الحقيقة في مصر لا تغيب, وأجهزة البحث والضبط في مصر ومؤسسات العدالة قادرة ولا تهزها الضغوط, ولا المظاهرات, خاصة عندما تكون مصنوعة أو مفتعلة, وهو مايعطينا دائما ثقة بدولة القانون وقدرته في بلادنا. فلن تفلح أي حملات للتشكيك في مؤسساتنا وقدرتنا علي البحث عن الحقيقة وكشفها, بل تعريتها أمام الرأي العام. لقد خاضت تلك المؤسسات عدة امتحانات صعبة خلال الأسابيع الماضية, وأعطت الجميع دروسا في كشف الحقيقة ومعاقبة المخطئين, ومحاصرة الجريمة بكل أشكالها.. إنها مؤسسات لا تعمل بالشائعات ولا تهزها التقولات, ولكنها تعمل بآليات وهدوء, إذا أمعن النظر فيها لأعطت كل المصريين ثقة في المستقبل, فهي مؤسسات تتحري الدقة ولا تهتز تحت أية ضغوط, وتضع نصب أعينها الحقيقة حتي يصل الحق إلي أصحابه, سواء كان جماعيا أو فرديا. إن ما حدث في قضية وفاة شاب مصري في الإسكندرية أو القضية التي عرفت باسم الراحل خالد سعيد أثبت ما نقول وأكد حقيقة أن مصر, الدولة وأجهزتها, لا يمكن أن تتهاون في التحقيق, وكشف ملابسات وفاة أحد أبنائها, وأن في مصر المؤسسات لا تهتز بالضغوط أو أشكالها مادامت القضية هي الوصول الي الحق والعدل, فلم يكن من المقبول أن تقع مؤسساتنا الأمنية أو الطب الشرعي, أو النيابة, ثم القضاء فريسة للتحقيق تحت وابل من المعلومات المغلوطة أو الصحيحة, تضخها منتديات أو مدونات الإنترنت أو أكاذيب وادعاءات ورغبات وميول, وتعقيدات وسائل إعلام مفتوحة أو قوي سياسية وشعبية خاب بريقها وتقلص دورها فتريد الانتعاش جماهيريا عبر استخدام حادث إنساني أو وفاة شاب مصري, أو عبر وجود باحثين عن الشهرة والتقاط الصور عبر الفضائيات, فيلجأون للتظاهر خلف جثمان أحد أبنائنا الراحلين. إنه حادث مؤسف بالقطع, وشعبنا وكل مواطنينا يهابون ويحترمون جلال الموت ولذلك انزعجنا جميعا وشعرنا بالأسف والأسي إزاء مسلك بعض جماعات الاحتجاج التي استخدمت هذا الحادث المفجع سياسيا إلي أبعد مدي, دون مراعاة مشاعر الموت أو جلاله, ودون احترام لمؤسسات التحقيق في محاولة للتشكيك وزرع الفتن والخوف بين المواطنين والأجهزة الوطنية, ودخل علي الخط كل الانتهازيين في الداخل والخارج ومؤسسات التمويل الخاصة بحقوق الإنسان, في محاولة للتأثير علي سير العدالة أو لإظهار مصر ومؤسساتها بأنها من الممكن أن تتستر علي جريمة, خاصة إذا كان أحد طرفيها أجهزة الأمن, واخفاء معلومات أو عدم دقة مسار التحقيق. وبالرغم من أن قضية خالد سعيد قضية شائكة وتتضمن روايات متعارضة ومتناقضة, فقد كشفتها الملابسات والتحقيقات, وظهرت التقارير الدقيقة, وتم حبس فردي الأمن تمهيدا لتقديمهما إلي المحاكمة لأنهما استخدما العنف والقسوة, بالرغم من أنه لم يثبت أن هذا العنف هو السبب المباشر للوفاة, حيث أكدت تقارير الصفات التشريحية اليقينية أن السبب المباشر للموت هو إسفكسيا الخنق الناجمة عن محاولة إخفاء لفافة البانجو عبر ابتلاعها, فكانت السبب المباشر للوفاة. ولعلنا هنا نشير إلي عدم التحرك السريع لفردي الأمن لنقل الشاب إلي المستشفي لمحاولة الإنقاذ السريع من الموت, وإذا كان الحادث بل تداعياته موضع التحقيق الدقيق والأمين من جانب النيابة العامة ثم داخل القضاء, فإن في ذلك ردا بليغا علي كل من حاول استخدامه للإساءة إلي الوطن سواء من الجماعات السياسية الهامشية أو من بعض الدول خاصة سفراء الاتحاد الأوروبي, الذين ارتكبوا مخالفة صريحة للأعراف الدبلوماسية متصورين أن مصر من الممكن أن تفرط في حق أحد أبنائها لأي سبب من الأسباب سواء لأنه غير ديانته للحصول علي هجرة إلي الخارج أو لأنه ارتكب