«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دروس الأزمة اليونانية عالميا وعربيا

يشكل الاهتمام بالأزمة اليونانية وتداعياتها العالمية بؤرة اهتمام للفكر الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الدولي لما تتضمنه الازمة من تشابكات وتداخلات بين مراكز النفوذ والقوة العالمية. ولما تفصح عنه من خبرات عن طبيعة ردود الافعال في مواجهة المشكلات العالمية المختلفة وتركها بغير حلول حاسمة حتي تصل إلي درجة عالية من التفاقم والاشتعال تتسبب في انعكاسات شديدة السلبية علي مجمل الاوضاع المالية والاقتصادية العالمية وهذا ما تقدمه تحديدا الأزمة اليونانية‏,‏ فقد تركت للتصاعد حتي امتدت اضرارها الي الاتحاد الاوروبي والي منطقة اليورو واتسعت حتي اصابت الاسواق المالية العالمية باضرار حادة في الوقت الذي كان من الممكن فيه بل من الطبيعي ان يتم العلاج والمواجهة في مراحل اولية ومبدئية تتلافي جميع هذه التأثيرات الخطيرة اوروبيا وعالمية وهو ما يطرح علامات استفهام حقيقية عن طبيعة القوي العالمية المستفيدة من تصاعد الأزمات بل والقادرة علي تصعيد الازمات الي درجة تهدد استقرار الاوضاع المالية والاقتصادية العالمية وتدفعها دفعا الي عتبات الأزمات الكارثية والمدمرة‏.‏
وفي محاضرة بالموسم الثقافي لجمعية خريجي كلية الاقتصاد والعلوم السياسية تحدث الدكتور علي عبد العزيز سليمان استاذ الاقتصاد بالكلية عن دروس الازمة اليونانية وتأثيراتها علي مصر والدول العربية‏,‏ واوضح في محاضرته ان اخبار الازمة المالية في اليونان شغلت اهتمام الصحف المصرية والعالمية عبر الاشهر الاخيرة‏.‏ مع انعكاساتها وتأثيراتها الاوروبية والعالمية حيث انعكست الازمة التي يعاني منها هذا الاقتصاد الصغير علي اسواق المال التي شهدت تراجعا كبيرا‏.‏ وتنبأ البعض بأن الازمة قد تؤدي الي انهيار الاتحاد النقدي الأوروبي‏,‏ واختفاء عملته اليورو الذي كانت قد صعدت صعودا كبيرا خلال السنة الماضية‏,‏ وبالذات إبان تعرض الدولار لضغوط قوية بسبب الأزمة المالية العالمية في صيف‏2008‏
ومع التأخر في الدعم والمساندة ومع توالي تأثيراتها السلبية وتصاعدها الواضح سرعان ما هرعت الدول الاوروبية القوية وفي مقدمتها المانيا وفرنسا الي مساندة الاقتصاد اليوناني بالاشتراك مع صندوق النقد الدولي بتقديم قروض وضمانات غير مسبوقة وصلت في إجماليها الي ما يزيد علي‏110‏ مليارات يورو علي ثلاث سنوات‏,‏ مكنت اليونان من تجديد ديونها الخارجية بعد ان اقسمت علي التوبة وتقليل عجز الموازنة بزيادة الضرائب وتخفيض الانفاق العام‏.‏
ويطرح خبير الاقتصاد المرموق تساؤلات حول الازمة وحقيقتها تفيد في فهم ما حدث في هذه الأزمة‏,‏ وهل من الصحيح ان اليونان كانت مثل كعب أخيل أي نقطة الضعف الذي يهدد الاقتصاد الأوروبي بالدمار‏,‏ أم ان الازمة مبالغ فيها‏,‏ ازكتها دوائر ذات مصالح؟ واخيرا ما هي الدروس المستفادة في هذه الأزمة‏,‏ وما هي انعكاساتها علي الاقتصادات العربية؟
ويوضح ضرورة اختيار مجموعة من الحقائق في مقدمتها مايلي‏:‏
