"اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَدًا".. عنوان عظة البابا تواضروس بالقوصية    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الخميس 2-10-2025 في الصاغة بعد ارتفاعه 60 جنيهًا    التفاح ب60 جنيهًا.. أسعار الفاكهة في أسواق الإسكندرية اليوم الخميس 2 أكتوبر 2025    تعطل الاتصالات والإنترنت بالقاهرة اليوم.. والسبب المتحف المصري الكبير    أودي تعتزم طرح أول سيارة إس.يو.في ذات 7 مقاعد العام المقبل    ترامب يقرر اعتبار أي هجوم على قطر هجومًا على أمريكا    حقي هيرجع في الآخرة.. «أمن القاهرة» تكثف جهودها لكشف غموض «وصية» تركتها فتاة قبل التخلص من حياتها    استعدوا للأمطار.. بيان عاجل بشأن حالة الطقس: العاصفة الليبية تقترب من الحدود المصرية    اليوم.. محاكمة المتهم بدهس شخص بسيارة دبلوماسية بالمهندسين    معركتك خسرانة.. كريم العدل يوجه انتقادات حادة لمخرج فيلم «اختيار مريم»: انتحار فني كامل    ترتيب مجموعة منتخب المغرب بعد الفوز على البرازيل في مونديال الشباب    تطور جديد في أسعار الذهب بعد موجة الصعود القياسي بسبب الإغلاق الأمريكي    وفاة بشير صديق شيخ القراء في المسجد النبوي عن عمر ناهز 90 عاما    على خطى حماس، تلميح غامض من الجهاد الإسلامي بشأن خطة ترامب في غزة    بهدفين لا أجمل ولا أروع، المغرب يضرب البرازيل ويتأهل لثمن نهائي مونديال الشباب (فيديو)    الخطيب يحبه ويثق به، شوبير يكشف موقف هشام جمال بشأن خوض انتخابات الأهلي (فيديو)    ترامب: على الجمهوريين استغلال فرصة الإغلاق الحكومي للتخلص من "الفاسدين لتوفير المليارات"    شركة مايكروسوفت تطلق "وضع الوكيل الذكي" في 365 كوبايلوت    المسرح المتنقل يواصل فعالياته بقرية نزلة أسطال بالمنيا    بلاغ أم يقود لضبط مدرس متهم بالاعتداء على طفل فى الأهرام    خطة ترامب لغزة.. قراءة تحليلية في وهم السلام وواقع الوصاية    «قولاً واحدًا».. خالد الغندور يكشف رحيل فيريرا عن تدريب الزمالك في هذه الحالة    85 شهيدًا فلسطينيًا حصيلة الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة خلال 24 ساعة    عبدالله مجدي الهواري: «بحب الفن ونفسي أبقى حاجة بعيد عن اسم أمي وأبويا»    الدكتور محمود سعيد: معهد ناصر قلعة الطب في مصر وحصن أمان للمصريين    دعاء صلاة الفجر ركن روحي هام في حياة المسلم    النائب العام يلتقي أعضاء إدارة التفتيش القضائي للنيابة العامة.. صور    التحقيق في العثورعلى جثة شاب داخل مسكنه بالجيزة    السيطرة على حريق شب داخل مخلفات بعين شمس    إصابة 4 عمال في حادث تصادم نقل وميكروباص أمام كارتة ميناء شرق بورسعيد    4 أهداف.. تعادل مثير يحسم مواجهة يوفنتوس أمام فياريال بدوري أبطال أوروبا    رياضة ½ الليل| هشام يسلف الزمالك.. إيقاف تريزيجيه.. قائمة الخطيب.. والموت يطارد هالاند    رئيس مجلس المطارات الدولي: مصر شريك استراتيجي في صناعة الطيران بالمنطقة    شهادة صحفي على مأساة أفغانستان الممتدة.. جون لي أندرسون يروي أربعة عقود في قلب عواصف كابول    زكريا أبوحرام يكتب: الملاك الذي خدعهم    أكاديمية «أخبار اليوم» في ثوبها الجديد.. وفرحة الطلاب ببدء العام الدراسي| صور وفيديو    حماية العقل بين التكريم الإلهي والتقوى الحقيقية    وصول وفد رسمي من وزارة الدفاع السورية إلى موسكو    مرض اليد والقدم والفم (HFMD): عدوى فيروسية سريعة الانتشار بين الأطفال    تحذير لهؤلاء.. هل بذور الرمان تسبب مشاكل في الجهاز الهضمي؟    