أكد أحدث تقرير عالمي صدر عن منظمة السياحة العالمية حول السياحة والطيران, أن النمو المفترض الذي تشهده حركة السياحة العالمية هذا العام , خاصة في الدول الصاعدة بقوة في مجال السياحة, لم يكن ليحدث لولا التوسع والابتكار الذي شهدته بالتوازي صناعة الطيران العالمية, وبخاصة إذا علمنا أن حركة النقل الجوي هي المسئولة عن أكثر من نصف حركة تنقل السائحين عبر دول العالم المختلفة. وكشف التقرير النقاب عن أن صناعة الطيران العالمية يمكن أن تكون قادرة علي تلبية احتياجات الأسواق السياحية الجديدة والدول الصاعدة بقوة في مجال صناعة السياحة خلال الفترة المقبلة. وكان من المثير للإعجاب أن يتضمن التقرير في مقدمته اعترافا صريحا من منظمة السياحة العالمية بأن صناعة السياحة العالمية مدينة بالفضل لحركة الطيران الجوي في هذا الارتفاع والازدهار الذي شهدته صناعة السياحة في السنوات الماضية, حيث قال إن النمو الذي حققته السياحة العالمية في العقود الأخيرة, والذي يتمثل في الوصول إلي رقم مليار سائح في عام2012 بعد أن كان الرقم25 مليون سائح فقط في عام1950, إنما يعود في جزء كبير منه إلي هذا التقدم الذي شهدته حركة النقل الجوي, فضلا عن عوامل أخري مثل زيادة الثروات الاقتصادية في الدول الصناعية والصاعدة, إضافة إلي تأثيرات العولمة. وأشار التقرير إلي أن الإحصائيات المتوافرة لدي المنظمات الدولية ومن بينها منظمة السياحة العالمية تفيد بأن أكثر من نصف عدد السائحين الذين ينتقلون من مكان إلي آخر عبر أنحاء العالم ينتقلون عبر النقل الجوي, وأن السياحة في طفرتها مدينة بالفضل لصناعة الطيران. وأشار التقرير إلي أنه علي مدي السنوات العشرين المقبلة, من المتوقع أن تكون نسبة النمو في عدد مرات الوصول الدولية3.3% سنويا, إلا أن هذه النسبة تبقي مشروطة بحدوث نمو وتطوير مماثل في حركة النقل الدولي والمطارات وشركات الخطوط الجوية, وكافة المنظمات العاملة ضمن ما يسمي بمنظمات السياحة الرسمية التي تعرف اختصارا باسمOTO. وأضاف التقرير أن هذا لايمكن أن يتحقق إلا إذا حدث تواصل بين هذه المنظمات والقطاعات بعضها ببعض, مطالبا منظمة السياحة العالمية بأن تلعب دور الرابط الأساسي بين هذه القطاعات, عن طريق الجمع بشكل دائم ومنتظم بين ممثلي هذه الصناعات والمهتمين بالعمل السياحي بصفة عامة علي موائد المفاوضات, للبحث في كيفية إسهام صناعة النقل الجوي في زيادة نسبة النمو في الحركة السياحية العالمية, ويشمل هذا تطوير المطارات وتحرير حركة التنقل بين الدول وتحسين كافة منشآت السفر والتنقل في الدول المختلفة وزيادة إجراءات حماية المسافرين ووضع استراتيجيات الحد من الانبعاثات الضارة بالبيئة والضرائب المرتبطة بقطاع الطيران تحديدا, فضلا عن التعاون بين القطاعين العام والخاص, وأخيرا تحديد وضع قوي ومحدد لصناعة السياحة العالمية داخل الاقتصاديات الوطنية باعتبارها الصناعة التي يمكن أن تكون محركا رئيسيا للنمو في مختلف الدول. وتحدث التقرير باستفاضة, ومن خلال ذكر الأمثلة, عن أبرز الاستراتيجيات المفيدة التي يمكن أن تتبينها الحكومات لتحقيق النجاح في مجال تقوية صناعة السياحة ومساعدة شركات النقل الجوي في إنشاء مسارات جديدة والبحث عن مزيد من الأسواق والوجهات السياحية الجديدة والمبتكرة. والجزء الأكثر أهمية من التقرير هو ذلك الذي تحدث عن القوانين الاقتصادية المنظمة لحركة النقل الجوي, والتي يجب أن تكون عنصرا مساعدا لا معطلا لعملية