يمكننا النظر الي الانواع الادبية بوصفها مجموعة من التقاليد والتوقعات التي تساعد علي معرفة ان كان مانقرأه قصة, او رواية, او قصيدة, او ملحمة, او مسرحية.. الخ فنحن في اثناء القراءة نضع افتراضات. , ونبحث عن مفاتيح من اجل التفسير والتأويل فكتابة قصيدة او رواية يعني اشتباكات مع تقليد ادبي, او علي اقل تقدير, مع فكرة ماحول القصيدة او الرواية, وهو نشاط يغدو ممكننا, بفضل مفهوم النوع, اما الخصوصية التي يبحث عنها كل مبدع, خلقا لذاته الابداعية, واعلانا لحسه الجمالي الخاص, الذي يتحري الحضور علي غير مثال يمتثله, او مقدار يحتذي عليه وبرغم هذه الخصوصية, يظل النوع اطارا له درجة من درجات الثبات التي يمارس المبدع من خلالها نشاطه, مثل القاريء ايضا, حيث تفترض فكرة التفاعل بين النص وقارئه, صيغا للقراءة سالفة التصور, وذلك بسبب مارسخته النصوص الابداعية لكل نوع من قيم جمالية, وذلك عبر الاطراد في اطار قوانين النوع وشكوله المفترضة. هكذا تثير نظرية النوع الادبي مسألتين أساسيتين, الاولي انها تقبل خصوصية كل عمل ادبي, والثانية, انها تؤسس, في الوقت ذاته, علاقة العمل الادبي او الفني الفردي, بنوعه الادبي او الفني الجامع, من هنا تعد نظرية النوع الادبي مجالا تتضح فيه خصوصية الأدب, ومفاهيمه وهذا ماجعل للادب سمات تجعلنا مطمئنين الي ان نتائج محاولاتنا القرائية ستكون ذات قيمة في النهاية وتستحق جهد المحاولة. ربما كان صحيحا مانذهب اليه من ان هناك علاقة ماتحتاج الي الدرس, بين الشعريات المختلفة للنوع الادبي او الفني الواحد, ونقصد بالشعرية هنا, مجموع الطرائق التي تميز الاجناس الادبية, ولاسيما الاجناس التي تسمح ببناء مؤلف سردي خيالي كالتراجيديا والملحمة, فإذا ما أردنا ان نضرب مثلا لذلك بالشعر, وجدنا له آلاف التجليات الجمالية التي تتعدد بتعدد الثقافات, والاذواق, والبيئات, والاوطان, حيث يجد الناقد نفسه أمام هذا التعدد الهائل في المسافة الممتدة بين قطبين, الأول يؤمن بالنسبية الثقافية علي نحو يحول السمات الجمالية لنوع ادبي ما, له خصوصيته المحلية الي سمات بنيوية, الامر الذي يوقعنا في الخلط بين الجمالي والبنائي, حينها يصبح العروض مثلا مكونا بنائيا للنوع الشعري, برغم كونه مكونا جماليا للشعر العربي فحسب, لايصح تأبيده, بعد ان نشأ من معاينة تقاليد جمالية, ابدعها محيط ثقافي وحضاري في بيئة ثقافية لها شروطها التاريخية, اما القطب الثاني, فيسعي عبر الدرس المقارن الي الوصول الي مشترك له ثبات نسبي بين الشعريات المختلفة للنوع الواحد, وذلك لنصل الي درجة من التجريد, نستطيع من خلاله, تفسير تجليات نوع ما, عبر البحث عن المشترك بين آلاف التجليات المتنوعة والمختلفة التي تقع تحت مظلة نوع ما, له تجلياته التي تختلف باختلاف الثقافات والاوطان, وتعددها. من هنا اذهب الي ان الاف التجليات المعبرة عن واقع واحد, يمكنها ان تتقاطع في سمات مشتركة تتسم بشكل من شكول الثبات النسبي موازنة بغيرها, وان ظلت كل شعرية منها قادرة علي الا ختلاط باستقلالية ثقافية نسبية, لها خصائصها الجمالية, وفق بيئتها القومية المختلفة عن غيرها من البيئات, وهو مشترك يشكل مفهوما نوويا عن نوع ما, بصرف النظر عن النسبية الثقافية التي صدر تحت سننها تجلياته, من هنا يكون سؤالنا مشروعا عن نموذج لنوع نووي لا نواة نوع يؤسس