عباس شراقي: فيضانات السودان غير المعتادة بسبب تعطل توربينات سد النهضة    البداية الرقمية للنقل الذكي في مصر.. تراخيص إنترنت الأشياء للمركبات تدخل حيز التنفيذ    وزير الإسكان: بدء تصنيف حالات الإيجار القديم وفق شرائح الدخل    لماذا كل هذه العداء السيساوي لغزة.. الأمن يحاصر مقر أسطول الصمود المصري واعتقال 3 نشطاء    مقتل شخص وإصابة 15 في هجوم روسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية    تشكيل منتخب مصر أمام نيوزيلندا في كأس العالم للشباب    سلوت عن جلوس صلاح على مقاعد البدلاء أمام جالاتا سراي: رفاهية الخيارات المتعددة    خطة إطاحة تتبلور.. مانشستر يونايتد يدرس رحيل أموريم وعودة كاريك مؤقتا    مصرع 7 عناصر إجرامية وضبط كميات ضخمة من المخدرات والأسلحة في مداهمة بؤرة خطرة بالبحيرة    الأرصاد: الخريف بدأ بطقس متقلب.. واستعدادات لموسم السيول والأمطار    مفتي الجمهورية يبحث مع وفد منظمة شنغهاي آليات التعاون ضد التطرف والإسلاموفوبيا    مواقيت الصلاة فى أسيوط غدا الأربعاء 1102025    ماجد الكدوانى ومحمد على رزق أول حضور العرض الخاص لفيلم "وفيها ايه يعنى".. صور    أمين الفتوى: احترام كبار السن أصل من أصول العقيدة وواجب شرعي    ولي العهد يتسلم أوراق اعتماد سفراء عدد من الدول الشقيقة والصديقة المعينين لدى المملكة    محافظ القاهرة يناقش ملف تطوير القاهرة التراثية مع مستشار رئيس الجمهورية    من القلب للقلب.. برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    بعد رصد 4 حالات فى مدرسة دولية.. تعرف علي أسباب نقل عدوى HFMD وطرق الوقاية منها    جارناتشو يقود هجوم تشيلسى ضد بنفيكا فى ليلة مئوية البلوز    البورصة المصرية.. أسهم التعليم والخدمات تحقق أعلى المكاسب بينما العقارات تواجه تراجعات ملحوظة    هل يجوز للمرأة اتباع الجنازة حتى المقابر؟ أمين الفتوى يجيب.. فيديو    "أنا حاربت إسرائيل".. الموسم الثالث على شاشة "الوثائقية"    أحمد موسى: حماس أمام قرار وطنى حاسم بشأن خطة ترامب    محافظ قنا يسلم عقود تعيين 733 معلمًا مساعدًا ضمن مسابقة 30 ألف معلم    داعية: تربية البنات طريق إلى الجنة ووقاية من النار(فيديو)    نقيب المحامين يتلقى دعوة للمشاركة بالجلسة العامة لمجلس النواب لمناقشة مشروع قانون "الإجراءات الجنائية"    بلاغ ضد فنانة شهيرة لجمعها تبرعات للراحل إبراهيم شيكا خارج الإطار القانوني    "الرعاية الصحية" تطلق 6 جلسات علمية لمناقشة مستقبل الرعاية القلبية والتحول الرقمي    البنك الزراعي المصري يحتفل بالحصول على شهادة الأيزو ISO-9001    محمود فؤاد صدقي يترك إدارة مسرح نهاد صليحة ويتجه للفن بسبب ظرف صحي    مصر تستضيف معسكر الاتحاد الدولي لكرة السلة للشباب بالتعاون مع الNBA    بدر محمد: تجربة فيلم "ضي" علمتنى أن النجاح يحتاج إلى وقت وجهد    «العمل» تجري اختبارات جديدة للمرشحين لوظائف بالأردن بمصنع طوب    بعد 5 أيام من الواقعة.. انتشال جثمان جديد من أسفل أنقاض مصنع المحلة    المبعوث الصينى بالأمم المتحدة يدعو لتسريع الجهود الرامية لحل القضية الفلسطينية    اليوم.. البابا تواضروس يبدأ زيارته الرعوية لمحافظة أسيوط    حسام هيبة: مصر تفتح ذراعيها للمستثمرين من جميع أنحاء العالم    موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 رسميًا.. قرار من مجلس الوزراء    الأمم المتحدة: لم نشارك في وضع خطة ترامب بشأن غزة    انتشال جثمان ضحية جديدة من أسفل أنقاض مصنع البشبيشي بالمحلة    وفاة غامضة لسفير جنوب أفريقيا في فرنسا.. هل انتحر أم اغتاله الموساد؟    برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    لطلاب الإعدادية والثانوية.. «التعليم» تعلن شروط وطريقة التقديم في مبادرة «أشبال مصر الرقمية» المجانية في البرمجة والذكاء الاصطناعي    تعليم مطروح تتفقد عدة مدارس لمتابعة انتظام الدراسة    التقديم مستمر حتى 27 أكتوبر.. وظائف قيادية شاغرة بمكتبة مصر العامة    كونتي: لن أقبل بشكوى ثانية من دي بروين    «مش عايش ومعندهوش تدخلات».. مدرب الزمالك السابق يفتح النار على فيريرا    «الداخلية»: تحرير 979 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة ورفع 34 سيارة متروكة بالشوارع    احذر من توقيع العقود.. توقعات برج الثور في شهر أكتوبر 2025    عرض «حصاد» و «صائد الدبابات» بمركز الثقافة السينمائية في ذكرى نصر أكتوبر    بيدري يعلق على مدح سكولز له.. ومركزه بالكرة الذهبية    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر يحدد ضوابط التعامل مع وسائل التواصل ويحذر من انتحال الشخصية ومخاطر "الترند"    قافلة طبية وتنموية شاملة من جامعة قناة السويس إلى حي الجناين تحت مظلة "حياة كريمة"    انكماش نشاط قناة السويس بنحو 52% خلال العام المالي 2024-2025 متأثرا بالتوترات الجيوسياسيّة في المنطقة    ضبط 5 ملايين جنيه في قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    التحقيق مع شخصين حاولا غسل 200 مليون جنيه حصيلة قرصنة القنوات الفضائية    السيسي يجدد التأكيد على ثوابت الموقف المصري تجاه الحرب في غزة    الأهلي يصرف مكافآت الفوز على الزمالك في القمة للاعبين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اخر الاسبوع - "عقلة الصباع" التي كشفت عورات أمريكا
نشر في الجمهورية يوم 02 - 12 - 2010

زمان. كان المفكرون والفلاسفة. والعلماء والمخترعون. هم الذين يغيرون العالم.
الآن. وفي القرن الحادي والعشرين علي وجه التحديد. يبدو الأمر مختلفاً تماماً.
أكثر الشخصيات تأثيراً في توجيه العالم وإعادة صياغة الكثير من علاقاته خلال الحقبة الأولي من هذا القرن: 2001 2010. هو.. أسامة بن لادن. من خلال أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما بعدها.
أما الشخص المرشح الآن ليكون الأكثر تأثيراً في توجيه العالم وإعادة صياغة الكثير من علاقاته خلال الحقبة القادمة 2011 2020. فهو الاسترالي جوليان أسانج من خلال موقعه الإلكتروني الأشهر "ويكيليكس" الذي تخصص في نشر الوثائق السرية الأمريكية.
قبل أن أستطرد. أسجل: هذا تقديري واجتهادي الشخصي لأحداث وتحولات عشتها وأعيشها لحظة بلحظة. مجرداً من أي أيديولوجيات أو أحكام مسبقة.
والاثنان : بن لادن.. وأسانج. لا علاقة لهما بالمفكرين والفلاسفة. ولا بالعلماء والمخترعين.
أمام القانون.. أي قانون.. الاثنان ينتميان إلي طائفة أخري تماماً. هي طائفة المجرمين. رغم أن البعض قد يري أنهما قدما للإنسانية خدمة كبيرة بضرب وكشف أمريكا.
تفجير طائرات مدنية بركابها في برجي مركز التجارة العالمي بنيويورك في 11 سبتمبر 2001 ومقتل ما يزيد علي ثلاثة آلاف شخص من الأبرياء.. جريمة.
والحصول علي وثائق حكومية رسمية. مسربة بطريقة غير شرعية. ونشرها علي العالم دون إذن من أصحابها.. جريمة.
