كل ما تريد معرفته عن مسابقة توظيف بريد الجزائر 2025.. الموعد والشروط وطريقة التسجيل    قرارات صارمة من وزارة التربية والتعليم استعدادًا للعام الدراسي الجديد 20262025 (تعرف عليها)    سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري الإثنين 18-8-2025 بعد الهبوط العالمي الجديد    «زي النهارده».. وفاة كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة 18 أغسطس 1997    ترامب يستبعد استرجاع أوكرانيا ل القرم.. ماذا قال عن إنهاء الحرب مع روسيا؟    تل أبيب تشتعل وأهداف نتنياهو بشأن احتلال غزة فى تغطية خاصة لليوم السابع (فيديو)    اليوم الإثنين.. رئيس الوزراء الفلسطيني يزور معبر رفح البري    هل تعود الموجة الحارة في أغسطس؟.. بيان مهم بشأن حالة الطقس الأيام المقبلة    مصرع سيدة في حادث سير ب شمال سيناء    مراد مكرم عن رحيل تيمور تيمور: «مات بطل وهو بينقذ ابنه»    دعه ينفذ دعه يمر فالمنصب لحظة سوف تمر    مئات الآلاف يواصلون تظاهراتهم في إسرائيل للمطالبة بوقف العدوان على غزة    النيابة تستعجل تحريات مقتل سيدة على يد زوجها أمام طفليها التوأم في الإسكندرية    الأغذية العالمي: نصف مليون فلسطيني في غزة على شفا المجاعة    عون: السعودية ساهمت في إنهاء الفراغ الرئاسي في لبنان    سعر الذهب في مصر اليوم الاثنين 18-8-2025 مع بداية التعاملات    إساءات للذات الإلهية.. جامعة الأزهر فرع أسيوط ترد على شكوى أستاذة عن توقف راتبها    "أي حكم يغلط يتحاسب".. خبير تحكيمي يعلق على طرد محمد هاني بمباراة الأهلي وفاركو    «زمانك دلوقتي».. شذى تطرح أولى أغاني ألبومها الجديد    ياسين التهامي يوجه الدعوة لتأمل معاني الحب الإلهي في مهرجان القلعة    تامر عبدالمنعم: «سينما الشعب» تتيح الفن للجميع وتدعم مواجهة التطرف    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الاثنين 18 أغسطس    وصفة مغذية وسهلة التحضير، طريقة عمل كبد الفراخ    أسفار الحج 13.. من أضاء المسجد النبوى "مصرى"    قد يكون مؤشر على مشكلة صحية.. أبرز أسباب تورم القدمين    أتلتيكو مدريد يسقط أمام إسبانيول بثنائية في الدوري الإسباني    أحمد شوبير يكشف موعد عودة إمام عاشور للمشاركة في المباريات مع الأهلي    رئيس "حماية المستهلك": وفرة السلع في الأسواق الضامن لتنظيم الأسعار تلقائيًا    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025 في القاهرة والمحافظات    أوسيم تضيء بذكراه، الكنيسة تحيي ذكرى نياحة القديس مويسيس الأسقف الزاهد    وزارة التربية والتعليم تصدر 24 توجيهًا قبل بدء العام الدراسي الجديد.. تشديدات بشأن الحضور والضرب في المدراس    مصرع طفل أسفل عجلات القطار في أسيوط    موعد فتح باب التقديم لوظائف وزارة الإسكان 2025    بدء اختبارات كشف الهيئة لطلاب مدارس التمريض بالإسكندرية    بحضور وزير قطاع الأعمال.. تخرج دفعة جديدة ب «الدراسات العليا في الإدارة»    البنك المصري الخليجي يتصدر المتعاملين الرئيسيين بالبورصة خلال جلسة بداية الأسبوع    هاجر الشرنوبي تدعو ل أنغام: «ربنا يعفي عنها»    حدث بالفن | عزاء تيمور تيمور وفنان ينجو من الغرق وتطورات خطيرة في حالة أنغام الصحية    إضافة المواليد على