كيف يتضامن رجال الدين مع الفنانين في مقاومة الاستعمار؟ عرض غنائي استعراضي اكتمل بجمهور السيدة ما شاهدته لك هذا الاسبوع ربما يختلف كثيرا عن مسرحيات الاسابيع الماضية.. ذلك ان العرض الذي حضرته كان الاختلاف فيه من حيث المكان وايضا من حيث الفرقة وأيضا هو في الهواء الطلق. العرض هو مآذن المحروسة الذي كتبه محمد أبو العلا السلاموني وان كان قدم من قبل لكن ربما تقديمه في هذا المكان وهو مسرح الحديقة الثقافية بالسيدة زينب كان له أثر كبير علي إحساسنا به بصفة عامة ولم يكن الاختلاف من حيث المكان ولكن أيضا فان الاختلاف من حيث الجمهور.. جمهور السيدة زينب البسيط والذي من خلال نظرة فاحصة نستشعر لأي مدي هم محرومون من المسرح وثقافة المسرح وفن المسرح. المقاعد بالمسرح عبارة عن مدرجات مثل مدرجات المسارح المفتوحة في الأماكن الأثرية خاصة في اليونان وايطاليا. وإذا كان المسرح المستقل يعرض أعماله في مسرح الروابط الذي كان في الأصل عبارة عن جراج الا انه تم اعداده ليكون مسرحا حيث المقاعد وخشبة المسرح ولكن هنا في مسرح السيدة زينب الامر فعلا مختلف. قبل الدخول اذن في تفصيلات مسرحية مآذن المحروسة كان الاهتمام بالفرقة.. فرقة الآلات الشعبية التابعة للبيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية وهي فرق تعمل حسب اسمها بالآلات الشعبية, الربابة والمزمار والناي وغيرها من آلاتنا القديمة وايضا ملابس الفرق هي تلك التي نراها في الريف وصعيد مصر بالذات. هذه الفرقة موسيقاها لها طعم خاص يتسلل الي وجدان المتلقي ليؤكد له انه في قلب مصر. خشبة المسرح هي الخلاء الذي تحيطه أجواء السيدة زينب وبعض من المباني ذات الجذور الدينية المعروفة. كل هذا بالطبع كان البداية بالنسبة لي وأعتقد بالنسبة لأي مشاهد فلا تنزعج من سيدة تحمل طفلها وعلي وجهها السعادة أن تشاهد المسرح. مآذن المحروسة كما سبق وذكرت كتبها محمد أبو العلا السلاموني مستخدما فترة الاحتلال الفرنسي وكيف كان المحبظاتية أو الفن وسيلة مهمة لدفع الشعب الي مقاومة الغازي وكيف شارك الازهر في هذه المقاومة التي كان الشريك الآخر فيها هو الفن من خلال فرق المحبظاتية الذين كانوا يطلقون عليهم في الماضي المشخصاتية أي الفنانين. هنا كان التوحد بين الدين الذي يرفض الاستعمار والفن الذي يستخدم وسائله لنفس المهمة. ومن خلال الفن كانت لدينا وسائل من تشخيص وكوميديا وغناء. الغناء في العرض كان الاساس الذي قدم المتعة الحقيقية من خلال فنان يحمل الصوت القادر البديع وهو المطرب محمد الحلو, ولعل الأهم هو ان الغناء كان حيا بمعني انه غير مسجل وبالطبع مع فرق الآلات الشعبية التي احتلت جانبا من المسرح أي من مقاعد المتفرجين بقيادة محمد باهر الذي صاغ الحان أغاني العمل. محمد الحلو كممثل يجسد سعدون أحد أفراد المحبظاتية وأمامه ايمان في دور شقيقته زوبة وهي أيضا تقدم بعضا من الأغاني الي جانب مجموعة كبيرة حمدي حنفي وفتحي سعد ومحمد حجاج ومحمد حسين ومصطفي البراء الي جانب وحيد الحامولي بصوته الجهوري الذي يشبه صوت جده الحامولي الكبير ونور الشرقاوي. الكل اجتهد والبعض حاول المبالغة لاضحاك الجمهور دون ان يصل الي غرضه وهو ما نرفضه في كل الأعمال حتي تلك التي تقدم مساحة للارتجال للفنان والتي يجب ان تكون محكومة وليست مطلقة لخفة ظل الممثل أو لثقل ظله ولو ان بعضا من الارتجال يكون له اثره في ربط الواقع المعاصر بالماضي الذي تتحدث عنه أجواء المسرحية. فماذا عن الاخراج الذي تولاه محمد حسن؟ أري استخداما جيدا للحركة واستخداما جيدا للاستعراض الذي يتخلل العمل وكان له دور خاص في مثل هذه العروض الشعبية. الملابس كانت جيدة خاصة وكلها عن فترة تاريخية قديمة. زي نابليون كان مطابقا للأصل وايضا جنود نابليون ولكن ما أفقد نابليون تأثيره هو ضعف الممثل أداء وأيضا حجما. لابد من الاشارة الي أهم عناصر نجاح العمل هنا وهو الغناء الحي الذي قدمه محمد الحلو والذي كان مؤديا متميزا تمثيلا وايضا غناء. بعض المشاهد يمكن علي الأقل اختصارها حتي يتماسك العمل بصورة تفيده وترتفع به. وإذا كان هذا هو ثاني عرض لقطاع الفنون الشعبية والاستعراضية خاصة في وقت واحد مع تقديم عرض كبير بمسرح البالون وهو قطط الشوارع بعد توقف عن تقديم الجديد لفترة طويلة.. فهنا مرة أخري نرحب بهذا النشاط ونرحب بجهد شريف عبد اللطيف رئيس قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية ليعود هذا النشاط متنفسا لجانب كبير من الجماهير.