‏1‏ من البداية لابد ان نوضح ان الأزمة المالية لليونان أزمة حقيقية‏,‏ نتجت عن سنوات طويلة من الإسراف المالي‏,‏ والتلاعب في حسابات الحكومة بغرض إخفاء حجم الدين العام‏,‏ مع رشوة الناخبين عن طريق الاغداق علي برامج الرفاهية الاجتماعية والتوسع في التشغيل الحكومي‏,‏ مع رفع مرتبات الموظفين العموميين حتي زادت مرتباتهم الي الضعف خلال عقد واحد‏.‏ وفي النهاية وصل حجم الدين العام الي‏115%‏ من الناتج المحلي الإجمالي وعجز الموازنة السنوي الي‏13,6%‏ في عام‏2009‏ وكانت الحكومة المحافظة‏,‏ التي خسرت الانتخابات في اواخر العام الماضي لصالح الاشتراكيين‏,‏ قد ادعت ان العجز السنوي هو فقط في حدود‏8,6%.‏
‏2‏ بالرغم من ان ارقام العجز هذه مفزعة‏,‏ فان اليونان ليست الدولة الأوروبية الوحيدة التي تعاني منها‏,‏ فإيطاليا مثلا لها نفس النسبة من الدين العام‏,‏ معدل العجز السنوي في ايرلندا وأسبانيا يفوق او يتساوي مع نسبة العجز اليوناني‏.‏ فكيف نفسر اذن هذه الضجة الاعلامية التي كادت تطيح بأسواق المال‏,‏ واعادت العالم الي الاجواء السوداء لصيف‏2008‏ عندما كان العالم فعلا علي شفي هاوية عميقة‏.‏
‏3‏ أ تفسير الضجة الاعلامية يرجع لعدة اسباب في مقدمتها موقف الإعلام الأمريكي الذي لم يخف تشفيه مما يحدث من تراجع لليورو الذي أمسي يهدد سيطرة الدولار‏,‏ عملة الاحتياطي الامريكي الأولي‏.‏ والولايات المتحدة بوصفها صاحبة عملة الاحتياطي العالمي هي المدين الأول في العالم فكل دولة تحتفظ بالعملة الامريكية هي بمثابة دائن لامريكا‏,‏ واذا عرفنا ان معظم هذا الاحتياطي لا يكلف الاقتصاد الامريكي شيئا‏,‏ لاتضح مدي الفائدة التي تجنيها امريكا‏,‏ وبالتالي فأي انتكاس لليورو هو نصر للاقتصاد الامريكي ويحضرنا في هذا المجال ما حدث منذ سنتين عندما فكرت بعض الدول الخليجية في تنويع ارصدتها النقدية بحيث تعطي اليورو وزنا اكبر فيها‏.‏ عندئذ انطلقت الزيارات علي اعلي المستويات من واشنطن الي هذه الدول مؤكدة ان مثل هذا التحول ليس في المصلحة مصلحة من‏!‏؟ ولم تتوقف هذه الزيارات والنصائح حتي كفت الدول الخليجية عن هذه الاوهام‏.‏ هكذا فإن ازمة اليونان صورت كمأزق لليورو‏.‏
‏4‏ لا يخفي علي اللبيب ان هناك مصالح خفية تستفيد من الشائعات في التلاعب بالاسواق فبسبب أزمة اليونان فقدت البورصات العالمية‏5.6%‏ من قيمتها في يوم واحد وتحدث البعض عن ثلاثاء اسود مصطلح جديد يلحق بالأيام السوداء الاخري التي شهدت انهيارات كبيرة في البورصة مع ذلك سرعان ما هدأت الخواطر‏,‏ واستردت الاسواق ثلاثة ارباع الخسارة في اليوم التالي مباشرة نحن إذن امام اقتصاد المضاربة او كما سماه الرئيس ساركوزي اقتصاد الكازينو وليس اقتصاد يعتمد علي الحساب فأزمة اليونان برغم اهميتها لا تمثل مشكلة كبيرة بالنسبة لشركائها الاوروبيين ولو قاموا معا بتحمل مديونيات اليونان فلن يزيد ذلك من أعبائهم سوي في حدود‏3%‏ من مديونياتهم القائمة‏.‏
‏5‏ السبب الثالث الحقيقي للاهتمام الإعلامي بالأزمة اليونانية‏,‏ بالرغم مما قلناه من ان أزمة اليونان لا تمثل مسألة مصير بالنسبة لمنطقة اليورو‏,‏ هو انها اظهرت عورات نظام الاتحاد النقدي الاوروبي ذلك انها بينت خللا كبيرا في آليات عمل الاتحاد النقدي وهو عدم كفاءة الأجهزة الرقابية الأوروبية في التنبؤ بمخالفة قواعد المالية الرشيدة وقدرتها علي التصدي لهذه المخالفات واجبار الدول المتعدية علي الرجوع الي حظيرة الرشادة‏,‏ ذلك ان قواعد الاتحاد النقدي الأوروبي تتطلب الا تزيد نسبة العجز المالي السنوي علي‏3%‏ من الناتج المحلي الاجمالي فإذا عرفنا ان نسبة العجز فاقت ثلاثة امثال هذا المعدل في ايرلندا 14.3%‏ ,‏ وفي اليونان 13.6%‏ وفي اسبانيا 11.2%‏ وفي البرتغال 9.4%‏ ,‏ لتبين مدي خطورة هذا التحدي‏.