بطاقة التموين 2025.. الخطوات والشروط والأوراق المطلوبة (تفاصيل)    الأونروا: ما يحدث في قطاع غزة أكبر أزمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    انطلاق المؤتمر الدولي السادس ل«تكنولوجيا الأغشية وتطبيقاتها» بالغردقة    "لا يصلح"... رضا عبدالعال يوجه انتقادات قوية ليانيك فيريرا    حضريها في المنزل بمكونات اقتصادية، الوافل حلوى لذيذة تباع بأسعار عالية    متحدث الصحة يفجر مفاجأة بشأن خطف الأطفال وسرقة الأعضاء البشرية (فيديو)    متحدث الصحة يكشف حقيقة الادعاءات بخطف الأطفال لسرقة أعضائهم    طارق مجدي حكما للإسماعيلي والاتحاد وبسيوني للمصري وبيراميدز    أشرف صبحي يجتمع باللجنة الأولمبية لبحث الاستعدادات لأولمبياد لوس أنجلوس    السكة الحديد: تشغيل القطار الخامس لتيسير العودة الطوعية للأشقاء السودانيين    وزير الثقافة ومحافظ الإسماعيلية يفتتحان الملتقى القومي الثالث للسمسمية    اليوم.. أولى جلسات محاكمة المتهمين في واقعة مطاردة طريق الواحات    مواجهة مع شخص متعالي.. حظ برج القوس اليوم 18 أغسطس    ننشر أقوال السائق في واقعة مطاردة فتيات طريق الواحات    رضا عبد العال: فيريرا لا يصلح للزمالك.. وعلامة استفهام حول استبعاد شيكو بانزا    بداية متواضعة.. ماذا قدم مصطفى محمد في مباراة نانت ضد باريس سان جيرمان؟    تنسيق الثانوية العامة 2025 المرحلة الثالثة.. كليات التربية ب أنواعها المتاحة علمي علوم ورياضة وأدبي    هل يجوز ارتداء الملابس على الموضة؟.. أمين الفتوى يوضح    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قمة العشرين وهواجس أزمة عالمية جديدة
نشر في الأهرام اليومي يوم 03 - 07 - 2010

كل التقارير والتصريحات الدولية تصف مؤشرات التعافي للاقتصاد العالمي بأنه يندرج تحت بند التعافي الهش ومع اجتماعات قمة مجموعة العشرين وقمة مجموعة الثماني. أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما في رسالة تحذيرية واضحة أن العالم يمكن أن يتعرض لأزمة اقتصادية جديدة بشكل سريع‏,‏ وأرجع ذلك لسياسات دول الاتحاد الأوروبي الأخيرة وماتتضمنه من خفض للنفقات العامة بمعدلات كبيرة وسعي لزيادة الايرادات العامة بمعدلات عالية وارتباط هذه السياسات بنهاية برامج التحفيز المالي للاقتصادات التي كانت الرافعة الرئيسية الناجحة في مواجهة الأزمة المالية العالمية مع نهاية عام‏2008‏ وأصبح واضحا أن العالم لايواجه فقط خيارات العدول عن نظريات الأصولية الرأسمالية الفاسدة ونتائجها الكارثية ولكنه يواجه أيضا خيارات قاسية وشديدة الصعوبة‏,‏ أولها التركيز علي تحفيز النمو اعتمادا علي التوسع في الانفاق العام وخطط التحفيز الاقتصادي المكلفة لموازنات الدول‏,‏ وثانيهما العودة إلي القواعد والضوابط المالية والاقتصادية والتركيز علي خفض عجز الموازنات العامة وخفض الدين العام بكل ما يمكن أن يعنيه من تباطؤ في النمو وبكل ما قد يؤدي إليه من عودة اشباح الأزمة العالمية المالية والاقتصادية لتدق أبواب الكثير من دول العالم الصناعية المتقدمة بكل الشدة وبكل العنف كما حدث مع اليونان عضو اليورو والاتحاد الأوروبي التي كادت تعلن افلاسها كدولة‏,‏ وتطلب انقاذها المبدئي مئات المليارات من الدولارات واحتاج تدبيرها لتدخل صندوق النقد الدولي للمساعدة والدعم‏.‏
