لماذا بدأت قوي وطنية لبنانية قومية ويسارية التوجه ومستقلة توجيه انتقادات إلي حزب الله والمقاومة بشكل لافت وغير مسبوق.. لاسيما فيما يتعلق بأداء الحزب السياسي علي الصعيد الداخلي.. إلي درجة التقاء قيادات في هذه القوي مع موقف قوي14 آذار وتيار المستقبل بزعامة سعد الحريري في الدعوة إلي مشروع جعل بيروت منزوعة السلاح. لاشك في أن أحداث منطقة برج أبي حيدر في العاصمة الشهر الماضي والتي شهدت اشتباكات مسلحة في الشوارع بين عناصر من حزب الله وآخرين من جمعية المشاريع الاسلامية قد شكلت صدمة لتلك القوي القومية واليسارية بعد نزول سلاح أفراد من المقاومة إلي الشارع واطلاق النار وحرق مسجد وبيوت ومنشآت تجارية جعلت من الصعب تبرير هذا الأمر أو الدفاع عنه علي عكس ما حدث في أحداث7 آيار( مايو)2008. وتبدت تلك الصدمة في تصريحات ومقالات شخصيات سياسية وإعلامية صديقة انتقدت بشكل مباشر الأداء السياسي للحزب داخليا, ودعته الي تصحيحه وإجراء مراجعة جذرية للحفاظ علي الوحدة الوطنية وإبعاد شبح الفتنة, وحذرته من التورط سهوا في مخططات خارجية. كما تجلي الاختلاف مع حزب الله في تأييد هذه الشخصيات مشروع إخلاء بيروت من سلاح المقاومة( كون لا يوجد منشآت عسكرية للمقاومة في العاصمة أو يقيم أحدا من قياداتها فيها) ونقدها استخدام السلاح في شوارع العاصمة من رئيس الوزراء الأسبق سليم الحص. فتحت هذه الانتقادات والاختلافات في الأداء مع الاتفاق في التوجه الاستراتيجي ضد العدو الاسرائيلي والتقدير للمقاومة والمقاومين مجالا للحديث عن خلافات للقوي اليسارية والقومية مع حزب الله حول طبيعة المقاومة وقصرها حصريا علي الحزب والطائفة الشيعية. فقوي المقاومة التاريخية في لبنان, لاسيما من الطائفة السنية والأحزاب والتيارات الوطنية تري أنه جرت محاولة ما يسمونه ب تضييق المقاومة لجعلها حصرية في الطائفة الشيعية بعدما كانت المقاومة في الماضي وطنية تضم عناصر من كافة الطوائف والتيارات السياسية. وتري قيادات سنية سابقة في المقاومة أن حزب الله احتكرها لمصالح طائفية, وتزعم أنه غير مسموح بانضمام أفراد من غير الطائفة الشيعية للمقاومة, كما تري أن هذا الأمر جزء من مشروع سياسي يعد احتكار المقاومة أحد تجلياته, ومن ثم تعتقد تلك القيادات أن إصدار الطوائف الأخري, والفريق الآخر علي إنهاء وجود سلاح المقاومة هو رد الفعل الطبيعي. فقد بدأت المقاومة في لبنان وطنية تضم فدائيين من مختلف الطوائف والأعراف والأديان والتيارات السياسية التي يتشكل منها المجتمع اللبناني, وذلك خلال السبعينيات من القرن الماضي بخلاف مشاركة لبنانيين في قوات منظمة التحرير الفلسطينية قبل ذلك في عمليات فدائية, ولعل الشهيدة سناء محيدلي من الحزب القومي السوري الاجتماعي أحد أهم عناوين المقاومة الوطنية غير الطائفية. ومع خروج المنظمة من لبنان عام1983 عقب الاجتياح الاسرائيلي في العام السابق تعرضت جبهة المقاومة الوطنية للتصفية وشهدت تلك الآونة اغتيال مفكرين وصحفيين وسياسيين من أهالي حسين مروه ومهدي عامل ورياض طه. وشهدت هذه الفترة بزوغ أفواج المقاومة اللبنانية( حركة أمل) ثم حزب الله انشقاقا منها علي يد صبحي الطفيلي وعباس الموسوي إثر تشكيل ما سمي ب جبهة الانقاذ الوطني احتجاجا علي انضمام الحركة إليها. ومنذ تلك اللحظة بدأ ما اعتبرته قوي يسارية تطبيقا للمقاومة, لكن ذلك لم يمنع التعاطف والدعم والتأييد الذي تبدي في تفاهم نيسان1996 ودعم رئيس الحكومة آنذاك رفيق الحريري للمقاومة. إلا أن المقاومة قبل الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان عام2000 ليست هي المقاومة بالنسبة للشارع اللبناني بعد عام2000, كما أن المقاومة قبل عام2005 حين اغتيل رفيق الحريري ليست هي المقاومة بعد2005, ففي نفس العام(2000) الذي شهد التفافا شعبيا مذهلا حول المقاومة وحزب الله بعد تحقيق الانسحاب الاسرائيلي المذل من الجنوب, شهد بدايات جدل من حولها بسبب اعتبار الشارع اللبناني أن القرار الدولي رقم425 بشأن انسحاب اسرائيل من جنوب لبنان قد تم تنفيذه, بينما اعتبرت المقاومة مبرر استمرارها قائما كون مزارع شبعا لا تزال تحت الاحتلال الاسرائيلي برغم أن