«لماذا تواصل الدساتير تكاثرها فى العالم العربى، تلك المنطقة المحرومة- إلى حد كبير- من الممارسات الدستورية؟ يهيمن حس عميق بالتشكك الساخر على المنطقة. يظل ناشطون سياسيون ومواطنون عاديون كثيرون مقتنعين أن النصوص الدستورية ما هى إلا أوراق لا قيمة لها كُتبت لتحجب حقيقة حكم المستبدين بل الطغاة وبعامة، ينظر إلى الدساتير على أنها تعبيرات أنيقة مرائية عن الطموحات، يصدرها الحكام فى محاولة لطمس الطبيعة غير المقيدة لسلطتهم. ووفقا لهذه النظرة، فإن الدساتير لا تُكتب لتقييد السلطة، بل لحجبها، ومن السذاجة أخذها على محمل الجد. يتشارك فى هذه النظرة المشككة، بالإضافة إلى سكان المنطقة، الباحثون فى العالم العربى وفى خارجه. وفى الواقع، فإن هذا الموقف المتشكك بين الباحثين الغربيين تجاه النصوص الدستورية قد ظهر قبل أن يتخلى المتخصصون فى السياسات المقارنة عن منهج تحليل النصوص الدستورية بوقت طويل، يمكن اقتفاء جذور هذا التوجه لدى القانونيين الشكليين أنفسهم فى محاولاتهم لفهم السياسات السوفيتية والنازية، لم تبد البنى الدستورية والوثائق المكتوبة كبؤرة مناسبة لدراسة تلك الأنظمة، فلم يكن دستور فايمار الذى وضع بعناية، كافياً لمنع النازيين من الوصول إلى السلطة مستخدمين أساليب دستورية، وبالمثل، لم تقيد الوثائق الدستورية السلطة بالاتحاد السوفيتى حيث كان ينظر إلى الدستور هناك بنفس الأسلوب الذى ينظر به إلى الوثائق الدستورية فى العالم العربى اليوم، باعتبارها وعدا مرائيا بالحقوق، والحريات، والعمليات الديمقراطية، يقصد به خداع المواطنين والمراقبين الأجانب، وذلك بإخفاء سلطة الحكام المطلقة». مقطع من كتاب ناثان نيرون «دساتير من ورق، الدساتير العربية والسلطة السياسية» الذى ترجمه إلى العربية د. محمد نور فرحات الفقيه الدستورى ونشر ضمن إصدارات سطور جديدة. الكتاب قدمته القاضية تهانى الجبالى.