لا تختلف مظاهر الاحتفال بعيد الفطر فى الوقت الحالى عن الأزمنة الماضية فهى تتمثل فى شراء الملابس الجديدة للأطفال أو الكبار مما يضفى على الأطفال السعادة والبهجة كما تعطى للكبار إحساسا بالسرور وتقوم العائلات بتبادل التهانى بعد صلاة العيد وتوزيع العيدية على الأطفال، كما يذهب البعض لزيارة المقابر ومعهم فطائر الرحمة على الموتى ويذهب البعض الآخر إلى الشواطئ والمنتزهات والأماكن الترفيهية، وكذلك الالتقاء بالأصدقاء والأقارب والأهل، هذا ما يؤكده المؤرخ دكتور ابراهيم العنانى عضو اتحاد المؤرخين العرب الذى يقول إن العيد فرحة ينتظرها المسلمون من مختلف الأعمار بشكل لم يتغير كثيرا منذ أن دخل الإسلام مصر إلى وقتنا الحالى ومازلنا نحتفل به بنفس المظاهر والمراسم رغم اختلاف الأزمان واختلاف الأشخاص وتنوع ثقافاتهم. ومما لا شك فيه أن الاحتفال بالأعياد مؤشر مهم على مدى الترابط الاجتماعى بين أفراد المجتمع المصرى وتعبير عما يتمتع به هذا المجتمع من استقرار اقتصادى وسياسى خاصة وأن هذه الأعياد تنبع من تراثنا وتتصل بعقيدتنا. كعك فرعونى وفاطمي طبق الكعك الذى يعد الضيف الرئيسى على المائدة أول أيام العيد عرفه المصريون القدماء حتى عثر بسقارة فى مقبرة سيدة من الأسرة الثانية على ستة عشر صنفا من الكعك، ونفس هذا الكعك تم حشوه بالدنانير الذهبية فى عهد الفاطميين لتكون العيدية داخله وأوقفه أهل الخير على التكايا والمساجد وأصبح صدقة جارية تسر الآكلين. وفى سجل التاريخ المصرى نجد الفراعنة قد عرفوا الكعك وصنعوه تحت اسم «كحكو» وأهم أصنافه عندهم ما استخدم فى صناعته عسل النحل، ووردت صورة مفصلة على أحد جدران قبر الوزير «أرخميدع» بطيبة من الأسرة الثامنة عشرة كما وضعوا الكعك فى قبور موتاهم اعتقادا منهم بحاجة المتوفى إليه فى حياته الأخرى وقدموه حسنة للفقراء وقيل إنهم نقشوا عليه صورة الشمس التى يعبدونها. وهكذا توارث المصريون صناعة الكعك ولم يصبح جزءا رئيسيا من احتفالات عيد الفطر إلا فى عهد الفاطميين الذين إهتموا باحتفال عيد الفطر وسموه «عيد الحلل»، حيث توزع فيه كسوة العيد وتذكر سجلات التاريخ أن نفقاتها بلغت عام 515 هجرية نحو عشرين ألف دينار، كما اعتاد القصر الفاطمى أن يأمر بعمل الكعك منذ شهر رجب حتى نصف رمضان ويوفر لذلك مقادير هائلة من الدقيق والعسل والفستق المقشور والبندق لصناعة الكعك يقوم به أكثر من مائة عامل. ويضيف العناني أن الأيوبيين أزالوا كل ما يمت بصلة إلى الحكم الفاطمى ومذهبه الشيعى وظلوا فى نفس الوقت يهتمون بصناعة الكعك فى عيد الفطر، وأصبحت دور الكعك تلقب باسم صانعها، ومازال التاريخ يحفظ لنا من العصر الأيوبى سيرة «كعك حافظة» أكثر من نالت شهرة فى صناعته والفاطميون بلا شك الأكثر بذخا حتى إنهم صنعوا الكعك المحشو بالدنانير الذهبية للأطفال لتكون بمثابة العيدية ويقال إن الوزير الأخشيدى أبى بكر محمد بن على المادرائى الذى اعتاد حشو الكعك بالدنانير الذهبية أطلقوا عليه وقتها «اقطن له». وجاء المماليك واستمرت جميع احتفالات عيد الفطر وأقام الأمراء والأعيان حفلات الاستقبال فى ميدان القلعة لتناول وتوزيع الكعك، ومن أشهر من صنعت لهم كعكات ضخمة السلطان المؤيد والسلطان قايتباى وتناولاها مع الحاضرين كدليل على مشاركتهما للمواطنين فرحة العيد وانتشرت عادة توزيع العيدية داخل الكعك على نطاق واسع فى العصرين المملوكى والعثمانى فى التكايا والقصور والخانات والمدارس والمساجد والأسبلة، كما اعتادوا تغطية الكعك بالمفارش والمناديل الحريرية. ويذكر الرحالة ابن بطوطة أنه عندما زار الشيخ محمد عبدالله الرشيدى بخلوته فى مطوبس بكفر الشيخ أعطاه قبل مغادرته بعض أنواع الكعك. ولا عجب أن يكون من المكونات الرئيسية فى أثاث العروس أختام الكعك التى استخدموها لعصور طويلة فى زخرفة كعك العيد وهى ذات رسوم بارزة لطيور أو حيوانات أو أدعية تكتب باتجاه عكسى حتى يستطيع الآكل رؤيتها مثل «كل هنيا أو كل واشكر مولاك أو بالشكر تدوم النعم»، ومازال متحف الفن الإسلامى يحتفظ بنماذج لهذه الأختام وأجمل ما فى الأمر أن الكعك أصبح جزءا من الصدقة التى يقدمها الأغنياء للفقراء والطريف أن هناك وقفيات للكعك منها وقفية الأميرة تتر الحجازية التى قررت فيها توزيع الكعك الناعم والخشن على موظفى مدرستها التى أنشأتها عام 748ه.