خلاصة ما يمكن الخروج به بعد تفحص وحصر وإحصاء مخلفات المعارك الطويلة والمملة التي خاضها الحزبان الديمقراطي والجمهوري طوال العام المنتهي حول مختلف القضايا هي أن أيا منهما لم يحقق انتصارا حاسما, ولم يمن بهزيمة ماحقة علي كل الجبهات. وستبقي النتيجة مؤجلة إلي أواخر2010 عندما تجري انتخابات التجديد للكونجرس. نتيجة واحدة حسمت وتجلت مظاهرها بالفعل خلال2009 وهي أن الحزبين معا فشلا في الوفاء بتعهداتهما بتبني ممارسات سياسية تتجاوز الأطر الحزبية الضيقة, وترتفع فوق صغائر المناورات المحدودة, وأنهما معا أيضا خيبا ظن وآمال المواطن الأمريكي البسيط في رؤية أداء سياسي وطني رفيع وليس تكتيكات حزبية عقيمة. ويعكس التصويت الذي جري الأسبوع الماضي حول مشروع الرعاية الصحية هذا الوضع البائس للسياسة الأمريكية الداخلية. فقد تم تمرير المشروع في مجلس الشيوخ بموافقة كل الأعضاء الديمقراطيين(60 سيناتور) ومعارضة كل الجمهوريين(39 سيناتور بغياب واحد) وهي من المرات النادرة التي يتم فيها إقرار مشروع بهذا الانقسام الحزبي القاطع. هزيمة الجانبين في إيجاد أرضية مشتركة للعمل السياسي كما وعدا لم تتجسد في هذا المشروع فقط. إذ سبق أن تبني مجلس النواب مشروع قانون الانتعاش الاقتصادي دون صوت واحد من الجمهوريين. وكاد ألا يصدر من مجلس الشيوخ لولا أن أيده ثلاثة جمهوريين فقط. حدث هذا بعد اشهر قليلة من موافقة الكونجرس السابق بأغلبيته الجمهورية علي برنامج بوش للإنقاذ الاقتصادي رغم أن مشروع الإنعاش الذي قدمه اوباما ورفضه الجمهوريون لم يكن إلا امتدادا طبيعيا واستكمالا لبرنامج بوش. وتعيد المناقشات الدائرة حاليا حول برنامج الرعاية الصحية إلي الذاكرة تناقضا فجا آخر وقع فيه الجمهوريون. فقبل6 سنوات تقريبا خاضوا معركة مشابهة عندما كانوا يسيطرون علي أغلبية الكونجرس لتمرير مشروع توسيع مظلة التامين الصحي للمحتاجين. وأصروا وقتها علي تمرير المشروع الذي أضاف نحو نصف تريليون دولار لعجز الميزانية نتيجة رفضهم تمويله بضرائب إضافية. واليوم يعارضون الإصلاحات التي يقترحها اوباما علي قانون الرعاية الصحية وأحد مبرراتهم هو أنها ستزيد العجز. الملاحظة الجديرة بالتسجيل هنا هي أن24 من أعضاء مجلس الشيوخ الذين أيدوا القانون السابق عام2003 هم أعضاء في الكونجرس الحالي وجميعهم رفض مشروع اوباما. بالطبع التناقض في المواقف تبعا لاختلاف المواقع ليس آفة تخص الجمهوريين وحدهم, الديمقراطيون لديهم أيضا مشاكل في هذا السياق أحدثها سيكون خلال الأسابيع أو الأشهر القليلة المقبلة عندما يتعين عليهم الموافقة علي الميزانية الإضافية لتمويل الحرب في أفغانستان بما فيها زيادة القوات. وسيذكرهم خصومهم أنهم عارضوا قبل عامين نفس المحاولات التي بذلها بوش لتمويل زيادة القوات في العراق. وكما انه لا يوجد في العلاقات الدولية أصدقاء أو أعداء دائمون ولكن مصالح دائمة فانه في السياسات الداخلية أيضا لا توجد مواقف دائمة ولكن مصالح حزبية ومكاسب انتخابية تفرضها حسابات معقدة. وهنا