وقد انفض مولد اجتماعات مجموعة العشرين التي تجمع بين أغنياء العالم والقوي الصاعدة في الدول النامية بغير اتفاقات حاسمة وجوهرية وترك الاختيار والمفاضلة بين البدائل المختلفة لكل دولة تقررها كما شاءت في نطاق السياسات المالية والاقتصادية‏,‏ وحتي في نطاق مقترح فرض ضريبة علي المؤسسات المالية وجانب من المعاملات المالية لمواجهة الأعباء العامة المترتبة علي انهيارها وفساد معاملاتها وأعمالها فإن دول العالم اختلفت ولم توافق الصين والهند واستراليا كما لم توافق روسيا وكندا بالرغم من أن الكونجرس الأمريكي بمجلسيه الشيوخ والنواب يوشك علي اصدار تشريع جديد للاصلاح المالي يتضمن فرض ضريبة علي المؤسسات المالية وجانبا من المعاملات المالية‏,‏ كما تضمنت الموازنة البريطانية الجديدة بالفعل فرض ضريبة ابتداء من يناير‏2011‏ مع الرفع الفوري للضرائب علي القادرين برفع الضريبة علي أرباح رأس المال من‏18%‏ إلي‏28%‏ اضافة لرفع ضريبة القيمة المضافة من‏17,5%‏ إلي‏20%‏ من يناير القادم‏,‏ وذلك لمواجهة عجز الموازنة العامة البالغ‏221‏ مليار دولار‏.‏
وفي مواجهة تأكيدات الرئيس الأمريكي أوباما علي أنه ينبغي علي الدول ألا تتعجل تقليص جهودها الداعمة للتحفيز الاقتصادي حتي لاتعيد التجارب السابقة والماضية التي من خلالها تم التخلي السريع عن خطط التحفيز بسرعة مفرطة‏,‏ مما أدي إلي تجدد المشكلات الاقتصادية والوقوع فريسة للركود‏,‏ وكذلك تأكيدات خبراء دوليين بارزين علي أن المخاطر الاقتصادية العالمية سترتفع وتيرتها وتتزايد مع سعي الدول الي تطبيق استراتيجيات جديدة للتخلي عن برامج التحفيز المالية والاقتصادية والنقدية الاستثنائية الراهنة‏,‏ خوفا من تأثيراتها السلبية علي عجز الموازنات العامة وزيادة المديونيات العامة‏,‏ مع ضرورة الاهتمام بالمنطق الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الذي يعطي أولوية للنمو باعتباره الوسيلة الرئيسية لمواجهة ظاهرة البطالة المتفاقمة في الدول الصناعية الكبري والتي تبلغ معدلاتها‏10%‏ في أمريكا وتصل في دولة أوروبية مثل اسبانيا إلي‏20%,‏ وهي مؤشرات مقلقة تعمق أحاديث التعافي الاقتصادي العالمي الهش‏.‏
تأثير العجز المالي والديون علي الانتعاش الاقتصادي
في مقابل كل ذلك فإن هناك من يتحدث عن طريق ثالث يجب فحصه وتدقيقه وتحديد السياسات الناجحة المؤدية إلي تنفيذه وتبنيه‏,‏ ويتحدث عنه انجيل غوربا الأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية‏,‏ التي تضم في عضويتها الدول الصناعية الكبري عالميا‏,‏ بتأكيده علي أن الاختيار بين الانفاق التحفيزي وتقليص العجز معضلة زائفة فكلاهما ضروري وهو نفس المنطق الذي تحدث به ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا بتأكيده أنه ليس هناك خلافات بين أوروبا وأمريكا في وجهات النظر حول الاستراتيجية الواجب اتباعها لمساندة الانتعاش الاقتصادي العالمي‏,‏ لأن الخطر بالنسبة للجميع يكمن في عدم التحرك لخفض العجز المالي‏,‏ ويعزز ذلك المنطق أن ادارة أوباما قد أعلنت علي مدي الشهور الماضية خططا للاصلاح المالي تستهدف التخفيض الكبير للعجز في الموازنة الفيدرالية الذي كاد يقترب من تريليوني دولار تشكل نحو‏12,5%‏ من الناتج المحلي الاجمالي مع ارتفاع الدين الفيدرالي إلي‏13‏ تريليون دولار‏.‏