‏ ومن الواجب ان يكون للسلطات الاوروبية الموحدة سواء عن طريق هيئاتها السياسية او النقدية البنك المركزي الاوروبي سلطة فرض عقوبات وسياسات تمنع استمرار هذا الوضع المختل‏.‏ ولقد بدأ الاتحاد الاوروبي يقطب جبينه وينظر بغضب الي الدول التي انحرفت عن المسار السليم‏,‏ مع ذلك فقد جاءت العقوبات باقل من المتوقع‏.‏ وقد تتحمل اليونان بعض العقوبات الرمزية مثل حرمانها من التصويت علي بعض القرارات الاوروبية‏,‏ مع ذلك فالمطلوب عقوبات اكثر حزما‏.‏
وحول الدروس المستفادة من الازمة وانعكاساتها علي اقتصاديات الدول العربية يوضح الخبير الاقتصادي ان اول هذه الدروس هو تبيان صعوبة اجراءات الاتحاد النقدي‏,‏ وقد تتسبب هذه الازمة في إبطاء سرعة العملة الموحدة الخليجية التي من المفترض ان تضم الريال السعودي‏,‏ والعماني‏,‏ الدرهم القطري‏,‏ والدينار البحريني والكويتي ولقد تعرضت مسيرة هذا الاتحاد النقدي لعثرات في الماضي‏,‏ وتأجل جدول تطبيقه عدة مرات‏,‏ وانسحبت منه الإمارات العربية المتحدة في خروج غير مسبوق علي الوئام الخليجي‏.‏ اما الدرس الثاني المهم للدول العربية فيرجع الي قضايا قد نكون نسيناها فيما يختص بعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية فلقد سمحت الزيادة الكبيرة في اسعار النفط في الدول العربية المنتجة للنفط‏,‏ وفي الدول العربية الاخري التي تتلقي تحويلات العاملين‏,‏ وان نقفز علي حواجز النمو الطبيعي لنصل الي مجتمع الرفاهية الذي يشجع الاستهلاك‏,‏ولايشجع الادخار والتقشف‏.‏
وقد كانت اليونان مثالا لهذا التحول الخاطئ نحو مجتمع الرفاهية فاليونان لها مكانة خاصة في قلب وعقل الاوروبيين باعتبارها مهد الحضارة الغربية ويفخر اليونانيون بأن بلادهم صاغت للعالم مفاهيم الفلسفة والقانون وحتي النظم السياسية كلمات الديمقراطية‏,‏ والفوضوية‏,‏ وحتي الازمة كريزيا هي كلمات يونانية وكانت اوروبا متلهفة الي اجتذاب اليونان الي احضان الاتحاد في اواخر ايام الصراع بين العالم الحر والشيوعية‏,‏ وبالتالي سهلت لها شروط الدخول ودخلت اليونان الي الاتحاد الاوروبي عام‏1985,‏ وكان مهرها حزمة يسيل لها اللعاب من المعونات وقروض التنمية التي كانت الغرض منها رفعها الي مصاف زميلاتها الاوروبيات وهو ما حدث مع اسبانيا والبرتغال وفي الواقع ان اليونان بهذا اختصرت ما لا يقل عن جيلين من العمل الشاق واليوم هي تتمتع بمستوي معيشة يقترب من‏95%‏ من متوسط دخل الفرد في الدول الأوروبية العالية‏,‏ بل تتمتع بجودة حياة افضل بكثير إذا اخذنا في الاعتبار ساعات العمل‏,‏ وترابط الاسرة من جاراتها الشماليات ولم تشجع هذه السياسات الحنونة علي تأصيل مفاهيم التدبير والحرص في الانفاق وغيرها من السياسات المالية الرشيدة‏,‏ حيث فتحت اليونان الباب علي مصراعيه امام الدعم الاجتماعي والرفاهية بما في ذلك السماح بالتقاعد المبكر جدا وبأجر شبه كامل للكثير من اصحاب المهن التي تعتبر شاقة بمن في ذلك حلاقو الرءوس والأطباء النفسيون‏!‏ واعطت اجازات سنوية طويلة‏,‏ واعانات بطالة سخية‏.‏
واتاح هذا المناخ غير المنضبط الفرصة لانتشار الفساد الاداري والسياسي والاجتماعي‏,‏ الذي يشكل بالفعل عصب الازمة اليونانية الحقيقي وبالمقابل تفاقمت الصراعات العمالية والسياسية‏,‏ واصبحت الحياة في اثينا عرضة للتوقف بسبب المظاهرات العمالية الصاخبة والعنف الطلابي المتطرف‏.‏