أكلة مصرية.. طريقة عمل محشي البصل خطوة بخطوة    الخارجية التركية: اعتداء إسرائيل على "أسطول الصمود" عمل إرهابي    حل 150 مسألة بدون خطأ وتفوق على 1000 متسابق.. الطالب «أحمد» معجزة الفيوم: نفسي أشارك في مسابقات أكبر وأفرح والدي ووالدتي    مايولو: سعيد بالتسجيل أمام برشلونة.. نونو مينديش قام بعمل كبير    «مقتنعوش بيه».. ماجد سامي: كنت أتمنى انتقال نجم الزمالك ل الأهلي    الجيش الإسرائيلي: إطلاق 5 صواريخ من شمال غزة واعتراض 4 منها دون إصابات    ارتفاع أسعار الذهب في السعودية وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الخميس 2-10-2025    محافظ الشرقية يكرّم رعاة مهرجان الخيول العربية الأصيلة في دورته ال29.. صور    السكر القاتل.. عميد القلب السابق يوجه نصيحة لأصحاب «الكروش»    أرسنال بالعلامة الكاملة في الإمارات ينتصر بثنائية على أولمبياكوس    «التضامن الاجتماعي» بالوادي الجديد: توزيع مستلزمات مدرسية على طلاب قرى الأربعين    تسليم 21 ألف جهاز تابلت لطلاب الصف الأول الثانوي في محافظة المنيا    مدير معهد ناصر: اختيار المعهد ليكون مدينة طبية لعدة أسباب ويتمتع بمكانة كبيرة لدى المواطنين    اعتراضات على طريقة إدارتك للأمور.. برج الجدي اليوم 2 أكتوبر    ماذا كشفت النيابة في واقعة سرقة الأسورة الأثرية من المتحف المصري؟    أحمد موسى يوجه رسالة للمصريين: بلدنا محاطة بالتهديدات.. ثقوا في القيادة السياسية    تعرف على مواقيت الصلاه غدا الخميس 2 أكتوبر 2025فى محافظة المنيا    مجلس حكماء المسلمين: العناية بكبار السن وتقدير عطائهم الممتد واجب ديني ومسؤولية إنسانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قمة العشرين وهواجس أزمة عالمية جديدة
نشر في الأهرام اليومي يوم 03 - 07 - 2010

كل التقارير والتصريحات الدولية تصف مؤشرات التعافي للاقتصاد العالمي بأنه يندرج تحت بند التعافي الهش ومع اجتماعات قمة مجموعة العشرين وقمة مجموعة الثماني. أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما في رسالة تحذيرية واضحة أن العالم يمكن أن يتعرض لأزمة اقتصادية جديدة بشكل سريع‏,‏ وأرجع ذلك لسياسات دول الاتحاد الأوروبي الأخيرة وماتتضمنه من خفض للنفقات العامة بمعدلات كبيرة وسعي لزيادة الايرادات العامة بمعدلات عالية وارتباط هذه السياسات بنهاية برامج التحفيز المالي للاقتصادات التي كانت الرافعة الرئيسية الناجحة في مواجهة الأزمة المالية العالمية مع نهاية عام‏2008‏ وأصبح واضحا أن العالم لايواجه فقط خيارات العدول عن نظريات الأصولية الرأسمالية الفاسدة ونتائجها الكارثية ولكنه يواجه أيضا خيارات قاسية وشديدة الصعوبة‏,‏ أولها التركيز علي تحفيز النمو اعتمادا علي التوسع في الانفاق العام وخطط التحفيز الاقتصادي المكلفة لموازنات الدول‏,‏ وثانيهما العودة إلي القواعد والضوابط المالية والاقتصادية والتركيز علي خفض عجز الموازنات العامة وخفض الدين العام بكل ما يمكن أن يعنيه من تباطؤ في النمو وبكل ما قد يؤدي إليه من عودة اشباح الأزمة العالمية المالية والاقتصادية لتدق أبواب الكثير من دول العالم الصناعية المتقدمة بكل الشدة وبكل العنف كما حدث مع اليونان عضو اليورو والاتحاد الأوروبي التي كادت تعلن افلاسها كدولة‏,‏ وتطلب انقاذها المبدئي مئات المليارات من الدولارات واحتاج تدبيرها لتدخل صندوق النقد الدولي للمساعدة والدعم‏.‏