ويبقي جانب أصيل من الخبرة الأمريكية المرتبطة بالاحساس بالخطر الشديد من سياسات التقشف وعدم المبادرة بمساندة الأوضاع العامة المتردية وهي خبرة ترجع للنتائج الكارثية التي تسبب فيها اندرو ميلون وزير مالية الرئيس هربرت هوفر‏1929‏ 1933‏ في التعامل مع الكساد العظيم ومانتج عنها من تصاعد حدته وخسائره وكوارثه‏,‏ حيث أصر علي أن مواجهة انفجار فقاعة القروض التي تسببت في كساد الثلاثينيات من القرن العشرين يجب أن يتم من خلال تصفية الأعمال الصناعية والتجارية والزراعية الخاسرة‏,‏ وأن تتم تصفية المعاملات العقارية المدينة‏,‏ وكذلك المعاملات المالية المدينة في سبيل تطهير النظام الاقتصادي والعقاري والمالي من جميع مظاهر الخلل والفساد ونتج عن هذه السياسة أن اندفع الاقتصاد الأمريكي والعالمي إلي حافة الهاوية لولا تولي الرئيس روزفلت للرئاسة وقيامه بتبني رؤية جديدة مغايرة تماما قدم من خلالها صفقة جديدة متكاملة للاصلاح ومواجهة الفساد ومساندة التحفيز الاقتصادي والحرص علي الجوانب الاجتماعية والانسانية عن طريق الاعتراف بالدور الكبير والمحوري للدولة في الحياة والنشاط ورفض الحلول القائمة علي قدرة السوق الخفية علي التصحيح والتصويب في ضوء عجزها التام الكامل عن مواجهة تداعيات الكساد العظيم وتصاعد موجاته العاتية التي كادت تعصف بالاقتصادين الأمريكي والعالمي إلي حدود قاع الهاوية التي لامنقذ منها ولا مخرج الا بتكسير الأصنام التي لا تضر ولا تنفع لآلهة السوق الزائفين والمزيفين‏.‏
غموض مستقبل برامج التحفيز الأمريكية
ومؤشرات العجز الضخم
وبرغم من نصائح الرئيس الأمريكي للأوروبيين وتأكيدات وزير خزانته عليها بالحاح‏,‏ فأن الواقع الأمريكي يشير إلي أن خطط باراك أوباما للتحفيز الاقتصادي يمكن أن تتعرض هي أيضا للتوقف العاجل والسريع في ظل معارضة الكونجرس وعدم موافقته علي رصد الاعتمادات المالية التي تطلبها الادارة‏,‏ فمن اجمالي اعتمادات اضافية قيمتها‏266‏ مليار دولار للتحفيز الاقتصادي طلبتها ادارة أوباما منذ فبراير الماضي‏,‏ فإن الكونجرس لم يوافق إلا علي نحو ربع هذه الاعتمادات كما رفض مجلس الشيوخ خلال الاسبوع الماضي الموافقة علي مشروع قانون لتجديد اعانات البطالة وتقديم مساعدات للولايات التي تعاني من نقص الأموال وعجزها عن تدبيرالنفقات الضرورية اللازمة‏,‏ وهذه المؤشرات ترفع من حدة القلق والتوتر داخل ادارة أوباما وفي خارج أمريكا‏,‏ بحكم أن اعتمادات التحفيز الاقتصادي والبالغ قيمتها‏862‏ مليار دولار التي اعتمدت في فبراير عام‏2009‏ تنتهي خلال العام القادم‏,‏ وهناك شكوك تتصاعد عن احتمالات عدم تجديدها في ضوء مؤشرات تعزيز الجمهوريين لأوضاعهم في الكونجرس بمجلسيه في انتخابات التجديد النصفي مع نهاية العام الحالي وتصاعد قدرتهم علي رفض طلبات ادارة أوباما التي يعارضونها منذ البداية‏.‏
