أستاذ بعلوم القاهرةإن ثقافة الابتكار هي الدعامة الرئيسية للنهضة العلمية والتقدم الحضاري في مختلف المجالات والميادين الحياتية, فهي تعد ميدانا للتنافس المستمر بين الدول والكتل المتنازعة في واقعنا المعاصر, والذي يعتمد كثيرا علي هذه الثقافة التي يمكن لمن يمتلك معطياتها أن يمتلك بكل ثقة واقتدار الكثير من المعطيات الحضارية والقدرات الجبارة التي يأتي من أهمها الابتكار الذي لا غني عنه لحياة الإنسان, والذي لابد منه عند التخطيط للحاضر والمستقبل, ومن هنا فإن هذا يستلزم بالضرورة توافر مؤسسات خاصة بها سواء في ما له علاقة بالبحث العلمي, أو ما له علاقة بمجالات الدراسات المنهجية, أو ما له علاقة بالمجال الإعلامي والتوعوي, ونحو ذلك من الجوانب الأخري ذات الأثر الفاعل في حياة الإنسان والمجتمع, فثقافة الاختراع والابتكار ولاسيما في مجتمعاتنا الإسلامية لا يمكن أن تنجح وتقدم ما هو مرجو منها إلا إذا ضبطت بالضوابط الشرعية المستمدة من مصادر ديننا الإسلامي الحنيف وتربيته الإسلامية التي اهتمت بهذا الجانب اهتماما كبيرا. إن الثقافة والابتكار شيئان مترابطان يتصلان ببعضهما البعض برباط قوي فلا يمكن حدوث ابتكار في مناخ ثقافي لا يدعمه, ولا يستطيع دعمه في الحاضر أو في المستقبل, ولكن عندما يتوفر ذلك المناخ الثقافي, فإن هذا يخلق تفاعلا يؤثر علي الابتكار, وحينئذ ينمو الاثنان سويا, واليوم وفي عصر الانترنت فإن تكنولوجيا المعلومات والمنتشرة في كل مكان تؤثر تأثيرا رهيبا في الرأي العام, وهنا يحدث تسريع لجميع التحولات الثقافية, وقد كانت البداية عندما تحولت عادات القراءة من الصحف والكتب إلي دفقات قصيرة من الوقائع أو الآراء الفورية, وحل البريد الالكتروني محل الخطابات التي تنقل بالبريد, وظهرت المواقع المؤثرة في الثقافات مثل المدونات بأنواعها والفيس بوك واليوتيوب والتي حلت بدورها إلي حد كبير محل المناقشات والرسائل, وهكذا قصرت ثقافة الانترنت بدرجة مؤثرة الوقت الممتد من المعرفة إلي اتخاذ القرار, وكما قصرت بدرجة دراماتيكية الدورة التي يتم من خلالها اعادة تدوير المعرفة لخلق المزيد منها. إننا عندما ننظر إلي الغرب نراهم قد أنشأوا ثقافة الابتكار وقدموها للعالم علي هيئة اختراعات وابتكارات, ونحن لانزال نروج لثقافة الاستهلاك, نشتري منهم ونستهلك بدون حرج ولا كسوف, وهنا يتساءل د. أحمد مصطفي أستاذ الإدارة بجامعة بنها: لماذا هم المنتجون ونحن المستهلكون؟ لماذا هم البائعون ونحن المشترون؟ لماذا هم الرابحون في السوق العالمية ونحن الخاسرون؟ ويعزي هذا إلي أنهم يبتكرون ويبدعون. إن الابتكار يقوم علي سمات نفسية أخلاقية مثل التخيل والثقة بالنفس وحب الاستطلاع والمرونة والمبادأة والمثابرة وطلاقة الأفكار والتركيز والتحرر من الخوف من الفشل, وهي سمات يمكن زرعها في النشء إن أردنا زرع ثقافة الابتكار, فثقافة الابتكار هي تلك المحصلة الايجابية التي تنشأ عن التفاعل بين الأسرة والمدرسة وجهة العمل والاعلام بهدف تسليح الشباب بالسمات اللازمة للابتكار وتشجيعهم علي التفكير الابتكاري, فمهمة الأسرة تتركز في غرس مهارات استخدام الخيال من خلال القصص الهادفة, أما التعليم فإنه يحتاج إلي نقلة نوعية مدروسة في تكنولوجيا التعليم والأنشطة المدرسية والاختبارات والعلاقة بين القائم بالتدريس والتلميذ منذ مرحلة الحضانة وحتي التعليم العالي, ولا يكون التركيز علي حشر المعلومات وحفظها بل علي تنمية مهارات الفهم والتفكير والربط والتخيل الخلاق والعمل الجماعي, أما الدور المهم المنوط للاعلام القيام به فإن ذلك يحتاج إلي جهد علمي مخطط ومنسق ومتكامل من وسائل الاعلام لتغرس في نفوس الآباء لاسيما الامهات توجهات إنشاء ورعاية وتشجيع سلوكيات الابتكار وتعزيز الثقة بالنفس لدي النشء من خلال القصص العلمية وتاريخ العلماء وسماتهم الشخصية وكذلك تعزيز التنشئة الديمقراطية التي تشجع علي التفكير والمشاركة مع الأسرة في اتخاذ القرارات المصيرية, وهنا يخرج المرء إلي سوق العمل فيري إدارات بنيت علي العلم والثقافة الابتكارية, فتثيب وتكافيء الناجح وتعاقب الفاشل, إدارات تستغل الابتكار في تصميم وتطوير منتجات جديدة أفضل, أو في تبسيط الإجراءات أو تحسين الأداء, إداة تعمل بالحديث الشريف من اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فأخطأ فله أجر, إن تحديد معايير للأداء الابتكاري واستخدامه في تقييم الأداء والمكافأة علي الابتكار يجب أن يكون رافدا أساسيا للتنمية البشرية والنجاح التنافسي في بيئة الأعمال المحلية والخارجية. إن إعداد جيل جديد علي قدر كبير من المعرفة والوعي الحضاري في مصر يتطلب بث روح جديدة تبني علي ثقافة الابتكار, وهي بلا شك تتضافر وتتكامل مع ثقافة العلم, مما سيكون له أكبر الأثر في تحقيق نهضة الأمة الحضارية في مختلف المجالات العلمية, والعملية, والثقافية والمعرفية و الفردية والاجتماعية.