***
يوم الأحد الماضي. قام موقع "ويكيليكس" بنشر 251 ألفاً و287 وثيقة سرية أمريكية عن علاقات أمريكا بمختلف دول العالم.
الوثائق. عبارة عن البرقيات السرية التي يبعث بها السفراء والدبلوماسيون الأمريكيون في مختلف عواصم العالم إلي وزارة الخارجية الأمريكية. عن مضمون ما يعقدونه من لقاءات مع المسئولين الرسميين أو غير الرسميين في العواصم التي يعملون بها. وعن تقييمهم الشخصي لبعض مواقف أو شخصيات أو أحداث في هذه البلاد.. أو ما يجمعونه من معلومات عنها.
والوثائق التي تم نشرها. تغطي الفترة من عام 1966. حتي فبراير 2010. أي نحو 34 سنة.
ومنذ بدأ الموقع نشر هذه الوثائق. الأحد الماضي. قامت القيامة في واشنطن.. البيت الأبيض.. وزارة الخارجية.. وزارة الدفاع.. وزارة العدل.. المخابرات المركزية.. إلي آخره.
فالوثائق تكشف أسرار السياسة الأمريكية. وتتضمن. بالوقائع والأسماء. وعلي لسان سفراء أمريكا ودبلوماسييها. ما قالوه أو قيل لهم في الغرف المغلقة. حين يلتقون بزعماء الدول التي يمثلون أمريكا فيها أو بكبار شخصياتها ومسئوليها.
وبالتبعية. قامت القيامة أيضا في عواصم أخري كبري. وبالذات في الدول الأوروبية الحليفة لأمريكا.. فما يلحق الضرر بأمريكا سوف يصيب أيضا هذه الدول.
ومازلنا. رغم مرور أربعة أيام علي زلزال ويكيليكس إن صح التعبير في بداية توابعه.. وما بقي ربما كان أعظم.
***
الرسالة المبدئية الأولي. من بين عشرات الرسائل التي يمكن استخلاصها من الحدثين هي:
لكي تغير العالم.. ابدأ بأمريكا.
أحداث 11 سبتمبر استهدفت أمريكا.
موقع ويكيليكس لا ينشر. حتي الآن علي الأقل. سوي الوثائق السرية الأمريكية. رغم أن كل دول العالم الأخري لديها وثائقها السرية المماثلة. وهي البرقيات السرية التي يبعث بها دبلوماسيوها في أنحاء العالم. عن مضمون لقاءاتهم بالشخصيات الكبري الرسمية وغير الرسمية في الدولة التي يمثلون بلادهم فيها. أو تقييمهم لمواقف أو شخصيات أو أحداث بها.
لماذا أمريكا..؟!
هل لأنها القوة الأعظم في العالم. والأكثر تأثيراً فيه وفي سياساته وتوجهاته من خلال نفوذها الكوني وشبكة علاقاتها الممتدة عبر الكرة الأرضية؟!
ربما..
لكن المفارقة الغريبة التي يكشف عنها الحدثان: 11 سبتمبر.. ونشر الوثائق السرية. ان "الدولة أو القوة الأعظم" في العالم. قد بدت من خلال ثغراتها الأمنية الواسعة الهدف الأسهل اصطيادا.
في أحداث الحادي عشر من سبتمبر. دخل من قاموا بها. الولايات المتحدة بسهولة. وتدربوا علي قيادة الطائرات المدنية في مراكز تدريب أمريكية. وخططوا لعمليتهم ونفذوها من الألف إلي الياء داخل الأراضي الأمريكية. دون أن يتمكن أحد من اكتشافهم أو اعتراضهم.
في أحداث الأحد الماضي 27 نوفمبر. حصل موقع "ويكيليكس" علي الوثائق السرية الأمريكية من خلال أمريكيين. سربوا إليه هذه الوثائق المحملة علي أجهزة حاسبات أمريكية داخل وزارة الدفاع البنتاجون أو وزارة الخارجية. دون إجراءات تأمين كافية لحمايتها رغم خطورتها البالغة.. ودون رقابة كافية علي هؤلاء الموظفين العاملين عليها أو المسئولين عنها.
