حملت الزيارة التاريخية التي قام بها السيد عمرو موسي الأمين العام للجامعة العربية إلي قطاع غزة الأسبوع الحالي كثيرا من الرسائل والمعاني والدلالات لأطراف عديدة ليست فقط عربية, وإنما دولية ايضا. أتي حرص الامين العام للجامعة علي ان تكون هذه الزيارة القصيرة في مدتها والمليئة بالأحداث في الوقت نفسه شعبية في المقام الأول وليست رسمية بهدف تحقيق هدف مهم واحد هو تأكيد الجامعة العربية وقوفها إلي جانب الشعب الفلسطيني كله وليس فئة معينة منه. وجاء رفض الجامعة الاستجابة لطلب حماس بتولي ترتيبات هذه الزيارة وإصرارها علي تولي هذه الترتيبات بنفسها بما فيها الاجراءات الامنية التي تكفل حماية الامين العام والوفد الدبلوماسي والاعلامي المرافق له وتأمين خط سيره والاماكن التي سيزورها مؤكدا لوجهة النظر الصائبة في التوجه للشعب الفلسطيني كله. الزيارة الناجحة أكدت عددا من الثوابت جاء في مقدمتها ان الجامعة العربية تضع في مقدمة أولوياتها العمل بكل جهد وفي جميع المحافل العربية والدولية علي قضيتين أساسيتين الاولي هي كسر الحصار الاسرائيلي الجائر المفروض حاليا علي قطاع غزة, والثانية تهيئة المناخ المناسب لجلوس الاشقاء الفلسطينيين مع بعضهم والعمل علي تحقيق المصالحة الوطنية وتأمل في ذلك علي مساعدة الفلسطينيين من فتح وحماس معا وإنهاء هذا الملف الذي أضر بالقضية الفلسطينية نفسها ضررا بالغا. الامين العام للجامعة بدأ زيارته في غزة بزيارة منزل عائلة السموني الذي أغارت عليه القوات الاسرائيلية وهدمته تماما وقتلت27 شخصا من عائلته لا ذنب لهم سوي أنهم فلسطينيون, ورأي بنفسه آثار العدوان والدمار واستمع لباقي أفراد الاسرة الناجين من هذه المذبحة, وأكد لهم ان العرب لن يتخلوا عن قضيتهم, ولن يألو جهدا في سبيل تحقيق ذلك حتي انسحاب القوات الاسرائيلية من جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة واعتبر موسي كل شهيد فلسطيني شخصا عزيزا علينا فقدناه في اعتداء دنيء, كما زار موسي عزبة عبدربه في أطراف غزة والتي أبادت اسرائيل فيها ثلاث عائلات فلسطينية كاملة ودمرت مزارعهم بالكامل ومدرسة الفاخورة بوسط غزة, والتي أغارت عليها ايضا الطائرات الاسرائيلية, وتكفلت وكالة غوث وتشغيل الفلسطينيين بإعادة بنائها, وزار مستشفي الشفاء واطلع علي الطبيعة علي معاناة الفلسطينيين الحقيقية في الحصول علي العلاج والدواء وصعوبة ذلك في ظل النقص الحاد في جميع المستلزمات الطبية والصحية, وبعد ذلك توجه إلي مقر الاونروا وهو المكان الوحيد الذي تشعر فيه بأنك لست في غزة واستمع من مدير وكالة غوث والتشغيل إلي المطالب العديدة اللازمة لافراد الشعب الفلسطيني من أدوية وأجهزة ومستلزمات طبية ووعد بالتدخل وإجراء الاتصالات مع الدول العربية للعمل علي سرعة تدبيرها. وبعد ذلك انتقلت الزيارة من الشق الشعبي إلي الشق السياسي بلقاء الأمين العام للجامعة مع إسماعيل هنية رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة في منزله وليس في مقره الحكومي وبصفته من كوادر حركة حماس واستمع إلي أفكاره حول المصالحة الفلسطينية, وبات واضحا تأثر حركة حماس بعدم زيارة عمرو موسي لهنية في مقره الرسمي وهو ما انعكس بعد ذلك في الحوار الذي اجراه موسي مع الفصائل الفلسطينية اذ أرسلت قيادات من الصف الثاني لتمثيلها في هذا الحوار, وفضل موسي عدم الالتقاء بكل فصيل علي حدة بل التقي ممثلين من فتح وحماس الجهاد والحركة الشعبية, وقال بعد ان استمع إلي جميع آرائهم انه لابد من وجود نقطة وسط يمكن الاعتماد عليها, وان لقاءه مع الفصائل يفتح الباب لدفع العملية للأمام, وطالب ممثلون من الفصائل إن يقوم الرئيس الفلسطيني محمود عباس بزيارة إلي قطاع غزة يعلن منها انطلاق المصالحة الفلسطينية. وأكد موسي بعد استماعه إلي وجهة نظر الفصائل المختلفة حول المصالحة أن الامل كبير في تحقيقها, وان الجامعة العربية فوضت مصر بالتدخل ومحاولة انهاء هذا الملف وأن كلا من فتح وحماس ترغب في ان تقوم مصر بذلك. وحول الحصار سخر موسي من إسرائيل بإعلانها تخفيف الحصار عن الشعب الفلسطيني وذلك بالسماح لها بإدخال المايونيز وأربطة الاحذية وما إلي ذلك, وقال ان هذا من الهزل الاسرائيلي. ساعات قليلة قضيتها في غزة برفقة السيد عمرو موسي ولكني شاهدت فيها الكثير والذي منه ان هناك شيئا نجحت فيه حركة حماس نجاحا مبهرا ألا وهو فرض سيطرتها الامنية الكاملة علي القطاع وأن فئة غير قليلة من الشعب الفلسطيني الذي يعيش في غزة اصبح يشعر بالحصار مضاعفا عليه الآن, وان أغلبية الفلسطينيين استقبلوا السيد عمرو موسي بالمودة والامتنان آملين ان تسهم زيارته في تحسن أحوالهم المعيشية وان تسفر عن نتائج ملموسة في سبيل كسر الحصار وتحقيق المصالحة, وان كل الفلسطينيين يشكرون مصر والرئيس مبارك علي وقوفه الدائم بجانبهم وقراره بفتح معبر رفح لأجل غير مسمي.