المغامرون والباحثون لا يعرفون نتائج أبحاثهم إلا بعد الانتهاء من تجاربهم المعملية. قال أحد العلماء إنني أقبل الإبحار في زورق غير متيقن ما سوف يلاقيني. ولكني متأكد أنني سوف أخبركم بما ألقاه عندما أصل إلي نهاية الرحلة. فالباحث منفتح علي النتائج التي يصل إليها كمن يسافر إلي مناطق لم يزرها من قبل فهو المستمتع بكل جديد. والمؤسسات الكبيرة لا تركز علي ما يجب فعله لتصبح متميزة بقدر ما تركز وبنفس الجهد علي مالا يجب عمله, وما يجب وقف عمله, ومن المتبع عادة أن نطبق البرامج التي نعلم أنها سوف تقودنا إلي ما هو أفضل من حيث التنمية والازدهار. والعيب في ذلك النهج أننا عادة ما نبدأ برامج جديدة لكننا لا نكمل إتقانها جيدا إذ سرعان ما نبدأ شيئا جديدا آخر قبل أن نسدل الستار علي ما أوقفناه من برامج سابقة, والمحصلة النهائية نجد مجهوداتنا, وتعب من يشاركنا مقسمة ومحبطة والنتائج غير مكتملة. وحتي نحقق التميز علينا اتباع بعض الأمور ومنها وقف الأشياء الصغيرة التي نظن أنها جيدة حتي نقفز إلي درجة التميز أي الانتقال من المقبول إلي التميز ومن الأشياء التي يجب أن نتوقف عنها مثل ضياع الوقت والجهد في التغني والمديح لبعضنا البعض وكأننا قد وصلنا إلي القمر أو اخترعنا الذرة وبذلك نشبه المغني والموسيقار الذي لا هدف له إلا تحية الحاضرين بدلا من تقديم روائع الكلمة واللحن الجميل حتي فقدنا اللحن المتميز والكلمة الرقيقة الفائقة الجودة. فالمغني يري أنه يقدم شيئا متميزا بالفريق المناسب الذي يصاحبه في الغناء وباللحن الموسيقي المنضبط النغمات, وبالتوزيع الجيد للمقطوعات, وتجاوب السامعين, وإعجابهم, فهذا كله رائع ولكن اللحن والكلمة والنغم يصبح متميزا إذا ما اقترن برسالة محفزة ومغيرة ومطورة حتي إنها تبقي مع الزمن. لهذا فإننا نحن إلي الزمن القديم الذي غرس اللحن والكلمة والمعني والمغزي والرسالة. أما عن انطباعات القارئ والسامع والمشاهد فهي قد ترتبط بواقع الحال وجروح تنزف تحتاج إلي الضمادات والمراهم والمسكنات, ولكنها لا تحفز علي التغيير, ولا تعالج المشكلات أو تدق أجراس الخطر والويلات. أما ما ننتظره مجددا فهو أن ننتقل من المقبول إلي المتميز وهذا يستوجب منا أن نتجاوز لعنة الكفاية أي الرضا بالقليل والقليل أحسن من مفيش. أنها حقا لعنة المذلة التي تعوق تقدمنا بل وتقود مسيرة التخلف, أي السير بالخطوة السريعة إلي الوراء فكما أن الأرض دائمة الدوران فالواقف في موقعه أو بطيء الحركة سيسرع إلي التخلف وقد يسألني القارئ وما هو الضرر من الكفاية أو الاكتفاء حتي تدعوه لعنة, أليست الكفاية اقتناعا بالقسمة والنصيب؟ نعم الكفاية أمر حسن ومقبول أما خطورة ذلك فهي في مقاييس التميز والجودة, فالذي يري في حد الكفاية قبولا ورضا يجعل مقاييس الجودة تتوقف عند هذا القدر فلا يرقي إلي ما هو متميز مكتفيا بقدر يسير من النمو والحركة بالمقارنة إلي ما وصلنا إليه أو بما كنا عليه وليس بما ينبغي تحقيقه والوصول إليه. كتب جيم كونز في كتابه من المقبول إلي التميز: كل الشركات لديها هدف وبعضها لديها تدريب ولكن القليل منها ما لديه خطة تدريب, فعندما يكون لدي المؤسسة أو الشركة أشخاص مدربون فلا حاجة لنظام هرمي من القيادة في هذه المؤسسة وعندما يوجد الفكر المدرب والمنظم فلا حاجة إلي البيروقراطية وعندما يوجد العمل المدرب فلا حاجة إلي أساليب الانضباط الزائدة وعندما يجتمع التدريب, مع أدب الانتماء فإننا نمتلك العصا السحرية للأداء المتميز. لقد تأخرنا كثيرا عن الانتقال من حد الكفاية والمقبول إلي مكانة التميز فلا مكانة لمن يقف عند حد الكفاية لان في ذلك خطرا بل لابد من الإسراع في الحركة لنخرج من دائرة الكفاية فدوران عجلة التقدم في اتجاه القمة تسير في سباق مع عقارب الساعة. إننا لاننقص عن سائر المتسابقين إلي التميز فلدينا التفوق العددي في العقول المفكرة والأيدي العاملة إذا ما دربت علي سباق التميز. إننا لا نحتاج إلي مزيد من العظماء والمواقع القيادية في كل ركن من أركان حياتنا بقدر حاجتنا إلي شباب مقتنع بمكانة بلده ومؤمن بقدرته علي تخطي الصعوبات, واقتحام المشكلات وصنع المعجزات, وما أكثرهم فقط الحاجة إلي تدريبهم وشحنهم نفسيا ومعنويا تماما كما فعلنا في معاركنا العسكرية التي حققنا فيها النصر والتميز. إنها ملحمة الجميع القادة والمعلمين وأصحاب الأعمال والعاملين لتحقيق السباق والفوز بكأس التميز لصالح النادي الكبير مصر.