بدأت الأزمة المالية في اليونان تطفو علي السطح ويشعر بها الشعب اليوناني في بداية التسعينيات, ولكن تأثيرها السلبي اشتد علي خلفية ما حدث في الولاياتالمتحدةالأمريكية. وجميع أنحاء العالم وانهيار رابع بنك استثماري أمريكي في15 أغسطس2008 حيث كان بداية حقيقية لأزمة الاقتصاد العالمي بصفة عامة و لليونان بصفة خاصة, ووصول ديون اليونان إلي رقم خيالي قرابة ثلاثمائة مليار يورو. كما أن معاناة اليونان في السنوات العشر الأخيرة وتفكيك منهجية الإنتاجية, وتدمير البنية التحتية الإنتاجية والاستعاضة عن السلع المنتجة محليا مع السلع المستوردة, كان سببا مهما في زيادة تأثير الأزمة, بجانب التراجع في قطاع الصناعات التحويلية التقليدية, وعادت الأسرة اليونانية من مودع في البنوك إلي مقترضة من البنوك, وهذا في كثير من الأحيان يسبب مأساة, حيث لجأ الكثيرون إلي الاقتراض من أجل الحفاظ علي مستوي المعيشة الأسري والذي لم يكن ممكنا في ظل الوضع الاقتصادي الحالي. وإذا نظرنا إلي تكلفة الألعاب الأوليمبية التي استضافتها أثينا عام2004, وجاءت تكلفتها بما لم تتكلفه أي العاب أوليمبية من قبل, حيث أكد المراقبون وقتها أن الشعب اليوناني سوف يدفع هذه التكلفة, علي مدي الأعوام الخمسة عشر المقبلة, بالإضافة إلي أن الحكومة اليونانية اعتادت أنها تئن تحت وطأة الديون التي استمرت بالتراكم, فيما سعت الحكومات اليونانية المتعاقبة دوما إلي تغطيتها عبر الاقتراض في ظل إقبال المستثمرين علي الاستثمار فيما يعرف بسوق أدوات الدين. ولا يمكن أن نغض النظر عن بذخ وترف الحكومة والإنفاق الحكومي المتزايد والذي كان سببا في استمرار العجز في الميزانية العامة للدولة بتجاوز الناتج الإجمالي, بالإضافة إلي تشجيعها في شمال اليونان لنقل مصانع البلاد إلي دول البلقان, وذلك لرخص العمالة وقلة التكاليف, وشجعت الحكومة اليونانية المستثمرين في ذلك وتهاونت معهم وهذا كان له دوره السلبي في تفاقم الأزمة المالية. مؤخرا وبعد أن شعرت الحكومة الاشتراكية بزعامة جورج باباندريو بالأزمة, بدأت تفتش في دفاتر الماضي ومعالجة الأزمة, ولكن جاء ذلك علي حساب الشعب والمواطن البسيط ذي الدخل الصغير, بينما تغاضت عن هؤلاء الذين تسببوا في الأزمة وفي مقدمتهم كبار الرأسماليين المضاربين في البورصة, والمسئولين في الحكومات السابقة والذين مدوا أيديهم للقروض من الخارج وانفقوها ببذخ ومن غير حساب. وطالب رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو أمام الكتلة البرلمانية التابعة لحزب باسوك الاشتراكي الحاكم,' تغيير كل شيء' في اليونان لإنهاض الاقتصاد, لكنه أكد أن البلاد بحاجة إلي الوقت والهدوء للقيام بإصلاح عميق, وقال باباندريو نحن بحاجة إلي الوقت والهدوء, لنتمكن من القيام بإصلاح عميق, في حين أننا منذ ستة أشهر لا نفعل شيئا سوي الانشغال بالفارق بين معدلات الفائدة المرجعية وتلك علي سندات الخزينة اليونانية. وبالرغم من الإجراءات التقشفية التي أقرتها الحكومة, فإن استطلاعات الرأي أشارت إلي أن شعبية باباندريو مازالت مرتفعة إذ حاز علي تأييد8,50 في المائة, كما لايزال الحزب الاشتراكي الحاكم يحظي بشعبية لدي6,30 في المائة مقابل21 في المائة لاكبر أحزاب المعارضة اليمينية الديمقراطية الجديدة, ويري اكثر من51 في المائة من اليونانيين ان سياسة الحكومة الاقتصادية' ليست علي الطريق الصحيح'. وفي الوقت نفسه, يعارض أغلبية اليونانيين قرار رئيس وزرائهم جورج باباندريو طلب مساعدة الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي ويخشون اضطرابات اجتماعية, أفاد الاستطلاع ان9,60 في المائة من اليونانيين يعارضون قرار الحكومة اللجوء الي مساعدة مالية لتجاوز الأزمة بينما يرفض2,70 في المائة منهم ان يمنح صندوق النقد الدولي اليونان مساعدته. وتعيش اليونان الفترة الأخيرة أيام حرجة, فهناك احتجاجات وإضرابات تشل البلاد, في الوقت الذي تقترب فيه الحكومة من تفعيل آلية المساعدات والحصول علي110 مليارات يورو علي مدار ثلاث سنوات من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي مقابل خطة التقشف وبرنامج اقتصادي يوفر لليونان نحو ثلاثين مليار يورو حتي نهاية عام2013 وتسعي اليونان جاهدة للحصول علي المساعدة قبل19 مايو المقبل لكي تدفع لحملة السندات أكثر من ثمانية مليارات يورو ما لا يترك سوي فسحة صغيرة للتحرك أو لمواجهة إفلاس كبير إلا أنها استبعدت إمكانية إعادة هيكلة دينها البالغ نحو300 مليار يورو أو الخروج من منطقة اليورو التي تضررت عملتها بشدة نتيجة الأزمة اليونانية التي أدخلتها في أسوأ أزمة تشهدها منذ إنشائها قبل11 عاما. وبالأمس القريب شهدت أثينا أعمال عنف ومواجهات بين الشرطة وشبان غاضبين كانوا ضمن التظاهرات ضد التدابير التقشفية الجديدة, وأسفرت هذه المواجهات عن مقتل3 أشخاص أبرياء, بعدما ألقي بعض المتظاهرين قنابل مولوتوف علي مبني لأحد البنوك فاشتعلت النيران فيه ولم يستطع من بداخله الخروج, و بعد وصول سيارات الدفاع المدني وإخماد النيران, تم العثور علي ثلاث جثث متفحمة, كما أسفرت التظاهرات عن خسائر مادية فادحة في الممتلكات الخاصة والعامة. وبعد الحادث مباشرة, أشار رئيس الوزراء جورج باباندريو من تحت قبة البرلمان إلي أن الحاجة اضطرت البلاد للقيام بمثل هذه الإجراءات التقشفية, موضحا انه فعل ذلك ليحمي المعاشات ويستطيع سداد مرتبات وأجور الموظفين, موضحا أن الحل الثاني كان هو إعلان إفلاس البلاد, ومعني ذلك كما قال إفلاس الشعب وإفلاس الأعمال وفقر الأسر والعائلات. وأخيرا أعتقد أن السبيل الوحيد لكي تقف اليونان علي قدميها من جديد, هو أن تبدأ في الإنفاق في حدود مواردها, وتنشط في موضوع محاربة الفساد ومعاقبة المتهربين من الضرائب وخصخصة المشاريع الحكومية ودمج الهيئات والمؤسسات غير الفعالة.