ويعزز هذه المخاوف ويؤكدها ما يتم علي مستوي موازنات الولايات المختلفة في أمريكا وحتي علي مستوي موازنات المدن الكبيرة والصغيرة وتبني المسئولين عنها نفس المنطق والسياسات التي دفعت إلي تصاعد وتيرة الكساد‏.‏ العظيم في الثلاثينيات من القرن العشرين وترصد صحيفة الفاينانشيال تايمز ما تصفه بالظاهرة المقلقة لعجز الموازنات في امريكا وتهديدها بتغيير البنيان الاجتماعي الامريكي وتمزيقه حيث تقوم كافة الولايات بتخفيضات كبيرة للنفقات العامة بما فيها النفقات الضرورية الحتمية مثل نفقات البوليس ووحدات الاطفاء وبناء المدارس والبرامج الاجتماعية الاساسية وعلي الرغم من ذلك فإن العجز في موازنات الولايات يقدر بنحو‏112‏ مليار دولار مازالت تبحث عن مصادر جديدة للتمويل أما بالمزيد من الخفض في النفقات العامة أو بالمزيد من الايرادات وتشير الفاينانشيال تايمز إلي أن بعض المدن وصلت الي حد تبني الحلول المستحيلة والمرفوضة وتقدم نموذجا لمدينة ماي وود الصغيرة في جنوب ولاية فلوريدا حيث قررت تخفيضا للنفقات ولمواجهة عجز الايرادات والركود أن تستغني عن خدمات البوليس والأطفاء وتلغي كل الوظائف العامة مع التعاقد مع القطاع الخاص لادارة هذه الأعمال بالحد الأدني من النفقات مما يعكس حدة الأزمات المالية التي تواجه امريكا علي المستوي العملي والتطبيقي ويكشف عن عجز برامج التحفيز بالرغم من ضخامتها عن توفير الحلول اللازمة مما يؤكد علي كارثية وضخامة الأزمة المالية وخسائرها المروعة وما ترتب عليها من كساد فعلي حاد يضرب في مقتل كامل عجلة الاقتصاد والمجتمع في امريكا‏.‏
التراجع عن السياسات الاستثنائية لمساندة النمو
وحتي في ظل هذه الأحاديث الصاخبة علي سطح الأحداث الاقتصادية العالمية عن اختلافات وخلافات أوروبية امريكية تهدد باندلاع أزمة اقتصادية جديدة عاجلة فإن ذلك لا ينفي أن المخاوف الحقيقية علي الانتعاش ترتبط بمصير سياسات التحفيز الاستثنائية التي كانت فاعلة بشكل مؤثر بالاضافة الي برامج التحفيز القائمة علي الانفاق العام والاعتمادات المالية الحكومية ويأتي في مقدمتها السياسات النقدية الاستثنائية وما توفره من سيولة مالية للمؤسسات المالية والبنوك بشروط ميسرة للغاية وترصد مجلة الايكونوميست البريطانية الاقتصادية أن البنك المركزي الأوروبي قد رصد منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية‏800‏ مليار يورو‏960‏ مليار دولار اتاحها للبنوك في صورة قروض الجزء الأكبر منها بضمان ما تملكه البنوك من سندات حكومية وأصول أخري معلوم أنها مشكوك فيها أو تعاني من التعثر وذلك لدعم تماسك وصمود النظام المصرفي والمالي الأوروبي في مواجهة أوضاع عدم الاستقرار والتعثر وتوالي الأزمات‏,‏ وهي ايضا تعرضت خلال الاسبوع الماضي لمتغيرات جوهرية بقرارات البنك المركزي الاوروبي بوقف جانب هام من التيسيرات التي كانت تتضمنها مما اصاب الأسواق المالية العالمية بانهيارات حادة في الاسبوع الماضي‏,‏ فيما يرتبط بأسهم المؤسسات المالية‏.‏
وعلي أرض الواقع العملي والفعلي فإن دولا رئيسية في الاتحاد الأوروبي وفي منطقة اليورو قد اتخذت بالفعل اجراءات للاصلاح المالي وأعلنت عن خطط لتخفيض عجز الموازنات العامة والدين العام علي امتداد السنوات الثلاث أو الخمس القادمة مثل المانيا وفرنسا وبريطانيا وايطاليا كما أن الدول التالية في القوة الاقتصادية مثل اسبانيا والبرتغال اضطرت الي اتخاذ اجراءات أشد قسوة للضبط المالي واتسعت الدائرة لتشمل باقي دول الاتحاد الأوروبي خاصة دول أوروبا الشرقية حديثة الانضمام للاتحاد مثل رومانيا والمجر وبولندا وذلك في ضوء الانهيار المالي الكبير الذي تعرضت له اليونان مع ارتفاع العجز بالموازنة العامة إلي‏13.6%‏ من الناتج المحلي الاجمالي وارتفاع الدين العام لتقديرات تتراوح بين‏400‏ و‏450‏ مليار دولار والعجز عن سداد المستحقات من اقساط وفوائد‏.‏