تحرير النقل الجوي, والمقصود فتح الأجواء وسياسة السماوات المفتوحة وتخفيف القيود علي التأشيرات وتسهيل حركة التنقل بين الدول, فقد تحدث التقرير عن تجارب الكثير من الحكومات في تنفيذ سياسات السماوات المفتوحة من أجل إنهاء إجراءات الحماية غير الضرورية والقيود علي التنقل, وذلك عبر التوصل إلي اتفاقيات ثنائية وإقليمية ودولية في هذا الصدد, ومن أبرزها'' اتفاق السماوات المفتوحة'' بين دول الاتحاد الأوروبي لتسهيل حركة النقل الجوي بين دول الاتحاد ال27, وبعض الاتفاقيات المماثلة التي ظهرت بين دول أمريكا اللاتينية, ولكن النموذج الأبرز في هذا المجال هو اتفاق السماوات المفتوحة بين الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة. وأضاف التقرير أن هذا الاتفاقيات المهمة يجب أن تجعل عملية إزالة عقبات السفر وقيود الانتقال أولوية وتحديا بالنسبة لدول العالم الأخري, خاصة تلك التي تبحث عن تحقيق النمو في مجال السياحة. وتحدث التقرير باستفاضة عن المزايا التي تعود من وراء مثل هذه الاتفاقيات, مثل تقليل تكاليف السفر والرحلات السياحية وترشيد الجهد والإجراءات وتسهيل حركة المسافرين في الذهاب إلي دول بعينها, وكذلك التشجيع علي زيادة النمو في حركة الطيران المنخفض التكلفة الذي بات عنصرا أساسيا من عناصر تحقيق النمو في حركة الطيران, وبالتالي حركة السياحة. وأضاف التقرير أنه ينبغي أن تأخذ السياسات الضريبية والجمركية علي حركة النقل الجوي في الاعتبار التأثير الصافي لهذه السياسات علي قطاع السياحة وعلي الاقتصاد بصفة عامة, وما إذا كانت النتائج إيجابية في مجملها أم لا, كما حدث في حالة جمهورية الدومينيكان التي أثبتت أن التعامل بشكل إيجابي مع مسألة الضرائب المفروضة علي حركة النقل الجوي سيؤدي بطبيعة الحال إلي تأثيرات إيجابية علي زيادة درجة جاذبية وجهة سياحية بعينها, حيث لجأت تلك الجمهورية الصغيرة القريبة من الولاياتالمتحدة إلي تخفيض الضرائب علي حركة النقل الجوي, فحققت طفرة سياحية كبيرة. وأضاف التقرير أنه من الممكن اتباع هذا النموذج في وجهات السفر التي تنشط فيها حركة السياحة في موسم معين من العام وليس علي مدي السنة كلها. وعلي الجانب الآخر, فإن هناك تأثيرات سلبية للإفراط في فرض الضرائب والجمارك علي حركة النقل الجوي, وهذه التأثيرات تصيب الكثير من وجهات السفر الرئيسية, وبخاصة تلك التي تقع في دول نامية أو دول أو جزر سياحية صغيرة, بأضرار كثيرة. وتحدث التقرير أيضا عن مثال ذكره هيو ريلي من منظمة السياحة في منطقة الكاريبي عن قانون الجمارك الذي تم فرضه في دولة بربادوس علي الركاب القادمين من المملكة المتحدة عبر النقل الجوي, حيث أدي ذلك إلي تأثر بربادوس سلبا, وتمثل ذلك في حدوث انخفاض نسبته5.5% في إجمالي حركة المسافرين الدوليين القادمين إليها في الربع الأول عام.2012 وعلي صعيد آخر, اهتم التقرير عن منظمة السياحة العالمية بالحديث عن أهمية التعاون في المرحلة المقبلة بين وجهات السفر المختلفة وبين المطارات وشركات النقل الجوي من أجل دعم حركة السياحة والطيران, مشيرا إلي أن كلا منهما سيساعد علي رفع مستوي الآخر. وحث التقرير كافة الأطراف علي أن يكون عملها وجهدها يسير في توقيت متزامن من أجل زيادة الطلب علي السياحة ورفع معدل النمو وتقليل مخاطر التشغيل بالنسبة لشركات النقل الجوي وضمان استمرارية المسارات الجوية علي المدي البعيد. كما أفرد التقرير جزاء خاصا ومطولا عن الأسواق