والمسألة في ظل التكنولوجيا الحديث سهلة إذ أن كل هذه الوثائق التي يجاوز عددها ربع المليون وثيقة. قد تم تحميلها علي "بطاقة ذاكرة" واحدة قالت صحيفة "الجارديان" البريطانية. إن حجمها "لا يزيد علي حجم ظفري إصبعين".. أي أنها مثلاً بطول عقلة الصباع.
* * *
التغيير الذي طرأ علي العالم خلال العشر سنوات المنتهية. من جراء أحداث الحادي عشر من سبتمبر.. والتغيير المحتمل أن يطرأ علي العالم خلال العشر سنوات القادمة نتيجة نشر الوثائق السرية الأمريكية. لا يبدو انهما يسيران في الاتجاه الصحيح.
في أحداث الحادي عشر من سبتمبر.. اتجهت المعالجة الأمريكية للأحداث إلي التركيز أكثر علي "الجانب الأمني". فكان الرد الأمريكي المباشر هو احتلال أفغانستان معقل أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة. ثم من بعدها العراق.. وفيما بينهما. وبعدهما. تشديد الإجراءات الأمنية في جميع المنافذ الأمريكية.. مطارات وموانئ وحدودا برية. ومن ثم في جميع مطارات العالم وموانيه أيضاً. للتأكد من هويات القادمين عبرها إلي الولايات المتحدة. وأهدافهم من دخولها.. وفرض رقابة علي المكالمات الدولية التي يجريها غير الأمريكيين المقيمين في أمريكا مع أطراف خارجها.. إلي آخره.
ولم تتجه المعالجة الأمريكية إلي "الشق السياسي" لأحداث الحادي عشر من سبتمبر. وهو معالجة أخطاء السياسة الخارجية الأمريكية. ومواقفها من قضايا ومناطق إقليمية معينة. وهي الأخطاء التي ولدت مشاعر معادية للولايات المتحدة. وخلقت بيئات حاضنة أو متعاطفة مع منظمات تعمل للإضرار بأمريكا ومصالحها علي امتداد العالم.
أي - باختصار - استئصال الخطر - خطر الإرهاب الدولي - من جذوره. بالقضاء علي الأسباب التي أدت إلي ظهوره.
ولأن التركيز علي المعالجة الأمنية وحدها. يخلق دائما سباقا لا ينتهي بين الجريمة ومكافحيها. فإن العالم كله مازال أسيرا حتي اليوم لسلسلة متصاعدة من القيود الأمنية. بدأت بتشديد إجراءات استخراج تأشيرات دخول الولايات المتحدة. ووصلت الآن إلي أجهزة المسح الضوئي لأجساد الداخلين لها عبر المطارات والموانيء. وهي الأجهزة التي تظهر الأشخاص عرايا تماما أمام ضباط وضابطات الفحص للتأكد من خلو أجسادهم من أية مواد متفجرة يحملونها.. ثم انتقلت أيضا إلي فحص جميع الطرود بعد أن لجأ الإرهابيون إلي استخدام الطرود الملغومة بعد التضييق علي نقلها عبر الأشخاص.
وهذه السلسلة من القيود غير مرشحة للانتهاء أو التوقف. فكل يوم يمر. سيدخل السباق إلي حلقة جديدة من المطاردة بقيود جديدة.
وكلها قيود ضد حريات الأفراد الشخصية. وضد حق السفر والتنقل. تحت شعار: أن تفقد جزءا من حريتك أفضل من أن تفقد حياتك.
ولا يبدو أن منطق المعالجة الأمريكية والدولية لأحداث نشر الوثائق السرية الأمريكية سوف يتغير.
فمن الآن. يجري البحث عن وسيلة قانونية لمحاكمة صاحب موقع "ويكيليكس" جوليان أسانج علي نشره الوثائق.. كما يجري البحث في أمريكا عن الشخص أو الأشخاص المحتمل أن يكونوا قد سربوا الوثائق إليه لمحاكمتهم أيضا. بالإضافة إلي دراسة نظام جديد لتأمين هذه الوثائق. وحصر عدد الأشخاص الذين سيسمح لهم فيما بعد بالدخول إليها أو التعامل معها.
أما تصحيح أخطاء السياسة الخارجية الأمريكية وعلاقات أمريكا الدولية. ونظرتها للعالم الذي تعيش فيه وتتعامل معه. بما يجعل أمريكا آمنة لا تخشي أن يؤدي نشر أي وثائق إلي كشف عوراتها.. فهذا ما لا يفكر فيه أحد علي الأقل حتي الآن.
