1 عندما عدت من الوردية, استدعوني للنيابة الإدارية في مبني المصلحة. كان علي المنضدة دفاتر الخطابات المسجلة التي جري تسليمها, والمحقق فتح تحقيقا سريعا سألني فيه عن اسمي كاملا وسني وعنواني. وأدار الدفتر المفتوح ناحيتي ومد إصبعه الي أحد الايصالات الملصقة, وسألني عمن تسلم هذا الخطاب, كان توقيعا سريعا باسم جعفر عمران. وكنت كتبته بخط يدي, وقلت إن صاحبه هو الذي تسلمه. قال: أنت متأكد؟ قلت: طبعا. 2 لم يكن من المعتاد أن يتذكر الواحد أي بيانات خاصة بكل خطاب علي حدة. الخطابات يومية وكثيرة ومتشابهة, إلا أنني تذكرت هذا الخطاب بالذات, من ناحية, كان زمنا طويلا قد مضي من دون وصول أية خطابات مسجلة باسم جعفر عمران, ومن ناحية أخري لفت نظري انه أحد الخطابات الحكومية القليلة بلونها البني الفاتح, والتي تكون عادة بدون طوابع, لفت نظري أيضا أنه كان صغير الحجم جدا, وكان العنوان مكتوبا بالقلم الكوبيا في خط رديء مع ختم باهت ورقم تحوطه دائرة مفتوحة, وتذكرتني وأنا أسقطه في الصندوق وأوقع بسرعة علي الايصال بما يشبه اسم جعفر عمران, وعموما فإن الرسائل المسجلة الحكومية لم تكن تحظي بعنايتنا باعتبارها مجرد تنبيه عن شيء أو آخر, إنها ليست مثل المسجلات الأخري بمظاريفها البيضاء بأرقامها الواضحة وطوابعها المصطفة المختومة. 3 لم أشغل نفسي كثيرا بالموضوع, ولم تمر أياما طويلة إلا ووجدتني مطلوبا في النيابة العامة بقسم الموسكي القريبة من المصلحة. ذهبت الي هناك برفقة توفيق وحمادة والعديد من أفراد الأسرة. أصاب الخوف أخوتي بينما عصبت أمي رأسها وراحت تقدم لنا الشاي قبل ذهابنا, وقد نزل عليها سهم الله وتوقفت عن الكلام. وعند خروجنا طلبت مني قبل دخولي الي وكيل النيابة مباشرة أن أقرأ الفاتحة لأم هاشم, وخرجت وراءنا حتي مدخل البيت. وعندما وصلت الي القسم انتظروني بالخارج. 4 اسمك؟ عبدالله محمد سليمان سنك؟ 22 سنة عنوانك؟ 3 شارع أمير الجيوش بإمبابة كان الدفتر الذي جيء به من المصلحة مفتوحا علي الطاولة في مواجهتي. أمام كل اسم يوجد ايصال ملصق عليه توقيع من تسلمه. بعض الخانات خالية من الايصالات وتحمل تعليقات مختلفة: عزل. لم يستدل عليه, تكرر إعلانه, أو توفي. وأشار وكيل النيابة الي الخانة التي تحمل اسم جعفر عمران والي الايصال الملصق الذي يحمل توقيعه. هذا الخطاب؟ نعم؟ هل قمت بتسليمه؟ مادام له ايصال فلابد أنه تسلم. من الذي تسلمه منك؟ الخطابات المسجلة كثيرة جدا ويومية, ولا يمكن تذكر من الذي تسلم خطابا من الخطابات. عندك تعليمات تقول أن عليك الاطلاع علي بطاقة صاحب كل خطاب مسجل قبل توقيعه وتسليمه له. هذا موجود في المناطق الشعبية فقط. أما في منطقة مثل قصر الدوبارة فنحن نسلم الخطاب للموجود في الشقة. من أهل البيت يعني؟ ممكن. السفرجي أو الخادمة يدخل بالايصال ويعود به موقعا. ولكن هذا مخالف للتعليمات. معظم سكان المنطقة شخصيات لا تكون موجودة ولا ينفع أن نترك لهم اشعارات لكي يأتوا ليوقعوا علي الايصالات. هذا الكلام كله أنا تمرنت عليه قبل ما تسلم المنطقة. الجميع يفعل ذلك. تأمل هذا التوقيع. هل أنت الذي وقعته؟ لا. هل تعرف من الذي وقعه؟ لا. السيد جعفر عمران يقول انه لم يتسلم هذا الخطاب, ولم يتسلمه أحد من طرفه. ولا يعرف هذا الخط. أنا متأكد إني سلمته. طيب وقع علي أقوالك. قمت واقفا واتجهت الي كاتب الجلسة في طرف الطاولة الخشبية ووقعت الأوراق المفرودة أمامي, كانوا ينتظرونني عند الناصية, وعندما رأوني أسرعوا يسألونني عما جري. وللكلام بقية