ومن المفيد ان نقارن أوضاع اليونان بأوضاع جارتها الشرقية تركيا فمن المعروف انه بعكس الترحيب والعجلة والتسهيل التي عامل بها الاوربيون اليونان‏,‏ وفيما بعد قبرص‏,‏ قوبلت جهود تركيا للانضمام الي الاتحاد الاوروبي بالنفور والتسويف والعرقلة ومع ذلك‏,‏ استطاعت تركيا‏,‏ وقد اعتمدت علي جهودها الذاتية‏,‏ ان تصلح احوال اقتصادها‏,‏ وان تحقق استقرار عملتها بل واصبحت قوة اقليمية يشار لها بالبنان ومن المثير للاعتبار ان رئيس الوزراء اليوناني قام في عز ازمته بزيارة لنظيرة التركي يدعوه فيها الي زيادة الاستثمارات التركية في اليونان‏!‏ ومما لاشك فيه ان هذه الدعوة قد اثارت شجون الكثيرين من اليونانيين الذين كانوا‏,‏ حتي الامس القريب ينظرون الي تركيا بصفتها العدو اللدود‏.‏
ومن المفيد ان نأخذ بعض الدروس من الأزمة اليونانية في بلداننا العربية ومصر في المقدمة وبينما ليس هناك مصلحة في التهويل والتنديد‏,‏ من الواجب ان نستذكر ان عملية التنمية عملية متواصلة ودءوبة تتطلب الكثير من الحرص ومن العمل الشاق‏.‏ او كما قال شاعرنا العظيم أحمد شوقي وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا‏.‏
مواقف اقتصادية
مع تناقض التشريع الضريبي ولائحته مع الإقرارات
هل يدخل الممولون في فوضي التقديرات التعسفية للأعباء الضريبية؟
في ظل تطبيق قانون الضريبة علي الدخل تظهر العديد من المشكلات العملية المرتبطة بمواد القانون والمرتبطة ايضا باللائحة التنفيذية وهي مشكلات تؤدي إلي تعثر المعاملات الضريبية وتتسبب في الحاق الضرر بالممولين بما يخالف القواعد المحاسبية والضريبية المتعارف عليها ويؤدي ذلك لاتساع نطاق المنازعات الضريبية واللجوء للمحاكم خلافا لكل الاحاديث والتصريحات المرتبطة بالقانون عند صدوره وتأكيدها الانتقال لعهد جديد من يسر وسهولة المعاملات الضريبية ووضوح وعدم غموض التشريع الضريبي بهدف بناء الثقة بين الممولين والمصلحة وهو ما يتعارض مع الواقع العملي وما يحيط به من مشكلات وتعقيدات بعضها يستعصي علي الحل والعلاج‏.‏
ويوضح المحاسب القانوني رزق عوض رزق خبير الضرائب ان هناك نموذجا لتناقض حاد في قانون ضرائب الدخل مع قواعد المحاسبة يؤدي إلي خلاف بين مصلحة الضرائب والممولين في حساب الربح المحاسبي الخاضع للضريبة‏,‏ ويرجع ذلك إلي ان مراحل الوصول إلي صافي الربح المحاسبي الخاضع للضريبة بغرض تحديد وعاء الضريبة‏,‏ يتطلب وكما تقضي بذلك أصول المهنة ومعايير المحاسبة أن يتم أولا تصوير حساب المتاجرة أو التشغيل حسب نوع النشاط‏,‏ وذلك للوصول من خلاله إلي مجمل الربح‏,‏ ومحتويات هذا الحساب‏,‏ كمفاهيم ثابتة إلي حد بعيد حيث تعني في مجملها مقارنة ايرادات النشاط بمصروفاته المباشرة ومجمل الربح الناتج يمثل تلك النسبة المئوية المضافة إلي تكلفه التصنيع أو تكلفة المشتريات‏,‏ وهي نسبة مئوية شبه ثابتة لا تختلف كثيرا بالنسبة للنشاط الواحد‏,‏ وقد قامت مصلحة الضرائب‏,‏ وعلي مدي سنين طويلة سابقة بعقد اجتماعات عديدة مع رجال الأعمال والغرف التجارية‏,‏ وعمل الدراسات اللازمة لتحديد تلك النسب واصدرت بها تعليمات تنفيذية للعمل بموجبها في مأموريات الضرائب المختلفة وقد جري العمل بموجبها سابقا وحتي صدور القانون‏2005/91,‏ بل رتبت التعليمات التنفيذية أحقية المصلحة في إهدار دفاتر الممول حال تذبذب تلك النسب إلي حدود غير مقبولة وغير مبررة‏,‏ وتراضي الجميع الممولين والمصلحة واستقرت الأمور علي الأخذ بهذه النسب في الحالات التقديرية والاسترشاد بها في حالات الحسابات المنتظمة‏.‏