وقد انفض مولد اجتماعات مجموعة العشرين التي تجمع بين أغنياء العالم والقوي الصاعدة في الدول النامية بغير اتفاقات حاسمة وجوهرية وترك الاختيار والمفاضلة بين البدائل المختلفة لكل دولة تقررها كما شاءت في نطاق السياسات المالية والاقتصادية‏,‏ وحتي في نطاق مقترح فرض ضريبة علي المؤسسات المالية وجانب من المعاملات المالية لمواجهة الأعباء العامة المترتبة علي انهيارها وفساد معاملاتها وأعمالها فإن دول العالم اختلفت ولم توافق الصين والهند واستراليا كما لم توافق روسيا وكندا بالرغم من أن الكونجرس الأمريكي بمجلسيه الشيوخ والنواب يوشك علي اصدار تشريع جديد للاصلاح المالي يتضمن فرض ضريبة علي المؤسسات المالية وجانبا من المعاملات المالية‏,‏ كما تضمنت الموازنة البريطانية الجديدة بالفعل فرض ضريبة ابتداء من يناير‏2011‏ مع الرفع الفوري للضرائب علي القادرين برفع الضريبة علي أرباح رأس المال من‏18%‏ إلي‏28%‏ اضافة لرفع ضريبة القيمة المضافة من‏17,5%‏ إلي‏20%‏ من يناير القادم‏,‏ وذلك لمواجهة عجز الموازنة العامة البالغ‏221‏ مليار دولار‏.‏
وفي مواجهة تأكيدات الرئيس الأمريكي أوباما علي أنه ينبغي علي الدول ألا تتعجل تقليص جهودها الداعمة للتحفيز الاقتصادي حتي لاتعيد التجارب السابقة والماضية التي من خلالها تم التخلي السريع عن خطط التحفيز بسرعة مفرطة‏,‏ مما أدي إلي تجدد المشكلات الاقتصادية والوقوع فريسة للركود‏,‏ وكذلك تأكيدات خبراء دوليين بارزين علي أن المخاطر الاقتصادية العالمية سترتفع وتيرتها وتتزايد مع سعي الدول الي تطبيق استراتيجيات جديدة للتخلي عن برامج التحفيز المالية والاقتصادية والنقدية الاستثنائية الراهنة‏,‏ خوفا من تأثيراتها السلبية علي عجز الموازنات العامة وزيادة المديونيات العامة‏,‏ مع ضرورة الاهتمام بالمنطق الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الذي يعطي أولوية للنمو باعتباره الوسيلة الرئيسية لمواجهة ظاهرة البطالة المتفاقمة في الدول الصناعية الكبري والتي تبلغ معدلاتها‏10%‏ في أمريكا وتصل في دولة أوروبية مثل اسبانيا إلي‏20%,‏ وهي مؤشرات مقلقة تعمق أحاديث التعافي الاقتصادي العالمي الهش‏.‏
تأثير العجز المالي والديون علي الانتعاش الاقتصادي
في مقابل كل ذلك فإن هناك من يتحدث عن طريق ثالث يجب فحصه وتدقيقه وتحديد السياسات الناجحة المؤدية إلي تنفيذه وتبنيه‏,‏ ويتحدث عنه انجيل غوربا الأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية‏,‏ التي تضم في عضويتها الدول الصناعية الكبري عالميا‏,‏ بتأكيده علي أن الاختيار بين الانفاق التحفيزي وتقليص العجز معضلة زائفة فكلاهما ضروري وهو نفس المنطق الذي تحدث به ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا بتأكيده أنه ليس هناك خلافات بين أوروبا وأمريكا في وجهات النظر حول الاستراتيجية الواجب اتباعها لمساندة الانتعاش الاقتصادي العالمي‏,‏ لأن الخطر بالنسبة للجميع يكمن في عدم التحرك لخفض العجز المالي‏,‏ ويعزز ذلك المنطق أن ادارة أوباما قد أعلنت علي مدي الشهور الماضية خططا للاصلاح المالي تستهدف التخفيض الكبير للعجز في الموازنة الفيدرالية الذي كاد يقترب من تريليوني دولار تشكل نحو‏12,5%‏ من الناتج المحلي الاجمالي مع ارتفاع الدين الفيدرالي إلي‏13‏ تريليون دولار‏.‏