شبعا تندرج تحت القرار الدولي رقم242 حيث كانت تحت الإدارة السورية وقت احتلال اسرائيل لها عام1967. وطلبت حكومتا الحريري والسنيورة من سوريا خطاب رسميا يوجه للأمم المتحدة تعترف فيه سوريا بأن مزارع شبعا لبنانية حتي يمكن استردادها تحت مظلة425 أوتغطية المقاومة وأعلنت سوريا ذلك لكن المجتمع الدولي طلب تسجيل هذا الاعلان( الشفهي) كتابيا ورسميا لدي الأممالمتحدة التي تعتبر شبعا أرضا سورية تحت القرار242. وفي نفس العام(2005) الذي شهد إجماعا وطنيا غير مسبوق حول مباديء السيادة والاستقلال من جانب كل الطوائف والأحزاب إثر اغتيال الحريري هو ذاته العام الذي دبت فيه الخلافات حول التعامل مع ملفات تنفيذ سوريا الشق الخاص في اتفاق الطائف بإنهاء مهام قواتها في لبنان, وملف اغتيال الحريري, وانقسم الاجماع بين قوي14 آذار وقوي8 آذار( المعارضة) التي تضم حزب الله والتيار الوطني الحر وحلفائهما من تيارات سياسية أخري. كما أن حزب الله قبل أحداث7 آيار( مايو)2008 ليس هو حزب الله بعد هذه الأحداث حين نزلت عناصره الشارع في بيروت والجبل ردا علي قرار الحكومة بشأن شبكة اتصالات حزب الله, لكن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي كان وراء هذا القرار اعترف بخطأ ارتكبه, وبالمسئولية عن حرب مذهبية شيعية درزية كاد أن يتسبب في اندلاعها واضعا المسألة في إطار رد فعل علي فعل غير مسئول ورافعا لظلم ألحق بالحزب, وأقدم جنبلاط علي زيارة أمين عام حزب الله حسن نصر الله لفتح صفحة جديدة. ركائز الخلاف حول المقاومة: لم تفتح أحداث برج أبي حيدر ملف السلاح واستخدامه في الشارع أو بابا لتوجيه إنتقادات للأداء السياسي لحزب الله فقط, بل فتحت أيضا ملف الحديث حول ركائز الاختلاف. ويستند الموقف الداعم للمقاومة الي اتفاق الطائف نفسه والبيانات الوزارية وآخرها البيان الوزاري لحكومة سعد الحريري في ديسمبر2009( الفقرة السادسة), فقد نص الطائف علي أن استعادة سلطة الدولة حتي الحدود اللبنانية المعترف بها دوليا تتطلب.. اتخاذ كافة الاجراءات اللازمة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الاحتلال الاسرائيلي. وبالنسبة للبيانات الحكومية فقد نصت البيانات منذ1989 وحتي عام2000 علي الدعم والتقدير والاشادة بالمقاومة مثل المقاومة الباسلة, الثوابت الوطنية, وبعد حرب صيف2006 جاء دعم المقاومة مقرونا بالالتزام بالقرار الدولي1701 الصادر في أغسطس2006 بشأن وقف العمليات الحربية مع التأكيد علي حق لبنان بشعبه وجيشه ومقاومته في تحرير واسترجاع مزارع شبعا وتلال كفر شوبا والجزء اللبناني( الشمالي) من قرية الفجر المحتلة والدفاع عن لبنان في مواجهة أي اعتداء, والتزام الحكومة بقرار مجلس الأمن1701. وتستند مواقف الأطراف الداعية لانهاء وجود سلاح المقاومة إلي ان اتفاق الطائف لم يأت علي دعم المقاومة أو ذكرها أساسا, تصريحا أو تلميحا, فعبارة اتخاذ الاجراءات اللازمة لاتعني المقاومة من وجهة نظرها وإنما تعني الوسائل القانونية والدبلوماسية لأنه لو كان المقصود هو المقاومة لكانت تلك الفقرة من الاتفاق استخدمت كلمة وسائل وليس إجراءات. وتري هذه الأطراف أنه إذا كان تفسير ذلك جائزا قبل حرب صيف2006, فهو ليس جائزا بعد حرب صيف2006 كون البيانات الوزارية تناقض نفسها بالنص علي حق المقاومة وفي نفس الوقت علي التزام بالقرار1701. لن يغلق ملف الانتقادات للأداء السياسي الداخلي لحزب الله لاسيما أنها تأتي هذه المرة من جانب أصدقاء وحلفاء لحزب الله والمقاومة ومساندين وداعمين لهما التقوا مع أفكار الفريق الآخر في لقاء نادر الحدوث, واعتبروا أنه من الصعب القبول بنزول سلاح المقاومين إلي الشارع لتصفية الخلافات حتي ولو كانت فردية لاسيما أيضا أن بعض قيادات الحزب اعتبروا بعض التناول لهذا النزول تآمري وغير أخلاقي ويخدم أهدافا خارجية تؤشر وتيرة السجال في الساحة اللبنانية إلي قدوم أيام صعبة ما لم تتحقق مطالب حلفاء الحزب والمقاومة بضرورة إجرائهما مراجعة جذرية وعاجلة لأدائهما السياسي علي الساحة الداخلية, وما لم يتم التجاوب مع نصائح الأصدقاء.. ففي تلك الحالة( عدم التجاوب) يمكن وصف نقد أداء الحزب السياسي بأنه تحول كبير.