***
في مضمون ما تم نشره حتي الآن من الوثائق السرية الأمريكية. والتعليق عليه. هناك الكثير مما يمكن أن يقال.
لكني أنتقي بعض النماذج التي لابد من الوقوف عندها.. فمثلا:
* برقية من دبلوماسي أمريكي عن لقائه بشخصية إيرانية. خلص منها إلي أن المرشد الأعلي الإيراني علي خامنئي مصاب بالسرطان. ويتوقع موته خلال ستة شهور.
والبرقية عمرها أكثر من سنة..!
* برقية أخري عن توقع انهيار النظام في كوريا الشمالية في غضون عامين أو ثلاثة أعوام من وفاة زعيمها التاريخي كيم ايل سونج.. الأب.
انتهت المدة. وشبع كيم ايل سونج موتا. ولم يسقط النظام.. بل إن ابنه الذي تولي السلطة من بعده. وحكم وشبع حكماً. يجهز خليفته الذي يواصل المسيرة من بعده.
* برقية عكسية.. أي من وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون إلي سفيرها في الأرجنتين تطلب منه فيها جمع معلومات عن "الصحة العقلية" لرئيسة الأرجنتين الحالية كريستينا فيرنانديز دي كيرشنر.
"شغل ستات" فيما يبدو. فرئيسة الأرجنتين كانت إلي جانب زوجها عندما كان رئيساً.. ثم بعد انتهاء ولايته الدستورية. رشحت نفسها للرئاسة ونجحت.. وفي الحالتين تمارس مسئولياتها بكفاءة. حتي بعد رحيل زوجها الشهر قبل الماضي. ولا أحد في العالم شكك في قدراتها العقلية. ولا ظهر من قراراتها أنها مجنونة مثلا أو تعاني من خلل ما. وإلا ما تركها شعبها تواصل حكمه.
تعنيني هنا البرقيتان الأوليان عن الحالة الصحية لهذا الزعيم أو ذاك.
فالسفير أو الدبلوماسي الأمريكي لا ينقل إلي رؤسائه في الخارجية الأمريكية تقريراً طبياً موثقاً حصل عليه عن صحة هذا الزعيم أو ذاك.. وإنما ينقل معلومة أسر بها إليه شخص ما مسئول. قد يكون موالياً لهذا الزعيم. وقد يكون معارضاً له.. قد تكون له مصلحة في تصوير الزعيم بأنه مريض ومشرف علي الموت.. وقد يكون تسريب المعلومة متعمداً لكشف النوايا الأمريكية تجاه البلد في حالة ما إذا حدث ذلك بالفعل.. إلي آخر عشرات مماثلة من الاحتمالات.
الخطر هنا. هو أن تبني الولايات المتحدة علي هذه المعلومة.. ورغم محاولات الخارجية الأمريكية أمس التقليل من أهمية ما يبعث إليها به سفراؤها ودبلوماسيوها في الخارج من ملاحظات أو تقييمات. بقولها إن هذه الملاحظات والتقييمات تخضع للدراسة. ولا تشكل في النهاية إلا عنصراً واحداً من بين عناصر عديدة في اتخاذ القرار أو رسم السياسة الخارجية الأمريكية.
رغم ذلك. إلا أنني أعتقد أنه. بالنسبة لإيران وكوريا الشمالية بالذات. حيث تراهما الولايات المتحدة تشكلان تهديداً لمصالحها. وحيث تقل مصادر المعلومات الأمريكية عما يجري بداخلهما. فإن مثل هذه المعلومات عن صحة الزعيمين الإيراني والكوري قد تكون مؤثرة بشكل أكبر في بعض ردود الفعل الأمريكية تجاه البلدين.
وتحديداً. فإن الدعم الأمريكي القوي لمظاهرات المعارضة الإيرانية التي انفجرت في طهران عقب انتخابات الرئاسة الأخيرة. ربما يكون قد استند إلي معلومة قرب وفاة خامنئي. وبالتالي فهذه أفضل فرصة لاسقاط النظام الإيراني من الداخل.
هذا مجرد اجتهاد.. وقس عليه ما شئت من حالات مماثلة.
