فى كتابه الثانى "دساتير من ورق" طرح الكاتب الأمريكى ناثان براون أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن المتخصص فى التحليل السياسى للنظم القانونية فى الدول العربية تساؤلات كثيرة حول الدساتير العربية. وقد قادته إجابتها إلي أن تلك الدساتير لم تنشأ لتحقيق حلم الليبراليين أو الديمقراطيين العرب في خلق إطار قانوني لمساءلة ومحاسبة الحكام وإلزامهم بالقوانين وإنما نشأت لدعم الدولة العربية الحديثة وإقرار ما هو كائن وليس بالسعي لما يجب أن يكون, والسبب هو أن فكرة المقايضة والمفاوضة حول الدستور بين مختلف القوي الاجتماعية المؤثرة غائبة عن عملية وضع الدساتير العربية التي لا يوجد في ساحتها سوي لاعب واحد وهو الحاكم العربي. وبحسب الكتاب الذي قام بترجمته د. محمد نور فرحات لا تكتب الدساتير انطلاقا من أفكار ومباديء الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان بل هي تعبير عن موازين قوي حقيقية موجودة علي أرض الواقع, فهي تعبير عن مدي قدرة مختلف القوي السياسية علي المفاوضة والمقايضة. فمن الواضح أن النظم السياسية العربية قد برعت في تجريد شعوبها من القدرة علي المقايضة الدستورية, إما عن طريق قوانين الطواريء والقوانين التي تقيد الحقوق والحريات العامة أو عن طريق القوانين المقيدة لإنشاء الأحزاب السياسية والمجتمع المدني. يظل هناك ناشطون سياسيون ومواطنون عاديون كثيرون مقتنعين أن النصوص الدستورية ما هي إلا أوراق لا قيمة لها, وليست سوي تعبيرات أنيقة يصدرها الحكام في محاولة لطمس الطبيعة غير المقيدة لسلطتهم. ووفقا لهذه النظرة, فإن الدساتير لا تكتب لتقييد السلطة, بل لحجبها, وبالتالي من السذاجة أخذها علي محمل الجد. ففي الفصل الأول من الكتاب الذي جاء تحت عنوان' الدساتير الجمهورية' خلص ناثان إلي أن الدساتير العربية وضعت من أجل إضفاء الطابع المؤسسي علي قيم دستورية الحكم فقد ظهر وقتها مؤيدو دستورية الحكم في بعض البلاد العربية مثل مصر وتونس واليمن إلا أنهم مثلوا قوة ضعيفة ومتباينة التأثير. كما أن غالبية الجمهوريات العربية أصدرت دساتيرها في وقت كانت البلاد فيه تمتع فيه بالإستقلال أو حينما نجحت في الإطاحة بالنظم الملكية, ومن الواضح أن تلك الدساتير خدمت هدف ترسيخ السيادة أو النظام السياسي الجديد. وفي الفصل الثاني الذي حمل عنوان الإمكانيات الدستورية في العالم العربي يشير ناثان إلي أنه علي الرغم من الأوضاع الدستورية للبرلمانات العربية ضعيفة بصفة عامة إلا أن الكثير منها يحتفظ بإمكانيات لابأس بها لممارسة الإشراف علي السلطة التنفيذية بالرغم من هذا الضعف. والغريب أنه في الوقت الذي انتشرت فيه الرقابة القضائية الدستورية في العالم العربي إلا أن غالبية الكيانات التي انيطت إليها هذه المهمة فشلت في إقامة استقلال ذاتي عن الهيئات التي يفترض أنها تشرف عليها وتراقبها. كل ذلك يحول الجماهير العربية من طرف في عملية المقايضة الدستورية تشارك مشاركة إيجابية في صياغة الدستور إلي مجرد مفعول به يتلقي في استكانة وتسليم كل ما تجود به النظم العربية الحاكمة عليهم من وثائق دستورية تكرس الاستبداد وترتفع بالحكام عن أي مسائلة. { صادر عن دار سطور الجديدة * نجوي عبدالله