رغم انخفاض منسوب التوتر بين أمريكاوإيران عقب حالة التصعيد التى شهدتها خلال الأسابيع الماضية, وذلك بعد تدخل العديد من الأطراف الدولية لنزع فتيل الانفجار, إلاأن خيار التصعيد يظل قائما فى ظل وضع قابل للاشتعال فى أى لحظة. ورغم صعوبة المواجهة العسكرية فإن خيار الحوار أيضا يعد أكثر صعوبة, رغم الوساطات العديدة سواء الأوروبية التى قام بها وزير الخارجية الألمانى هايكو ماس, حيث لم تسفر زيارته لإيران سوى عن إعادة تأكيد التمسك الأوروبى بالاتفاق النووي, ولم تفلح زيارته فى بناء قناة اتصال بين واشنطنوطهران, أو من جانب الوساطة اليابانية ومساعى رئيس الوزراء شينزو آبى للتوسط بين الجانبين أو حتى من جانب الوساطة القطرية, حيث يواجه خيار الحوار عددا من التحديات أبرزها: أولا: تصادم المنظورين الأمريكى والإيرانى لمفهوم الحوار وطبيعته, حيث يرى الإيرانيون أن إجراء حوار مع واشنطن يتطلب رفع العقوبات الأمريكية أولا, كما يرفضون الحوار حول برنامج إيران الصاروخى الباليستي، وكذلك دورها الإقليمى ودعمها الإرهاب والذى استثمرت فيه أموالا ضخمة خلال السنوات الماضية, وأن يقتصر الحوار فقط على إجراء تعديلات خاصة ببعض بنود الاتفاق النووى الحالى، ولكن ليس على اتفاق جديد, فى المقابل يرتكز الحوار من المنظور الأمريكى على المعالجة الشاملة والمترابطة للملفات الأربعة, البرنامج النووى والبرنامج الصاروخى ودعم إيران الإرهاب عبر اذرعها العسكرية, وملف انتهاكات حقوق الإنسان, حيث تطالب واشنطن بتوقيع اتفاق نووى جديد يتلافى عيوب الاتفاق السابق الذى وقع فى عام 2015, وبما يمنع إيران بشكل دائم من امتلاك سلاح نووي, كذلك وقف برنامجها الصاروخى الباليستى وعدم تزويد طهران وكلاءها بتلك الصواريخ خاصة ميليشيا الحوثى الانقلابية فى اليمن, ووقف دعمها الإرهاب. وتستخدم واشنطن سياسة العصا وإستراتيجية أقصى الضغوط عبر العقوبات الدولية التى شملت تقريبا جميع قطاعات الاقتصاد الإيراني, وآخرها فرض عقوبات على قطاع البتروكيماويات الذى يمثل 25% من الصادرات الإيرانية, وقبلها فرض عقوبات على قطاعات النفط والبنوك والمعادن وغيرها عبر حزم مختلفة من العقوبات, وتراهن الإدارة الأمريكية على أن سياسة العقوبات سوف تؤتى ثمارها فى نهاية المطاف فى أن يقوم النظام الإيرانى بوقف سلوكه الخبيث وزعزعة الاستقرار فى المنطقة, أو دفعه إلى طاولة الحوار والقبول بالشروط الأمريكية الاثنى عشر التى أعلنها وزير الخارجية مايك بومبيو وتشمل الملفات الأربعة, أو المراهنة على أن زيادة وطأة العقوبات ستؤدى إلى سقوط النظام الإيراني، من الداخل مع تزايد حالة الغليان الداخلى مع تدهور الأوضاع الاقتصادية وزيادة معاناة المواطن الإيرانى الذى يرى أن سياسات النظام, الذى تسيطر عليه النخبتان الدينية والعسكرية, تقوده إلى الهاوية, وأنها جلبت العقوبات والضغوط الدولية, بفعل مساعيه للهيمنة والنفوذ فى المنطقة والإنفاق والاستثمار على أذرعه العسكرية مثل الحوثى وحزب الله والميليشيات فى سوريا والعراق, وذلك على حساب مستوى معيشة المواطن الإيرانى العادي. وبالتالى فإن واشنطن تعتبر نفسها فى موقف قوة إزاء إيران وليست مضطرة لتقديم تنازلات عبر الحوار فيما يتعلق بالعقوبات أو مطالبها الاثنى عشر, وتعتمد على سياسة النفس الطويل, وفى ذات الوقت التعبئة العسكرية لمواجهة سياسة حافة الهاوية التى ينتهجها النظام الإيراني, سواء عبر تهديداته بوقف صادرات النفط من منطقة الخليج العربى بإغلاق مضيق هرمز والهجوم على السفن التجارية، كما حدث مع السفن الأربع قبالة سواحل الإمارات العربية المتحدة, أو عبر توظيف أذرعه العسكرية فى المنطقة فى إطار الحرب بالوكالة. ثانيا: محدودية خيارات النظام ورهاناته الخاسرة على الأطراف الدولية فى مواجهة الضغوط الأمريكية, فالموقف الأوروبى أصبح متقاربا مع الموقف الأمريكى فيما يتعلق بمنع إيران من امتلاك السلاح النووى والتفاوض حول برنامجها الصاروخى وأنشطتها المزعزعة للاستقرار فى الشرق الأوسط, وهو ما أكد عليه الرئيس الفرنسى ماكرون خلال لقائه مع الرئيس الأمريكى ترامب على هامش الاحتفال بالذكرى ال 75 لإنزال النورماندى فى الحرب العالمية الثانية, وذات الموقف أكدته القوى الأوروبية الأخرى الموقعة على الاتفاق النووي, مثل بريطانيا وألمانيا, كما رفضت الدول الأوروبية لغة التهديد والإنذار التى وجهتها إليها طهران بتعويض العقوبات الأمريكية خلال ستين يوما وإلا ستعلق التزاماتها ببنود الاتفاق النووى فيما يتعلق بزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم, وهو بالفعل ما قامت به طهران حتى قبل انتهاء المهلة, وأكدته الوكالة الدولية للطاقة الذرية, حيث ستؤدى الخطوة الإيرانية إلى خسارة تعاطف الجانب الأوروبى مع إيران، خاصة أن أوروبا اصبحت فى مرمى الإرهاب الإيرانى بعد استهداف النظام الإيرانى للمعارضة فى عدد من الدول الأوروبية مثل فرنسا وهولندا, إضافة إلى أن أوروبا فقدت الميزة الاقتصادية للاتفاق النووى بسبب العقوبات الأمريكية وانسحاب الشركات الأوروبية الكبرى من السوق الإيرانية. ثالثا: سيظل خيار الحوار بين أمريكاوإيران مرتبطا بمدى تأثير وحدة الضغوط والعقوبات الأمريكية والتى أخذ يتزايد تأثيرها بعد بدء استراتيجية تصفير صادرات النفط الإيراني, كما أن قيام إيران باستئناف تخصيب اليورانيوم بنسب أعلى يعنى عمليا انهيار الاتفاق النووى الهش, وبالتالى عودة العقوبات الدولية المفروضة عليها من مجلس الأمن, وهنا يصبح النظام الإيرانى أمام خيارين: إما التحدى وبالتالى السقوط بفعل الضغوط الخارجية والداخلية, وإما الحوار وفقا للشروط الأمريكية. لمزيد من مقالات د.أحمد سيد أحمد