القاهرة مرآة لما يحدث في مصر كلها .. فمنها تصدر بدايات الأشياء وهذا هو سر سحرها وجمالها .. فهي مركز استجماع العلماء والفنانين والمثقفين بغض النظر عن أماكن الميلاد المدينة الكبيرة دائما لا تقاس فقط بما تمتلكه من موارد ولا ما تحمله من تاريخ ولا ما تبثه من تنوير ولا ما تدره من دخل للاقتصاد القومي ولا ما تمثله من نفوذ سياسي كان أم اقتصادي أم ثقافي ولا ما تواجهه من تحديات ومشكلات تستجيب لبعضها بسياسات واضحة ومحددة المعالم وتستعصي عليها البعض الآخر لظروف استثنائية ولا ما تشتمل عليه من تنوع ثقافي وزحم وتراكم تاريخي وتراثي وحضاري وتعدد مزاجي واختلاف طبقي وديموغرافي ولا ما تحتويه من كيانات اقتصادية عملاقة وتأثير سياسي .. مدينة القاهرة بحجم وتأثير ألف مدينة ومدينة .. نعم إنها تقاس بمثل كل هذه المزايا والسمات والتاريخ والتأثير .. نعم إنها أكبر دائما من كافة الأشخاص والأسماء والمناصب .. نعم إنها الحية دوماً والمؤثرة باستمرار .. نعم إنها العنوان للمدنية والحضارة بل والسياحة ولكن أيضا لا تقاس المدينة الكبيرة فقط بذلك .. فإضافة إلي كل ما سبق إنها تقاس أيضا وفي فترات ولحظات تاريخية معينة وفارقه بمن يدبر كل هذا .. ومن يفوض بوضع إستراتيجية التفاعل مع كل هذه المقومات والسمات فالإدارة ستظل هي الأصل .. فمثلما قال مهاتير محمد أحد رواد النهضة في دول جنوب شرق آسيا في العصر الحديث .. " إن دول العالم الثالث لا تحتاج إلا إلي مدراء .. بمعني كيفية إدارة الموارد واستغلالها الاستغلال الأمثل فمن قال إن المدن الكبري غنية فقط بمواردها وتاريخها .. بل إن الغني الحقيقي هو المورد البشري .. العقل .. فمن لا يملك عقلا لا يملك إبداعا وبالتالي لا يمتلك مهارة ولا يستطيع أن يمنح إنتاجاً .. فمدينة كالقاهرة بتاريخها .. وثقلها السياسي والاقتصادي من السهل أن تدار بقوة الدفع الذاتي والارتكان إلي هذا التاريخ والتأثير ولكن .. لابد من مدير لهذه المدينة ابتكاري ومتفاعل مع قضايا وتحديات عاصمته أكثر إيجابية مع التحديات .. من هنا كان قرار محافظ القاهرة الدكتور عبدالعظيم وزير باستضافة ورعاية مؤتمر أدباء مصر في الدورة الخامسة والعشرين بعنوان " تغيرات الثقافة .. تحولات الواقع " ليؤكد الإدارة الرشيدة بدور وأهمية الثقافة والتي تنظمه الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة الأستاذ الدكتور أحمد مجاهد المتفاعل دوماً مع احتياجات المجتمعات المحلية في كافة محافظات مصر .. والقاهرة _ تحديداً _ قيل عنها في كتب الأقدمين " من لم ير القاهرة لم ير عز الإسلام " وتمثل هذه العبارة التراثية في وجه من وجوه قراءتها أنها القائد في توجيه التاريخ وصناعة الثقافة بما هي العنصر الفاعل في تشكيل محددات الشخصية بما هي علامة قومية .. بحيث صار الوجه الحضاري والثقافي لا يمكن الكشف عن تجلياته إلا من خلال فحص حضوره في أروقة القاهرة في نمط معمارها وتصميم طرقها ومؤسساتها . ويبرز المحللون شخصية القاهرة في عدة ملامح هي ( القوة والبهاء والتحصين ) تستدعي القاهرة وتحضر دائما كونها صاحبة الملامح الشخصية القومية المتراكمة علي امتداد تاريخها وتأثيرها وحضورها في الآداب والفنون المعاصرة .. وتجسيدها للشخصية المصرية بقدراتها الذاتية العريقة وأخيراً باتت القاهرة مادة خصبة وأصيلة في الوعي الثقافي المعاصر . القاهرة مرآة لما يحدث في مصر كلها .. فمنها تصدر بدايات الأشياء وهذا هو سر سحرها وجمالها .. فهي مركز استجماع العلماء والفنانين والمثقفين بغض النظر عن أماكن الميلاد .. لعله من مفارقات عملية العولمة الحديثة الجارية أنها _ بينما تحفز علي تأكيد الذاتيات المحلية والثقافات التاريخية _ تربط في الوقت نفسه بين مصائر شعوب العالم معاً علي نحو أوثق .. وليس ثمة خطر في أن يختفي تمايز الثقافات والتقاليد الوطنية .. وبالمثل .. فإن تأكيد ذاتية مدينة معينة ، فإنها تربط في ذات الوقت نفسها بمصائر المدن الأخري بما تحققه من إنجاز وتطور .. خاصة وإذا كانت هذه المدينة هي العاصمة أي مدينة المدن . تلك المدينة التي تتفاعل مع معطيات الانفتاح وصارت بما تمتلكه من مقومات تعددية محور التنمية بكافة أبعادها . مدينة بهذا الشكل والحجم والتاريخ والوصف مؤهلة دوما لبث روح التسامح والانفتاح والاحترام .. مدينة ضد التعصب من أي نوع .. مدينة ثقافات التعدد والفنون والابداع والاختراق والابتكار والتفاعل مع أي آخر .. مدينة تصدير كافة أنواع الفنون والثقافات .. وأيضا المؤهلة لاستيراد كافة أنواع الإختلافات .. مدينة تصيغ الرؤي الثقافية المنطلقة من مبادئ التسامح والتصالح والتفاعل مع الثقافات المختلفة . مدينة تحمل الطموح الجمعي لكافة سكان المحروسة .. مدينة تقوي النزعة الإنسانية بقوتها وحجم تأثيراتها .. مدينة تسوق تراث مصر بأكمله .. لأنها العاصمة .. لقد نما العقل في القاهرة .. فهو المحرك للتقدم والفرق بين أي أمة متقدمة ومتراجعة هو تحرير العقل من قيود التقليد .. فالعقل هو المعزز لعملية الابداع والابتكار .. كانت هذه المدينة حضانة العقل وتطوره ونماءه ,, مفرزة للعقلانية المبرأة من العواطف السادجة لتفضي في النهاية إلي الحداثة .. ستظل القاهرة .. قلب مصر النابض .. التي تتسم بالتميز والتعدد الثقافي والاجتماعي .. ستظل هي المدينة ذات التأثير العميق علي مجمل السياسات وعلي كافة الأصعدة .. ستظل القاهرة هي الشريان الرئيسي الذي يضح الحياة لمصر كلها . "ملحوظة هامة : وتنويه لابد منه : - فلكاتب هذا المقال العديد من المقالات عن هذه المدينة العظيمة وهذه العاصمة ذات التأثير الكبير والعميق سواء قبل مجئ المحافظ الحالي أو أثناء اعتلائه لهذا المنصب .. ولكاتب هذا المقال العديد من المقالات عن هذا المحافظ المبادر والتفاعل مع قضايا وتحدياته القاهرة ". والختام : نقول كما قال الأقدمون " لله قاهرة المعز فانها .. بلد تخصص بالمسرة والهنا .. "