جرائم معينة ويقدم للتحقيق أو لأن مرتكبي الحادث من أفراد الأمن. كل ذلك في مصر يحميه القانون وتتولاه أجهزة تحقيقات محترفة وأمينة علي الوطن, وتضع أمامها دائما أن حق مواطن هو حق كل المواطنين, وأن حياة إنسان هي حياة كل الناس, ولا يمكن التفريط فيها, ولكن البحث عن الحقيقة والكشف عنها يحتاجان إلي تأن وهدوء ورؤية وقد تحدث أخطاء هنا أو هناك, ولكنها ليست من صميم العدالة وأخذ الحقوق.. تلك سوابق مصر عبر كل العصور ولن تختلف اليوم في عصر الحرية والإعلام المفتوح واحترام كامل حقوق الإنسان. ولنا اليوم أن نفتخر ونشد علي يد الأجهزة الأمنية والنيابة العامة في الإسكندرية علي السرعة والإنجاز في كشف الملابسات ووضع الحقيقة أمام الرأي العام, وننتظر المزيد من الدقة والمعلومات الجديدة التي يجب أن تخرس كل الألسنة التي تصورت أن العدالة أو الأمن في مصر في مأزق, فإذا بهم لا يفاجئونا بل يكشفون لنا باستمرار عن قدراتهم وفعاليتهم وجديتهم في إزالة أي لبس أو غموض يكتنف أي حادث أو جريمة, في ربوع الوطن بما يخرس كل الألسنة سواء في الداخل أو المتآمرون علينا في الخارج أمريكيا أو أوروبيا. .................................................................. ولا يفوتنا هنا أن نشير إلي نجاح الأجهزة الأمنية المصرية, خاصة في سيناء عند تأمين معبر رفح بعد فتحه باستمرار, لكسر الحصار علي قطاع غزة, والخطوة الجريئة التي أقدمت أجهزة الأمن عليها بإنهاء أكثر من200 نزاع وخصومة بالصلح وفقا للأعراف البدوية السائدة في سيناء, والتسهيلات التي قدمها حبيب العادلي وزير الداخلية عند لقائه بشيوخ ورؤوس العائلات وقبائل سيناء, والذي حدد فيه سياسة الدولة لمواجهة الجريمة والاتجار بالمخدرات عبر إثارة النعرات والتحريض بإيجاد حالة غير دقيقة وعدائية بين القبائل والأمن, فلا يمكن أن يكون معتادو الإجرام هم ممثلو تلك القبائل أو المعبرون عنهم, كما لا يمكن أن يكون هناك جفاء بين القبائل وعرب ومواطني سيناء لأنهم أول من يقف ضد الجريمة, وهم أيضا لا يقبلون أن يكون أبناؤهم ضحية لبعض معتادي الإجرام الذين يريدون أن ينخرطوا ويجذبوا لهم عددا من المتعطلين ليكونوا نواة للجريمة المنظمة. فهذه أشكال من الجريمة لم ولن تعرفها مصر, وسوف يقف ضدها الأمن, كما يقف ضدها أبناء سيناء جميعا لحماية أبنائهم من أن يكونوا من عتاة الجريمة أو معتاديها. وأعتقد أن السياسة الجديدة واللقاء الذي تم بين الوزير وأبناء سيناء سيكون فاتحة لحل العديد من المشكلات التي طفت خلال الفترة الماضية, وسيكون مقدمة لتقديم تسهيلات جديدة للتجمعات القبلية لحل مشكلات أمنية وخدمية كثيرة, خاصة وثائق الأحوال المدنية والرخص للمواطنين والسيارات حتي يمكن ضبط السيارات المخالفة والتي يستخدمها المجرمون وعصابات التهريب, حتي لا يختلط الأمر بين المواطنين العاديين المخالفين والمجرمين لغياب الرخص وضبط الحركة في هذه المنطقة الحيوية. فالتسهيلات الجديدة تعطي إشارة واضحة عن رغبة الدولة في إحداث إنعاش اقتصادي وحل مشكلات المواطنين في سيناء, ولا يعني ذلك السكوت علي المجرمين أو المهربين أو الخارجين عن القانون, فهم لا يمكن أن يتحولوا إلي مسئولين أو متحدثين عن أبناء سيناء حتي ولو استخدمتهم بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية أو أجهزة الموساد, ولكن ذلك يعني تأكيد الدولة, ممثلة في وزير داخليتها, احترام القبائل البدوية وحفظ هيبتها لأن هيبة القبائل وقدرتها من هيبة الدولة المصرية وقدرتها, بما يعني أن شيوخ سيناء سيتعاونون مع الأجهزة الأمنية لتحقيق الأمن والاستقرار في شمال وجنوب ووسط سيناء وضبط المطلوبين أمنيا.. والحل الاستراتيجي لسيناء هو التنمية والانتعاش الاقتصادي وإقامة المشروعات الصناعية والزراعية والخدمية في كل مكان والعمل علي حل مشكلات البدو خاصة في شمال سيناء وجنوبها. 