-1- بعدما عدت من نيابة الموسكي لم أكن قلقا. كنت وضعت الخطاب بيدي في صندوق البريد الخاص بهم. ليس معقولا أن ينكروا تسلمهم له. جعفر عمران رجل ودود وكلما رآني يسألني:' إيه أسعار البوستة النهاردة؟'. وعندما رأيته أمام المبني حدثته عن التحقيق الذي جري وهو تطلع إلي وقال أنه لا يعرف شيئا واقترح أن أسأل البلتاجي وانصرف. وعندما سألت سعيد السفرجي عن البلتاجي قال أنه المدير المسئول عن الشركات ومكتبه في ميدان الأوبرا وأعطاني العنوان. -2- ذهبت إلي ميدان الأوبرا وأخبرت الأستاذ البلتاجي عن الخطاب والنيابة وأكدت له أنني وضعته بيدي في الصندوق وأنه مظروف حكومي صغير ولونه اصفر وهو هز رأسه وقال إذا ظهر خطابا بهذا الوصف سوف أعرف وربت علي كتفي عند الباب وانصرفت. عندما ذهبت وتوفيق إلي المقهي وجدنا خليل المحامي يتفرج علي من يلعبون الدومينو وطوق الجلباب مفتوح علي صدره. أخذناه جانبا وشرحت له كل ما حدث وكتب البيانات علي ظهر ورقة الغلاف الداخلي لعلبة السجاير وتركنا وقام يواصل الفرجة. -3- عندما التقينا خليل مرة أخري قال إنه رأي جعفر عمران ولكنه لم يتحدث معه وذهب إلي ميدان الأوبرا والتقي البلتاجي مدير الأعمال وتكلم معه. ثم أضاف أنه لم يفعل ذلك إلا بعد ذهابه إلي قسم الموسكي واطلاعه علي المحضر وحديثه مع كاتب الجلسة, وقال أن هذا الخطاب وراءه موضوع خطير جدا. جعفر عمران كان اتفق مع الحكومة علي القيام بمشروع كبير. وكان عليه أن يدفع مبلغا ضخما من المال كثمن أو إيجار أو تأمين, وهو أعد شيكا بهذا المبلغ وأرسله, في ذلك الوقت اكتشفت الحكومة أن العملية ليست سليمة وبها تلاعب, وما أن وصلها الشيك حتي وضعته في مظروف وأعادته اليه مع إنذاره بإخلاء الموقع, وفي الموعد تم الإخلاء فعلا وهو رفع قضية مطالبا بتعويض ضخم, بحجة أنه أرسل الشيك في موعده والحكومة قبلته ولم تعيده له في الموعد المحدد في العقد. خليل قال أنهم يظنون في النيابة أنني قبضت قرشين من عمران وتواطأت معه في هذا الموضوع, وقال أنهم سوف يبعدونني عن منطقة التوزيع بعد عدة أيام, ثم يحولونني إلي خبير الخطوط لمعرفة إن كنت وقعت علي الإيصال أم لا. سألته عما قاله البلتاجي وأخبرني إنه أنكر موضوع الخطاب طبعا ولكنه شعر من الكلام إن الحكومة لو سجنتني فإن الشركة ممكن تعوضني وقلت: تسجني إزاي؟ إنت اتجننت؟ قال: أنا باحكي لك اللي حصل. -4- حولوني إلي مكتب بريد الجيزة لكي أجلس بعيدا عن الخطابات وأقوم بالرد كتابة علي استفسارات الجمهور حول خطاباتهم المسجلة التي لم تسلم سواء كانت منهم أم إليهم, وذلك بالرجوع إلي الدفاتر بتواريخها وإيصالاتها الملصقة. وكان المكتب عبارة عن عدة دكاكين مغلقة الأبواب ما عدا بابا واحدا يطل علي الطريق العام. وأنا كنت أجلس إلي مكتب خشبي صغير في طرقة داخلية بين إحدي حجرات المكتب ودورة المياه. وكان كل من يتجه إليها يمر علي وهو يفك أزرار البنطلون وكل من يغادرها يمر علي وهو يدخل قميصه أو يغلق هذه الأزرار, وفي هذا الممر الضيق كانت الرائحة خانقة ولا تطاق, وكان مقهي في الجانب الآخر من الطريق أمام المكتب مباشرة. كانوا يضعون مقاعد علي الرصيف وأنا خرجت جلست في الهواء علي أحد هذه المقاعد. مع الوقت صار هذا هو موقعي المعروف ومن يريدني يجدني هناك. كنت أحضر صباحا أوقع وأذهب أشرب الشاي أو القهوة وأراقب الناس وأفكر في حكاية الخطاب والنيابة وفي أشياء أخري كثيرة متعلقة بنفس الموضوع.