علي الجانب الآخر فإن الحكومة السودانية خصصت مليار دولار لإقامة مشروعات جديدة في جنوب السودان وشهدت تحركات واسعة بين أبناء النخبة السودانية في الشمال والجنوب لتأكيد مبدأ وحدة السودان لقد طافت قوافل فكرية وحزبية جنوب السودان وشماله تدعو إلي استمرار مسيرة الوطن الواحد حتي ولو حصل الجنوب علي بعض مظاهر الاستقلال, المهم أن يبقي السودان موحدا.. الكل الآن يلهث ربما أوقف الطوفان قبل أن يجيء أن مصر تحاول والسودان يجري ولكن للأسف الشديد لقد تأخر الجميع.. إن ما يحدث في الساعات الأخيرة لا يكفي لتعويض سنوات طويلة من الإهمال والتراخي في حل المشاكل والأزمات.. لقد أهملت الحكومة السودانية قضية الجنوب وأهملت مصر الشمال والجنوب معا وعلي الجميع أن يدفع الآن الثمن.. لا أحد يستطيع أن يقرأ صورة المستقبل بعد مائة يوم من الآن.. هل ينفصل الجنوب في سلام أم أن المحنة ستكون أكبر من أن يتحملها أحد.. لاشك أن ضياع الجنوب خسارة كبيرة قد لا ندرك الآن مداها ولكن في ظل قراءة واعية وعميقة.. يمكن أن نقول أن هناك حسابات كثيرة سوف تتغير في ظل هذا الواقع الجديد.. تبدأ بإستقرار السودان في دولة الشمال وتنتهي عند أزمة مياه النيل وسوف يكون الجنوب طرفا فيها.. وبعد ذلك كله أن انفصال الجنوب قد يكون بروفة لانفصال مناطق أخري في العالم العربي ولهذا أصبح من الضروري قراءة ما يجري حولنا قراءة سليمة حتي لا تتكرر الأخطاء وحتي نتعلم الحكمة من رأس الذئب الطائر.. .. ويبقي الشعر من يا تري يشجيه صوت المنشد واللحن يخبو في الضلوع ورعشة الأوتار تهرب من يدي ولمن أغني ؟ والمزاد يدور حولي.. والمدي ليل سحيق.. والعواصف مرقدي لا تنزعج يا سيدي الآن أعرض في المزاد قصائدي من يشتري عبق الزمان البكر.. أيام الصبا وشواطيء الذكري.. مع العمر الندي ؟ من يشتري ترنيمة الزمن الجميل.. وسورة الرحمن تسري في رحاب المسجد ؟ من يشتري حلم الطفولة.. لوعة الأب العجوز.. رفات أجدادي.. وساعة مولدي ؟ لم يبق غير مواكب الذكري تحلق كالهواجس في شحوب الموقد ووقفت تنظر في المزاد وحولك الأوطان والفرسان والماضي الذبيح.. علي جدار المعبد ومضيت تصرخ.. والمزاد يدق أعناق الشعوب.. ويستبيح الأمس.. يجهض كل احلام الغد فلمن تبيع الشعر يا مسكين والأنهار حولك أجدبت والركب قد ضل الطريق متي يفيق.. ويهتدي ؟ ماذا تبيع الأن يا مسكين في هذا المزاد ؟ لا شيء غير قصائد ثكلي تحدق بين أطلال الرماد لا شيء غير عناكب الكهان تنفث سمها والأرض حاصرها الجراد خرجوا يبيعون المصانع.. والمزارع والمساجد.. والكنائس.. والعباد وكتائب الزمن القبيح تدور في صخب المزاد كأنهم كهان عاد مات الفوارس وانتهي زمن البراءة.. والترفع.. والعناد وغدوت تجلس فوق أطلال السنين قد استكان النهر.. وارتاحت شواطئه.. وكبلها الفساد سيقول بعض الناس إن قصائدي شيء معاد حلم معاد جرح معاد حزن معاد موت معاد هي بعض ما تركت ليالي القهر في هذي البلاد