تداعيات كثيرة تتوالي يوماً بعد يوم في أعقاب الكشف عن250ألف وثيقة كانت، حتي صباح الأحد الماضي، »سرية«، و»محظورة«، و»ممنوع« نشرها، أو حتي الإشارة إلي واقعة، أو معلومة، نسبت إليها. الوثائق حصل عليها الموقع الإلكتروني الأمريكي: »ويكيليكس« من مصدر مايزال مجهولاً وسارع ببثها، ونشرها علي صفحات كبريات الصحف الورقية في أمريكا وأوروبا، وأصبحت بالتالي متاحة لكل التعليقات والتحليلات والتفسيرات. قد نري أن إسقاط ستار السرية عن الاتصالات الهاتفية، والبرقية، والرسائل الإلكترونية التي لا تنقطع علي مدار الساعة، بين وزارة الخارجية و سفاراتها في عواصم العالم، يعني إنحسار واندثار عادات، وتقاليد، ومباديء، الدبلوماسية التقليدية.. التي كانت، ويتطلب البحث عن دبلوماسية جديدة في عاداتها، ومتحضرة في تقاليدها، بحيث تقول علناً ما كانت تهمس به سراً. و قد نظن أن وسائل التنصت والتجسس علي المكالمات والبرقيات، قد تطورت وتعقدت وأصبح من رابع المستحيلات الحفاظ علي »السرية« والاطمئنان إلي صلابة »الشفرة« وصعوبة فك ألغازها، مما تفتح الأبواب أمام أزمة ثقة في كل اقتراح، وكل نصيحة، وكل مقولة ينطق بما الدبلوماسيون الأجانب لزوارهم ولمضيفيهم من ممثلي الإدارات الحكومية في عواصم دول العالم! و قد نتوقع أيضاً أن تسوء العلاقات بين واشنطون وبين معظم دول العالم خاصة تلك التي كان قادتها يتصورون أن بلادهم تحظي بصداقة أمريكا، ويطمئنون شعوبهم علي وقوف أقوي وأغني دولة في العالم إلي جانبها وتبني مواقفها ضد خصومها. فليس سهلاً علي شعوب وحكام تلك الدول صغرت، أم كبرت أن يكتشفوا فجأة، تحت سمع وبصرالدنيا كلها، الكم الهائل لسوء الظن وسوء النية التي تكنها الخارجية الأمريكية وسفاراتها الخارجية لهم، ولشعوبهم، ولمواقفهم السياسية. ومن الطبيعي أن تتعاظم »الصدمة المذهلة« علي المستوي الشخصي للعديد من قادة دول، ورؤساء حكومات، و زعماء شعوب، وهم ينصتون ويقرأون مقتطفات من نصوص »النميمة المفرطة« تضمنت أوصافاً غير لائقة: تسخر من البعض، وتستخف بعقول البعض الآخر. المفارقة الغريبة أن هذه التداعيات كلها، وغيرها، لم تأت مفاجئة. فمنذ أسابيع عديدة ماضية، و وكالات الأنباء تتناقل أخباراً عن حصول موقع »ويكيليكس« علي أكثر من ربع مليون وثيقة تتضمن أسراراً بالغة الخطورة وتتعلق بأحداث معاصرة لقضايا وحروب حالية أو متوقعة، أبرزها الحرب ضد الإرهاب، و الخطر النووي الإيراني، والصورة الأخري لتركيا التي يحاول »أردوجان« وحزبه الديني عدم إظهارها لحلفاء تركيا من دول حلف الأطلنطي.. وغيرها من توقعات أو إشارات منسوبة إلي مصادر في ال »ويكيليكس«. ليست هذه المرة الأولي التي يعلن فيها الموقع الإلكتروني الشهير »ويكيليكس« انفراده بالحصول علي عشرات الآلاف من الوثائق السرية الأمريكية. لقد سبق منذ شهور قليلة ماضية أن فاجأنا الموقع ببث وثائق محظورة وبالغة السرية لدواعي الأمن القومي تكشفت فيها خبايا وخفايا وأخطاء وكوارث وفظائع ما يسمي ب »الحرب ضد الإرهاب« التي تخوضها الولاياتالمتحدة وحلفاؤها في أفغانستان والعراق. الغريب أن رد فعل وزارة الدفاع الأمريكية، بصفة خاصة، والإدارة الأمريكية، بصفة عامة، علي رفع ستار السرية، جاء هادئاً ومهادناً. فهو يحذّر من خطورة النشر علي المصالح والأرواح الأمريكية، لكنه في الوقت نفسه لا يهدد بملاحقة ال »ويكيليكس« قضائياً. وتم بالفعل بث هذه الوثائق علي الموقع، ونقلت عنها بعض الصحف وبعض القنوات التليفزيونية مقتطفات، ولقطات، من هذه الوثيقة أو تلك قد تجد صدي لدي القراء والمشاهدين لكنه أي الصدي سرعان ما تراجع و تواري بظهور اهتمامات جديدة للرأي العام العالمي. صاحب موقع ال »ويكيليكس« لم يكن يتوقع هذا التجاهل السريع لما اعتبره أعظم سبق إعلامي تحقق في تاريخ الصحافة والإعلام! وبدلاً من أن يندب الحظ السييء، رأيناه يكرر مباهاته بسبق صحفي ثان، أكبر وأعظم من الأول. كما أذهلنا برقم ربع المليون وثيقة سرية، بشرنا بحصوله عليها، وتعهد ببثها خلال الأيام التالية. المهم.. أن الوثائق الجديدة وجدت دوياً هائلاً علي مستوي العالم كله، علي عكس الوثائق الأولي الخاصة بأسرار حربي:أفغانستان والعراق التي تبدد الاهتمام بها بعد ساعات من بثها علي النت.. وذلك لأسباب نتابعها غداً.