الصاعدة, وأهمية قيامها بزيادة الخدمات الجوية وتدعيم القدرة علي الاتصال بين الوجهات المختلفة. ويقول التقرير في هذا الصدد إن الكثير من الدول الصاعدة اقتصاديا ما زالت تواجه مشكلة افتقارها إلي القدرة علي التواصلCONNECTIVITY مع الدول الأخري, وهو ما يعيق تطور صناعة السياحة بها, ويضيف أنه من أجل التعامل مع هذا التحدي, بات من الضروري تنفيذ استراتيجيات تهدف إلي تطوير وتعزيز التواصل الدولي بين الدول. وأشار التقرير في هذا الصدد إلي أن بعض الحكومة لجأت إلي تدعيم نمو مطاراتها لتصبح مراكز إقليمية وعالمية للنقل الجوي من أجل زيادة عدد الخطوط الجوية, وبالتالي تقليل النفقات علي الشركات وتخفيض أسعار التذاكر أيضا علي السائحين والمسافرين أنفسهم, وهو ما حدث في حالة دبي بوضوح شديد, كما جاء في التقرير. وقال التقرير إن استراتيجيات أخري يمكن اتباعها لزيادة عدد الرحلات الجوية إلي المدن المزدحمة بالسكان, أي استهداف الأسواق الضخمة, أو عبر زيادة وتكثيف حركة النقل الجوي علي المسارات الجوية الموجودة بالفعل, أو ربما إنشاء مسارات جديدة تماما عبر توسيع نطاق المسارات القائمة بالفعل لتشمل مسارات واقعة في أسواق جديدة. وأضاف التقرير أن بعض الحكومات دعمت شركات النقل الجوي المنخفضة التكاليف من أجل إنشاء قاعدة في مطاراتها المحلية, وهو ما حدث بشكل واضح في كوريا الجنوبية وفي بعض دول الشرق الأوسط, حيث ظهر بوضوح أن مثل هذه الشركات المتخصصة في النقل الجوي المنخفض التكاليف يمكن أن تكون بمثابة العنصر المغذي لحركة النقل الجوي إلي مطارات رئيسية وإقليمية, مما يسهل القدرة علي وصول وانتقال السائحين من مكان إلي مكان عبر اختيارات مختلفة, وبالتالي تزداد نسبة نمو حركة السياحة بصفة عامة. وهناك شركات عالمية أخري للنقل الجوي لجأت إلي التعاون مع بعضها البعض وإقامة علاقات مشاركة تجارية من أجل تسهيل حركة النقل الجوي للركاب ونقل البضائع وتقليل التكلفة, وذلك عبر إنشاء شركات جديدة مثل تلك التي نشأت بين'' لان إيرلاينز''و''تام لينياس أيرياس''في الأرجنتين, أو الاتفاق الذي تم التواصل إليه بين أكبر خمس شركات للنقل الجوي في البرازيل وهي: أفيانكا وبلو وجول وتام وتريب, وذلك بهدف زيادة وتدعيم حركة النقل الجوي في البرازيل. وتشمل أوجه التعاون بين قطاعي الطيران والسياحة تبادل المعلومات والخبرات بينهما أيضا لتحقيق الهدف نفسه. ولكن أبرز ما تناوله التقرير هو ما جاء في الفصل الثالث تحت عنوان ثورة الطيران المنخفض التكاليف. فقد ذكر التقرير أن من أحدث الاتجاهات في عالم الخدمات الجوية والسياحة العالمية هو الاعتماد علي خطوط الطيران المنخفضة التكاليف بهدف تدعيم وتنشيط حركة السياحة وهو ماحدث بصورة أكثر وضوحا في أوروبا. وقال التقرير إن موضوع الطيران المنخفض التكلفة تحول إلي ظاهرة ويتصدر قائمة الموضوعات التي تتم مناقشتها عند الحديث عن ملامح خدمات النقل الجوي التجارية علي مدي السنوات العشر الماضية علي الأقل. وتحدث التقرير عن نموذج أوروبي مثالي يحتذي به في هذا المجال وهو نموذج التعاون البريطاني الإسباني في مجال الطيران المنخفض التكلفة. وأشار التقرير إلي وجود زيادة مستمرة في حجم عمليات شركات الطيران المنخفضة التكاليف, ففي عام2001 كانت تشكل5% فقط من حركة النقل الجوي بصفة عامة, ولكن بعد عشر سنوات, أي في عام2011, أصبحت نسبتها تصل إلي26%, وذلك وفقا للإحصائيات الرسمية. المزيد من مقالات مصطفى النجار