في واقعة جديدة تزيد من أزمة الثقة بين الإدارة الأمريكية والصحافة حول قضايا الأمن القومي, أدان البيت الابيض علي وجه السرعة وبشكل حاد أمس الأول نشر أكثر من91 ألف وثيقة سرية ترسم صورة قاتمة للحرب في أفغانستان. واصفا نشر الموقع الإلكتروني ويكيليكس للوثائق السرية بأنه تصرف غير مسئول.ووصفت وسائل الإعلام الأمريكية الكشف عن هذه الوثائق بأنه الحادث الفردي الأضخم من نوعه في التاريخ الأمريكي. ويؤكد موقع ويكيليكس الإلكتروني أن يوميات الحرب الأفغانية تتألف في معظمها من تقارير دونها الجنود وضباط المخابرات تصف العمليات العسكرية الصعبة التي تخوضها القوات الأمريكية في أفغانستان. وحرص الموقع علي منح ثلاث صحف عالمية كبري, هي صحيفة نيويورك تايمز, والجارديان البريطانية ومجلة دير شبيجل الألمانية, حقوقا حصرية لنشر الوثائق مبكرا. وقالت المصادر أن المؤسسات الصحفية الثلاث الكبري حصلت علي الوثائق قبل أسبوعين بينما أكد البيت الأبيض أمس أنه لم يعرف بالأمر إلا من خلال وكالات الأنباء. وفور ظهور تفاصيل وصور الوثائق علي المواقع الإلكترونية أمس الأول, أصدر مستشار الأمن القومي الأمريكي جيمس جونز بيانا قال فيه الولاياتالمتحدة تدين بشدة الكشف عن معلومات سرية من قبل أفراد ومنظمات والتي يمكن أن تعرض حياة الأمريكيين وشركائنا للخطر, وتهدد أمننا القومي. وقال جونز إن الموقع الالكتروني لم يقم بأية محاولة للاتصال بالمسئولين الأمريكيين قبل نشر الوثائق وأنه عرف بالأمر من الصحف الثلاث. وتغطي الوثائق الفترة ما بين يناير عام2004 وأول ديسمبر2009 وتصف حالة الارتباك في إدارة العمليات في أفغانستان وشكوك الأمريكيين في تعاون المخابرات الباكستانية مع حركة طالبان الأفغانية طوال السنوات السابقة, بالإضافة لروايات مباشرة بشأن الغضب الأمريكي من عدم رغبة باكستان في مواجهة المسلحين الذين يشنون هجمات قرب الحدود الباكستانية-الأفغانية. ووصف مصدر مسئول في الإدارة الأمريكية موقع ويكيليكس بأنه وسيلة إعلامية غير موضوعية تعارض الحرب في أفغانستان, بينما اعتبر مصدر آخر- لم يكشف عن هويته- أن ما كشفت عنه الوثائق من الشكوك المثارة بشأن مصداقية المخابرات الباكستانية هو أمر ليس بجديد. وقال أحد الخبراء إن الوثائق الجديدة من الأمور الشائعة وتعتمد بالأساس علي تجميع الشائعات والروايات من الميدان ونسبة مصداقيتها في نهاية الأمر ليست كبيرة, حيث تخضع للتحليل من القيادات العليا وأجهزة الإستخبارات المسئولة لتنقيتها والخروج بالوقائع المؤكدة فقط. كما تكشف الوثائق للمرة الأولي عن أن مقاتلي حركة طالبان ربما استخدموا صواريخ أرض-جو المتحركة والباحثة عن الحرارة لإسقاط طائرات هليكوبتر, والتي كانت الولاياتالمتحدة تزود المجاهدين الأفغان بها في الثمانينات من القرن الماضي والتي لعبت دورا حاسما في مساعدة المقاتلين الأفغان علي طرد الاتحاد السوفيتي. وأشار تقريريعود تاريخه إلي ربيع عام2007 إلي الشهود الذين رأوا ما بدا أنه صاروخ باحث عن الحرارة وقد دمر طائرة هليكوبتر للنقل الجوي. وقالت صحيفة نيويورك تايمز أن الحادث أسفر عن تحطم الطائرة الهليكوبتر ومقتل خمسة أمريكيين, ومواطن بريطاني وآخر كندي. وعلي الرغم من أن التقرير الأولي أشار إلي أن الهليكوبتر الأمريكية كانت إشتبكت وضربت بصاروخ إلا أن متحدثا باسم حلف شمال الاطلنطي, في ذلك الوقت, قال أن نيران اسلحة صغيرة هي المسئولة عن اسقاط طائرة الهليكوبتر. وعلي الرغم من أن استخدام مثل هذه الأسلحة من قبل حركة طالبان محدودا للغاية لكنه ترك إنطباعا بأن الحرب الافغانية تمر بمرحلة صعبة في وقت كانت فيه الولاياتالمتحدة تسجل أرقاما قياسية للخسائر في العراق بينما كانت إدارة الرئيس جورج بوش تكافح من أجل الحفاظ علي دعم الحرب في العراق حتي في صفوف قاعدته الجمهورية. وتشير الوثائق الجديدة- علي لسان عسكريين امريكيين- إلي قيام عملاء المخابرات الباكستانية بتنظيم مقابلات مع حركة طالبان وتنظيم القاعدة من أجل مساعدتهما علي تنظيم جهود الجماعات المعادية للولايات المتحدة وربما التخطيط لاغتيال شخصيات أفغانية, وهو ما وصفته صحيفة نيويورك تايمز أمس باللقاءات الإستراتيجية السرية بين الطرفين, إلا أن الصحيفة أكدت أن البراهين علي وجود مثل هذه العلاقة غير مؤكدة. وقال بنيامين رودس, نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي للاتصالات الاستراتيجية, إن باكستان لا تزال حليفا مهما في المعركة ضد الجماعات المتشددة, وأن جنودا باكستانيين ومسئولين في الاستخبارات الباكستانية عملوا جنبا إلي جنب مع الولاياتالمتحدة لاعتقال أو قتل قادة تنظيم القاعدة وحركة طالبان. وكانت الأوساط الأمريكية قد دخلت في جدل كبير منذ شهور بعد الكشف عن شريط فيديو لعملية اغتيال مصور تليفزيوني عراقي بعد إطلاق طائرة هليكوبتر أمريكية النيران علي سيارة إسعاف في أثناء الحرب في العراق وهو ما تعتبره أطراف في الإدارة الأمريكية تسريبات تنطوي علي أضرار بالأمن القومي للبلاد. وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد أعلن عن استراتيجية جديدة للحرب في أفغانستان في الأول من ديسمبر الماضي وتتضمن زيادة التركيز علي مواجهة الملاذات الآمنة للقاعدة وطالبان في الأراضي الباكستانية. وذلك في محاولة لمواجهة التدهور المستمر للوضع في أفغانستان علي مدي سنوات.