بدأت مصر منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي في التحول من نظام الاقتصاد الموجه الي اقتصاد السوق الحر, في محاولة منها للحاق بقاطرة الاقتصاد العالمي الذي يرتكز في الاساس علي آليات المنافسة وحرية الاسواق وعلي الرغم من تجذر تلك الآليات في الدول الرأسمالية المتقدمة التي ابتدعتها, باعتبارها جوهر النظام الاقتصادي الرأسمالي, الا ان تلك الاقتصاديات كانت تحرص دوما علي مراقبة الاسواق لتنظيم حركة الوحدات الاقتصادية الانتاجية فيها من ناحية, وضبط ايقاع التنافس بينها من الناحية الاخري, حيث كانت تلك الوحدات تلجأ لذلك غالبا بهدف زيادة حصتها السوقية أو تعظيم عوائد استثماراتها أو جذب اكبر من المستهلكين لمنتجاتها, الامر الذي ينجم عنه والحال كذلك حدوث بعض التشوهات التي تحد أو تمنع أو حتي تقيد حرية المنافسة, ومن ثم الاضرار بها, كما أن سياسات تحرير التجارة والخصخصة التي انتهجتها الدولة منذ ذلك التاريخ, كان من المنتظر والممكن ان تؤدي الي زيادة درجة التركيز الاقتصادي مما يخلق أوضاعا اقتصادية مسيطرة لأحد أو لعدد قليل من المنتجين, وهو ما يعرف اقتصاديا ب الاحتكار المطلق أو احتكار القلة مع ما يترتب علي ذلك من التأثير سلبا علي مجمل النشاط الاقتصادي للمجتمع. وفي مثل تلك الظروف المستجدة علي الاقتصاد القومي المصري, كان علي الدولة المسارعة الي ايجاد الآلية الكفيلة بانجاز هذه المهمة الطارئة او القيام بهذه الوظيفة الجديدة, الا اننا أمضينا ما يزيد علي حوالي ثلاثين سنة كاملة حتي صدر القانون رقم(3) لسنة2005 والذي نص علي انشاء جهاز مستقل لحماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية, بحيث يتولي الجهاز الوليد مراقبة الاسواق, وفحص الحالات الضارة بالمنافسة, سواء بناء علي شكوي يتقدم بها شخص او مسئول بعينه او بناء علي دراسة يقوم بها الجهاز, تبين وجود مخالفة ما للاحكام الواردة في القانون. واذا حاولنا التدقيق في مدي نجاح او فشل الجهاز المشار اليه, فانه لايمكننا الا الاقرار بعدد من الملاحظات الجديرة بالنظر والتأمل منها علي سبيل المثال: أولا: أن كثيرين من المراقبين او الاقتصاديين لايزالون يرون ان مجرد القاء نظرة عامة علي السوق في مصر, مازالت رغم جهود الجهاز تشير بوضوح الي ان الممارسات الاحتكارية في تلك السوق لاتزال هي سيدة الموقف في كثير من القطاعات الاقتصادية, بل وان تلك السطوة المستمرة والمتزايدة في احيان كثيرة لبعض المحتكرين ليست وليدة الجشع وحده او لبعض الممارسات اللاأخلاقية, وانما هي ناتجة اساسا عن ثغرات خطيرة في القانون المنشئ للجهاز ذاته, حيث لاتزال عقوبة المحتكر عند ثبوتها( حتي بعد زيادتها) في التعديل الذي ادخل علي القانون, غير رادعة, حيث تتضمن القوانين المماثلة في دول عديدة اخري, وجوب تضمين عقوبة الحبس, بالاضافة الي الغرامة المالية لممارس الاحتكار فيها. ثانيا: ان اداء الجهاز فيما يتعلق ببحث ودراسة حالات الاحتكار في السوق المصرية, لايزال يتصف بالبطء الشديد, وبذلك يبدو الجهاز كسلحفاة تتحرك وسط تل من القش للبحث عن غايتها المقصودة, صحيح ان الوظيفة المنوطة به تقتضي منه الدقة والتدقيق الشديدين لاصدار نتائج, بحثه ودراسته ولكن لاينبغي ان يتجاوز ذلك الحدود القصوي المسموح بها لمثل تلك الدراسات الاستقصائية, فهل من المعقول مثلا ان يكلف السيد المهندس/ رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة الجهاز باجراء دراسة عن: سوق زيوت الطعام النباتية كأحد اهم قطاعات السلع الغذائية الحيوية التي تهم جموع المستهلكين وذلك بتاريخ ديسمبر2007 ولاينتهي الجهاز من اجراء تلك الدراسة الا منذ ايام قلائل!! مما يشير الي ان الوقت الذي استغرقه الجهاز لانجازها قد اقترب من ثلاثة اعوام بطولها وعرضها, وذلك حسب ما جاء في تصريحات السيدة مني ياسين رئيسة الجهاز في الخبر المنشور بالاهرام بتاريخ2010/8/24 والذي ورد فيه ان الجهاز قام بفحص الطلب والنظر في اختصاص الجهاز به وانتهي الي قبوله شكلا ودخوله موضوعا ضمن اختصاصات الجهاز, حيث افادت نتائج الدراسة بعدم وجود ممارسات ضارة بالمنافسة في سوق زيوت الطعام النباتية!! ولا يفوتنا هنا بالطبع الاشارة الي حالات اخري مماثلة كما هو الحال بالنسبة مثلا لسلعة حديد التسليح وغيرها الكثير والكثير. علي اية حال, ما نهدف اليه ينصرف الي التنبيه والتحذير من شبهة دخول اداء الجهاز الذي يهمنا جميعا( كمتخصصين وكمستهلكين ايضا) الي دائرة العدالة البطيئة حيث يهرب الجاني بفعلته, وتضيع حقوق المستهلكين في غيابات الجب!! د. حسام بريري أستاذ الاقتصاد الزراعي جامعة الأزهر