ويبقي جانب أصيل من الخبرة الأمريكية المرتبطة بالاحساس بالخطر الشديد من سياسات التقشف وعدم المبادرة بمساندة الأوضاع العامة المتردية وهي خبرة ترجع للنتائج الكارثية التي تسبب فيها اندرو ميلون وزير مالية الرئيس هربرت هوفر‏1929‏ 1933‏ في التعامل مع الكساد العظيم ومانتج عنها من تصاعد حدته وخسائره وكوارثه‏,‏ حيث أصر علي أن مواجهة انفجار فقاعة القروض التي تسببت في كساد الثلاثينيات من القرن العشرين يجب أن يتم من خلال تصفية الأعمال الصناعية والتجارية والزراعية الخاسرة‏,‏ وأن تتم تصفية المعاملات العقارية المدينة‏,‏ وكذلك المعاملات المالية المدينة في سبيل تطهير النظام الاقتصادي والعقاري والمالي من جميع مظاهر الخلل والفساد ونتج عن هذه السياسة أن اندفع الاقتصاد الأمريكي والعالمي إلي حافة الهاوية لولا تولي الرئيس روزفلت للرئاسة وقيامه بتبني رؤية جديدة مغايرة تماما قدم من خلالها صفقة جديدة متكاملة للاصلاح ومواجهة الفساد ومساندة التحفيز الاقتصادي والحرص علي الجوانب الاجتماعية والانسانية عن طريق الاعتراف بالدور الكبير والمحوري للدولة في الحياة والنشاط ورفض الحلول القائمة علي قدرة السوق الخفية علي التصحيح والتصويب في ضوء عجزها التام الكامل عن مواجهة تداعيات الكساد العظيم وتصاعد موجاته العاتية التي كادت تعصف بالاقتصادين الأمريكي والعالمي إلي حدود قاع الهاوية التي لامنقذ منها ولا مخرج الا بتكسير الأصنام التي لا تضر ولا تنفع لآلهة السوق الزائفين والمزيفين‏.‏
غموض مستقبل برامج التحفيز الأمريكية
ومؤشرات العجز الضخم
وبرغم من نصائح الرئيس الأمريكي للأوروبيين وتأكيدات وزير خزانته عليها بالحاح‏,‏ فأن الواقع الأمريكي يشير إلي أن خطط باراك أوباما للتحفيز الاقتصادي يمكن أن تتعرض هي أيضا للتوقف العاجل والسريع في ظل معارضة الكونجرس وعدم موافقته علي رصد الاعتمادات المالية التي تطلبها الادارة‏,‏ فمن اجمالي اعتمادات اضافية قيمتها‏266‏ مليار دولار للتحفيز الاقتصادي طلبتها ادارة أوباما منذ فبراير الماضي‏,‏ فإن الكونجرس لم يوافق إلا علي نحو ربع هذه الاعتمادات كما رفض مجلس الشيوخ خلال الاسبوع الماضي الموافقة علي مشروع قانون لتجديد اعانات البطالة وتقديم مساعدات للولايات التي تعاني من نقص الأموال وعجزها عن تدبيرالنفقات الضرورية اللازمة‏,‏ وهذه المؤشرات ترفع من حدة القلق والتوتر داخل ادارة أوباما وفي خارج أمريكا‏,‏ بحكم أن اعتمادات التحفيز الاقتصادي والبالغ قيمتها‏862‏ مليار دولار التي اعتمدت في فبراير عام‏2009‏ تنتهي خلال العام القادم‏,‏ وهناك شكوك تتصاعد عن احتمالات عدم تجديدها في ضوء مؤشرات تعزيز الجمهوريين لأوضاعهم في الكونجرس بمجلسيه في انتخابات التجديد النصفي مع نهاية العام الحالي وتصاعد قدرتهم علي رفض طلبات ادارة أوباما التي يعارضونها منذ البداية‏.‏
