سفراء أمريكا في العديد من عواصم العالم أكدوا أن علاقاتهم مع مسئولي تلك الدول تراجعت وتدهورت في أعقاب نشر آلاف الوثائق الدبلوماسية الأمريكية علي موقع »ويكيليكس«. وما أكده السفراء ليس بالعجيب ولا الغريب، فماذا كان يتوقع هؤلاء السفراء من ردود الأفعال علي تلك الفضيحة العظمي؟! هل كانوا ينتظرون مثلا مكالمات حميمية، ولقاءات ودية، من رؤساء وملوك الدول التي يخدمون في عواصمهم، ليشكروهم علي فضحهم، وكشف أسرارهم علي الملأ؟! أوربما كانوا يأملون في تجاهل المسئولين لما نسب إليهم، ويشككون في صحتها، واعتبارها بالتالي كأنها لم تكتب ولم تنشر؟! رئيس الحكومة الإسرائيلية انفرد بالترحيب بما ينوي المسئولون عن موقع »ويكيليكس« القيام به. العجيب أن »بنيامين نتنياهو« هلل قبل النشر ولم ينتظر حتي يتأكد أولا من أن الوثائق المنتظرة لن تمسه، وبلاده، من قريب أو بعيد! وهذا الموقف أعجب مؤسس موقع »ويكيليكس«. جوليان أسانج فأشاد به في حديثه إلي مجلة »تايم« قائلا: »إن نتنياهو يعتبر نموذجا للزعيم العالمي الذي يؤمن بأن نشر الوثائق يساعد الدبلوماسية العالمية!«. كثيرون توقفوا أمام تهليل »نتنياهو« للموقع الإلكتروني، وتساءلوا عن سبب عدم الكشف عن فضائح وفظائع الدولة الإسرائيلية منذ قيامها وحتي اليوم؟! ومنَّا من سارع وأكد أن »جوليان أسانج« يهودي، صهيوني، ملتزم بالتستر علي الدولة العبرية مهما ارتكبت حكوماتها كل ما عرفته ولم تعرفه البشرية من الجرائم ضد البشر والحيوان والجماد! وأخيرا.. عرفت ما لم أكن أعرفه عن علاقة »ويكيليكس« ب »نتنياهو«. ففي اليومية، السياسية، السورية: »الحقيقة« قرأت اعترافات الرجل الثاني في »ويكيليكس« الذي قدم استقالته منذ شهرين تناول فيها تفاصيل الاتفاق الغريب الذي تم بين »جوليان أسانج« و»بنيامين نتنياهو« علي عدم المساس بإسرائيل وحكامها! الاعترافات انفردت »الحقيقة« لسان حال المعارضة السورية في الخارج بنشرها، حيث أوفدت مراسلتها: »ليا أبراموفيتش« إلي العاصمة الألمانية برلين، لتجري حواراً مع مدير »ويكيليكس« السابق: »دانييل دومخيت بيرج« ألماني الجنسية أكد فيه أن مؤسس الموقع »جوليان أسانج« (حصل علي تمويل من جهات إسرائيلية شبه رسمية، وأنه أبرم مع هذه الجهات اتفاقاً مكتوباً ومسجلاً بالصوت والصورة خلال لقاء تم في سويسرا يتضمن تعهداً من قبله بعدم نشر أي وثيقة يمكن أن تتسبب بأذي أو ضرر لمصالح إسرائيل الدبلوماسية أو الأمنية). وأضاف »دومخيت بيرج« 23 عاما قائلا: (إن الوثائق الدبلوماسية الأمريكية التي يجري نشرها الآن تباعاً علي موقع »ويكيليكس«، وبعض وسائل الإعلام، كانت تتضمن في الأصل كميات كبيرة من الوثائق الدبلوماسية حول حرب يوليو 6002 علي لبنان، وهو ما علمت به الجهات الإسرائيلية مبكراً الأمر الذي دفعها إلي فتح اتصال مع »ويكيليكس«، وخاصة مع مؤسس الموقع: أسانج الذي احتكر الاتصال معهم لاحقاً، قبل أن يبرم معهم صفقة تتضمن تعهداً بعدم نشر هذه الوثائق، وربما إتلافها أيضا (..). المصدر الأساسي لوثائق تلك الحرب، هو السفارة الأمريكية في تل أبيب والسفارة الأمريكية في بيروت، لكن بعضها جاء من سفارات أمريكا في باقي دول المنطقة لاسيما من عمان والقاهرة والرياض، فضلا عن وثائق أخري صيغت في الخارجية الأمريكية علي شكل ملاحظات وتوجيهات للجهاز الدبلوماسي الأمريكي في الشرق الأوسط وأوروبا). وأخطر ما جاء في اعترافات الرجل الثاني في »ويكيليكس« أن مؤسس الموقع الذي يحتكر مفاتيح ال »باسووردز« الوصول إلي هذه الوثائق قام بعملية غربلة لها حيث جري نزع الوثائق المتعلقة بالحرب علي لبنان، خاصة تلك التي تغطي الفترة من يونيو 6002 إلي سبتمبر من العام نفسه، وهو ما يطرح سؤالا مهما: »هل يعقل أن الدبلوماسيين الأمريكيين لم يكتبوا حرفاً واحداً عن الوضع المتفجر خلال 33 يوماً وما تلاه؟!«. وأعجبني أن صحيفة »الحقيقة التي يصدرها سوريون معارضون في الخارج لم تكتف بنشر سبقها الصحفي العالمي بحديثها مع الرجل الثاني السابق في »ويكيليكس«، وإنما حاولت وماتزال تحاول الاتصال بمؤسس الموقع جوليان أسانج، بعد الإفراج عنه في لندن وإقامته في مقاطعة إسكس تحت الحراسة الأمنية، لتطلب منه التعليق علي ما نُسب إليه، ولماذا تستر علي إسرائيل؟ هل لأن علي رأسها ريشة، أم لأنها دفعت الثمن؟ إن مؤسس »ويكيليكس« يتباهي في كل مكان بأن ما قام به هو ل »إثبات حرية الصحافة، ولتأكيد حق الرأي العام في الإعلام والمعرفة«، ولا أعرف ماذا سيقول جوليان أسانج الآن بعد أن فضحه زميله السابق دانييل دومخيت بيرج كاشفاً قيامه بسحب هذه الحرية، ونسف هذا الحق.. مقابل حفنة من الدولارات؟!