400 ألف بدوي يجب أن يتاح لهم العمل في قطاعات السياحة والنفط الموجودة في شمال سيناء, وتمليكهم الأراضي والعودة بقوة إلي مشروع تنمية سيناء الذي تم إطلاقه في عام1982, وأن ندرك أن مساحة سيناء66 ألف كيلو متر مربع, وهي الجزء الواقع جغرافيا في آسيا, وهي واسطة العقد بين مصر والشرق العربي, بل وامتدادات مصر الآسيوية والأوروبية, ومن الممكن أن تكون حلا لتكدس الدلتا السكاني فهي الأقرب للدلتا بعد ربطهما بالكباري والأنفاق, عبر قناة السويس, وبعد نقل المياه عبر ترعة السلام. ومن الممكن في حالة التنظيم الإداري الجديد أن يتم إنعاش سيناء في جنوبها وشمالها ووسطها بأكثر من4 ملايين مصري من الدلتا عبر استكمال المشروعات والخطط العمرانية لتنمية سيناء فالعمران هو الحل الوحيد لتنمية هذا الجزء الغالي من التراب المصري, والذي دفعنا الكثير لاسترداده, وقد أصبحت التهديدات في سيناء, اليوم أكثر مما كانت في الأمس, فسيناء اليوم لا تعد مطمعا لإسرائيل وحدها, فهناك الكثيرون الذين يريدون أن يسلخوا أجزاء من سيناء لضمها هنا أو هناك, وخرائط الشرق الأوسط الجديد والقديم فيها سيناء موزعة بين الكثيرين. ويجب علينا الاهتمام بالعمران والبناء أكثر من أي وقت آخر, فسيناء إذا لم تكن معبرا للأعداء, فلا يجب أن تكون ممرا للجريمة أو التهريب أو الخارجين علي القانون. ................................................................... سيناء يجب أن تكون ممرا للتنمية والنمو وأن يذهب إليها المصريون الطامحون للعمل والهجرة بالخارج, لتكون بديلا طبيعيا لأبناء الدلتا الذين يهربون أو يهاجرون لغياب الفرص, فسيناء هي أرض الفرص لكل المصريين, ولكن كل ذلك لا يغني عن أن أبناء سيناء الأصليين وقبائلهم هم قرة أعيننا, ويجب أن يكونوا موضع اهتمامنا, ولا ننسي علي الإطلاق أنهم أكثر من دفع الثمن في استرداد سيناء مع أبناء القوات المسلحة المصرية, فهم الفدائيون والدرع الواقية, وهم من قاوموا الاحتلال الإسرائيلي, ولعلنا لا ننسي مؤتمر الحسنة الشهير عام1968 حيث أعلن أهل سيناء المصريون العرب أمام العالم كله في أثناء الاحتلال, أنهم مصريون وأن سيناء مصرية وأنهم ضد الاحتلال وضد ما تدعوههم إليه إسرائيل من سلخ سيناء عن الوطن الأم. ولعلنا نشير بالكثير من الحب والاطمئنان إلي أن أهل سيناء هم من يدعون أبناء الدلتا البحاروة والصعايدة للاستثمار في سيناء وسرعان ما يندمجون معهم في كل شيء. نحن نعرف أن تنمية سيناء وتطويرها سيكونان بأيدي المصريين, ولذلك يجب أن تعطي الحكومة الأراضي سواء زراعية أو صناعية لهم وحدهم, مع تحريم البيع للأجانب عبر قانون خاص, ولكن حرمان أبناء سيناء أو الدلتا من تملك الأراضي وقصرها علي حق الانتفاع فقط سيكون تأثيره ضارا بالتعمير ومستقبله في سيناء الذي يجب أن يقوم علي أكتاف القطاع الخاص المصري وهو قادر علي تطوير سيناء إذا أعطته الحكومة تسهيلات ضرائبية وضمانات في حق الملكية. هذا هو الحل السحري لضمان حدود مصر الشرقية وحل أزمة التكدس في الدلتا وتحويل سيناء إلي ممر جديد للتنمية والتطور في مصر.. وأداة ربط بين مصر الإفريقية ومصر الآسيوية وقد نجحنا إلي حد كبير في إعادة مصر الأورو متوسطية وعلاقاتها الوثيقة بأوروبا والعالم, وهي خطوة مهمة نحو تعمير سيناء وربطها بالدلتا. [email protected]