* * *
تبقي نقطة أخيرة. وهي التي اخترت منها العنوان الرئيسي لهذا المقال.
إن كل ما نشر حتي الآن وتضمنته الوثائق السرية الأمريكية عن مصر. هو شهادة بنظافة السياسة المصرية. وبنزاهة الرئيس مبارك.
سيقول المتحمسون إن السياسة المصرية والرئيس مبارك ليسا في حاجة إلي شهادة من أحد. ولا ينتظران اعتماداً أمريكياً لهما بالنظافة أو النزاهة.
وأقول: ولو..
لقد أمضي الرئيس مبارك فترة حكمه. من عام 1981 حتي الآن. وهو يؤكد لنا وللعالم في كل مناسبة. أن السياسة المصرية لا تعرف التعامل بوجهين. وأن ما نقوله في الغرف المغلقة هو نفسه ما نقوله في العلن.وأن مصر لا تعرف سياسة المحاور.
ولا تقف مع طرف عربي ضد طرف عربي آخر.
ولا تبيع القضية الفلسطينية. ولا تتدخل في الشئون الداخلية لأي دولة عربية.
ولا.. ولا.. ولا.
وكان البعض لا يصدقون ذلك.
وكان البعض يشككون. ويصلون في تشكيكهم إلي تجاوز الخطوط الحمراء. والادعاء بأن مصر باعت القضية. وأنها تتواطأ مع إسرائيل ضد الفلسطينيين أو فصيل منهم. وأنها تتصدي لأمريكا في العلن.. بينما تنفذ في السر كل ماتمليه واشنطن أو تطلبه.
واتهموا وزير الخارجية أحمد أبو الغيط بأنه أضعف وزير خارجية عرفته مصر. وأنه لا يواجه إسرائيل بالقوة اللازمة. وأنه سبب أو أحد أسباب تراجع دور مصر.. إلي آخره.
أليس هذا ماكانت. ومازالت أبواق المعارضة المصرية تردده كل يوم. علي صفحات الصحف الحزبية والخاصة صباحاً. وفي برامج "التوك شو" علي الفضائيات مساء؟!
وجاءت "أحاديث الغرف المغلقة" للسياسة المصرية. والتي كشفتها الوثائق السرية الأمريكية لتثبت أن ماقاله ويقوله الرئيس مبارك لنا هو الحق.. وماتردده أبواق المعارضة هو الباطل.
فلم تظهر هذه الوثائق السرية الأمريكية موقفاً واحداً لمصر يشينها. أو يغاير ما أعلنته القيادة السياسية وصارحت به شعبها.
سواء تجاه القضية الفلسطينية.. أو غزو العراق. أو السياسة الإيرانية تجاه المنطقة أو غيرها. حتي من القضايا الداخلية المصرية كقضية حقوق الإنسان.
كانت مواقف مصر واحدة.. وكانت مشرفة.
أما وزير الخارجية "أبو الغيط" الذي اتهموه بالضعف. فقد اتضح أن إسرائيل تراه "عقبة" في طريقها. مثلما كشفت اعترافات أحد كبار مسئوليها في هذه الوثائق.
ولقد رأينا في الأيام القليلة الماضية. كيف انتقدت المعارضة الرد المصري القوي والحاسم علي التدخل الأمريكي في الشأن الداخلي المصري. سواء من خلال ملاحظات تقرير لجنة الحريات الدينية الأمريكية. أو من خلال ملاحظات البيت الأبيض والخارجية الأمريكية علي الانتخابات البرلمانية المصرية.
وكتب بعض المعارضين يقول.. كيف للنظام المصري الذي ينام في أحضان أمريكا ويلبي كل طلباتها أن ينتفض الآن فجأة ويتحدث عن السيادة المصرية وعن التدخل الأمريكي في الشئون الداخلية.
ويجئ نشر الوثائق السرية الأمريكية فيما يتعلق بمصر ليؤكد أن السيادة المصرية بخير. وأن الرئيس مبارك قاوم ضغوطاً أمريكية وإسرائيلية لا قبل لأحد بها. من أجل حماية هذه السيادة. وعدم التفريط فيها تحت أي ظرف من الظروف.
انه درس تاريخي.. لكن.. من يتعلم؟!
E-mail: [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.