ويعزز هذه المخاوف ويؤكدها ما يتم علي مستوي موازنات الولايات المختلفة في أمريكا وحتي علي مستوي موازنات المدن الكبيرة والصغيرة وتبني المسئولين عنها نفس المنطق والسياسات التي دفعت إلي تصاعد وتيرة الكساد‏.‏ العظيم في الثلاثينيات من القرن العشرين وترصد صحيفة الفاينانشيال تايمز ما تصفه بالظاهرة المقلقة لعجز الموازنات في امريكا وتهديدها بتغيير البنيان الاجتماعي الامريكي وتمزيقه حيث تقوم كافة الولايات بتخفيضات كبيرة للنفقات العامة بما فيها النفقات الضرورية الحتمية مثل نفقات البوليس ووحدات الاطفاء وبناء المدارس والبرامج الاجتماعية الاساسية وعلي الرغم من ذلك فإن العجز في موازنات الولايات يقدر بنحو‏112‏ مليار دولار مازالت تبحث عن مصادر جديدة للتمويل أما بالمزيد من الخفض في النفقات العامة أو بالمزيد من الايرادات وتشير الفاينانشيال تايمز إلي أن بعض المدن وصلت الي حد تبني الحلول المستحيلة والمرفوضة وتقدم نموذجا لمدينة ماي وود الصغيرة في جنوب ولاية فلوريدا حيث قررت تخفيضا للنفقات ولمواجهة عجز الايرادات والركود أن تستغني عن خدمات البوليس والأطفاء وتلغي كل الوظائف العامة مع التعاقد مع القطاع الخاص لادارة هذه الأعمال بالحد الأدني من النفقات مما يعكس حدة الأزمات المالية التي تواجه امريكا علي المستوي العملي والتطبيقي ويكشف عن عجز برامج التحفيز بالرغم من ضخامتها عن توفير الحلول اللازمة مما يؤكد علي كارثية وضخامة الأزمة المالية وخسائرها المروعة وما ترتب عليها من كساد فعلي حاد يضرب في مقتل كامل عجلة الاقتصاد والمجتمع في امريكا‏.‏
التراجع عن السياسات الاستثنائية لمساندة النمو
وحتي في ظل هذه الأحاديث الصاخبة علي سطح الأحداث الاقتصادية العالمية عن اختلافات وخلافات أوروبية امريكية تهدد باندلاع أزمة اقتصادية جديدة عاجلة فإن ذلك لا ينفي أن المخاوف الحقيقية علي الانتعاش ترتبط بمصير سياسات التحفيز الاستثنائية التي كانت فاعلة بشكل مؤثر بالاضافة الي برامج التحفيز القائمة علي الانفاق العام والاعتمادات المالية الحكومية ويأتي في مقدمتها السياسات النقدية الاستثنائية وما توفره من سيولة مالية للمؤسسات المالية والبنوك بشروط ميسرة للغاية وترصد مجلة الايكونوميست البريطانية الاقتصادية أن البنك المركزي الأوروبي قد رصد منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية‏800‏ مليار يورو‏960‏ مليار دولار اتاحها للبنوك في صورة قروض الجزء الأكبر منها بضمان ما تملكه البنوك من سندات حكومية وأصول أخري معلوم أنها مشكوك فيها أو تعاني من التعثر وذلك لدعم تماسك وصمود النظام المصرفي والمالي الأوروبي في مواجهة أوضاع عدم الاستقرار والتعثر وتوالي الأزمات‏,‏ وهي ايضا تعرضت خلال الاسبوع الماضي لمتغيرات جوهرية بقرارات البنك المركزي الاوروبي بوقف جانب هام من التيسيرات التي كانت تتضمنها مما اصاب الأسواق المالية العالمية بانهيارات حادة في الاسبوع الماضي‏,‏ فيما يرتبط بأسهم المؤسسات المالية‏.‏
وعلي أرض الواقع العملي والفعلي فإن دولا رئيسية في الاتحاد الأوروبي وفي منطقة اليورو قد اتخذت بالفعل اجراءات للاصلاح المالي وأعلنت عن خطط لتخفيض عجز الموازنات العامة والدين العام علي امتداد السنوات الثلاث أو الخمس القادمة مثل المانيا وفرنسا وبريطانيا وايطاليا كما أن الدول التالية في القوة الاقتصادية مثل اسبانيا والبرتغال اضطرت الي اتخاذ اجراءات أشد قسوة للضبط المالي واتسعت الدائرة لتشمل باقي دول الاتحاد الأوروبي خاصة دول أوروبا الشرقية حديثة الانضمام للاتحاد مثل رومانيا والمجر وبولندا وذلك في ضوء الانهيار المالي الكبير الذي تعرضت له اليونان مع ارتفاع العجز بالموازنة العامة إلي‏13.6%‏ من الناتج المحلي الاجمالي وارتفاع الدين العام لتقديرات تتراوح بين‏400‏ و‏450‏ مليار دولار والعجز عن سداد المستحقات من اقساط وفوائد‏.‏