وقد قدمت تجربة اليونان نموذجا للثمن الفادح للتأخر في المساندة والدعم داخل دول البيت الأوروبي الواحد حتي اذا كانت احتياجات الانقاذ من التعثر كبيرة وكانت المشكلات حادة ومتفاقمة حيث تأخرت المانيا باعتبارها القاطرة الاقتصادية والمالية للاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو في اتخاذ القرار اللازم في التوقيت اللازم مما هدد باعلان افلاس اليونان وعندما تصاعدت الأمور وهددت استقرار اليورو مع تراجع سعر صرفه بمعدلات مرتفعة وسريعة وأصبح بقاء العملة الأوروبية الموحدة علي المحك تحرك الجميع بمساندة صندوق النقد الدولي مع منح الاتحاد سلطة التفتيش علي موازنات الدول ومراجعتها والموافقها عليها قبل اقرارها من السلطات التشريعية للدول وكأن الاتحاد اصبح يملك حق الفيتو علي نفقات الحكومات وبالتالي علي سياساتها في النطاق الوطني والمحلي‏.‏
وقد تسببت سياسات التقشف وضغط النفقات العامة بالفعل في صيف أوروبي ساخن حيث تصاعدت الاضرابات الواسعة النطاق والاحتجاجات والمظاهرات العامة التي دخلت في مواجهات مع الشرطة حادة ودموية بمايلقي بالكثير من الظلال علي الأوضاع السياسية الأوروبية في المستقبل القريب والبعيد خاصة وأن التقشف طال الأجور للعاملين بالحكومة والقطاع العام وطال ايضا اصحاب المعاشات ونظم المساعدة والضمان الاجتماعي للفئات الأقل دخلا وما كانت تحصل عليه من مزايا وامتيازات استقرت علي مدي عقود طويلة منذ الحرب العالمية الثانية‏.‏
‏***‏
بالرغم من الحديث في نهاية اجتماعات قمة العشرين بتورنتو العاصمة الاقتصادية لكندا عن عدم وجود خلافات بين الاستراتيجيات الأوروبية والأمريكية لمساندة النمو والانتعاش العالمي بهدف تجنب أزمة اقتصادية عالية جديدة إلا أن كافة الوقائع تثبت أن هناك خلافات جذرية علي جانبي الاطلنطي لم يتم التوصل إلي حلها في قمة الثمانية الكبار التي عقدت في كندا قبل قمة العشرين وأن هذه الخلافات تم تصديرها إلي اجتماعات العشرين الأوسع حتي لا تتحمل الدول الغنية والأكثر ثراء وقدرة مسئولية الخلاف وعدم التوصل إلي قرارات واضحة وصريحة‏.‏
ومن خلال الترتيبات الزمنية فإن انعقاد قمة الثمانية قبل انعقاد قمة العشرين بأيام قد أعطي انطباعا عالميا بأن نادي الأثرياء العالمي مازال مصرا علي احتكار اتخاذ القرارات المؤثرة في مصير العالم ومستقبله وأن قمة العشرين في البداية والنهاية لا تقوم إلا بدور‏(‏ المحلل‏)‏ لأوامر وتعليمات الثمانية الكبار وأن اجتماعاتها لا تعكس الا توافقهم أو اختلافهم بما يتناقص تماما مع مطالب الدول النامية وضغوطها لتوسيع نطاق التشاور العالمي بدرجة أعلي من المرونة والمشاركة بين الدول المتقدمة والنامية لكسر احتكار الأقوياء وسطوتهم وسيطرتهم علي مسار العالم الذي يتعارض ويتناقص مع مصالح الدول النامية جملة وتفصيلا؟‏!‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.