وقد جاء القانون القانون رقم‏2005/91‏ في المادة ال‏22‏ ليبدأ التناول مباشرة من بعد الوصول إلي مجمل الربح‏,‏ أي لم يتطرق إلي محتويات حساب التشغيل أو حساب المتاجرة فحساب التشغيل محكوم بالنسب المئوية المحددة بمعرفة المصلحة وكان نص المادة‏22‏ من القانون كما يلي‏:‏
يتحدد صافي الأرباح التجارية والصناعية الخاضعة للضريبة علي أساس اجمالي الربح بعد خصم جميع التكاليف والمصروفات اللازمة لتحقيق هذه الأرباح ويشترط في التكاليف والمصروفات واجبة الخصم أن تكون مرتبطة بالنشاط التجاري أو الصناعي ولازمة لمزاولة النشاط وكذلك ان تكون حقيقية ومؤيدة بالمستندات وذلك فيما عدا التكاليف والمصروفات التي لم يجر العرف علي إثباتها بمستندات ثم جاءت المادة‏28‏ من اللائحة التنفيذية للقانون لتوضح وتضع معيارا لتلك المصروفات غير مؤيدة بالمستندات والواردة بالفقرة الثانية من المادة ال‏22‏ من القانون وكان نص المادة‏28‏ من اللائحة التنفيذية ما يلي‏:‏ يشترط ألا تزيد المصروفات التي لم يجر العرف علي إثباتها بمستندات بما في ذلك الإكراميات علي‏7%‏ من اجمالي المصروفات العمومية والادارية المؤيدة بمستندات‏,,‏ وبذلك فإن نص المادة‏28‏ من اللائحة هو الآخر شديد الوضوح وان نسبة ال‏7%‏ تتعلق بتلك المصروفات العمومية والإدارية والواردة بعد الوصول إلي اجمالي الربح اي في مرحلة حساب الأرباح والخسائر وليس حساب التشغيل أو المتاجرة
ويشير خبير الضرائب إلي انه ومع ذلك‏,‏ ومع وضوح أن القانون وكذلك اللائحة التنفيذية لم يقصدا ان يصرفا تحديد نسبة ال‏7%‏ إلي حساب المتاجرة إلا ان ما جاء بنماذج الإقرار الضريبي السنوي بإيضاحات الجدول‏408(‏ بيان الاضافات الأخري إلي صافي الربح المحاسبي‏),‏ نص علي أن ما زاد علي نسبة‏7%‏ من المصروفات العمومية والإدارية المؤيدة بالمستندات تحتسب كما يلي‏:‏ يتم حساب المصروفات غير المؤيدة مستنديا والمحملة علي قائمة الدخل‏(‏ سواء بتكلفة المبيعات أو حساب التشغيل أو المصروفات الأخري وبذلك فإن ايضاحات نموذج الاقرار الضريبي تربط صرف معيار ال‏7%‏ علي تلك المصروفات غير المؤيدة بالمستندات والواردة في حساب المتاجرة أو حساب التشغيل خلاف ما ورد بالقانون ولائحته التنفيذية‏.‏
ومع هذه التناقضات بين القانون ولائحته وبين نموذج الاقرار الضريبي والقواعد فإنها تتأكد بصورة قاطعة من خلال موقف الممول حال كل إيراداته ثابتة ومؤيدة مستنديا وكل مصروفاته ثابتة وغير مؤيدة مستنديا فهذا الممول يكون وعاء الضريبة الخاص به هو كل إيراداته بالكامل مهما بلغت بدون خصم المصروفات فلو فرضنا أن رقم الأعمال ثلاثون مليونا وصافي الربح ستمائة ألف جنيه والضريبة المسددة من واقع الإقرار مائة وعشرون ألفا جنيه‏,‏ ولو تمت المحاسبة حسب ما ورد بنموذج الإقرار لوجدنا ان الضريبة المطلوبة هي ستة ملايين جنيه وهو أمر غير مقبول وغير معقول ولا يمكن لأي ممول ان يقوم بدفع مثل هذه الضريبة وسوف يؤدي إلي خلافات ومشاكل لا حصر لها وتداعيات بدون حدود الأمر الذي قصد المشرع تجنبه من البداية‏.‏
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.