لابد من رصد الحسابات التي يستند إليها الحزبان لفهم موقفهما. وبالنسبة للجمهوريين يراهنون منذ البداية علي فشل مشروع الرعاية الصحية الذي اعتبره اوباما حجر الزاوية في برنامجه الداخلي واحد أهم طموحاته ووعوده الكبري. وهزيمته في تمريره لن تعني خسارة معركة بل ستكون ضربة قاضية لرئاسته. ووفقا لحساباتهم فانه حتي لو نجح الديمقراطيون بحكم تفوقهم العددي في تمرير المشروع فإن الآثار السلبية التي ستنجم عن تطبيقه خاصة الضرائب الإضافية وزيادة العجز, يمكن أن تفقد المشروع أي دعم جماهيري. وبالتالي ستبدو المعارضة الشرسة للجمهوريين دليلا علي رؤيتهم الثاقبة, ومن ثم نقطة الوثوب لاستعادة أغلبيتهم في الكونجرس. إلا أن تلك الإستراتيجية تنطوي علي مخاطر. فليس هناك ما يضمن للجمهوريين أن الرأي العام سينقلب علي المشروع بل انه قد ينقلب عليهم هم باعتبارهم مدمني استعراضات سياسية فاشلة. كما انه لا يوجد ما يضمن أن يكون هذا المشروع هو محور اهتمام الناخب الأمريكي بنهاية2010 وليس الاقتصاد أو البطالة. ثمة نقطة أخري تضعف موقفهم هي أنهم اكتفوا منذ البداية بالمعارضة دون طرح بدائل واقعية. وعليهم أيضا إن يفسروا للرأي العام لماذا يرفضون مشروعا يمد مظلة التأمين الصحي لأكثر من30 مليون محروم مقابل900 مليار دولار في10 سنوات ثم يمول المشروع نفسه ذاتيا بعدها بينما تكلفت حرب العراق التي أيدوها أكثر من915 مليارا في7 سنوات وما زال نزيفها مستمرا. الديمقراطيون ليسوا أفضل حالا. رهانهم الأكبر هو أن يتم إصدار القانون الذي يعتبرونه انجازا تاريخيا لم يتحقق في مجال السياسة الاجتماعية منذ الثلاثينات واهم إصلاح للرعاية الصحية منذ الستينيات. وهذا إن حدث يضمن لاوباما موقعا خالدا في التاريخ وفي قلوب الجماهير أيضا. لكن المخاطرة هنا تكمن في مدي قدرتهم علي ضمان حشد الرأي العام وراء المشروع وتطبيقه بصورة مرضية لأن فشلهم سيكون كارثيا. أوباما أيضا دفع ثمنا فادحا حتي الآن رغم أنه لم يحصل بعد علي القانون الذي يريده. فمن أجل تأييد الديمقراطيين المحافظين أو تيار الوسط اغضب الليبراليين واليسار. وهناك حالة انقسام حقيقية أحدثها المشروع في صفوف الديمقراطيين وحلفائهم. في ضوء تلك الحسابات والمواقف فان السؤال الآن هو ما هي الخطوة التالية؟ وهنا يقدم ستيف ماكماهون المخطط الاستراتيجي الديمقراطي أكثر الإجابات موضوعية. حيث يري أن النتيجة النهائية لن تكتبها بنود المشروع ولن يحددها أيضا أسلوب التطبيق ولكنها ستتوقف وإلي حد كبير علي قدرة الحزبين علي تسويق وجهة نظره في المشروع وكيف سيقدمه إلي الرأي العام. فإذا تم تصويره علي انه خطوة في سلسلة إصلاحات لخدمة الشعب والطبقات المحتاجة فسيكون هذا مصدرا لجلب الأصوات لكل من أيده, ووبالا علي من عارضه. أما إذا اقتنع الرأي العام بأن المشروع سيئ بصرف النظر عن حقيقته فستكون تلك بداية النهاية لسيطرة الديمقراطيين علي الكونجرس بل تهديدا حقيقيا لفرص اوباما في إعادة الانتخاب. باختصار من يستخدم الإعلام أفضل سيفوز.