كان يمكن أن تنشر ال250ألف وثيقة سرية دون أن تحدث الدوي الهائل الحالي، لو أن موقع »ويكيليكس« اكتفي كعادته ببثها عبر موقعه الإلكتروني، كما حدث بالنسبة لوثائق أخطاء العسكرية الأمريكية في أفغانستان والعراق التي بُثت علي الموقع ولم تلق الاهتمام والانتشار المنتظرين لها. المسئول عن الموقع اعترف أخيراً بأن الصحافة الورقية ما تزال محتفظة بأهميتها القصوي في تحقيق ما لا تستطيعه وسائل الإعلام الأخري مثل »التليفزيون«، و»النت«.. علي عكس كل ما »قيل ويقال« عن انحسار، وانكماش، وانهيار، الصحافة الورقية توطئة لإفلاسها الوشيك والتوقف عن الصدور الواحدة بعد الأخري! وإنقاذاً لل 250ألف وثيقة التي حصل عليها موقع »ويكيليكس« منذ فترة طويلة، قام المسئولون عنه بالاتصال بكبريات صحف الولاياتالمتحدة والأوروبية والاتفاق معها علي نشر أخطر وأهم ما تراه في هذه البرقيات السرية والمتبادلة بين وزارة الخارجية الأمريكية وبين سفاراتها في أهم العواصم العالمية. ورحبت تلك الصحف واسعة الانتشار وشديدة التأثير علي الرأي العام في دولها بهذا السبق الصحفي الذي توقعوا دوياً هائلاً لما سيكشف عنه من: أسرار، وآراء، وانطباعات،إلي: صفقات سياسية واقتصادية، وتخطيطات لحروب جيوش، ولهجمات جماعات إرهابية، ولسرقات عصابات إجرامية. صباح يوم 28نوفمبر2010 بدأت كبريات الصحف العالمية في نشر حلقات بالغة الإثارة لأحداث مذهلة تصوّر أبطالها أنها ستظل في طي الكتمان، ولن يفصح عن كلمة واحدة تتعلق من قريب أو بعيد بهذه الأحداث والأحاديث والوقائع، فإذ بهم يصدمون صدمة عمرهم بفضح، وكشف، ونشر، وإعلان، كل ما كانوا حريصين علي ضمان سريته، و استمرار التكتم عليه! كثيرون ربطوا بين ما يحدث من ردود أفعال نشر البرقيات المحظورة وبين ردود أفعال هجمات 11سبتمبر الإرهابية، وأطلقوا عليها اسم: هجمات 11 سبتمبر الدبلوماسية! مسئولية الصحافة الورقية عن هذه »الفرقعة« الصحفية المذهلة.. يحدثنا عنها الكاتب الألماني:»كلاوس هيلينبراد« في مقاله المنشور، يوم الاثنين الماضي، في صحيفته الألمانية:(Die Tageszeitung) قائلاً: »كان واضحاً، من قبل بدء النشر، أن الكشف عن نصوص مئات الآلاف من البرقيات الدبلوماسية الأمريكية سوف يحدث زلزالاً سياسياً يستهدف الولاياتالمتحدة«. وينتقل الكاتب الألماني » هيلينبراد« ليعبر عن اعتقاده بأن الموقع الإلكتروني »ويكيليكس«، الذي انفرد بالحصول علي هذا العدد المذهل من البرقيات المفترض أنها بالغة السرية، سيكون أقل الأطراف استفادة من وراء هذا الكنز المعلوماتي!أما الرابح الأعظم فهو الصحافة الورقية التقليدية الأمريكية:»نيويورك تايمز«، والبريطانية: »ذي جارديان«، والفرنسية: » لو موند«، و الألمانية:» دير شبيجل«، و الاسبانية: »إل بايس« التي سعي إليها مسئولو ال »ويكيليكس« الذين اعترفوا من خلال تجاربهم السابقة بأن الحصول علي مئات الآلاف من الوثائق السرية والانفراد ببثها كما هي علي صفحات موقعها علي النت، لا يحقق الانتشار، والتأثير، المطلوبين من وراء الانفراد بهذا السبق الكبير. فالمهم قبل البث أو النشر أن يتم كما يري الكاتب الألماني »هيلينبراد« فرز الوثائق، وتصنيفها، وإعادة تركيبة صياغتها لتصبح أكثر سهولة، وأكثر جذباً لقراءتها. وهذه من خصائص الصحافة الورقية، وبرع فيها الصحفيون التقليديون في كبريات الصحف العالمية، ولولاهم لكان من المحتمل جداً أن تبث الوثائق علي الموقع الإلكتروني ويمر الزوار عليها مرور الكرام، فلا الأرض تزلزلت من تحت أقدام الإدارات الأمريكية، ولا ضحايا البث اهتموا بالدفاع عن أنفسهم، إقتناعاً من جانبهم بأن الصمت والتجاهل هما الأفضل، والأسلم لكل الأطراف! ولا عزاء لمن يتوقع اندثار، وانهيار، الصحافة الورقية. إبراهيم سعده [email protected]