كان صاحب مشروع ثقافي يقوم علي الحرية والديقمراطية والتحديث, قدم فيه صفحات ناضرة من حضارات مصر القديمة, واليونان, واللاتين, وعصر النهضة الأوروبية وآدابها الحديثة. مثلما قدم في عدد من كتبه تكوين الفكر المصري الحديث والثقافة المصرية منذ نشأة الدولة العلمانية علي يد محمد علي في1805 الي ثورة1952, وما حدث خلالها وبعدها من تحولات كل تحول فيها بداية لمرحلة جديدة في السياسة والثقافة تتخطي ماسبقها. ولم يكن اهتمامه بالمسرح يقل عن اهتمامه بالشعر والقصة والرواية. كما كان علمه بحركة الفنون التشكيلية في مصر يتساوي مع علمه بالحركة الأدبية. ولولا أن لويس عوض كرس قلمه للنقد الأدبي, وأحب صحبة الأدباء, لأصبح ناقدا فنيا من نفس المدرسة والمنهج. ومع أنه ينتمي, في فلسفة الفن, الي اليسار, إلا أنه وقف موقف الحياد إزاء كل المدارس الأدبية الأخري التي تنقد الحياة وتمجد الانسان. ولم يفرق بين نص يقدم الشكل علي المضمون, أو نص آخر يحتفي بالمضمون أكثر من احتفاله بالشكل, طالما توفر له في مادته وأداته الأصالة والنضج. ولكن رغم تقديره الشديد للجمال لم يؤيد مذهب الأدب للأدب أو الفن للفن أو يتعاطف معه, لأنه يعزل الأدب والفن عن الحياة, ولويس عوض صاحب شعار الأدب في سبيل الحياة. ولم يقبل أن يبرر الجمال ضعف العمل الفني, أو غياب الحقيقة عنه. وفي كثير من مقالاته رفع لويس عوض الحقيقة فوق الجمال, لأنها هي المعبرة عن الحياة وعن مواقف المبدعين. ولتمسكه بالحقيقة رفض عدم التزام الكتاب بوقائع التاريخ, أو بجوهر الأساطير, وان سلم بحقه في استخدام الخيال والرمز وكل الحيل الفنية التي تؤدي الي المعرفة والتفسير واستخلاص المعاني الجديدة, خاصة ان لم يكن في النص مايتناقض معها. ومن يراجع ماكتبه لويس عوض عن أدبنا الحديث من خمسينيات القرن الماضي حتي رحيله, فسيجد انه مامن كاتب له وزنه في الثقافة العربية, ومامن قضية شغلت الرأي العام, إلا وتناولها بأعلي قدر من الموضوعية والوضوح, سواء كانت هذه القضية متصلة بالأدب أو بالسياسة. وعلي كثرة الكتاب والشعراء والنقاد الذين كتب عنهم لويس عوض, فقد كان حريصا علي جمع ماكتبه عنهم في كتب, خاصة من اعتبرهم يمثلون أرفع صور الابداع الفكري والفني, حتي لا تتبدد مقالاته عنهم في الدوريات الصحفية, ولايغمرهم النسيان. واحتفال لويس عوض بالأدب الشعبي وشعر العامية وقصيدة النثر يماثل احتفاله بأدب الفصحي والشعر الحر والصراع الدرامي. ولايقل احتفاله بالسير الشعبية كالزير سالم عن احتفاله بالأساطير والملاحم الغربية. ويتخذ لويس عوض من عقد المقارنات بين الثقافات دليلا علي وحدة الفكر الانساني التي كانت شغله الشاغل, وأرضه الممهدة التي يغرس فيها معارفه الغزيرة. هذه المعارف التي تؤكد أن الثقافة الانسانية كل واحد, وانه لايوجد أدب أو تيار أدبي لم يتأثر بالآداب والتيارات الأخري, وأن الأدب العظيم, كالعلم, ليس له وطن. وعلي أساس هذا التأثر توضع الآداب القومية, كأدبنا العربي, في السياق الانساني بقدر انغماسه في محيطه دون أن يفقد جذوره في أرض الوطن. لهذا أراد لويس عوض لفنوننا القومية في الموسيقي والغناء والباليه والتشكيل ان يكون عطاؤها كعطاء الشعوب المتحضرة, تشارك به في التراث العالمي, كما يشارك أدبنا العربي في هذا التراث. وبفضل هذه المعارف الغزيرة التي لايضارعه فيها أحد, كان لويس عوض يستطيع أن يستشف من الظواهر المتباعدة علاقات قد تفتقر إلي الدليل القاطع أو اليقين العلمي. غير أنه لم يكن يتردد في ايرادها كما لايتردد في اصدار الأحكام العامة غير الدقيقة التي يصعب التسليم بها, لعلها تصادف مستقبلا من يكشف هذا الدليل, أو يقدم البرهان الذي يثبت صحة هذه الأحكام التي انشقت عن رؤيته الغريبة. وتقدير لويس عوض للتقاليد الكلاسيكية, ولآثار الأقدمين, لم يؤثر علي متابعته لأحدث صيحات التجريب, وأدب اللامعقول, والخيال العلمي الذي أخذ يبهر العالم. وكانت رحلات لويس عوض السنوية الي الخارج, موفدا من الأهرام هي سبيله للتزود بالكتب الحديثة التي لاتوجد في القاهرة, والوقوف علي فنونه. وأول ما نلاحظه في نقد لويس عوض, بل في ابداعه وترجماته, انه مهما ضرب في الماضي البعيد كان يضع نصب عينيه الحاضر, حاضر الوطن وحاضر الانسانية, بكل مايعتمل فيه من تناقض وتضاد. ومن يقرأ ماكتبه لويس عوض عن الثورة الفرنسية, أو عن العصور الوسطي, أو عن الصراع بين الدين والدولة, أو بين الكهنة والفراعنه في مصر القديمة, يشعر بأنه لم يبتعد عن هذا الحاضر. وحرية الناقد عند لويس عوض من حرية المبدع, لأنهما من نسيج واحد. وهذا النسيج لايفرض علي أحدهما أن ينقاد لما يقوله الآخر. وحق التجديد في رأيه حق لاجدال فيه, وشرطه الوحيد معرفة المصادر والأصول والقوانين التي يثور عليها المجدد معرفة كاملة. واذا لم يفهم القراء مايكتب من نقد, أو التبس معناه عليهم, فإن السبب يرجع بالضرورة الي الناقد نفسه الذي لايملك ذهنا صافيا. هكذا كان لويس عوض الذي حلت في التاسع من هذا الشهر الذكري العشرين لرحيله.