يقول المفكر المصري قاسم أمين في كتابه( كلمات) الصادر بالقاهرة سنة1908 عقب وفاته مباشرة الحرية الحقيقية تحتمل إبداء كل رأي ونشر كل مذهب وترويج كل فكر, ومن الأقوال المتوارثة بيننا جيلا بعد جيل قولنا الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية, وهو قول شهير ينسبه البعض لأستاذ الجيل أحمد لطفي السيد. ولكن واقع الحال في مصرنا اليوم يشير- وللأسف- إلي أننا كثيرا ما نحيد عن تراث التنوير, كما نبتعد عن ميراث الإسهامات الثقافية المستنيرة التي خلفها مفكرون وإصلاحيون وكتاب وصحفيون أجلاء عاشوا بيننا وساهموا بنصيب وافر في بناء العقل في مصر الحديثة, ذلك أن المتابع للمشهد الحالي الذي يسود المجتمع المصري, وبالأخص تلك الأوضاع والأحداث السياسية المتلاحقة, من حقه أن يقلق كل القلق علي حاضر ومستقبل حالة التعددية والتنوع والحق في الاختلاف, كما يلاحظ أحيانا غياب الكثير من أدبيات الحوار في بعض المواقع, وهو ما يبدو جليا فيما تقدمه بعض- وليس كل- وسائل الإعلام, المكتوبة منها والمرئية والمسموعة, فضلا عما تزخر به شبكات التواصل الاجتماعي- وبالأخص الفيس بوك وتويتر وغيرهما من أشكال الإعلام الجديد- من مشاركات غزيرة لأصحابها تحمل كما غير قليل من السباب والإساءة في بعض الأحيان. إن كل طرف بات يظن أنه يمتلك الحقيقة المطلقة التي لا تحتمل الخطأ, وما عداه خاطئ كل الخطأ, وليس فيه أدني ذرة من صواب, حتي أصبحنا أمام حالة من حالات نفي الآخر وإقصائه بعيد- خارج الإطار الوطني من منطلق أن من ليس معنا فهو ضدنا وعدو لنا. إننا نحتاج اليوم وربما أكثر من أي وقت مضي إلي تأكيد قيم ومعاني الحق في الاختلاف وقبول الآخر المختلف واحترام الاختلاف, أيا كان مجاله, ذلك أن حق الاختلاف هو حق أصيل لكل إنسان, والله سبحانه وتعالي هو وحده الحقيقة المطلقة في هذا العالم,. وفي ظني أننا جميعا مسئولون عن نشر ثقافة الاختلاف, وتحريره من دعاوي التحريم التي يمارسها البعض إن كان بالفعل أو بالقول أو بكليهما معا. فمن المهم نشر وترسيخ ثقافة الاختلاف ليس فقط بين الكبار ولكن من المهم أيضا تربية النشء الصغير علي قبول الآخر واحترام الاختلاف معه, بل والإيمان بحقه في الوجود وأهمية وجوده, ففي التعددية تنوع وثراء يفيد المجتمع ولايضره متي تمت إدارة الاختلاف بحكمة وتدبير. وهنا ينبغي الحديث عن دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية في نشر ثقافة الاختلاف والالتزام بأدبياته, حيث الأسرة والجامع والكنيسة والنادي ومركز الشباب وقصر الثقافة والمدرسة والجامعة, فضلا عن منظمات المجتمع المدني.. الخ, بما يمكن أن ينقل مجتمعنا من حالة الإقصاء والاستبعاد التي يمارسها البعض ضد البعض الآخر إلي حالة الدمج والمشاركة, ومن ثم تأكيد معاني التعاون والعمل الجماعي البناء والعيش المشترك والسعي نحو تحقيق الخير العام الذي يشترك في صناعته كل أعضاء الجماعة الوطنية المصرية بتنوعهم الخلاق, هؤلاء الذين يعيشون في وطن واحد ويجمعهم مصير مشترك.