في هذا المسرح المتواضع الذي يقع في وسط البلد ويطلق عليه اسم روابط.. في هذا المسرح الذي تحول من جراج الي مسرح حيث مقاعد المتفرجين وخشبة المسرح وكواليس المسرح وأيضا الاضاءة الخاصة بالمسرح المعلقة في سقف الجراج. انه المسرح الذي يذكرني بالعديد من مسارح أوروبا بالذات حيث بعض الأماكن يتم تحويلها الي مسارح وحتي ان بعضها أي بعض هذه المسارح كانت في الأصل أرضا فضاء مما نطلق عليها في مصر خرابة. علي هذا المسرح.. مسرح روابط يقدم ثالث موسم له للفرق المستقلة التي تتعهدها د.هدي وصفي منذ اغلاق مركز الهناجر الذي تديره ليتم ليس تجديده ولكن إعادة بنائه بالكامل وهو الذي يقع في ساحة دار الأوبرا المصرية. هذا الموسم يقدم العديد من المسرحيات علي مدي أكثر من4 أشهر ينتهي في أغسطس القادم. ولعل هذه المسرحيات تغطي بعضا من نقص عروضنا المسرحية في القطاع العام بسبب نقص دور المسارح الخاصة بالنسبة لعاصمة يزداد عدد سكانها علي العشرين مليونا. المسرحية التي شاهدتها لك هذا الاسبوع باسم نعيمة وهي رؤية جديدة أو قراءة حرة لمسرحية الراحل الكبير نجيب سرور منين أجيب ناس حيث الأشعار العاطفية والثائرة أيضا. يحكي النص الذي أعده وأخرجه سيد سليمان.. يحكي عن نعيمة وحكايتها مع حسن المغنواتي الثائر الذي كان غناؤه سببا في اقصائه عن ليس فقط حبيبته نعيمة ولكن عن الدنيا بأسرها. تحكي نعيمة عن حكايتها معه وقصة حبها وكيف أنقذها من القهر, قهر السلطة ممثلا في العمدة أو خلافه, وكيف انقذها ايضا من القهر الخاص بها في كل شيء.. في المنزل... في القرية ولكن حسن هذا ميت وهي تبحث عنه أو تحاول احياءه من جديد بأن تضع الرأس المحتفظة بها علي الجسد السابح في النيل. وتحاول احياءه من جديد حتي ينقذها من قهرها بجرأته واغانيه البديعة الثورية تفاجأ نعيمة بأن هذا الحلم لا يتحقق لها فتقوم هي بأداء اغانيه التي غنتها في الماضي. لايعود حسن لينقذها ولكن تفاجأ نعيمة بأنه تاه في الزحام.. تاه في زحام البلد كطالب من ضمن الآلاف من الطلبة أو كعامل من الآلاف من العمال أو فلاح أو حتي مدمن أو أي كائن آخر وهذه الجزئية تشاهدها علي خلفيةالمسرح علي شاشة سينما. وفي النهاية تقرر هي ان تغني أغانيه الثورية لتتخلص من القهر. المخرج قدم حركة بطيئة الي حد ما ولكنها تناسب الحالة التي تعيشها نعيمة التي نراها إما تحتضن رأس حسن أو تخلع الملابس السوداء لترتدي الملابس المزركشة, حركة بطيئة ولكن مدروسة ولعل أحد اسباب البطء هنا هو الغناء البديع. نعيمة تمتلك صوتا كمغنية وتحمل كل مواصفات الصوت المناسب للأغاني ذات النفس الطويل. ايضا حسن يملك الصوت الجميل لمطرب ربما لم استمع لمن يماثله حتي الآن في قوة الصوت. الأغاني هنا كانت أحد ابداعات هذا العرض وانها جاءت مع موسيقي حية لآلة العود وأيضا للدفوف, موسيقي حية وغناء حي ارتفع بالعمل بدرجة كبيرة. أما إعداد المخرج سعيد سليمان فربما كان مركزا في نهاية حسن الذي تاه من نعيمة.. تاه في وسط الزحام. اداء نعيمة التي قامت بدورها هبة عصام كان بالغ الحساسية لقهر المرأة أو قهر الانسان عندما تغتاله القوي التي لايقدر عليها. حسن قدم دوره وائل الصياد الذي يتمتع كما ذكرت بصوت في منتهي القوة والعذوبة أيضا وكانت الألحان البسيطة وشديدة المصرية لمحمد الوريث. عرض يستغرق أقل من ساعة وخلال هذه الساعة ثمة متعة للأداء الدرامي ومتعة لعلها أكبر للغناء الحميم. هنا تحية واجبة للدكتورة هدي وصفي التي ترعي هذه المواهب من خلال موسم كامل للفرق المستقلة لتعرض أعمالها, وربما هنا نجد عاملين مهمين ان نجد من بين هذه المواهب ما يفيد وينعش مسرحا مستقلا, وايضا إشباع هواية التمثيل والاخراج لدي الشباب الذي يحاول ان يجد له مكانا وسط عالم يسيطر عليه التنافس ولو ان هذا التنافس احيانا لايكون بتقديم الأجود ولكن بمجرد تقديم عمل مسرحي ينير خشبة المسرح.