وقد قدمت تجربة اليونان نموذجا للثمن الفادح للتأخر في المساندة والدعم داخل دول البيت الأوروبي الواحد حتي اذا كانت احتياجات الانقاذ من التعثر كبيرة وكانت المشكلات حادة ومتفاقمة حيث تأخرت المانيا باعتبارها القاطرة الاقتصادية والمالية للاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو في اتخاذ القرار اللازم في التوقيت اللازم مما هدد باعلان افلاس اليونان وعندما تصاعدت الأمور وهددت استقرار اليورو مع تراجع سعر صرفه بمعدلات مرتفعة وسريعة وأصبح بقاء العملة الأوروبية الموحدة علي المحك تحرك الجميع بمساندة صندوق النقد الدولي مع منح الاتحاد سلطة التفتيش علي موازنات الدول ومراجعتها والموافقها عليها قبل اقرارها من السلطات التشريعية للدول وكأن الاتحاد اصبح يملك حق الفيتو علي نفقات الحكومات وبالتالي علي سياساتها في النطاق الوطني والمحلي‏.‏
وقد تسببت سياسات التقشف وضغط النفقات العامة بالفعل في صيف أوروبي ساخن حيث تصاعدت الاضرابات الواسعة النطاق والاحتجاجات والمظاهرات العامة التي دخلت في مواجهات مع الشرطة حادة ودموية بمايلقي بالكثير من الظلال علي الأوضاع السياسية الأوروبية في المستقبل القريب والبعيد خاصة وأن التقشف طال الأجور للعاملين بالحكومة والقطاع العام وطال ايضا اصحاب المعاشات ونظم المساعدة والضمان الاجتماعي للفئات الأقل دخلا وما كانت تحصل عليه من مزايا وامتيازات استقرت علي مدي عقود طويلة منذ الحرب العالمية الثانية‏.‏
‏***‏
بالرغم من الحديث في نهاية اجتماعات قمة العشرين بتورنتو العاصمة الاقتصادية لكندا عن عدم وجود خلافات بين الاستراتيجيات الأوروبية والأمريكية لمساندة النمو والانتعاش العالمي بهدف تجنب أزمة اقتصادية عالية جديدة إلا أن كافة الوقائع تثبت أن هناك خلافات جذرية علي جانبي الاطلنطي لم يتم التوصل إلي حلها في قمة الثمانية الكبار التي عقدت في كندا قبل قمة العشرين وأن هذه الخلافات تم تصديرها إلي اجتماعات العشرين الأوسع حتي لا تتحمل الدول الغنية والأكثر ثراء وقدرة مسئولية الخلاف وعدم التوصل إلي قرارات واضحة وصريحة‏.‏
ومن خلال الترتيبات الزمنية فإن انعقاد قمة الثمانية قبل انعقاد قمة العشرين بأيام قد أعطي انطباعا عالميا بأن نادي الأثرياء العالمي مازال مصرا علي احتكار اتخاذ القرارات المؤثرة في مصير العالم ومستقبله وأن قمة العشرين في البداية والنهاية لا تقوم إلا بدور‏(‏ المحلل‏)‏ لأوامر وتعليمات الثمانية الكبار وأن اجتماعاتها لا تعكس الا توافقهم أو اختلافهم بما يتناقص تماما مع مطالب الدول النامية وضغوطها لتوسيع نطاق التشاور العالمي بدرجة أعلي من المرونة والمشاركة بين الدول المتقدمة والنامية لكسر احتكار الأقوياء وسطوتهم وسيطرتهم علي مسار العالم الذي يتعارض ويتناقص مع مصالح الدول النامية جملة وتفصيلا؟‏!‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.