الطريقة المنهجية لما هو مشترك ومتقاطع بين التجليات الابداعية المتعددة لاي نوع, وهو مشترك لا نلاحظه غالبا; إما بسبب وضوحه الشديد, واهتمامنا بأسئلة نراها أكثر عمقا ورصانة! او بسبب غياب منهج ملائم في دراسات النوع, وهذا تناول يرتبط مباشرة بما يسمي حقل الشعريات المقارنة, حيث يسمح تحديد المشتركات البنائية لتجليات نوع ادبي او فني ما علي المستوي الكلي بالفصل بين مايبدو جماليا عما يبدو بنائيا علي المستوي التاريخي, استمر من نسميه الاخر الاوروبي او الغربي في التحقيق الي ذاته الابداعية, فقصر تنظيره في مسألة النوع علي تجلياته الادبية دون غيرها من تجليات عرفتها شعوب اخري لانه فرضها بصفته مركزا قويا للانتاج والاستهلاك الثقافيين, هكذا نشأت مسألة النوع الادبي الحديث, وتطورت بناء علي مركزية غربية في اساسها, كانت لها نظريتها الخاصة ولااريد ان اقول الاستعلائية علي الفنون والآداب الثقافية الاخري, ومنها آدابنا وفنوننا, بل اننا لانعدو الحق اذا قلنا ان معظم اهتمام الثقافات الغربية الحديثة بفنوننا وادابنا القديمة بخاصة, التي لاتنتمي الي السمات الجمالية للانواع الغربية المعروفة, انصب علي الجانب الوصفي, الذي كان يعالجها علي نحو غرائبي او عجبي نذهب هنا الي ان وجود سمات مشتركة بين آداب الامم جميعا, برغم اختلافاتها, وهي مشتركات تسمح بالحوار, وترحب بالتواصل بين الثقافات, هذه المشتركات هي ماتسمح بالتداول الابداعي بين الشعوب, برغم الاختلافات, وليس من شك في ان ماتعرضت له آدابنا العربية طويلا, وشكول الادب العربي الشعبية بخاصة, من نفي وجهته اليها نظرية النوع الادبي الكلاسكية, كانت ترجع الي هذه الاطلاقية الثقافية الغربية في نظرتها الي الانواع من خلال نتاجها الثقافي المحلي المحدود بالضرورة, بعد ان تعاملت مع مكونات اعمالهم الابداعية بصفتها مكونات بنائية, لايصح ان ينتمي اليها مايخالفها, وظلوا منشغلين بالتحديث الي ذواتهم الابداعية, ثم شجعوا الآخرين علي التحديق معهم اليها من مواقع اقدامهم انفسها, وهذا ماانتج علي مستوي الادب العربي بخاصة, خطابات تنفي وجود المسرح, والملحمة, والرواية, وغيرها عن فنوننا وآدابنا, وكان هذا النفي اقرب الي الصراحة منه الي التلميح, ذلك برغم وجود نظائر ادبية وفنية عربية تتسم بخصوصيتنا الثقافية التاريخية آنذاك, اما الفريق الآخر الذي اجتهد في الدفاع عن وجودها في تراثنا الادبي والفني العربي فقد اطلق عليها صفات نوعية تفتقد الحسم فسماها بذورا, و مظاهر, وبدايات, تسعي بالطبع الي الوصول الي كمال النوع الاوروبي, وذلك برغم كونها نظائر ادبية وفنية دون منازع, لها خصوصيتها الثقافيةالمختلفةعن الأنواع الأوروبية, لايضع من قدرها بشيء سويفهمنا الخاطيء عن النوع, وذلك بسبب نظرتنا إلي آدابنا من منظور الأنواع الغربية, دون الإنتباه إلي المشترك البنائي بيننا, الذي قد يجمع خصوصيتنا الثقافية بمن تسميه آخر, وليس من شك في ان لكل نوع ادبي او فني قوانينه, وهي قوانين واعراف نشزت بناء علي معاينة واقع موضوعي, تاريخي ونسبي, من هنا تأتي اهمية وعينا بهذه القوانين, ذلك لان معرفة القانون تمنحنا فرصة تحديد تاريخيته, ومقاومة آثاره, وهي امكانية كامنة لاتتحقق اذا ظل القانون مجهولا, يعمل ضمن آلية لاواعية, فكشف القانون يشمح بتعيين تاريخيته, ومن ثم بالسيطرة عليه.